Featured Video

العولمة وآثارها على إنسان السودان





العولمة وآثارها على إنسان السودان



الثقافة القومية في مواجهة العولمة

بلغ البحث المعرفي وما كتب حول العولمة Globalization وبخاصة في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية هذا القرن ، حدا طغى على ما عداه من الموضوعات في علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة ، نظر لما تشكله العولمة من تحدي حقيقي لكافة تلك العلوم السابقة ، ويكاد الباحثون لا يبالغون إذا قالوا إن كثيرا من الموضوعات في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية أصبحت تكتسب جزءا كبيرا من حضورها العلمي انطلاقا من ارتباطها الوثيق بموضوع العولمة ، ذلك أن هذه الظاهرة ، بصيغتها التي انتهت إليها في أعقاب ثورة الاتصالات والمعلومات الأخيرة ، أدت إلى إكساب العولمة زخما كبيرا وقدرة هائلة على إحداث التغير في صميم المجتمعات الإنسانية .

ومهما كانت المواقف إزاء العولمة وما تفضي إليه من جدل عميق لا تنتهي ، فإن هناك حقيقة غير قابلة للدحض ، مفادها أن التطورات التي ما زالت تتلاحق بوتيرة عالية في جميع المجالات العلمية وبخاصة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات أحدثت ما يمكن أن يطلق عليه اسم ( ثورة ما بعد الحداثة ) ، فكانت العولمة بمعناها العلمي الشامل وليس بمعناها الأيديولوجي الضيق ، استجابة حتمية لتلك الثورة المتعاظمة والجارفة .

محاولة لفهم مصطلح العولمة

العولمة هي واحدة من ثلاث كلمات عربية جرى طرحها كترجمة للكلمة الإنجليزية Globalization ، والكلمتان الأخريان هما الكوكبة والكونية .

والعولمة في اللسان العربي مشتقة من العالَم ويتصل بها فعل عولم على صيغة فَوعَل .

وللتعريف بمصطلح العولمة فقد تم طرح الكثير من التعريفات لشرح دلالتها ومفهومها ، وقد ركز أغلبها على العولمة الاقتصادية والسوق وهذا قد يكون عائدا إلى أن بداية العولمة كانت تتجه نحو السيطرة الاقتصادية تمهيدا للانطلاق نحو بقية المجالات الحياتية لدى شعوب العالم .

ومن أهم التعريفات لمصطلح العولمة تعريف اللجنة الأوروبية في عام 1997 والذي ينص على أن العولمة هي العملية التي عن طريقها تصبح الأسواق والإنتاج في الدول المختلفة معتمدة كل منها على الأخر بشكل متزايد بسبب ديناميات التجارة من السلع والخدمات وتدفق رأس المال والتقنية ، وهي ليست ظاهرة جديدة ،ولكنها استمرار للتطورات التي تتابعت لفترة طويلة.

ويعرف الباحث عباس برادة السني مصطلح العولمة بأنها تعني الاندماج الكامل لمختلف دول العالم عبر نموذج يستغل السوق والتجارة والمال والتقنية والغزو الإعلامي لفرض زعامة أصحابه وهيمنتهم . أما الباحث إسماعيل صبري عبد الله فقد عرف العولمة بأنها ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والإجماع والسلوك ، يكون فيها الانتماء إلى العالم كله عبر الحدود السياسية للدول ، ويسهم في صنع التحولات ظهور فعاليات جديدة هي الشركات المتعددة الجنسيات TNCS التي تتسم بالضخامة وتنوع الأنشطة والانتشار الجغرافي والاعتماد على المدخرات العالمية وتعبئة الكفاءات من مختلف الجنسيات .

أما الدكتور محمد عابد الجابري أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس بالرباط ( المغرب ) فيرى أن العولمة إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم و أمركته، لأنها تعمل على تعميم نمط حضاري يخص بلدا بعينه هو الولايات المتحدة الأمريكية، بالذات ، على بلدان العالم أجمع ، لذلك فهي تنحو باتجاه القضاء على الخصوصية الثقافية بشكل عام ، في الأذواق و أولويات التفكير و مواضيع التفكير و مناهج التفكير، أما وسائلها فهي سمعية بصرية، فتهدف المادة الإعلامية التي تروجها و تنشرها إلى (تكريس نوع من الاستهلاك ، لنوع معين من المعارف و السلع و البضائع ، معارف اشتهارية تشكل في مجموعها ما يمكن أن نطلق عليه (ثقافة الاختراق) ، و النتيجة التي ستحققها هذه العولمة الثقافية عبر وسائل الإعلام ، هي تعميق الاستتباع الثقافي و الحضاري بشكل عام.

