Featured Video

السودان في مواجهة الزلزال

السودان في مواجهة الزلزال
فهمي هويدي


 

ذهبت إلى الخرطوم متصورا أنني سأشارك في تقديم واجب العزاء لأهلها في انفصال الجنوب، ففوجئت بأن بعضهم أطلق زغاريد الفرح ونحر النحائر احتفاء بالمناسبة!
(1)
ظللت طوال الوقت غير مستوعب فكرة انشطار السودان، واكتشفت لاحقا أنني لم أكن وحيدا في ذلك، حيث عبر لي بعض المسؤولين السودانيين الذين لقيتهم وفي المقدمة منهم نائب الرئيس علي عثمان أن الانفصال لم يخطر لهم على بال يوما ما، وأنهم فوجئوا ببروز فكرته في الآونة الأخيرة. لكني صدمت بعد دقائق من خروجي من مطار الخرطوم، حين قال سائق السيارة التي حملتني في رده على سؤال لي إنه يشعر الآن بأن همًّا انزاح عن قلبه. ووجدت صدى لهذا الشعور في تصريح أخير للرئيس عمر البشير قال فيه إن الجنوب كان عبئًا على الشمال منذ الاستقلال.
"
بعض الذين أيدوا الانفصال متأثرون إلى حد كبير بالحملة الإعلامية والسياسية التي شنها بعض المسؤولين الجنوبيين ضد الشمال في الآونة الأخيرة, إذ عمدوا إلى التشهير بالشماليين وادعوا أنهم كانوا مواطنين من الدرجة الثانية
"
أثار انتباهي في هذا الصدد أن مجموعة من المثقفين السودانيين تبنوا الفكرة منذ أربع سنوات، وأنشؤوا لهذا الغرض تجمعا أسموه منبر السلام العادل، وأصدروا صحيفة "الانتباهة" التي عبرت عن هذا الموقف وروجت للانفصال، معتبرة أن حدوثه يفتح الأبواب واسعة لتفرغ السودان الشمالي للنهوض والتنمية والتقدم. وأثار دهشتي أن هذه الدعوة لقيت رواجا واسعا، حتى إن توزيع الجريدة قفز إلى مائة ألف نسخة يوميا، بفارق 70 ألف نسخة عن أعلى صحيفة أخرى في البلاد. وهو معدل للتوزيع لم يعرفه السودان في تاريخه.
وفوجئت بأن مؤسس هذا المنبر ورئيس مجلس إدارة الصحيفة، المهندس الطيب مصطفى يمت بصلة قرابة للرئيس البشير، حيث يعد من أخواله. وقيل لي إن الرجل فقد أعز أبنائه في الحرب ضد التمرد الجنوبي، كما علمت أن المجموعة التي تدير المنبر وتصدر الصحيفة تضم عددا من الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين. وفي اليوم الذي بدأ فيه الاستفتاء (9 يناير) وبدأت فيه إجراءات الانفصال، عبر أعضاء المنبر عن فرحتهم بنحر جمل وثور أمام مقرهم.
حين قلت إن الزيادة الصاروخية في توزيع صحيفة "الانتباهة" بمثابة استفتاء للجماهير الشمالية لصالح الانفصال تحفظ البعض على الفكرة بقولهم إن الصحيفة لها جمهورها في بعض الأوساط حقا في الشمال، ولكنها مقروءة أيضا في جوبا عاصمة الجنوب، الأمر الذي أسهم في زيادة توزيعها.
ناقشت الأمر مع من لقيتهم من السياسيين والمثقفين، وكانت خلاصة ما خرجت به أن الترحيب بالانفصال حاصل بدرجة أكبر بين قطاعات الشباب الذين دعوا إلى الحرب في الجنوب إلى جانب القوات المسلحة. وهؤلاء المدنيون قتل ٢٣ ألفا منهم في المعارك ضد المتمردين، الأمر الذي رسَّب لديهم شعورا بالنفور والمرارة. وهذه المشاعر لا أثر لها في أوساط النخبة التي لا تزال تعتبر الانفصال كارثة وطنية وإستراتيجية.
وبعض الذين أيدوه متأثرون إلى حد كبير بالحملة الإعلامية والسياسية التي شنها بعض المسؤولين الجنوبيين ضد الشمال في الآونة الأخيرة. إذ عمدوا إلى التشهير بالشماليين وادعوا أنهم كانوا مواطنين من الدرجة الثانية وأنهم عانوا في ظل سنوات الوحدة من العبودية والرق وغير ذلك من المظالم التي كان فيها من التعبئة والتحريض على التصويت لصالح الانفصال، أكثر مما فيها من التصوير الأمين للواقع.
(2)
إذا كان البعض قد عبر عن الارتياح والحفاوة بالانفصال عن الجنوب، فإن الكل شركاء في الصخب الراهن الذي تشهده الخرطوم، التي هي مدينة بطبيعتها مسيَّسة (رسميا هناك 82 حزبا مسجلا) ولك أن تتصور الطنين الذي يمكن أن تحدثه بيانات وتراشقات تلك الأحزاب في الظروف العادية، وكيف يمكن أن يتضاعف ذلك الطنين أمام ظرف غير عادي ومصيري مثل حدث الانفصال، الذي أزعم أنه بدا صاعقة لم تكن في الحسبان سقطت فوق رؤوس الجميع خلال الأشهر الأخيرة.
صحيح أن الجميع مشغولون بتحديات الحاضر والمستقبل، إلا أن الكلام ينعطف في كل مناقشة -مما شاركت فيه على الأقل- على الماضي، الذي يرون فيه جذور أزمة الحاضر. فلا أحد يستطيع أن ينسى أن الإنجليز بعد احتلالهم للسودان وضعوا الأساس لشطر الجنوب عن الشمال، حيث لم يكفوا عن محاولة إضفاء هوية متميزة على كل منهما.
آية ذلك أنهم أصدروا عام 1922 قانون المناطق المقفلة الذي في ظله لم يسمح للشماليين بدخول الجنوب إلا بإذن خاص. وفي ظل الإقفال طلب من المسلمين تغيير أسمائهم وثيابهم وإلا تعرضوا للجلد. وأطلقت يد بعثات التبشير لتحويل الوثنيين إلى الكاثوليكية من خلال المدارس التي أنشؤوها خصيصا لهذا الغرض. وهذه التغذية المبكرة غرست بوادر الحساسية بين الجنوبيين والشماليين، وكانت لها أصداؤها في تمرد الجنوبيين في أحد معسكرات الجيش عام 1955، قبل أربعة أشهر من إعلان الاستقلال عام 1956.
ولا أحد ينكر وجود أصابع إسرائيل في أوساط الجنوبيين منذ السنوات الأولى التي أعقبت الاستقلال، على النحو الذي سبق أن فصَّلت فيه مرة سابقة، وذكرت أن الضغط على مصر هدفه الأساسي.
"
السودان وقف وحيدا أمام العاصفة، وخاض تجربة إنقاذ الوطن من التقسيم وحده, كما أنه مدرك أنه سيخوض معركة ما بعد الانفصال وحده أيضا، بغير معونة من أي طرف عربي
"
أحد الأسئلة التي أثرتها خلال المناقشات ما يلي: هل كان يمكن الحيلولة دون الانفصال، ولماذا انتقل الكلام من ترتيب أمر الوحدة إلى المطالبة العلنية بالانفصال؟
في هذه النقطة ذكر أكثر من مسؤول أن السودان وقف وحيدا أمام العاصفة، وخاض تجربة إنقاذ الوطن من التقسيم وحده. كما أنه مدرك أنه سيخوض معركة ما بعد الانفصال وحده أيضا، بغير معونة من أي طرف عربي، في حين أن الولايات المتحدة والدول الغربية ومن ورائها إسرائيل ويضاف إليهم الفاتيكان كل هؤلاء كانوا يدفعون الأمور باتجاه الانفصال، وإلى جانبهم في ذلك العديد من المنظمات العالمية.
في الإجابة عن الشق الأول من السؤال قالوا إن السودان ظل مشغولا بالحرب طوال الوقت، وإنه ظل يستجيب لطلبات الجنوبيين في المفاوضات أملا في أن يشبع ذلك رغباتهم ويجعلهم يستبعدون احتمال الانفصال. وكانت ردود الأفعال إيجابية بصورة نسبية من قيادات الجنوبيين، وفي المقدمة منهم جون قرنق الذي ظل يتحدث عن فكرة "السودان الجديد" الموحد وخلفه سلفاكير الذي ظل يردد في كل مناسبة أنه سيصوت للوحدة.
فيما يخص التحول من السودان الموحد أو الجديد إلى انفصال الجنوب سمعت من أكثر من مصدر مسؤول رفيع المستوى أن الطرف الذي لعب دورا رئيسيا في ذلك التحول كان موسيفيني رئيس أوغندا، الذي تربطه صلات وثيقة للغاية بإسرائيل. في هذا الصدد تقول الرواية المتواترة إن موسيفيني لم يكن مقتنعا بفكرة السودان الجديد التي تبناها جون قرنق، ودعا فيها إلى السعي لإقامة دولة موحدة في السودان، علمانية وغير عربية بالضرورة، وإن الرجلين اختلفا حول جدوى وإمكانية تنفيذ الفكرة في آخر لقاء بينهما في كمبالا، وفي أعقاب تلك الزيارة غادر جون قرنق أوغندا على طائرة سقطت به وقتل فيها. وهناك قرائن تدل على أن موسيفيني له يد في عملية القتل، التي كان من نتائجها تولي سلفاكير قيادة الحركة الشعبية.
تضيف الرواية أن سلفاكير زار كمبالا في العام الماضي وناقشه موسيفيني في موقفه الذي كان يعلن فيه تمسكه بالوحدة، وإن الرئيس الأوغندي حذره من مصير جون قرنق إذا تخلى عن فكرة الانفصال، وهو ما اعتبره سلفاكير تهديدا له بالقتل كما ذكر لبعض خاصته، ومن ثم فإنه خشي على نفسه من ذلك المصير، وقرر أن يتراجع عن موقفه، خصوصا أنه كان يواجه ضغطا داخليا في ذات الاتجاه من بعض قادة الحركة الذين كانوا انفصاليين من البداية. ونقل عنه وقتذاك قوله في حديث علني إنه إذا قتل فعلى رفاقه أن يأخذوا بحقه.
تضيف الرواية أنه بعد ذلك اللقاء مع الرئيس الأوغندي، ذهب سلفاكير إلى نيروبي ومنها إلى واشنطن، وهناك أعلن أنه سيعطي صوته لانفصال الجنوب!
(3)
"
يتحدثون في الخرطوم عن قلق الدول المجاورة من انفصال الجنوب، لأن ذلك يفتح الباب لمطالبة الجماعات الإثنية في تلك الدول بتقرير مصيرها كما هو حاصل في إثيوبيا  
"
حسب اتفاقية السلام التي وقعت عام 2005، أعطيت مهلة حتى سنة ٢٠١١ لاختيار إمكانية إقامة وحدة جاذبة بين الشمال والجنوب، بعدها يُجرى استفتاء بين الجنوبيين لتقرير مصيرهم، وإذا صوت 60٪ منهم للانفصال تعطى فترة انتقالية مدتها ستة أشهر تنتهي في يوليو/تموز القادم تقوم بعدها الدولة الجديدة في الجنوب، إلا أن المسؤولين في الخرطوم يرون أن تلك الفترة ليست كافية ويقولون في هذا الصدد إن ثمة 12 قضية متفجرة معلقة بين الشمال والجنوب يمكن أن تؤدي كل واحدة منها إلى إشعال نار الحرب بين الجانبين. وهذه القضايا الاثنتي عشرة يستحيل حسمها في تلك الفترة القصيرة.
وهى تتمثل في الحدود التي تمتد بطول 2300 كيلومتر وعلى جانبيها يعيش نحو عشرة ملايين شخص أغلبهم رعاة يتنقلون بين الجانبين على مدار السنة وراء الماء والكلأ، والمياه التي لم يتحدد نصيب كل طرف منها بعد، وعبء الديون التي تبلغ 40 مليار دولار وقد حملت على السودان الموحد من قبل (كان بعضها يمول مشروعات الجنوب). والبترول الذي يحصل الشمال على نصف عائداته ويفترض أن تتوقف بعد إنشاء دولة الجنوب الجديدة رسميا، الحساسيات والتوترات الدائمة في أبيي بين قبيلتي المسيرية (العربية) ودينكا نقوك، أوضاع المسلمين في الجنوب الذين يمثلون 20٪ من سكانه، (الحركة الشعبية أغلقت فرع جامعة أم درمان الإسلامية في جوبا)... إلخ.
لا يقف الأمر عند الملفات العالقة بين الشمال والجنوب، لأن كل طرف له مشكلاته الداخلية الدقيقة. ذلك أن نجاح الحركة الشعبية في إقامة دولة الجنوب والاستقلال عن السودان قد يكون مغريا لجماعات أخرى في الشمال لكي تسير على ذات الدرب. وعلى الطاولة الآن ملف دارفور، لكن هناك جماعات أخرى تنتظر في جبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان.
بالمثل فشبح الصراعات على السلطة في الجنوب لا يزال قائما سواء بين زعامات قبيلة الدينكا، حيث انشق جورج أطور عن قيادة الجيش الشعبي، أو بين الدينكا والقبائل الأخرى التي ترفض الخضوع لسلطات مثل النوبر والشلك.
يتحدثون في الخرطوم أيضا عن قلق الدول المجاورة من انفصال الجنوب، لأن ذلك يفتح الباب لمطالبة الجماعات الإثنية في تلك الدول بتقرير مصيرها. وهو الحاصل في إثيوبيا مثلا التي ينص دستورها على حق تقرير المصير بما قد يحرك مشاعر قبائل الأوغادين والأورمو نحو احتذاء حذو الجنوبيين.
(4)
قلت إن السودان يعد عدته لمواجهة التحديات القادمة وحيدا، بعدما علمته التجربة أنه لا ينبغي له أن ينتظر عونا من الأشقاء، خصوصا مصر التي لابد أن يصيبها بعض رذاذ الحاصل في السودان يوما ما، وقد سمعت من أكثر من مسؤول عتبا على مصر لأنها لم تستخدم ثقلها لترجيح كفة الوحدة، وسارعت إلى التسليم بالانفصال وتأييده.
"
ما يقلق في المشهد السوداني أن خطى الوفاق الوطني الداخلي بين أحزابه وجماعاته السياسية لا تتقدم بالصورة المرجوة، حيث هناك شد وجذب بين حزب المؤتمر صاحب الأغلبية في البرلمان وبين الأحزاب الأخرى 
"
وهمس في أذني أحدهم منتقدا تصريح وزير الخارجية المصري السيد أحمد أبو الغيط الذي قال فيه إن دولة الجنوب ستأخذ نصيبها من المياه من حصة الشمال. وذكر محدثي أن كلام السيد أبو الغيط أثار امتعاض الخرطوم، لكنها آثرت ألا تدخل في مشكلة مع مصر بسببه.
ما أقلقني في المشهد السوداني أن خطى الوفاق الوطني الداخلي بين أحزابه وجماعاته السياسية لا تتقدم بالصورة المرجوة، حيث هناك شد وجذب بين حزب المؤتمر صاحب الأغلبية في البرلمان وبين الأحزاب الأخرى التي دخلت 17 حزبا منها فيما سمي تحالف قوى الإجماع الوطني، علما بأن صلابة وتماسك الجبهة الداخلية هو العنصر الأهم في تمكين السودان من مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. لكن بعض الساسة يكتفون أحيانا بالنظر تحت أقدامهم ويظنون أن استمرارهم في مواقعهم وليس الإجماع الوطني هو السبيل الأجدى لتأمين الوطن. وقد فهمت أن بعض العقلاء يحاولون الآن تجاوز هذا الموقف والتنبيه إلى مخاطر اختزال الوطن في الذات.
ادعوا لهم بالتوفيق.


