Featured Video

هل تعلمنا الديمقراطية كي نمارسها؟




الوضع الذي آلت إليه بعض البلدان العربية التي أنجزت ثوراتها أشبه بوضع الشخص الذي كسب فجأة ثروة كبيرة، لكنه لا يحسن التعامل معها وتوظيفها بالشكل الصحيح. ولعل الديمقراطية هي الثروة الأهم التي سقطت في حضن بلدان الربيع العربي على حين غرة. لكن بسبب غياب التقاليد الديمقراطية الحقيقية الراسخة في بلداننا نتيجة عقود من الاستبداد والفساد والإفساد، ها هي مصر مثلاً تعاني الأمرين رغم إجراء انتخاباتها الرئاسية واختيار رئيس بطريقة شفافة. لماذا؟ لأن لا الفائزين ولا الخاسرين لديهم إرث ديمقراطي يمكنهم الركون إليه في إدارة البلاد وإيصالها إلى بر الأمان بعد الثورة. لا عجب إذن أن البلاد تمر منذ أسابيع في أزمة حقيقية يمكن أن تضر بها كثيراً إذا لم تتم معالجتها بالأساليب والأطر الديمقراطية المعروفة ريثما يتم بناء نظام الحكم الجديد على أسس ديمقراطية نابعة من صميم المجتمع قيادة وشعباً تجنب البلاد لاحقاً الهزات الخطيرة.

رغم أن مصر متقدمة أكثر من غيرها على طريق بناء الديمقراطية، إلا أن الأحداث الأخيرة التي رافقت الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس وردود الفعل الشعبية عليه، تظهر أن مصر وغيرها من بلدان الربيع العربي بحاجة ماسة لأن تبدأ حملة تربوية واجتماعية وثقافية مكثفة للتعريف بالديمقراطية أولاً، خاصة أن الكثير من العرب يختزل الديمقراطية في تخيلاته بصندوق الاقتراع، مع العلم بأن الديمقراطية أوسع وأشمل بكثير من مجرد رمي ورقة في صناديق الانتخابات لصالح هذا المرشح أو ذاك. إنها ثقافة حضارية كاملة ومتكاملة لا تنحصر في السياسة، بل تنسحب على باقي مناحي الحياة بدءاً بالبيت والمدرسة وانتهاء بالبرلمانات وقصور الرئاسة.

ماذا يعرف العرب عن الديمقراطية؟ من المؤسف أن كثيرين يخلطون بين هذه التركيبة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية المعقدة وبين الحرية المنفلتة من عقالها، لا بل إن البعض لا يفرق بين الديمقراطية والانقلاب على الخصوم. ولو سألت البعض عما تعنيه الديمقراطية بالنسبة له لقال إنها مرادف الحرية والتسامح والحصول على كل ما تريد. صحيح أن الحرية والتسامح والحقوق السياسية تدخل في صناعة الديمقراطية، إلا أنها مجرد تفاصيل بسيطة في تركيبتها، ناهيك عن أن الحرية التي يعنيها بعض العرب لا علاقة له لا من بعيد ولا من قريب بالحرية التي تنص عليها الديمقراطية.

لقد ظن البعض في مصر مثلاً على ضوء لجوئهم إلى العنف والتخريب في حملتهم ضد الإعلان الدستوري أن المعارضة تعني إجبار القيادة غصباً عنها على إلغاء السياسات التي أعلنت عنها، وإن رفضت، فلا مانع من الانقلاب عليها بالقوة. من المحزن جداً أن النخب المصرية المعارضة التي تشدقت طويلاً بالديمقراطية لم تستطع أن تلجم أنصارها وتردعهم عن اللجوء إلى البلطجة في معارضة رئيس منتخب ديمقراطياً بشفافية لم تشهد مصر لها مثيلاً في تاريخها. من المؤسف أن الكثيرين مازالوا يعتقدون أن الثورات مجرد انقلابات. كيف نمارس الديمقراطية إذا كان الكثيرين مازالوا يفكرون بعقلية انقلابية إقصائية! لماذا مازال البعض يتبنى بعد الربيع العربي مبدأ الانقلاب على الحاكم وليس مبدأ المعارضة السلمية الحضارية؟ ألا يعلمون أن الانقلاب أياً كان شكله وسببه ونوعه لن ينجب إلا دكتاتوريات؟