أما بخصوص ثقافة الاختراق، أو مضمون هذه العولمة بشكل عام ، فهو كما ذكره باحث أمريكي ينحصر في الأوهام الخمسة التالية:

1) وهم الفردية .

2) وهم الخيار الشخصي .

3) وهم الحياد .

4) وهم الطبيعة البشرية التي لا تتغير .

5) وهم غياب الصراع الاجتماعي .

و بعد أن يشرح الجابري هذه الأوهام الخمسة ينتقل إلى أطروحة جديدة يؤكد فيها بأن العولمة: (نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، و يدفع للتفتيت و التشتيت. ليربط الناس بعالم اللاوطن و اللا أمة ، و اللادولة، أو يفرقهم في أتون الحرب الأهلية).

و بالنسبة لوضع الثقافة العربية، فقد وصفها الجابري بأنها تعاني من ثنائية في مستوياتها المختلفة، المادية و الروحية ، و هذه الثنائية هي نتيجة الاحتكاك مع الثقافة الغربية التي جاءت نتيجة تطور (قوامه التحديث و الحداثة) أما الثقافة العربية فلم تعش ذلك التطور بل بقيت بمعزل عنه تجتر وضعا قديما فتوقفت عن النمو منذ قرون كما يقول الجابري.

من جانب آخر يرى رونالد روبرتسون مؤلف كتاب العولمة 1992 ، أن العولمة تطور نوعي جديد في التاريخ الإنساني بعد أن أصبح العالم أكثر ترابطا وأكثر انكماشا ، كما يرى أن الوعي بهذا الترابط والانكماش هو إحدى سمات هذه اللحظة التاريخية ، ويرى أن النشأة التاريخية للعولمة قد مرت في خمس مراحل رئيسة هي :

1) المرحلة الجنينية .

2) مرحلة النشوء.

3) مرحلة الانطلاق .

4) مرحلة الصراع من أجل الهيمنة .

5) مرحلة عدم اليقين التي أدت إلى اتجاهات وأزمات في التسعينيات من القرن الماضي .

كما يعرف انتوني جيدنز Anthony Giddens مفهوم العولمة بأنها مرحلة جديدة من مراحل بروز الحداثة وتطورها ، تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي ، حيث يحدث تلاحم غير قابل للفصل بين الداخل والخارج ، وربط المحلي والعالمي بروابط اقتصادية وثقافية وسياسية وإنسانية

لماذا نقف في وجه العاصفة؟

قبل أن نناقش انعكاسات ظاهرة العولمة على البناء الثقافي في مجتمعاتنا العربية ، فإن من الأهمية بمكان أن نطرح التساؤل السابق ونحاول أن نضع بعض الإجابات المحتملة عليه ، والتي يمكن إيجازها بما يلي :

1) إن التقدم التقني الهائل في مجال الاتصالات والمواصلات ، أحدث انعكاسات خطيرة على النظم الفكرية والثقافية في الكثير من المجتمعات المحافظة.

2) العالم يتجه نحو الديموقراطية والانفتاح على العالم وهذا يفرض على الدول أن تحدد بدقة مفهومها للانتماء والمواطنة الصالحة.

3) لم يعد الصراع بين الدول صراعا عسكريا مسلحا ، بقدر ما هو صراع حضاري وثقافي وسياسي ، ويحتل الغزو الثقافي والاستقطاب الفكري مقدمة ذلك الصراع.

4) بروز فكرة العولمة وانتشار أثارها ، وما يتوقع لها من محاولة السيطرة بل والهيمنة على العديد من المجالات الاقتصادية والإعلامية والسياسية والثقافية والاجتماعية.

ثقافتنا في مواجهة العولمة

منذ سنوات طويلة أ ٌطلق في آفاق منطقتنا العربية صيحات من كل حدب وصوب تدعو إلى مواجهة الغزو الثقافي ، وما يمثله هذا الغزو من تحديات حضارية شاملة وتأثيرات سلبية داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية المحافظة .