المصدر:الجزيرة

مواجهة بين المعارضة وحزب البشير..محللون

مواجهة بين المعارضة وحزب البشير..محللون : ليس بإمكان تلاقي خطى المعارضة والحكومة \"بل إنها تسير حتما نحو ابتعاد أكبر عن بعضهماتتجه الأمور في السودان نحو مواجهة محتدمة بين الحكومة والمعارضة في ضوء التباعد المستمر في المواقف, بعد أن استبانت وجهة جنوب السودان نحو الانفصال.

ففي حين حملت المعارضة مطالبها الداعية لإزاحة الحكومة الحالية وتكوين حكومة انتقالية جديدة تهيئ الأوضاع في البلاد لحكومة قادمة وفق انتخابات حرة نزيهة لصياغة دستور متفق عليه بين كافة مكونات الدولة السودانية الشمالية الجديدة، قطع الحزب الحاكم أي أمل في تلك المطالب التي يرى أنها غير مشروعة.


ورغم ذلك يقلل بعض المحللين السياسيين من فرص المواجهة على الأقل قبل إعلان نتيجة استفتاء جنوب البلاد الذي لم يبق لظهور دولته الجديدة غير أيام معدودة.


في المقابل تبدو الأوضاع في مناطق مختلفة من البلاد مهيأة هي الأخرى للانفجار كمنطقة أبيي ودارفور التي لم يُحسم أمرها بعد, فضلا عن قضايا ملحة أخرى بحاجة إلى توحيد الجبهة الداخلية, كما يقول محللون.


في هذا السياق, تقول المعارضة إنها لن تقبل ببقاء المؤتمر الوطني منفردا بالسلطة عقب نهاية الفترة الانتقالية وذهاب الجنوب، بل إنها أعلنت رفضها لأي تعديل في الدستور الحالي "لأنه ليس محل اتفاق بين السودانيين"، في حين يصر المؤتمر الوطني على ضرورة إكمال دورته المحددة بخمس سنوات لاحقة.


غير أن محللين سياسيين يعتقدون أن ليس بإمكان تلاقي خطى المعارضة والحكومة "بل إنها تسير حتما نحو ابتعاد أكبر عن بعضهما".


وتعليقا على ذلك, يرى المحلل السياسي تاج السر مكي أن ما يفعله المؤتمر الوطني "يشبه الاستفزاز لتحفيز المعارضة على الخروج للشارع بغية إيجاد مبرر لضربها مما لا يكسبها التعاطف الدولي"، وتوقع أن يتهم المؤتمر الوطني المعارضةَ بالسعي لزعزعة الاستقرار بعد استفتاء الجنوب.


وقال للجزيرة نت "رغم الخوف من التونسة (التجربة التونسية) فإن السودان غير مهيأ الآن لخوض تلك التجربة لكنه ربما ابتدع شيئا آخر كما حدث في ثورة أبريل"، ورأى أن الأمور برمتها تسير باتجاه ما أسماه الانفجار الشعبي "لأن هناك ظروفا ستحرك ذلك الفعل".


أيام عصيبة

ولم يستبعد المحلل السياسي محمد علي سعيد أن يقبل السودان على أيام عصيبة و"مجابهة ربما تكون دموية بين الحزب الحاكم والمعارضة، فكل طرف بدأ يتوعد الآخر".

وقال إن "نذر المواجهة بدأت أثناء عملية استفتاء الجنوب بدعوة المعارضة إلى تشكيل حكومة قومية انتقالية باعتبار أن الحكومة الحالية ستكون غير شرعية بنهاية اتفاقية السلام وانفصال الجنوب".


ورأى أن نذر المواجهة "استفحلت باعتقال الترابي وعدد من قادة حزبه"، مشيرا إلى أن قادة المؤتمر الوطني "أخذوا دعوة المعارضة مأخذ الجد كما أن تصريحات قوى المعارضة من بعد ذلك قد عززت تلك القناعة".


وتساءل سعيد في حديثه للجزيرة نت عن قدرة قوى المعارضة على تحريك الشارع وكيف سيكون رد الحكومة عليه.


أما المحلل السياسي محمد موسى حريكة فتوقع أن يستمر التصاعد بين الطرفين لعدم وجود أرضية مشتركة بينهما، مشيرا إلى ما أسماها بالحالة المخيفة.


وقال للجزيرة نت إن الجميع كان يتخيل أن المؤتمر الوطني -الذي تلفه الأزمات من كل جانب- سيكون أكثر حكمة في التعاطي مع المعارضة الداخلية "لكنه يقابلها بتصعيد أمني وخطاب استفزازي قد يقود إلى تفجر الوضع الداخلي"، مستبعدا وجود بادرة لفتح الطريق للتسوية.



عماد عبد الهادي-الخرطوم

المصدر: الجزيرة

من المسؤول عن الانفصال؟

من المسؤول عن الانفصال؟عندما يتم إعلان نتائج الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان، وبعد أن أصبح مرجحاً بقوة أن تأتي النتائج مكرّسة الانفصال عن الشمال، ترتسم علامة استفهام كبيرة حول: من المسؤول عن الانفصال وتداعياته؟ هل المسؤول هو "التهديد" بتطبيق الشريعة الإسلامية، أولاً في عهد النميري، ثم في عهد البشير؟ وهل كان التهديد جديّاً أم أنه كان مجرد محاولة لاستقطاب قوى سياسية في الشمال كانت معارضتها تشكل خطراً على استمرار الحاكم؟

ولو كان طرح تطبيق الشريعة جديّاً، لماذا لم يطبَّق في أي من العهدين (عهد النميري وعهد البشير)؟ وهل كان الانكفاء استجابة لرفض القوى السياسية في الجنوب.. أم أنه جاء تحت ضغط القوى الدولية التي كانت تخطط أساساً لفصل الجنوب عن الشمال؟


وإذا كانت حكومات الخرطوم المتعاقبة تعرف رد فعل الجنوبيين من مسيحيين ولا دينيين (أو روحانيين أفارقة) من مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية، فلماذا كانت تطرح فرضها عليهم وتحديداً في أوقات الصراعات السياسية وكأن الصراع كان مجرد سلاح إضافي بيد السلطة؟


لقد كان لافتاً التصريح الذي أدلى به البشير وحذر فيه من أنه إذا قرر الجنوبيون الانفصال فإنه سيبادر إلى تطبيق الشريعة في الشمال. والسؤال: هل إن تطبيق الشريعة هو رد فعل على الانفصال؟ أم أنه فعل إيمان بأن تطبيقها في مصلحة المجتمع السوداني؟ وهل يريد البشير يريد أن يلقي اللوم على الجنوبيين في عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، أم أنه يريد أن يستقطب الإسلاميين في الشمال بعد الانفصال من خلال موضوع تطبيق الشريعة؟


وبعبارة أخرى، هل عاد موضوع الشريعة الإسلامية الذي كان مادة في التجاذب السياسي بين الشمال والجنوب قبل الانفصال، ليصبح أيضاً مادة في التجاذب السياسي بين الشماليين أنفسهم بعد الانفصال؟


وهل من يطالبون باعتماد الشريعة الإسلامية سواء كان ذلك قبل الانفصال أو بعده، طرحوا على أنفسهم السؤال البسيط التالي: ماذا فعلتم لتعريف أهل الجنوب بالإسلام وبشريعته؟ إن كل ما يعرفه الجنوبيون (وكثير غيرهم) عن الشريعة الإسلامية هو تحريم الخمر وقطع يد السارق، ورجم الزاني والزانية، وقتل المرتد.


ومن خلال ذلك بدا لهم أن الشريعة هي مجرد نظام عقوبات، فلم يقفوا على حقيقة سماحة الإسلام باعتباره ديناً يحترم الكرامة الإنسانية ويضع أسساً عامة لنظام اجتماعي يسعى لتحقيق العدالة والتكافل الاجتماعي ويساوي بين الناس من دون تمييز في الأعراق والألوان والأجناس. ولم يعرف الجنوبيون سوى النزر اليسير جدّاً من المدارس الإسلامية والعربية في الوقت الذي كانت البعثات التبشيرية الأوروبية والأميركية تتزاحم على العمل عميقاً في مجاهل غابات الجنوب النائية!


كان مجرد طرح تطبيق الشريعة الإسلامية يثير القلق في نفوس الجنوبيين. وكان الطرح يبدو وكأنه عقاب لهم، الأمر الذي ضاعف من حرصهم على التمايز وعلى رفض التعايش مع الشمال. صحيح أن ثقافة الكراهية التي بثتها بريطانيا منذ احتلالها السودان في القرن التاسع عشر تواصلت طوال القرن العشرين أيضاً من خلال البعثات الأجنبية، إلا أن الشماليين لم يفعلوا سوى القليل جدّاً لتبديد أسس هذه الثقافة ولمد جسور المحبة والتعاون والاحترام مع الجنوبيين. فجاءت نتيجة الاستفتاء بتكريس الانفصال محصلة طبيعية لهذا الواقع.


ومن هنا فإذا كان انفصال الجنوب عن الشمال قد أصبح الآن واقعاً أليماً وخطيراً، فإن أسباب الانفصال تبعث ألماً أشد وخطراً أكبر، ذلك أن نتائج الاستفتاء ستتكشف عن واقع جديد قد يؤدي الى أمرين على درجة كبيرة من الخطورة. الأمر الأول هو فصل السودان الشمالي- العربي عن العمق الإفريقي، بدلاً من أن يكون جسراً عربيّاً إلى هذا العمق. والأمر الثاني هو أن التخويف بالشريعة الإسلامية أو الخوف منها، الذي لعب دوراً أساسيّاً في النزوع نحو الانفصال، قد يجعل من هذا الانفصال أيضاً سدّاً في طريق مسيرة الإسلام نحو العمق الإفريقي، بدلاً من أن يكون معبراً له.


ولا تقتصر التداعيات السلبية للانفصال عند هذا الحد، إذ يخشى أن تؤسس لاعتماد الانفصال قاعدة لمعالجة قضايا الأقليات المتعددة في المنطقة العربية، سواء كانت أقليات دينية (مسيحية) أو مذهبية (شيعية ودرزية وعلوية) أو عنصرية (كردية وأمازيغية).


ومنذ صدور وثيقة حقوق الأقليات عن الأمم المتحدة في عام 1992، اعتمد تعريف للأقليات يقول: "إن الأقلية هي جماعة تقل عدداً عن بقية سكان الدولة، وهي في وضع غير مسيطر، ولدى أعضائها من مواطني الدولة سمات دينية وإثنية ولغوية تختلف عن تلك التي لبقية السكان. ويبدي هؤلاء المواطنون، وإن في شكل ضمني، شعوراً بالتضامن في ما بينهم بهدف المحافظة على ثقافتهم وتقاليدهم وديانتهم أو لغتهم".