وللأسف، فإن الأمر لا ينطبق فقط على معارضي الرئيس المصري، بل أيضاً على بعض أنصار الرئيس الذين لا يمتلكون فكراً ديمقراطياً حقيقاً، مما يهدد بتحويل الثورة إلى ديكتاتورية جديدة. وكذلك فعل نظراؤهم في ليبيا، حيث لا يختلف بعضهم عن القذافي الانقلابي. ألا يعلمون أن الثورات التي لا تقوم على فكر ديمقراطي حقيقي ستتحول إلى دكتاتوريات مقيتة بالنتيجة؟ ألا يعلمون أنه عندما يكون العنف وسيلة التغيير وليس القلم والفكر والكلمة. سوف تكون أدوات الحكم هي أيضاً البندقية والسكين؟

متى نتعلم أن الديمقراطية نقيض الانقلابات؟ أليس من السخف أن يحاول البعض في مصر الانقلاب على الرئيس؟ ألا يعلمون أن الآخرين سينقلبون عليهم عندما تتوفر لهم الفرصة، ونكون بذلك بددنا الثورات وحولناها إلى نقمة على الشعوب والمجتمعات؟

لنتعلم أساسيات اللعبة الديمقراطية ونلتزم بها أولاً. لنتعلم أن الفائز في الديمقراطية يكسب كل شيء، حتى لو لم يفز سوى بواحد وخمسين بالمائة من الأصوات. إن عدم فوز الرئيس المصري بأغلبية الأصوات لا ينتقص أبداً من شرعيته، فالرئيس الفرنسي فاز بنسبة مشابهة، وكذلك الأمريكي، وبالتالي لا يحق لمعارضي محمد مرسي أن يعيروه بفوز ضعيف أبداً، ومن ثم يحاولون أن يسحبوا البساط من تحته.

لنتعلم أن الديمقراطية لا تعني الانفلات أبداً، بل لها أنياب حادة جداً حتى في موضوع الحريات. الديمقراطية لا تعني شتم الخصوم والافتراء وتشويه سمعتهم والتحريض عليهم إعلامياً وتدمير مقراتهم وحرقها، فمثل هذه التصرفات تودي بأصحابها في الديمقراطيات العريقة إلى غياهب السجون والغرامات الباهظة. هناك فرق كبير بين النقد والقدح، فالأول محمود ومطلوب، والثاني مذموم ويعاقب عليه القانون في الديمقراطيات. وليعلم رؤساء الأحزاب المتنافسة على السلطة أيضاً أن مناصبهم الحزبية لا تحميهم من أسنان القانون عندما يلجأون إلى التحريض ضد حاكم منتخب، كما فعل بعض رؤساء الأحزاب المصرية المعارضة للرئيس مرسي. كما لا يحق في الآن ذاته للرئيس أن يستخدم مناصريه للانتقام من معارضيه في الشوارع، فهذه ليست ديمقراطية، بل نوع من أنواع البلطجة السياسية التي لا تنتشر إلا في بلدان العالم الثالث التي تتشدق بالديمقراطية وتمارس أسوأ أنواع التشبيح السياسي.

نداء عاجل إلى كل بلدان الربيع العربي أن تدرج الديمقراطية كمادة دراسية في مناهجها الدراسية من الصفوف الابتدائية كي تصبح الديمقراطية جزءاً أصيلاً من جميع جوانب حياتنا، بدل أن تبقى ديكوراً مستورداً من الغرب لأغراض الزينة السياسية فقط. لا ديمقراطية دون ديمقراطيين.

 الشرق

 

0 التعليقات :

إرسال تعليق