و انبرت أقلام المثقفين وشذبت أسنة رماح مفكرينا لتوجيه الضربات والطعنات القاصمة نحو غزاة ثقافتنا العربية والإسلامية ، فدبجت مئات المقالات التي احتوت على ما لذ وطاب من الأفكار وكل تبارى في استعراض عضلاته اللغوية للذود عن حمى هويتنا الحضارية ومكافحة حالة الاستلاب الثقافي.

وكما جرت العادة لدى مفكرينا ومثقفينا ، فقد تم تبادل الاتهامات وتحولت الساحة العربية الثقافية إلى ساحة للغوا تتبارى فيها الأقلام لتسديد الركلات نحو بعض الجهات التي اتهمت بالتبعية للغرب ، كما تم توجيه يد الاتهام نحو بعض النخب الثقافية المغتربة على اعتبار أنها رأس الحربة في خاصرة الثقافة العربية .

لقد ساهم الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب ، وانقسام دول العالم الثالث بين مناصر أو مناهض للشرق أو الغرب في دعم الجهود التي كانت تبذل لمواجهة ومقاومة بعض عناصر الغزو الثقافي.

إلا أن هذه المرحلة التي كثر الحديث فيها حول الغزو الثقافي وتداعياته السلبية ، لم تكن وسائل الإعلام والاتصالات قد بلغت من التطور والتقدم ما وصلته الآن ، وقد واكب ذلك أحداث سياسية واقتصادية جمة أثرت على الساحة العالمية ، تمثلت في انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي والذي فسر على انه انتصار ساحق للمعسكر الغربي وانتصار مظفر للرأسمالية وللنموذج الغربي الليبرالي ، وبدأ الحديث عن القطب الواحد الذي يسير دواليب الاقتصاد العالمي ، بحيث يتم تحرير الأسواق العالمية وإلغاء الحواجز الجمركية ، والدعاية والترويج لحقوق الإنسان والديموقراطية والتأكيد على ضرورة تبني الأيديولوجية الليبرالية الغربية جملة وتفصيلا .

وهكذا انتشر تسونامي الثقافة الغربية ، مستغلة تفوقها الاقتصادي والعسكري ، فتم الترويج للعولمة الاقتصادية داخل القطاعات الاقتصادية في دول العالم الثالث ، وانطلقت الأصوات التي تدعوا إلى الخصخصة وتقليص دور الدولة في تسير الاقتصاد الوطني ، وتحرير الأسواق المحلية وفتحها أمام الإنتاج العالمي ، وإطلاق يد الشركات العملاقة متعددة الجنسيات في تلك الدول ،وبالتالي بدأ الحديث عن العولمة كظاهرة جديدة وموجة حديثة ، ولم يكن المستويين الاقتصادي والسياسي هما من تعرض لهذه الموجة العاتية ، بل شمل ذلك المستوى الثقافي وما نجم عنه من إحداث تغيرات في البنى الاجتماعية والفكرية والعقائدية .

ومن هنا ظهر مفهوم العولمة الثقافية وكأنها زلزال كاسح جارف سيقضي على جميع الخصوصيات الحضارية لجميع الشعوب غير الغربية ، بل أن شعوبا أوروبية شعرت بهذا الخطر ، فهي تدرك جيدا إنها عولمة في الخارج أمركة في الداخل وخصوصا عندما نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تهيمن وتمتلك اكبر ماكينة إعلامية عالمية ، كما أنها تسيطر سيطرة مطلقة على شبكة الإنترنت وعلى كبريات محطات التلفزة والإعلام العالمية .

من هنا فقد انتقل حديثنا السابق حول الغزو الثقافي إلى الحديث عن الاختراق الثقافي الذي يصعب صده أو السيطرة عليه ، فأخذنا بملاحظة أن نمط الحياة الغربية أصبح سائدا ، وهيمنت اللغة الإنجليزية والثقافة الغربية على حياتنا وقيمنا وسلوكياتنا وأنماط عيشنا وأذواقنا ومأكلنا ومشربنا وكل تفاصيل حياتنا اليومية وكل ما يتعلق بشؤون الأسرة والمجتمع 

إن المقدرة العجيبة والقوة الهائلة لوسائل الإعلام الأمريكية على نشر القيم والمفاهيم الأمريكية في شتى أنحاء العالم ، كان لها اكبر الأثر في إعطاء زخما قويا للعولمة في شتى أنحاء العالم ، ومن أهم هذه القيم والمفاهيم التي تحاول وسائل الأعلام الأمريكية ترويجها نذكر:

1) ترويج قيم المنافسة وتمجيد القوة.