وبموجب هذا التعريف، فإن الأقباط في مصر أقلية، والسريان والآشوريين في العراق أقلية، والأمازيغ في الجزائر والمغرب أقلية، والأكراد في سوريا والعراق أقلية، والدروز والعلويين في سوريا أقلية، أما في لبنان فإنه يتألف من 18 أقلية دينية ومذهبية مختلفة. فإذا كانت معالجة الأقلية في السودان اعتمدت مبدأ الانفصال بأسلوب ديمقراطي هو الاستفتاء، فماذا يمنع اعتماد هذا المبدأ لمعالجة قضايا الأقليات العديدة الأخرى التي تجري إثارتها أحياناً.. أو التي قد تتعرض إلى انتهاك حقوقها في المواطنة أحياناً أخرى؟


تحاول إسرائيل أن تنأى بنفسها عن هذه المعادلة بالتخطيط للتخلص مما تسميه "الأقلية العربية" التي يزيد عددها على المليون ونصف مليون عربي يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية داخل الكيان الإسرائيلي منذ عام 1948. وبموجب ذلك تطرح إسرائيل معادلة الانسحاب من الأراضي التي تحتلها في الضفة الغربية مقابل توطين عرب إسرائيل فيها. أي مقايضة الأرض الفلسطينية "بالفلسطينيين الإسرائيليين". ومقايضة مساكنهم التي يحتفظون بها في حيفا ويافا والرملة ومدن الجليل كالناصرة وسواها، بالمستوطنات التي أقامتها وتقيمها في أجزاء واسعة من الضفة الغربية!


وبذلك تحقق إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من عمقها عدة أهداف مهمة: -التخلص من الأقلية العربية الباقية، والتخلص بالتالي من عبء مطالبها بموجب المواثيق الدولية. - تحويل إسرائيل إلى دولة خالصة لليهود تكون المواطنة فيها حصرية لليهود فقط، بحيث لا تبقى هناك إشكالية بين الالتزام بمبدأ الديمقراطية وانتهاك حقوق الأقليات لأنه لن تكون هناك أقليات. - إعلان إسرائيل دولة دينية- يهودية وليست مجرد دولة لليهود.


غير أن نجاح إسرائيل في ذلك يحتاج إلى أن تقوم دول دينية في المنطقة. ومن هنا المشروع الذي اعتمدته استراتيجية دائمة لها، وهو إعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة من باكستان حتى المغرب، بحيث يكون لكل جماعة دينية أو مذهبية أو عنصرية كيان سياسي خاص بها. فالدفاع عن الأمن الاستراتيجي لإسرائيل يقوم على تنفيذ هذا المشروع الذي يحول الشرق كله إلى مجموعة من الدويلات الدينية تدور في فلك الدولة اليهودية.


ومن هنا خطورة ما جرى في السودان. وخطورة أن يكون الانفصال الحجر الأول في سلسلة حجارة الدومينو. فالاضطرابات ذات البعد الديني التي شهدتها مصر بعد العراق، والاضطرابات ذات البعد العنصري التي شهدتها الجزائر قبل العراق، وكذلك الاضطرابات ذات البعد المذهبي التي جرى تفجيرها في باكستان ثم في العراق.. والاضطرابات الدينية- المذهبية المتنقلة في لبنان، توحي كلها بأن الأرض مهيأة لغرس بذور الانقسام والتفسخ.. فهل هنالك من يثبت أن هذا الإيحاء غير صحيح؟!



محمد السماك

جريدة الاتحاد

وللعلماء موقف من تقسيم السودان

وللعلماء موقف من تقسيم السودانعبد العزيز المقالح

كالمعتاد، أصدر العلماء الأفاضل في الوطن العربي بيانهم بشأن تحريم انفصال جنوب السودان عن شماله، وهو البيان الذي جاء متأخراً وبعد فوات الأوان . وكأنهم رعاهم الله كانوا خارج الوطن العربي والإسلامي، ولم يعلموا بما حدث إلا عندما شاهدوا طوابير من المستفتيين تقف أمام صناديق الاستفتاء المصنوعة في الولايات المتحدة، وبعد أن وقع الفأس في الرأس، علماً بأن الأصوات المشبوهة الداعية إلى تفتيت المفتت من الوطن العربي، قد انطلقت منذ سنوات تحت مظلتي حقوق الإنسان وتقرير المصير، في أقطار مواطنوها يتمتعون، وفقاً لمبدأ المواطنة بحقوق متساوية ومصير مشترك عبر التاريخ، وفي إطار اللغة والمصلحة المشتركة، وإن تلاعب بها بعض الحكام، وتضررت جراء ذلك التلاعب كل المكونات من دون تمييز، أو انحياز لفئة دون أخرى .


وقد كان على العلماء الأفاضل، وعلى جميع العرب أن يدركوا منذ وقت بعيد أن مشكلة انفصال جنوب السودان لا تخص النظام السوداني وحده، وإنما تخص كل الأقطار العربية، لما سوف يتركه هذا الانفصال من تداعيات كارثية، ومن تدخلات دولية باسم الدفاع عن الأقليات مصر اليوم نموذجاً من خلال الحديث عن الأقلية القبطية لا خدمة لهذه الأقليات، أو إنصافاً لها بقدر ما هو رغبة في تحقيق هدف استراتيجي معروف ومشهور، يتعلق بتفتيت الأقطار العربية المفتتة أصلاً عن كيانها القومي الكبير، إلى دويلات يقل حضورها العددي، وفعلها الواقعي عن الكيان الصهيوني الذي لا يزيد تعداده عن أربعة ملايين، والذي يراد له أن يكون نموذجاً مستقبلياً للأنظمة الكرتونية، التي يراد إنشاؤها في المنطقة، ووضعها جميعاً في حالة من الخوف والقلق من جيرانها، الذين سيكونون بدورهم في خوف منها، وحينئذ يكون الجميع بحاجة إلى حارس دولي، وليس هناك أفضل من الولايات المتحدة ومن عصاها الغليظة في المنطقة .


ولا يكاد يدري أحد أي تقرير مصير الذي يراد له أن يتم في جنوب السودان، في ظل دولة مصطنعة ومرتبطة بالبيت الأبيض، وتحت رعاية الفاتيكان مع أن عدد المسيحيين في جنوب السودان ووفق إحصائية دقيقة، لا يزيد عن ربع سكانه . في حين أن المسلمين يفوقونهم عدداً، إذ يشكلون ثلث سكان الجنوب، والبقية من الوثنيين وأتباع ديانات وضعية أخرى . إن في هذا الذي حدث، وما تعمل الولايات المتحدة على إخراجه بتواطؤ مع الأنظمة ذات الصلة، لم يكن تعبيراً عن مصلحة كل الجنوبيين أو أغلبيتهم، ولا يحقق الهدف الذي يتحدثون عنه تحت لافتة حقوق الإنسان، فأين هي حقوق المسلمين في الجنوب المسيحي الجديد؟ وأين هي حقوق بقية الأقليات التي لا تنتمي إلى الأقلية المسيحية الحاكمة؟ وهل لا يزال في مقدور الأمة العربية والعالم الإسلامي المطالبة بتصحيح الخطأ، قبل أن يتم ترتيب أوضاع الدولة أو بالأصح الدويلة الجديدة؟


لقد كانت العقود الأخيرة، ومنذ اتفاقيات “كامب ديفيد” المشؤومة، وما جرته على الأمة من كوارث وويلات، عقود تفريط بالقيم الجوهرية، وبداية لتخبط مزرٍ على الصعيد السياسي، وما رافقه من عدم استقرار ومن انكسارات موجعة . ولعل ما يؤلم أكثر أن الصورة لا تزال تبدو للقيادات العربية غير واضحة، ولا يزال التخبط بادياً في المواقف الثنائية القائمة على الخوف والحذر، لا على التضامن ووحدة الصف . وإذا كان العلماء قد قالوا كلمتهم، وإن جاءت متأخرة جداً، فإن في إمكانهم أن يقولوا الكثير ويعملوا الأكثر من أجل الحفاظ على ما تبقى من مشاعر وحدوية ووطنية داخل الأقطار نفسها، وفيما بينها قبل أن تتفكك السلسلة، ويجد العرب أنفسهم بعد أن أصبحوا 22 دولة أكثر من خمسين أو ستين دولة .


الخليج

ثقافة الشمال والجنوب

ثقافة الشمال والجنوبأمير تاج السر

الكل يعرف هذه الأيام، أن السودان في طريقه إلى قدر أن يتمزق إلى شمال وجنوب، ملغيا بذلك سنوات الانصهار الطويلة التي عاشها السودانيون، برغم كل الحروب والتناحرات، وحركات التمرد، الإقبال الكبير على مراكز الاقتراع، النشوة الواضحة على وجوه الجنوبيين، والحوارات والاستطلاعات التي تجرى في كل بقعة فيها جنوبي من السودان، ليعلن صراحة، أنه مبتهج بدولة الجنوب الوليدة، وأنها ستكون دولة مثل الدول، وفي الإجابات عن مقومات الدول التي لم يشاهدها أحد من تلك الجيوش الإعلامية التي غزت العاصمة الجنوبية جوبا على حين بغتة، يجيب الجميع، أنه لا بد من معاناة في البداية حتى تنشأ الدولة، لا بد للجنوبيين أن يعملوا ليصنعوا حلمهم المستقل بعيدا عن سطوة شمال لم يقدرهم أبدا، ولا اهتم بأبسط حقوقهم.

المسألة كلها أشبه بكابوس كبير لا أدري كيف زرع في تلك الأدمغة، وفي الوقت الذي تسعى فيه كثير من الدول الممزقة للم شتاتها، وترتيق لحمها وعظامها لتستطيع الوقوف على قدميها، يأتي مثل ذلك الحلم الغريب ليداعب مواطنين، عاش كثير منهم في الشمال، عاشوا كما يعيش الآخرون، فيهم وزراء وموظفون، وقضاة وأطباء، وأيضا فيهم عمال بناء وصرف صحي وخدم في البيوت. نفس ما انطبق على أبناء الشمال انطبق عليهم، بل وأكثر من ذلك، كانت كثير من الترضيات، تفعل في حقهم، وحتى حين طبقت قوانين الشريعة الإسلامية، اعتبرت أرضهم أرض أقلية غير مسلمة، لن تطبق فيها القوانين كاملة، لم يمسهم سوط جالد، ولا حجارة راجم، ولا سيف سياف، ولا أي شيء من ذلك، ومع ذلك يأتي خيار الانفصال واضحا لا يحتاج إلى أيام إضافية لإعلانه.
ثمة سؤال سئلته كثيرا، وأنا أتحاوم في حوارات الصحفيين الثقافيين، الذين يبدو أنهم يؤمنون بأن كاتب الروايات ينبغي أن يكون ملما بكل شيء، ولا ينفصل عن هموم بلده، ومن هذا المنطلق تأتي أحيانا أسئلة لا أستطيع الرد عليها، إما لأنني لا أعرف، أو خوفا من الحرج، وغالبا ما يتولى الصحفي الرد بنفسه عليها، وإلحاقها بالحوار. السؤال:
ما تأثير انفصال الجنوب السوداني على الثقافة بالتحديد؟ وهل ستختلف كتابتكم معشر السودانيين عما كانت عليه؟
الإجابة: لا بد أن ثمة تأثيرا كبيرا سيحدث، تأثيرا في تناول المواضيع، وكتابتها، ودراسة الشخوص وحركتهم، والبحث عن تراث قديم أخذ، وثراء معرفي جديد جاء، أشياء كثيرة يمكن استنباطها بعد انفصال الجنوب، وفي مجال الرواية، بالتحديد وأيضا الشعر. لكن الأمر برغم ذلك يحتاج أولا إلى دمعات حزن يجب أنه تذرف، قبل أن نبدأ الكتابة عن العصر الجديد الغامض لسوداننا الذي نحبه.

عكاظ

هل تعصف الخرطوم بطغاتها؟..

هل تعصف الخرطوم بطغاتها؟.. قصة اغتيال زرقاء اليمامة ..البشير يرسخ مفهوم القمع. ويحسب أنه قايض المحكمة الجنائية الدولية لجنوب السودان..بئس المقايضة وبئس الثمن. حسن إبراهيم
في هذه الأيام والأعناق تشرئب إلى تونس تريد أن تصطلي بنار ثورتها على الجمود المخيف الذي يجلل العالم العربي، يصبح الشأن السوداني في غاية الأهمية. فالخرطوم مرشحة بعد تونس لتعصف بطغاتها، فالنظام السوداني بعد فشله في المحافظة على البلاد متحدة، واضاعته فرصة السلام الذي حل عام 2005، يجب أن يتحمل مسؤوليته التاريخية في هذا الفشل الكبير. لكن آفة السودان اصطناع الأعذار، كطوطم نسجد له نتعبد ونتبتل. فمرة هو الاستعمار ومؤامرات الحاقدين، وتارة الطابور الخامس من عملاء الاستعمار بصوره المختلفة، التي تختلف في تسمياتها مع كل مرحلة، فتارة هي الكنيسة وتارة هي الصهيونية وتارة هي الرجعية، وإلى ما لا نهاية من الشماعات الجاهزة. أما نحن فلم نرتكب شيئاً من الخطأ، بل نحن عبارة عن متلقين مستهدفين، لا حول لنا ولا قوة ولا ذنبا. هذا العمى التاريخي لا بد من تشخيصه ونحن على أعتاب كارثة جديدة. ''
تباريح ما قبل النهاية تكون مليئة بالشجن والحنين، خاصة إذا خطتها يد مغترب مثلي.. وقد يقدح بعد المسافة وطول الغياب في مصداقية ما أكتب، فالذي يراقب الأمور عن بعد ليس كمن يكتوي بنارها كل يوم. لكن بعدي عن الوطن لا يمكن أن يقلل اشمئزازي من أشياء كثيرة تحدث لنا أو أتوقع أن تحدث، إذا استمر المسار كما اختطته أيدي السادة الذين يتربعون على سدة السلطة، وأحسب أن مسارنا منذ أمد بعيد تشوبه أخطاء منهجية فادحة، رغم ما يصاحب كل حقبة في تاريخنا من 'نوايا طيبة' وحماسة تبلغ درجة الغليان ثم سرعان ما تنطفئ بنفس السرعة التي ثارت بها. '

وآفة السودان هي المؤدلجون إما صدقاً أو تقيةً، وما أكثرهم، وترى أهل التقية أشد حماساً من أصحاب الدعوة، ما أعني سيداتي وسادتي حارقي البخور والمتملقين يطلون علينا من شاشات التلفزيونات بعمائمهم يتوعدوننا بالويل والثبور وعظائم الأمور. ولو قرأت الصحف لوجدتها استحالت صفراء تكتظ بالترهات عن مجدٍ تحقق وإنجازات شهد عليها العالم أجمع. أما على أرض الواقع فالبؤس كما هو، وأثرياء النفط والعمولات كما هم، والتطاول في البنيان من أموال السحت كما هو، ولا يحتاج الأمر إلى زرقاء اليمامة لترى الجحيم القادم. وما أشد إيلاماً على النفس من رؤية خطباء المؤتمر الوطني وهم يتسابقون على تبرير فشلهم التاريخي في المحافظة على وحدة التراب السوداني. ومن يحاول لفت نظرهم إلى فداحة هذا الفشل التاريخي فعصي الأمن وسياطهم ورصاصهم حاضرة لتكميم الأفواه. '


للكتابة عن الطريق إلى التاسع من كانون الثاني/يناير ولنسمه نهاية المطاف، وهو حقيقة نهاية المطاف لأرض المليون ميل مربع، بعد أن انتهى الاستفتاء، فلا بد لنا على الأقل من 'صفر' تاريخي.

الوطن المسمى اصطلاحاً بالسودان كيان أفرزته حاجة الخديوي محمد علي باشا للجنود والذهب. ولعل ما أغرى الخديوي الألباني الأصل كانت كتب التاريخ المليئة بأساطير عن ثروات ضخمة في جنوب الوادي، وعن جند شداد غلاظ كفيلين بإنجاح أحلام الخديوي في إنشاء إمبراطورية تشمل الشرق الأوسط والقرن الافريقي ومنابع النيل، وإن أمكن تركيا واليونان. لكن صدم الجيش الغازي بوعورة مسالك الأراضي التي احتلها، وشراسة مقاومة بعض القبائل والممالك التي تقطن أرض ما سمي لاحقاً بالسودان. ولا نعني هنا السودان التاريخي النوبي الفرعوني، أو اليهودي أو المسيحي، أو حتى السلطنة الزرقاء التي أصموا آذاننا كسودانيين عن التحالف التاريخي بين عبد الله جماع وعمارة دنقس، كأنها كانت الأندلس السليبة، ونسوا في مناهجنا المدرسية أن يخبرونا أنها كانت مملكة جهالة أنتجت كتاباً واحداً على مدى ثلاثمئة سنة، فالسودان الذي نعنيه بحدوده الحالية هو مساومة جغرافية وتاريخية اقتضتها ضرورات تلك الحقبة. وتحددت مصائر القبائل والشعوب التي تقطن تلك الرقعة بقدر إمكانيات جيش الخديوي، ولانعدام وسائل الحضارة والتعليم الحديث اضطر الباشا إلى إنشاء حكومة أخذت على عاتقها إدارة دولة قارة مترامية الأطراف. وفرضت الضرائب على الناس لا لثرائهم وغزارة إنتاجهم، بل لتعويض ما خسرته مصر الخديوية في الغزو.. وسرعان ما انهارت الإدارة الخديوية على يد المهدي، الذي شكلت ثورته أولى محاولات رسم هوية لهذه الرقعة من الأرض. ولوفاة المهدي قبل أن يستطيع بناء الدولة الجديدة، تولى إدارة البلاد الخليفة عبد الله التعايشي، الذي شكل حكمه المعادل التاريخي لحكم 'طالبان'، أي أن المرجعية الوحيدة التي تلجأ إليها الدولة هي الكسب الفقهي التقليدي، رغم ادعاء المهدية استقلالاَ فكرياً لم تكن تملك أدواته.. فالشريعة في نظر الخليفة تحولت إلى مجموعة من الأوامر والنواهي والجلد والقطع والتعزير، أي ذات الشريعة التي 'يتوعدون' بها الشعب السوداني بعد التخلص من أثقاله المسيحية والبانتوية. وما دمنا في مجال الاستطراد فلنعرج على تاريخ الحكم في الإسلام لنعرف أصول هذا الافتراء على الناس باسم الدين.

'في عام 400 هجرية صدر كتاب 'الأحكام السلطانية' لأبي الحسن الماوردي، الذي فصل فيه العلاقة بين الدولة والمحكومين، وركز السلطات في يد ولي الأمر. فالشورى غير ملزمة، وخلع ولي الأمر ولو كان فاسقاً إثم. باختصار كتاب 'الأحكام السلطانية' درس بليغ في صناعة الديكتاتور. لكن في عام 408 هجرية صدر كتاب آخر بنفس العنوان، لكن لفقيه ثائر هو أبو يعلى الحنبلي. وفيه الحاكم خادم للأمة والشورى ملزمة ولو فسد الحاكم، فإن خلعه يصبح فرض كفاية، أما في زمان الأزمات والحروب فهو فرض عين على كل مسلم قادر على القتال.. بالطبع حاول الجميع طمس كتاب أبي يعلى وتوسعوا في طباعة وتمجيد الماوردي حبيب الطغاة وأهل الحكم بالفرمانات. لكن الفشل المدوي لهذه الحكومة له جذوره في تاريخنا المعاصر. فحكوماتنا أدمنت الفشل منذ استقلالنا عام 1956، وبدأنا حكم أنفسنا بحرب ضروس، أفحش فيها قادة البلاد في القتل وارتكاب الفظائع ضد أهل الجنوب، وترسخت الكراهية واقعاً معاشاً، والنظرة الدونية لأهل جنوب السودان بلا كوابح من حياء أو حتى من قبيل البراغماتية السياسية.. ولا عجب، فاستقلالنا نفسه أتى عبر موائد مخملية بين سادة أثرياء أنعم عليهم المستعمر بإقطاعيات طوروها بسواعد أبناء طوائفهم، الذين يعاملونهم كأنصاف آلهة لا يأتيهم الباطل من أمامهم ولا من خلفهم، ثم بجهود الإنتلجينسيا التي رباها المستعمر على سراطٍ اختط محدداته. إنهم نخبة ما بعد هزيمة كرري، آخر وقفة للسودان الذي انتزع قدره من براثن المستعمر. علمنا التاريخ أن المجتمع المهزوم لا ينتج إلا خدماً للأسياد أو المستعمرين، هذه هي النخبة التي يتباكى عليها البعض، وهؤلاء هم أمثلتنا العليا. فيا للضياع.'


النخبة التي حكمت منذ استقلالنا وحتى بدايات أدلجة الحكم في السودان هي نخبة مهزومة ناقصة الطموح، وفي كثير من الأحيان قابلة للشراء. تستطيع إغماض عينيها عن معاناة الناس لمن يدفع الثمن، وتتقن التماس العذر للحكام، وتسن ألسنتها لسباب من يحاولون إيقاف السقوط عمودياً إلى الهاوية. وأرجو أن لا نكون كما قال صديقي الكوميديان الجزائري إسماعيل 'نحن قوم إذا وصلنا إلى قاع الهاوية حفرنا'.'


تخيل أنك مواطن من جنوب السودان تمشي في شوارع العاصمة، فترى شارعاً رئيسياً يسمى شارع الزبير باشا تاجر الرقيق التاريخي، ألا يكون هذا كفلسطيني يمشي في مدينة أطلقت اسم أرييل شارون على أحد شوارعها؟ أليس هذا من مؤججات الكراهية والاغتراب؟


من أكثر الأوهام السودانية إثارة للاشمئزاز مقولة انه لا عنف في السياسة السودانية. وهذا افتراء على الحقيقة من أمة خاضت حربين أهليتين على مدى خمسين سنة، لم تعرف فيها الاستقرار إلا سنين قليلة. أو لا يشكل مقتل مئات آلاف، بل الملايين من مواطني جنوب السودان عنفاً؟ لكن الساسة في دوائر الخرطوم المخملية يعتبرون أنه ما لم تكن هناك اغتيالات سياسية فلا عنف هنالك.. وهو وهم يفضح العنصرية الكامنة في النفوس، التي تنزع صفة الإنسانية من أهل الجنوب. والأمر كذلك في تعامل أهل المركز مع قضية دارفور حتى قبل نشوب الحرب عام 2003. أتذكرون أيام النميري والمحاولات الانقلابية المتكررة. يومها كان يعلن عن اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم، لكن لو شارك في المؤامرة ضابط أو ضباط من دارفور كانت تسمى المؤامرة العنصرية.''


الآن وقد أصبح انفصال الجنوب واقعاً لا سبيل لتغييره، يتدافع الشماليون بقيادة الحزب الحاكم لنيل رضاء أهل الجنوب، وكتابة قصائد الغزل في جنوب السودان، بل وصلت المزايدات إلى حد تغني البعض بالحب الدفين الذي كانوا دائماً يكنونه للجنوب وأهله. ترى لماذا لم يتم التعبير عن هذا الوله والحب منذ خمسين عاماً؟ ولنعد بالذاكرة إلى الحرب الأهلية الأولى والثانية وكيف استقبل أهل الجنوب وكيف اعتبروا 'الحزام الزنجي' حول العاصمة القومية. أتذكرون كيف أزيحت الأحياء التي كانوا يقيمون فيها عام 1992، وكيف اقتيدوا إلى معسكرات خارج العاصمة وبعيدة عن جميع الخدمات، يومها احتجت منظمات حقوق الإنسان، لكن لا حياة لمن تنادي.. لم يكن هناك رد فعل غاضب من أهل الشمال، الذين يتبارون هذه الأيام على التغزل في جنوب السودان. وعندما يجد إنسان الجنوب نفسه في مأزق مزدوج فلا تلوموا أهله على ردود الأفعال غير المنطقية. وتأملوا ساعة الاستقلال عام 1956 وكان قد مضى حوالي اثني عشر يوماً على التمرد في مدينة توريت.. ماذا كان رد فعل السودانيين الشماليين؟ ترى لو كان في الخرطوم عقلاء أصحاب بصيرة نافذة، أما كانوا قد طوقوا آثار التمرد وأطفأوا نار الفتنة. لكن تداعى القوم المسالمون بالفطرة أهل التسامح في السياسة، بالثأر لقتلى الشماليين من الرجال والنساء والأطفال، وعقدوا العزم على معاقبة أهل الجنوب ليس فقط لمحض الجريمة، لكن لأنهم تجرأوا على من يعتبرون أنفسهم سادة.'وقبل أن نسارع إلى نفي الاتهام يجب أن نصدق مع أنفسنا ونتأمل ما نفعله في مجالسنا الخاصة وكيف نتناولهم، أي أهل الجنوب بألسنتنا وكيف نتعامل مع الثقافة الجنوبية، كما يتعامل أنثروبولوجي غربي. ولعل من مظاهر الاتسحاق الجنوبية ومحاولة التماهي في المحيط العربي الشمالي هو اكتسابهم لبعض العادات الشمالية السيئة، مثل 'ختان الإناث' الذي لا يعرفونه في جنوب السودان.


واحدة من سقطاتنا السياسية هو إعلان الجهاد على الحركة الشعبية لتحرير السودان. وفجأة تحولت الحرب الأهلية إلى صراع عقائدي، بعيداً عن المحددات الأولى من 'مناطق نفوذ ورعي وصراع سياسة'.. ورغم ما يردده البعض من 'مؤامرات الكنيسة والغرب' فإن أسباب الحرب الأهلية داخلية تكمن في عجزنا عن إدارة الموارد وتحقيق التنمية وتوزيع الثروة'، ولم تكن بسبب تحريض مباشر من البعض على سوداننا المنيع القوي. لكن سيطرت عقلية المؤامرة على عقلنا الجمعي.. ولعل السياسة الدولية عانت من الذين يرفضون منطق الواقعية السياسية ويبحثون دائماً عن مؤامرة. كان وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس دوايت آيزنهاور جون فوستر دالاس. ويومها كانت الحرب الباردة في أوجها. كان من عادة الاستراتيجيين في الخارجية الأمريكية رسم خط بياني على سبورة موضوعة في غرفة العمليات الملحقة بمكتب الوزير كل يوم بالطبشور. وكان الرسم البياني يوضح درجة الخطر السوفييتي. وكانت هناك عوامل كثيرة معقدة تدخل في الرسم، إلا أن دالاس كان يمسح الخط صائحاً: الخط يجب أن يكون مستقيماً. هذا صراع بين قوى المسيح وقوى الشر.. كلفت عقلية دالاس المتحجرة الولايات المتحدة كثيراً. ورغم صرامة الرجل فقد أوقع بلاده في مآزق كثيرة قدحت في مصداقيتها. على سبيل المثال شجع دالاس ثورة المجريين على الحكم التابع لموسكو ووعدهم بتقديم الدعم، لكن دمرت الدبابات السوفييتية بودابست ولم يحرك دالاس ولا بلاده ساكناً.'


ضيق مواعين أهل السياسة المؤدلجة أدى إلى الكثير من المآسي.. يتصايح بعضهم بشعارات لا يدركون كنهها، ويندفعون إلى مواقف مكلفة ليس لهم فقط بل لعموم البلاد. وبعض هذه الشعارات وصل إلى حد الكذب الصريح. فمثلاً كيف تكون الوحدة جاذبة ومزاج البلد ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً لا يعرف إلا اتجاه العالم العربي. أين جنوب السودان في مناهجنا التعليمية؟ ماذا يعرف الطفل في الخرطوم أو شندي عن جنوب السودان وأديانه وثقافاته؟ ماذا يعرف عن الشخصيات الجنوبية التي قاتلت في سبيل الاستقلال حتى بداية الثلاثينات من القرن المنصرم؟ صمت كامل عن إسهامات الجنوبيين في كثير من المجالات؟ '


الإحساس بالتفوق على الجنوبيين يعم كثيراً من أهل الشمال، وخاصة السياسيين منهم. وكان مشهداً فريداً ذاك يوم التفت زعماء التجمع الوطني الديمقراطي إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها ليقاتل عنهم النظام، وهم قابعون في فنادقهم.. أحقاً توقعوا من الراحل العظيم الدكتور جون قرنق أن يسلم بقيادة التجمع، وهو الذي يقود الحركة الأقوى والوحيدة التي كانت تقاتل وتقدم التضحيات؟'


بعد توقيع اتفاقية السلام واستمرار تدفق النفط وعوائده الضخمة عجزت الحكومة عن تحويل الثروة إلى طوق نجاة للمواطن السوداني المسحوق. وتجذرت النزعة الكومبرادورية والسلوك الاستهلاكي، وما يتبعها من تخثر وتبلد في الإحساس بمعاناة الناس. نعم تطاولت العاصمة في البنيان ودخلتها السيارات الجديدة والفنادق الباذخة، لكن تكميم الأفواه لم ينته، وإغلاق الصحف لم ينته، وجلد النساء كظاهرة غير حضارية لم ينته. وأضحى المواطن الشمالي والجنوبي أسيرين لحزمة قوانين لا دستورية ولا ديمقراطية، وتحول مذاق الحياة إلى طعم شديد المرارة. فكيف يتوقع البعض أن تكون العاصمة بهذه الصورة ولا يحس فيها المواطن بأنها لجميع السودانيين، لا للأقلية المتنفذة المهوسة بفقه كتبه رجال ماتوا منذ قرون طويلة.


'والمشير الرئيس عمر البشير يرسخ مفهوم القمع. ويحسب أنه قايض المحكمة الجنائية الدولية لجنوب السودان. بئس المقايضة وبئس الثمن.

'
' كاتب سوداني

القدس العربي

يهود السودان حصان طروادة التقسيمي

يهود السودان حصان طروادة التقسيمي نظراً لقلة عدد يهود السودان، لم تعالج الدراسات العربية أوضاعهم بالتفصيل، وما هو معروف عن الطائفة التي ليس لها في حقيقة الأمر، جذور تاريخية في السودان، يعد مجرد معلومات متفرقة .


وصل اليهود إلى السودان عام 1884 مع جيش “غوردون” البريطاني . وقد كان مع ذلك الجيش يهودي عثماني يدعى “ىُ َُىغ َم” عمل مستشاراً لخليفة المهدي، بعد أن اعتنق الإسلام وأصبح اسمه “بسيوني”، وعاد إلى اليهودية بعد أن فتح “كتشنر” السودان عام 1898 . كما جاءت للسودان عائلات يهودية قدمت من فلسطين، وتركيا وبلاد أخرى من الشرق الأوسط، وعدد قليل من يهود شرق أوروبا . ما بين عامي 1948 1956 غادر بعض اليهود السودان إلى الكيان الصهيوني، ووفق إحصاءات عام 1957 كان عدد يهود السودان 350 يهودياً . ويعود وجود أول كنيس يهودي في السودان إلى عام 1926 .


تزعم الكتابات الصهيونية وجود اليهود التاريخي في السودان وتضخيمه، وذلك استناداً إلى تفسيرات مفبركة لبعض ما جاء في التوراة من نصوص . فقد ورد في العهد القديم الإصحاح 15/18: (لقد منحت ذرياتكم هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات) . وجرى تفسير نهر مصر على أنه نهر النيل . وعلقت الكاتبة الأمريكية الشهيرة غريس هالسل على الوعد الذي ورد في العهد القديم، قائلة: هناك تساؤل حول معنى نهر مصر، ذلك أنه يوجد جدول الآن يعرف باسم وادي العريش، وكان يعرف في السابق بنهر مصر .


في سبيل تضخيم هذا الوجود اليهودي، جُندت وسائل إعلامية عديدة، واتُبعت أساليب مختلفة لترويج هذه الفكرة، من هذه الأساليب، الأحداث المهمة التالية:


1- كتاب بني إسرائيل في أرض المهدي: فقد طبعت دار جامعة سيراكوس للنشر كتاباً اسمه “بنو إسرائيل في أرض المهدي” لمؤلفه “إيلي س . مالكة” الذي ولد في السودان، وكان أبوه كبير حاخامات اليهود في الجيش الإنجليزي الذي حارب حركة المهدي الإسلامية . وقد تحدث الكاتب اليهودي مالكة عن نشأة الجالية اليهودية في السودان، والصعوبات التي واجهتها في أيام حكم المهدي، وزعم أنهم أجبروا على اعتناق الإسلام تحت تهديد السيوف!، كما تحدث في كتابه عن العقد الخصيب من عمر الجالية، الذي امتد من الثلاثينات إلى الأربعينات من القرن المنصرم، ووصف الاتصالات التي تمت بين يهود السودان ويهود مصر وإثيوبيا وإريتريا، كما وصف الزيارات التي قام بها كبار المسؤولين اليهود للسودان، كما تحدث عن الفترة الحرجة التي مرت بالجالية عقب حرب ،1967 كذلك حوى كتاب مالكة إحصاء مفصلاً ليهود السودان والأماكن التي استقروا بها بعد هجرهم للسودان .


2- مقال لكاتب سوداني جنوبي من قبيلة الماندي اسمه ويليام ليفي أوشان أجوغو، زعم فيه أن قبيلته من أصول يهودية، و أن قبيلته وقبائل أخرى في جنوب السودان - لم يذكر أسماءها - ترجع أصولها إلى اليهودية التي وصلت إلى إفريقيا قبل الإسلام والمسيحية .


3- المبالغة في إبراز العادات المشتركة بين اليهود ومواطني الجنوب، إذ بالغ اليهود في وصف وإبراز بعض العادات والتقاليد المشتركة دليلاً على الأصول اليهودية لبعض قبائل جنوب السودان .


وقد كتب ويليام ليفي مستدلاً على الأصول اليهودية لقبيلته أنها: أ- تقدم القرابين عند ارتكاب الخطايا، فإذا كانت الخطيئة كبيرة تذبح ضأناً، أما إذا كانت صغيرة فتذبح دجاجة، وهناك مجموعة من زعماء القبيلة أو العلماء الذين يحددون نوع القربان ويشرفون علي الترتيبات المتعلقة بتقديمه . ب- تعتبر بعض الأيام من العام مقدسة، وتتقرب إلى الله فيها . ج- تستخدم البوق عند دعوة الناس إلى اجتماع أو إلى مناسبة . د- يتزوج الأخ زوجة أخيه المتوفى .


وجدير بالذكر أن الكاتب السوداني نزار محمد عثمان ذكر أن القبيلة التي يتحدث عنها الكاتب اليهودي هي قبيلة وثنية في الأساس .


4- الهولوكست السوداني: تسعى بعض الأوساط إلى استجداء التعاطف العالمي نحو اليهودية بتجديد الهولوكوست القديم في شكل جديد، و هو الزعم بأن النظام في السودان يشن حرباً لا هوادة فيها ضد القبائل الجنوبية في السودان، فيذكر اليهودي ويليام ليفي أن 3 ملايين من أهله يتعرضون لإبادة جماعية “لم يشهد العالم لها مثيلاً منذ المحرقة الكبيرة!!”، ويصف حرب جنوب السودان بأنها جزء من حرب “الإمبريالية الإسلامية” ضد المسيحيين الأفارقة في السودان، التي تسعى إلى هيمنة الثقافة العربية على الثقافة الإفريقية وبقايا اليهودية .


وفي السياق نفسه، زعم الأمريكي “جورج ستانتوف” منسق الحملة الدولية لوقف ما يسمى ب”التطهير العرقي في السودان في تقرير قدمه المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في واشنطن أعدته أكثر من 50 شخصية أمريكية أن هناك دلائل يمتلكونها بضلوع الحكومة السودانية في ممارسة التطهير العرقي، الذي قال إنه أشبه بما قام به هتلر أيام العهد النازي .


وكتبت مجموعة دراسات أنثروبولوجية ثقافية عن السودان بعضها ما ورد في مجلة Sudan Notes & Records وما نشرته على نحو متفرق مجلتا النهضة والفجر في عقد الثلاثينات . أما كتاب “أطفال يعقوب في بقعة المهدي” لكاتبه الياهو سولومون ملكا فهو تناول أنثروبولوجي ثقافي، لشريحة من شرائح المجتمع السوداني، هي مجموعات اليهود التي وفدت إليه . ويقدم صورة بانورامية شاملة وواسعة، عن الحياة الاجتماعية والدينية والثقافية للجالية اليهودية في السودان، عن أزيائها وطقوسها وشعائرها وعاداتها في الذبح والختان والزواج والصلوات، وعن رموزها الثقافية والدينية الخاصة بها كجالية ومجموعة عرقية دينية متميزة، من المجموعات العرقية التي ضربت بجذورها في تربة المجتمع السوداني، وتسامحت معه، بقدر ما تسامح معها واحتضنها .


ويتحدث الكتاب عن تفاصيل ومظاهر تغلغل اليهود في نسيج المجتمع السوداني، إلى درجة أوصلت بعضهم، لتولي مناصب إدارية وسياسية وقانونية مرموقة في جهاز الدولة السوداني، في مختلف مراحل تطوره . وأسهم قسم كبير من يهود السودان في تنفيذ المخطط الصهيوني من داخل الأراضي السودانية .


الوجود المتأخر


وقد وجدت مجموعة اليهود التي هاجرت إلى السودان منذ نهايات القرن التاسع عشر ملاذاً آمناً وقوماً كرماء مضيافين خالين من التعصب العرقي والديني . فافسحوا لهم مجالاً أتاح لهم فرصاً استغلوها لأقصى الحدود . جاء اليهود فقراء معدمين، إلاّ أنهم يمتلكون الخبرات والتجارب في مجالات التجارة التي اكتسبوها في مصر وبلدان أخرى فسيطروا على نصيب كبير من عمليات التصدير والتوريد .


وصنعت العائلات اليهودية التي أقامت بالسودان ثروات ضخمة منها: “أولاد مراد” كان هو الاسم التجاري لشركات صالح وسليمان وإبراهيم وزكي وجاك العيني أبناء مراد إسرائيل العيني أحد اليهود الأوائل الذين وفدوا إلى السودان في عام 1898م، وأصبحت مجموعة شركات “أولاد مراد” إحدى أهم الوكالات التجارية وبيوتات الاستيراد في السودان التي تعمل في توريد السلع من الشاي والسيارات حتى الخيوط القطنية والصوفية، وعملوا في التصنيع من العطور ومستحضرات التجميل حتى المسامير وأواني الألمنيوم، أما داود إسحق وأولاده فقد أنشأوا شركة في الخرطوم للاستيراد ومبيعات الجملة وأقاموا مصانع للعطور .


وعرف حبيب كوهين كأحد أبرز المستوردين وتجار الجملة . وكان شريكاً في شركة عثمان صالح للاستيراد، وانشأ الأخوان ألبرت ونسيم قاوون شركة لتصدير الحبوب الزيتية والامباز ومنتجات سودانية أخرى، واستطاعا تطويرها كإحدى أهم شركات التصدير في السودان، كما نجحا أيضاً في إنشاء فرع للشركة في جنيف حيث أسسا شركة “أوليجين” العالمية . وأصبحت لديهما مجموعة شركات معروفة عالمياً باسم “نوجا” تعمل في التجارة العالمية والمجالات المالية والإنشاءات والعقارات والفنادق، كان ليون تمام واخواه البرت وجابرييل قد أنشأوا في السودان شركات لتصدير جلود الطرائد والتماسيح والثعابين واقاموا معامل للدباغة، وفي أوقات لاحقة أنشأ ليون تمام أكبر مصنع للأدوية في السودان، ومن مكاتبه الرئيسية في لندن أسس شركة (إنترناشيونال جينيرك) المحدودة، ثم مجموعات شركات تجارية في المملكة المتحدة و”إسرائيل” وهونغ كونغ، أما أخواه ألبرت وجابرييل فقد أسسا شركاتهما المنفصلة في مجالات التجارة والعقارات في جنيف .


وأصبح الإخوة سيروسي فيكتور وشالوم وموريس أشهر الدباغين والمصدرين للجلود في السودان، وقد واصلوا نشاطهم في هذا المجال بعد مغادرتهم البلاد من بعدهم أبناؤهم وأحفادهم في نيجيريا والولايات المتحدة وفي أسواق الجلود العالمية الأخرى، أما أبناء عمهم أصلان سيروسي إدوارد وإيلي وجوزيف والبرت فقد حققوا نجاحاً كبيراً في أعمالهم بالسودان التي نقلوها إلى مهاجرهم الجديدة، خاصة ادوارد الذي استطاع بناء قوة اقتصادية كبرى في بلدان إفريقية أخرى أنشأ فيها شركات عالمية ومصانع ضخمة خاصة في مدغشقر حيث توسع في صناعة النسيج، ونقل نشاطه أيضاً إلى أوروبا وخاصة ألمانيا حيث أقام مكاتبه الرئيسية في هامبورغ وظل يحتفظ بمنزل له في “إسرائيل” حيث تقيم عائلته وأصدقاؤه يتردد عليه من وقت لآخر .


وكانت عائلة عبودي يعقوب والياهو وإبراهيم يمتلكون متاجر بأم درمان ويعملون كمستوردين صغار، وعندما غادروا السودان استطاعوا التوسع في أعمالهم التجارية فأقام يعقوب بالولايات المتحدة والياهو بلندن وهونغ كونغ وإبراهيم في “إسرائيل” .


وقد اهتمت دولة الاستعمار الإنجليزي بحصر ومعرفة تفاصيل الجاليات الموجودة في السودان . وقد تضمنت الإحصاءات تفاصيل تشير إلى أعدادهم وأسمائهم قبل الدخول في الإسلام والأسماء الأصلية والعناوين والحالات الاجتماعية .


ولقد انقسم اليهود إلى أربع مجموعات ثقلها الأكبر في الخرطوم (نحو خمس أسر) وآخرون في كردفان (أسرتان) وأسرة في بربر وأخرى في كسلا .


وفي خضم الصراع العربي-الصهيوني وحالة المد القومي الناصري والقوانين الاجتماعية والاقتصادية الجديدة كان حال يهود السودان كحال المسلمين والمسيحيين في السودان فطالتهم حركات المصادرة والتأميم الواسعة، التي أعلنها العقيد جعفر نميري . وكان التأميم الأِشهر، الذي أعلنه نميري هو تأميم مجموعة شركات “جلاتلي هانكي” عام 1972 بعد أن تمت إقالة كل إدارتها العليا . وتم تعيين إدارة جديدة وتبدل اسمها من “شركة جلالتلي التجارية المحدودة” إلى “شركات مايو التجارية” .


وكان سولومون ملكا رئيس الجالية اليهودية في السودان خلال الفترة من 1948 وحتى عام 1950 . ثم جدد له اليهود مرة أخرى “،1954 1955” وكان المدير التنفيذي لشركة جلاتلي هانكي، وهي الشركة العالمية المشهورة جداً وفرعها النشط في السودان .


وتعد عائلة سولومون ملكا أشهر العائلات اليهودية بالخرطوم، وكانت المتأثر الأكبر بقرارات التأميم، ليس على مستوى “جلاتلي هانكي” فحسب، بل على مستوى “بيت العائلة . فقد أممت مايو كل ممتلكاتهم . ومنها البيت الذي أصبح في ما بعد مقراً للاتحاد الاشتراكي السوداني ثم مبنى وزارة الخارجية .


تهجير المقابر


وصلت معلومة إلى يهود السودان مفادها أن حكومة النميري ستزيل مقابرهم لا سيما المقبرة المعروفة الواقعة في المنطقة الصناعية بالخرطوم “حي باريس” وتحويلها إلى مواقع أخرى . فتحركت وفود من بعض أسر اليهود عام 1975 بقيادة ليون كوهين . ورموز من عائلة تمام وأسرة إسحاق من لندن و”إسرائيل” وجنيف ل”إنقاذ” مقبرة أهلهم وذويهم . ونفذوا عملية نقل لرفات موتاهم عبر خط جوي غير مباشر إلى “إسرائيل” . واختارو للمقبرة موقعاً في القدس أطلقوا عليه اسم “مقبرة جالية يهود السودان” . . . .!! هذه رواية . . بيد أنه توجد رواية أخرى . . تقول إنّ بالمقابر رفات يهود آخرين ما زالت موجودة حتى يومنا هذا .


كان عدد أفراد الجالية اليهودية، بالسودان . قد تجاوز الألف شخص، حيث انتشروا ما بين الخرطوم وبحري وأم درمان ومروي ومدني وبورسودان .


لقد استغل يهود الخرطوم ذكاءهم وقدراتهم العالية في إدارة الأعمال فقفزوا بأنفسهم في مجالات الاستيراد والتصدير مستغلين علاقاتهم، بل وسيطرة أقرانهم من يهود الدول الأخرى . وبرز اسم حبيب كوهين، كمستورد كبير وتاجر جملة معروف . ودخل اليهود في تصدير الحبوب الزيتية، حيث ارتبط اسم ألبرت ونسيم قاوون، بهذا النشاط الصناعي . وحتى في الدباغة، فقد نزلوا بثقلهم . . فسيطر على هذا المجال سيروسي فيكتور وشالوم وموريس، وقد كانوا أشهر المصدرين للجلود على نطاق السودان .كما كانت هناك عوائل، مثل عبودي يعقوب وإلياهو، أصحاب متاجر بأم درمان .


إجمالاً، استطاع يهود السودان، أنْ يثروا ثراءً شديداً ويسيطروا على مقاليد مهمة في الاقتصاد السوداني وأصبحت لهم أنشطة تجارية، على مستوى القارة الإفريقية .


نشاطهم الاجتماعي


كانت نشاطات اليهود الاجتماعية في السودان، تدور في مكان واحد هو النادي اليهودي، القابع بشارع فيكتوريا “شارع القصر الآن” . وجذب هذا النادي، الشباب . حيث بدأ كنادٍ رياضي . ولما كانت كرة القدم هي الرياضة الأولى والمحببة لكثير من الشباب . دعا شباب اليهود بالسودان فريقهم لكرة القدم باسم “مكابي”، تيمناً باسم فريق مكابي “الإسرائيلي” لكرة القدم . . . وقد تحدث الكاتب السوداني شوقي إبراهيم بدري، في كتابه “حكاوي أم درمان”، عن العائلات اليهودية المندمجة في الحياة السودانية . ووصفهم بأنهم قدموا تضحيات كبيرة مقدرة من أجل السودان .


دور اليهود في جنوب السودان


كان السودان ومنذ القديم محط أنظار واهتمام اليهود، وقد أدركت “إسرائيل” أن الحركة الشعبية لتحرير السودان “المتمردة” هي المعبر المضمون لدخولها إلى جنوب السودان، وفي المقابل أدركت الحركة الشعبية أن مصالحها هي في تعميق صداقتها مع “إسرائيل” .


وهكذا قام “الإسرائيليون” والمتمردون بمد حبال التقارب بينهما، فتم التعاون والتنسيق بينهما، وبدأ زعماء الحركة بزيارة “إسرائيل”، في مقابل الزيارات الميدانية لجنوب السودان من قبل ضباط أمن ومخابرات “إسرائيليين”، ولقد تم هذا وسط سرور عميق من الغرب .


وأرسل عدد كبير من شباب الجنوب إلى “إسرائيل” لاتباع دورات عسكرية وأمنية مكثفة، واستطاعت الأخيرة تدريب حوالي 30 ألف متمرد في الحدود الأوغندية الشمالية وفي شهر مارس/آذار عام 1994 أقامت “إسرائيل” جسراً جوياً إلى مناطق المتمردين، كما أوفدت الخبراء العسكريين لتدريب المتمردين، وتوج هذا التعاون بين الجانبين؛ بإعلان اليهودي الجنوبي (ديفيد بسيوني) ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة الجنوبية التي تقود حركة التمرد وكان ذلك عام 2001 .


وكان من ثمار هذا التعاون أن أعلن متحف “الهولوكست” في مدينة نيويورك تضامنه مع المسيحيين الجنوبيين، حيث قال الناطق باسم المتحف ما يلي: “إنهم يتعرضون للإبادة الجماعية والتطهير العرقي” .


وسرعان ما كونت اللجنة العليا للمتحف لجنة باسم “لجنة الضمير” برئاسة يهودي متعصب يُدعى “جيري تاولر”، وأسفرت أعمال لجنة “الضمير” عن قيام معرضٍ أُلحق بالمتحف الهولوكوستي/ يُظهر مآسي حرب الجنوب . ولقد قاد اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية حملة قوية في الكونغرس لتبني حركة التمرد في جنوب السودان . وعبر عن تحالف اليهود مع الحركة الجنوبية المتمردة جنوبي يدعى (بول فاك) حيث كتب ما يلي: “إن القبائل النيلية ترجع في الأصل إلى النبي يعقوب، فهي قبائل سامية ذات أصل إسرائيلي؟!!” .


بعيداً وفي ما يتجاوز صحة أو عدم صحة ما عبر عنه (بول فاك) فإن التمرد الحاصل في الجنوب إنما هو من صنع المسيحيين المتصهينين .


وعندما سقط النظام السوفييتي الاشتراكي، وسقط معه النظام الإثيوبي ممثلاً بالجنرال (منغستو هيلا مريام) بدأت أمريكا تحيط التمرد بالعناية، وتمثل هذا بالآتي: 1 - عملت أمريكا من خلال المؤسسات والمنظمات التطوعية وبأيدٍ خفية على تقديم دعمها للحركة، وبما أشبع رضاها . 2 - طوّع اللوبي الصهيوني الإدارة الأمريكية بكافة أجهزتها الدبلوماسية والسياسية والمخابراتية، وكذلك الفرنجة المتشددين دينياً، ومن يدعون حماية الصليب والحقوق النصرانية وعلى رأس هؤلاء بوش الابن الذي قال في شهر مارس/آذار - عام 2004 سنتصدى لحفظ كرامة الإنسان، وضمان الحريات الدينية في كل مكان من العالم من كوبا إلى الصين إلى جنوب السودان .


وقد صدرت قبل سنوات دراسة عن مركز دراسات “إسرائيلي” مهم بإفريقيا بشكل خاص، وقد كتب هذه الدراسة عميد متقاعد يدعى موشي فرجي تحدث فيها عن العلاقة الرسمية والشخصية ل”الإسرائيليين” مع قادة حركة التمرد في جنوب السودان وكبيرهم جون قرنق، وقال فيها الآتي: “قد يبدو الموقف “الإسرائيلي” من التدخل في الصراع الداخلي الذي نشب في السودان، واعتبر في بدايته مجرد حدث محلي، غريباً ومحيراً بل ومثيراً للدهشة والتساؤل بسبب مجموعة من العوامل التي لابد من ذكرها ونحن نحاول تفسير أبعاد الدور “الإسرائيلي” في الأزمة السودانية الذي بدا في الآونة الأخيرة واضحاً وجلياً وسافراً أيضاً” .


مأمون كيوان
الخليج

(19 )ألف مواطن فى انتظار «التنمية» فى حلايب وشلاتين

«المصرى اليوم» :  19 ألف مواطن فى انتظار «التنمية»  فى حلايب وشلاتين داليا عثمان
المصري اليوم



الرحلة التى قامت بها «المصرى اليوم»، بدأت من مطار شرق بالقاهرة فى طائرة المجهود الحربى مع جنود وضباط القوات المسلحة، العاملين بكل شبر فى أرض مصر، واستمرت ساعتين، رغم أنها تبعد عن القاهرة بالطريق البرى بمسافة 1200 كيلو متر.

وصلنا فى اليوم الأول إلى «شلاتين»، بعد قطع مسافة 110 كم من مطار «برنيس» بالسيارة، فى ظروف مناخية لم تشهدها «حلايب وشلاتين» منذ التسعينيات بانخفاض فى درجات الحرارة وسقوط أمطار غزيرة .

أكثر من 19 ألفاً و500 مصرى، يعيشون فى حلايب وشلاتين، يحدثونك عن جذورهم وطبيعة المنطقة بشغف وهم يقدمون «الجبنة»، المشروب الرسمى كتحية الضيافة داخل إحدى خيام شيخ من شيوخ القبائل، فيرجعون بك إلى الحكى عن طبيعة «حلايب وشلاتين»، وما تتمتع به من ثروة طبيعية يمكن استغلالها سياحيا واقتصاديا، ويؤكدون لك أنهم مصريون حتى النخاع ولا تراودهم أحلام الانفصال.

فى البداية أصر الشيخ «الجامع الحسن» 90 عاماً من قبيلة البشارية، على استضافتنا وتقديم مشروب «الجبنة» داخل خيمته، التى تعتبر أهم واجب للضيافة عند أهالى «شلاتين»، فذلك المشروب كما يقول عبدالعزيز محمد، الذى كان يقوم بإعداده عبارة عن قهوة مخلوطة بـ «القرفة والزنجبيل» يتم إعدادها على نار هادئة، بعد الحصول على «بن خام» وتحميصه داخل أحد الأوانى المصنوعة من الصاج، ثم يتم طحنه داخل وعاء فخارى، ووضعه بعد ذلك فى الماء الساخن لمدة 3 دقائق فقط، وبعدها يتم صبه فى فناجين صغيرة.

وأوضح «عبدالعزيز» أن ذلك المشروب يتم تقديمه لأفراد المجلس، ويتناول الفرد من أبناء المكان، أكثر من 5 فناجين خلال المجلس، حيث تقدم فى أعداد فردية، والمشروب له فوائد لأنه يعطى طاقة، وعلى الضيف ألا يترك أى بواقى للقهوة داخل الفنجان، لأن ذلك يعتبرونه إهانة لهم، ومادام لم يقلب الفنجان على وجهه فمعناه أنه يريد المزيد.

انتقلنا بعد ذلك إلى الخيمة المجاورة، والتقينا صاحبها الشيخ على جمعة، من قبيلة العبابدة، وأخذ «جمعة « يشرح لنا محتويات خيمته التى بها العديد من الأشياء المعلقة فى سقفها والموجودة بأركانها، فمنها «الشعلوجة»، وهى لزوم حفظ الطعام وضمان طزاجته وتصنع من ألياف النخيل وجلود الجمال، فضلا، عن وجود «سروج الجمال» ويستخدم لزينة الجمل، كما يوضح «جمعة»، ويتراوح سعره ما بين 100 و 150 جنيهاً.

وأضاف «جمعة» أن هناك أكثر من 50 أسرة، تتجمع مع بعضها للعمل فى تلك المشغولات ومنها بعض الهدايا التذكارية، التى يشتريها بعض السياح أثناء زيارتهم للمنطقة مثل الميداليات وممسكات الشعر «توك»، فضلا عن ذهاب البعض من تلك السيدات للمشاركة بمنتجاتهن فى المعارض بالغردقة ومرسى علم، مشيرا إلى أهمية خامات الطبيعة فى صنع تلك المشغولات، وأن منزله مصنوع من خشب «السلم»، وهو خشب قابل للثنى ويتم إكسابه الشكل الدائرى وتغطيته من الخارج بسعف النخيل للحماية من حرارة الشمس والأمطار، أما من الداخل فيتم كساؤها بشعر الماعز وصوف الخراف.

أهالى منطقة «حلايب وشلاتين»، على الرغم من بناء الحكومة لهم بيوتاً حديثة، فإن البعض منهم يفضل المكوث فى مساكنهم داخل الجبل خاصة أوقات الأعياد والمناسبات، لكن الأغلبية العظمى منهم وهم الجيل الثالث، اندمجوا فى الحياة المدنية بعد بناء مساكن التوطين وهو ما أكده لنا رئيس مدينة شلاتين، خلال طريقنا إلى منزل الشيخ سر الختم العبادى، شيخ مشايخ قبيلة العبابدة، قائلاً: «أهالى المنطقة اندمجوا فى الحياة المدنية بعد بناء مساكن التوطين لهم- التى جاءت على طراز مميز يحمى من حرارة الشمس والأمطار- ووصل عددها إلى 172 وحدة، وتم إنشاء محطات لتوليد الكهرباء وقريبا سيتم ربط المنطقة بالشبكة الموحدة لجمهورية مصر العربية».

أضاف رئيس المدينة: «مدينة شلاتين تضم 5 قرى هى (أبو حميرة، أبرق، أبو رماد، حلايب ورأس حدربة) وعدد سكانها الأصليين 19 ألف نسمة و500 وحدودها الإدارية بعرض 135 كيلو متراً مع الحدود الإدارية لمحافظة أسوان وخط عرض 22 شمالا مع الحدود الدولية لدولة السودان، عند (رأس حدربة)، مؤكدا عدم وجود ما يسمى المثلث الممتد للسودان– كما يدعى البعض– لكن خط الحدود (22) مستقيم كما جاء فى التقسيم عام 1899 الذى يثبت أن منطقة شلاتين وتوابعها مصرية خالصة».

«بعد التقسيم عام 1899 الذى يثبت أن منطقة شلاتين وتوابعها مصرية خالصة، اهتمت الدولة بالمنطقة وبنت بها مدارس وجوامع ومستشفيات».. هكذا قال الشيخ سر الختم شيخ مشايخ قبيلة «العبابدة»، بعد وصولنا إلى مضيفته، التى هى عبارة عن بيت حديث، مكون من طابق واحد وأمامه حديقة– التى تعد مركز مؤتمرات القبائل وتناقش فيها مشاكلهم وعلاقات القبائل بعضها بالبعض.

قال «سر الختم»: «إن شلاتين من قبل كانت جبل وصحراء، لكن الآن تختلف عن فترة الثمانينيات والتسعينيات، حيث أصبحت بعض الطرق ممهدة وتوجد المياه والكهرباء الآن ويذهب أبناؤنا للمدارس».

وأضاف: «لاشك أن الجميع سعيد بما قدمته الحكومة المصرية، لكن على الرغم من ذلك، نريد بناء المزيد من وحدات التوطين، حيث لايزال البعض يعيش فى الجبال، مشيرا إلى أنه رغم تعليم الأبناء، فإنهم يعانون من انتشار البطالة، بسبب انخفاض المطر منذ التسعينيات واعتمادهم بشكل أساسى على حرفة الرعى».

وعلى الرغم من توافر بعض الخدمات ونقص البعض الاخر منها واستمرار بعض القبائل فى المعيشة فى الجبل، فإنهم يرفضون أن يكون انتماؤهم لأى دولة أخرى، وهو ما أوضحه الشيخ محمد أوشيك، من قبيلة البشارية قائلا: «كنا نعيش من قبل فى الجبال ولايزال البعض منا يعيش بها، والبعض الآخر يعيش فى المدينة ورغم نقص الخدمات، فإننا مصريون فنحن حراس البوابة الجنوبية لمصر ولن نرضى المساس بها ولا بسيادة مصر على أرضها».

وفى الوقت الذى يرفض فيه أهالى شلاتين، انتماءهم إلى دولة أخرى، فإنهم يعتبرون تقليص التجارة بين مصر والسودان، مشكلة، حيث أصبحت التجارة اليوم مقصورة فقط، على تجارة السمسم والكركديه والأعشاب والجمال، وهو ما أوضحه الشيخ عثمان صالحن، من قبيلة العبابدة، معربا عن أمله فى إعادة النظر فى فتح مجالات التجارة مع الجانب السودانى.

أضاف الشيخ «عثمان»: «للأسف رغم وجود تطور فى بعض مناحى الحياة هنا فإن المنطقة غنية بالعديد من الثروات المعدنية والحيوانية ولا يستفيد منها أحد لغياب المستثمرين والتبادل التجارى مع الجانب الآخر، فالمنطقة هنا معبر للتجارة بين مصر والسودان حيث تنقل الجمال من السودان إلى محافظات مصر عبر شلاتين، فضلا عن أنه منذ عامى 95 و96 لا يوجد مطر والحرفة الأساسية للأهالى هنا هى الرعى».

والرعى هو الحرفة الأساسية للسكان وهو ما أكده لنا الشيخ «سر الخاتم» خلال إصطحابنا إلى سوق شلاتين التجارية. وأوضح: «الحرفة الأساسية للسكان هى الرعى لكن انخفاض الأمطار منذ 10 سنوات أثر على هذه الحرفة، وهناك أيضا التجارة وتشمل الأعشاب والفحم والإبل والضأن والأقمشة والأغذية والخضروات والأجهزة مثل التليفزيون والكاسيت، حيث تم تنظيم التجارة البينية مع السودان وإلى دول أفريقية أخرى».

وعلى الرغم من تقليص التجارة بين مصر والسودان، فإن سوق شلاتين تعد عند الأهالى مثل منطقة «وسط البلد» التجارية فى القاهرة، والسوق أغلب مبانيها من الأخشاب ويتوفر بها أغلب السلع فتضم السوبر ماركت ومحال الفاكهة وأكشاك بيع العطارة، خاصة الشطة والسمسم السودانى والكركديه والجنزبيل وأنواع مختلفة من التوابل ذات الروائح النفاذة.

وفى الوقت الذى كثرت فيه محال العطارة، إلا أن أسعارها ليست زهيدة وأغلب البضاعة تم جلبها من السودان وهو ما أكده على الحسن على الحسين، صاحب محل عطارة، قائلا: «ثمن كيلو الشطة السودانى 32 جنيها، وتوجد لدينا منتجات مصرية وسودانية لكن الحركة حاليا داخل السوق خفيفة عن زمان».

«منذ الثمانينات وحتى التسعينيات كان يوجد تبادل تجارى مع السودان، لكن الآن هناك تقليص فى التجارة وتقتصر فقط على الأعشاب والعطور».. هذا ما قاله عبدالسلام على جابر، موضحا أن مصر تصدر حاليا للسودان، المعلبات والبسكويت وبعض الأدوات المنزلية، وأن قلة الأمطار أثرت على الحرفة الأساسية للأهالى وهى الرعى، حيث كانت السوق مركزاً لبيع وشراء الأغنام .

«كنا نعمل بالغنم ولكن قلة الأمطار أثرت على حركة التجارة داخل السوق وأدت إلى غلاء الأسعار فى السلع الأخرى».. بهذه الكلمات عبر عيسى محمود سويلم، ومصطفى فراج، عن حالة سوق شلاتين، حيث أوضح مصطفى، صاحب محل فاكهة أن أسعار الفاكهة والخضروات هنا مرتفعة، نظرا لجلبها من المحافظات المجاورة لشلاتين وبالتالى سعر نقلها يؤثر على أسعارها.

حالة الهدوء التى تسود سوق «شلاتين» لاتقتصر فقط على منتجاتها بل هى سمة عامة على الأهالى، الذين يترددون عليها، حيث تعم السكينة على المكان، بعد العصر. وقال قناوى سرور، الذى يعمل بأحد محال الطعمية: «شلاتين بلد هادية وأعمل بها منذ الساعة الرابعة فجرا وحتى الثالثة عصرا».

تغير شكل السوق كثيراً عما كانت عليه فى فترة الثمانينيات والتسعينيات، إلا أنه لا يزال لدى أهلها المزيد من الطموحات لتطويره وهو ما يعبر عنه الشيخ «سر الخاتم» الذى أصر على اصطحابنا لتناول العشاء، داخل أحد المطاعم بالسوق، وهو أفخم ما يوجد بالمنطقة، بما يقدمه من وجبات، أقرب فى مذاقها إلى أطعمة الأرياف، فهى عبارة عن فراخ وأرز وملوخية وبطاطس وتعد أفخم الموجود، بعد ذلك اختار لنا الشيخ «سر الخاتم» فندقا بالقرب من السوق للمبيت فيه خلال الرحلة..
295 كيلو متراً، هى طول الرحلة التى قطعناها على مدى 3 أيام من مطار «برنيس» ،التابع لمنطقة مرسى علم فى جنوب شرق القاهرة، مروراً بـ«شلاتين» وقراها وأبورماد، وصولا إلى حلايب فى أقصى الجنوب، ومنفذ «أبوحدربة» حيث آخر نقطة حدودية بين مصر والسودان.

لصين وجنوب السودان

الصين وجنوب السودانشهد النصف الأول من القرن الـ 20 تفوق النمو الاقتصادي لمعظم دول إفريقيا مقارنةً بدول جنوب شرق آسيا على الرغم من بعض المخاوف التي كانت سائدة في خمسينيات القرن الماضي إبان تحرر الدول الإفريقية من الاستعمار والمخاطر السياسية المحتملة آنذاك، إلا أن المخاوف السياسية تبددت في فترة الستينيات وحتى عام 1973 حين شهدت دول إفريقيا نمواً غير مسبوق تصاحب مع تسلم أنظمة وطنية لزمام الحكم، حيث عقدت عليها شعوب الدول الإفريقية الآمال لمواصلة مسيرة النمو الاقتصادي.

أما في مرحلة السبعينيات، فقد شهدت الدول الإفريقية تدهوراً في النظامين السياسي والاقتصادي، ليستمر منذ تلك الفترة التراجع الاقتصادي، فمثلاً استمر نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول إفريقيا جنوب الصحراء في التراجع بنحو واحد في المائة سنوياً منذ مطلع الثمانينيات ميلادية، لتصنف منطقة دول إفريقيا جنوب الصحراء حالياً كأفقر منطقة في العالم. وكحال أي متبرع أو أي جهة مانحة، بدأت جهود البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، والمانحين لدول إفريقيا جنوب الصحراء في مطلع الثمانينيات لمعرفة الأسباب الرئيسة وراء تراجع النمو في دول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تم تحديد أسعار الصرف والسياسات التجارية كأسباب رئيسة للتراجع الاقتصادي. من ناحية أخرى، تشير بعض الأبحاث التي كثيراً ما تشير إليها حكومات دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى أن السبب الرئيس وراء تراجع النمو الاقتصادي هو في تراجع قيمة الصادرات، فإلقاء اللوم على متغير خارجي بدلاً عن الأسباب المتعلقة بالسياسات الاقتصادية يريح الحكومات من تحمل مسؤولية فشل السياسات الاقتصادية.


وبينما يصنف تراجع قيمة الصادرات كسبب خارجي، يعزو البعض التراجع في الأداء الاقتصادي لدول إفريقيا جنوب الصحراء إلى أسباب داخلية بحتة كالظروف المناخية السيئة التي تؤدي إلى تردي مستوى الصحة عموماً، والتأثير على جودة وكمية المحاصيل الزراعية، إضافة إلى ميل حكومات الدول الإفريقية إلى البيروقراطية مقارنة بحكومات جنوب شرق آسيا والدول الفقيرة الأخرى.


وبغض النظر عن حجم التأثير النسبي لأي من المتغيرات على تأخر النمو الاقتصادي لدول إفريقيا جنوب الصحراء، تبدأ مختلف العوامل المؤثرة في تأخر النمو بالتفاعل مع بعضها البعض لتستمر عملية التراجع الاقتصادي ما لم يتم تحديد واستهداف العوامل الرئيسة التي تقف خلف التراجع الاقتصادي. فتراجع النمو الاقتصادي يؤدي إلى تراجع معدل الادخار للأفراد في الاقتصاد، مما يؤثر سلباً في الاستثمار وبالتالي تراجع الناتج بصورة أكبر، أي أن عملية التراجع الاقتصادي تحمل في طياتها عوامل الاستمرارية والتأثير التسلسلي السلبي في الاقتصاد.


لذا، فبتناول حالة السودان التي تعتمد كدولة موحدة على النفط وعلى تصدير السلع الأساسية الزراعية والحيوانية، فإن انقسامها الواضح منذ الآن سيؤدي إلى تركز نوع من عناصر الإنتاج في الجنوب مع صعوبة في خطوط التصدير ومع تراجع العوائد النفطية لشمال السودان واضطرابات سياسية قد تؤثر سلباً في الوضع الاقتصادي العام. فجنوب السودان يفتقر إلى البنية التحتية لبدء الدورة الاقتصادية منفرداً دون توافر الموارد المالية التي توفر السلع الرأسمالية للقطاعين الزراعي والحيواني بجانب احتياجات القطاع الصناعي التي تتطلب هيكلة قانونية واتفاقيات جاذبة للمستثمر الأجنبي ولطمأنة رؤوس الأموال بأن الاستثمار في الجنوب آمن لتلبية الطلب المحلي أولاً وللوصول إلى موانئ التصدير، ثانياً. فالسلع الأولية التي يستهدف تصديرها ومن ضمنها النفط الخام تحتاج إلى قنوات إمدادية وخدمات تتطلب تعاون السلطات السيادية التي تمر خلالها المنتجات والسلع. لذلك، من المتوقع أن تنتعش أولاً الصناعات التي تعتمد على الطلب المحلي والتي لا تحتاج إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية لحين جس نبض مستوى مخاطر وعوائد الاستثمار في السلع والمنتجات التي تستهدف الأسواق الخارجية من جنوب السودان.


وهنا تبرز أهمية تأمين السلع الأساسية من ناحية الاستخراج، والعلاج، والنقل والتصدير. ومن أهم الدول النهمة للحصول على الموارد الأولية وبالخصوص في إفريقيا هي الصين التي تتميز بانخفاض تكاليف العمليات الإمدادية وقدرتها على توفير قيمة مضافة لها.


وعليه، من المتوقع أن تحوز الشركات الصينية نصيب الأسد من المشاريع الحيوية وتلك المرتبطة بالبنية التحتية في جنوب السودان لتواجد الشركات الصينية في الدول المجاورة ووجود استراتيجية توسعية وتكاملية واضحة تستهدف توفير المواد الأولية للصناعات الصينية والتي تكسبها ميزة تنافسية بناء على أخذ المخاطرة في المناطق التي يحجم عن الاستثمار فيها الآخرون.


د.قصي بن عبدالمحسن الخنيزي

الاقتصادية

مقتل 21 سوداني في إشتباكات بين جيش الحكومة والمتمردين بدارفور


مقتل 21 سوداني في إشتباكات بين جيش الحكومة والمتمردين بدارفورالخرطوم (رويترز) - قال الجيش السوداني يوم الجمعة انه اشتبك مع مقاتلين من فصيلين للمتمردين في منطقة دارفور في معركة استمرت اربع ساعات وخلفت 21 قتيلا.
 
وقال ان قوات من حركتي العدل والمساواة وجيش تحرير السودان المؤيد لمني اركو مناوي نصبوا كمينا لقواته على طريق بين نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور والفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور مساء الخميس.

وقال الصوارمي خالد المتحدث باسم الجيش ان القوات السودانية قتلت 13 من الفصيلين في حين فقد الجيش ثمانية من أفراده.

ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من اي من فصيلي المتمردين.

وحمل الفصيلان المتمردان السلاح ضد الحكومة السودانية في 2003 متهمين اياها باهمال منطقتهم النائية في غرب البلاد.

وتراجع العنف في دارفور بالمقارنة مع أعمال القتل الواسعة التي كانت تتحدث عنها تقارير في بداية الصراع. لكن اشتباكات متفرقة تقع بين الجيش والمتمردين لاسيما منذ انسحبت حركة العدل والمساواة من محادثات سلام هشة في العام الماضي

الشروط الأمريكية الجديدة

قالت إنه يجب أن يسلم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية..رئيسة لجنة الخارجية بمجلس النواب الأميركي تنتقد تساهل أوباما مع البشيرالنائبة الجمهورية لينا ليتينين: أي تنازلات تقدم للخرطوم يجب أن تتضمن شروطا طويلة المدى
انتقدت عضو الكونغرس لينا ليتينين (جمهورية من فلوريدا)، الرئيسة الجديدة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، في أول جلسة استجواب بعد سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس، سياسة الرئيس باراك أوباما نحو السودان. وقالت إن أوباما يتساهل مع الرئيس السوداني عمر البشير، الذي قالت إنه يجب أن يسلم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية التي اتهمته بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب وخرق حقوق الإنسان.

واعترضت النائبة على تصريحات من مسؤولين أميركيين كبار قالوا إن اسم السودان سيرفع من قائمة الإرهاب إذا اعترف بنتيجة الاستفتاء، التي يتوقع أن تؤيد الانفصال تأييدا كبيرا. وقالت النائبة إن هناك «خطوات هامة بعد الانتهاء من تنفيذ اتفاقية السلام»، وإعلان الاستقلال المتوقع. وقالت إن أي تنازلات تقدم إلى حكومة البشير يجب أن تضع في الاعتبار التزامات وشروطا طويلة المدى، وليس فقط استقلال الجنوب.


وقالت النائبة: «السودان هو حقا في مفترق طرق». وكان عنوان جلسة الاستجواب: «السودان في مفترق الطرق». وشنت النائبة هجوما عنيفا على الرئيس السوداني عمر البشير، وقالت إنه يجب أن يسلم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية التي اتهمته بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب وخرق حقوق الإنسان. وقالت إن البشير مسؤول عن «عدد لا يحصى من التلاعب، وأعمال العنف التي كادت أن تعرقل تنفيذ اتفاق السلام الشامل، وبدا وكأن هذا اليوم لن يأتي». وأضافت: «مع ذلك، أجري التصويت بطريقة سلمية وذات مصداقية، بعد عقود من القمع من قبل النظام مرتكب الإبادة الجماعية في الخرطوم». وأشارت إلى أن الحرب في جنوب السودان خلفت أكثر من مليوني قتيل، وشردت أكثر من أربعة ملايين شخص.. «ولهذا، يستحق شعب جنوب السودان حقه في تقرير مصيره». وأضافت: «لسوء الحظ، العمل الأصعب لم يأت بعد». ووضعت ليتينين الشروط الآتية: «أولا: لا بد من التصديق على النتائج، وعلى قبولها. على الرغم من تعهد الخرطوم بقبول النتيجة، لديها تاريخ طويل من التراجع عن التزاماتها». «ثانيا: القضايا العالقة المتصلة بتنفيذ اتفاق السلام الشامل يجب أن تحل قبل انتهاء الفترة الانتقالية في يوليو (تموز) 2011، بما في ذلك: الحدود، المواطنة، الجنسية، تقسيم الثروة، النفط، المياه، الديون، العملة، الترتيبات الأمنية». «ثالثا: يجب حل الوضع المستقبلي لمنطقة أبيي، وبطريقة شفافة». «رابعا: المشاورات الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق يجب أن تستمر في المضي قدما لوقف المظالم التي طال أمدها». «خامسا: يجب عدم المتاجرة بالسلام في دارفور من أجل الاستقلال في الجنوب».


وشنت النائبة، وهي من ولاية فلوريدا، وأصلها من كوبا، وتمثل دائرة فيها عدد كبير من اليهود، هجوما عنيفا على الرئيس باراك أوباما. وقالت إنه قصر في الاهتمام بالسودان بعد أن صار رئيسا للجمهورية. وإنه تساهل مع الرئيس البشير. وإنه كان يجب أن يسير على خطى الرئيس السابق، الجمهوري، بوش الابن.


وقالت: «للأسف، يبدو أن إدارة الرئيس أوباما نسيت دروسا رئيسية من الماضي. نسيت أن حكومة السودان مسؤولة عن الإبادة الجماعية في دارفور. وأنها عرقلت وصول المساعدات الإنسانية إلى دارفور. وعرقلت تنفيذ اتفاقية السلام الشامل». وأضافت النائبة: «يبدو أن إدارة أوباما تريد الاستعجال بمكافأة النظام السوداني لأنه وقع على اتفاقية السلام، وسمح بنشر قوات حفظ السلام. لكن، لم يأت وقت ذلك بعد».


وأشارت النائبة إلى تصريحات كان أدلى بها أوباما خلال الحملة الانتخابية الرئاسية قال فيها: «أنا قلق للغاية للتقارير التي تفيد بأن إدارة الرئيس جورج بوش تتفاوض لتطبيع العلاقات مع حكومة السودان. هذه المبادرة طائشة، وساخرة. وهي مكافأة لنظام حكم ظالم في الخرطوم، ولديه سجل من الفشل في الارتفاع إلى مستوى التزاماته». وقالت النائبة: «رغم ذلك، فإن أوباما يتبع نفس المسار المضلل الذي كان أدانه». وقالت النائبة إنها لا تريد التقليل مما تم إنجازه داخل السودان بعد أن صار أوباما رئيسا. وأن الاستفتاء كان ذا مصداقية، رغم أنه كان «مهمة صعبة بشكل لا يصدق». وأضافت: «لكن، كان الاستفتاء مجرد بداية».


وقالت إن «الاختبار الحقيقي لالتزام النظام يمتد إلى ما هو أبعد من يوليو 2011، وأبعد من جنوب السودان». وعارضت النائبة وعود إدارة واشنطن لحكومة البشير. وقالت: «أنا أشعر بانزعاج بالغ بسبب خطوات سابقة لأوانها، للاستعجال بالتطبيع، وتخفيف العقوبات، وتخفيف عبء الديون».


وأشارت إلى قوانين كان أصدرها الكونغرس ضد حكومة البشير، منها قانون خلال رئاسة الرئيس الأسبق كلينتون، بسبب نشاطات السودان الإرهابية. ومنها قانون، خلال إدارة الرئيس السابق بوش الابن، بسبب دارفور. وقالت: «تربط معظم العقوبات التي فرضها الكونغرس بين السلام في جنوب السودان ومشكلة دارفور». وقالت: «لا يمكن تجاهل التطورات الأخيرة في دارفور. لا بد من استقرار الأوضاع هناك كجزء من متطلبات إصدار شهادات لتخفيف العقوبات».


واعترضت النائبة على تصريحات لمسؤولين أميركيين برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. وقالت: «يساورني القلق بسبب الاقتراحات التي قد تؤدي إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب قبل يوليو 2011. إزالة السودان من هذه القائمة ليست (نجمة ذهبية) يمكن تقديمها لتحقيق أهداف سياسية لا صلة لها بالإرهاب». وقالت: «هذا أمر خطير، ويؤثر مباشرة على المصالح الحيوية وعلى الأمن القومي لبلدنا».


وأشارت النائبة إلى أن الرئيس بوش كان وافق على إزالة اسم كوريا الشمالية من قائمة الإرهاب مقابل تنازلات رمزية تتعلق بمنشأة نووية هناك. لكن، في وقت لاحق، تراجعت كوريا الشمالية عن وعدها لتنفيذ نظام يعتمد على الشفافية، وانسحبت من المحادثات السداسية. ثم، في وقت لاحق، استأنفت كوريا الشمالية نشاطاتها النووية «بوقاحة»، كما قالت النائبة. وقالت النائبة إن أوباما يجب أن يتعظ من ذلك. وقالت: «يتعين على الولايات المتحدة المضي قدما بحذر شديد في تعاملنا مع النظام السوداني».


وأضافت: «الولادة المحتملة لدولة جديدة في جنوب السودان أمر بالغ الأهمية حقا. وستكون لها انعكاسات كبيرة في خارج المنطقة. وقد لعبت الولايات المتحدة دورا رئيسيا في جمع الأطراف إلى هذه النقطة. ومن مصلحتنا الوطنية أن نرى التقدم في العملية السلمية»


واشنطن: محمد علي صالح

الشرق الاوسط