2) التأكيد على الفردية.

3) نشر ثقافة الاستهلاك.

4) الدعوة إلى تحرير الرغبة الإنسانية من كل القيود.

5) إبعاد كل ما هو غيبي عن حياة الإنسان.

6) السعي الحثيث لتحقيق الرغبات الشخصية دون اعتبار لقيم الحق أو العدل كما بشرت بها الأديان .

هذه المفاهيم التي بدأت تتغلغل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، انعكست آثارها على حياتنا اليومية بشكل مباشر فظهر التفسخ الأخلاقي والتفكك الأسري وزادت معدلات الجريمة في مجتمعاتنا وتغيرت اهتمامات وأهداف المواطن العربي بشكل كبير وخصوصا خلال السنوات العشر الماضية .

الهوية العربية والإسلامية في مواجهة العولمة

منذ أن سيطر الغرب على العالم العربي والإسلامي وهو لا ينفك في نشر ثقافته ولغته وحضارته بين أبناء تلك الشعوب المستضعفة وقد تم استغلال الضعف الذي كانت تعاني منه الثقافة العربية والإسلامية بسبب السيطرة الاقتصادية والعسكرية للغرب وأيضا بسبب الضعف التاريخي الذي لحق بالثقافة العربية والإسلامية إبان الحكم التركي الجائر والمستبد.

لقد حاول الغرب تهميش اللغة العربية بكل الوسائل على اعتبار أن اللغة هي الرابط الوحيد بالموروث الثقافي للأجداد ، وبالتالي فإن طمس اللغة العربية سيقابله طمس للهوية القومية والإسلامية.

لقد تعامل المفكر العربي والإسلامي مع هذه المحاولات على أساس أنها محاولات لا تمس جوهر الهوية ، لأن الهوية راسخة وتحمل بعدا عقائديا وقوميا في نفوس أبنائها ، وبالرغم من وجود نخب سياسية دعمت وروجت للثقافة الغربية ، إلا أن الثقافة العربية والإسلامية لم تجد صعوبة علمية وعملية في نقد هذه العناصر الشاذة والكشف عن أهدافهم الحقيقية والرد عليهم مما أدى إلى تراجعهم وانحسارهم ، بل أن ذلك شجع على قيام موجات مناهضة للثقافة الغربية شكلا ومضمونا ، وقد انتشرت بشكل واسع داخل الأوساط الثقافية والاجتماعية ومن ثم تعززت مكونات الهوية في الوقت الذي تصاعدت فيه موجات الدعاية للثقافة الغربية.

ومن الجدير ذكره أن من أهم المظاهر الاجتماعية والثقافية والفكرية التي انتشرت خلال العقود الثلاثة الماضية ، كنت ظاهرة المد الإسلامي أو الأصولية الإسلامية كما يحلو للإعلام الغربي تسميتها ، وقد دعا أصحاب هذا المد إلى محاربة الحضارة الغربية ورفض الثقافة الغربية والتشبث بالقيم العربية والإسلامية والعناية بالموروث القيمي الحضاري لأمتنا ، وقد وجد هذا المد استجابة وقبولا في الأوساط الاجتماعية وأيضا لدى النخب الثقافية وذلك كرد فعل طبيعي على عقود طويلة من الاضطهاد الغربي للثقافة العربية والإسلامية والعداء الشديد الذي مارسه الغرب تجاهنا وتجلى ذلك في الاحتلال العسكري والاقتصادي المباشر والاستعمار والانتداب لمنطقتنا العربية .

إن هذه الصحوة الإسلامية عززت الهوية الحضارية العميقة لامتنا وأثبتت أن كل الضربات والطعنات التي وجهت إلى كيان وضمير وثقافة هذه الأمة لم يحدث الدمار الذي كان متوقعا ، ولم يبدد ويلاشي الهوية الإسلامية بل أن هذه الصحوة الإسلامية خلقت تيارا متطرفا يدعوا إلى الانغلاق ورفض كل ما هو غربي وأصبح ينظر إلى الأمور من منظور ضيق للغاية.

إن الحديث عن أزمة الهوية العربية والإسلامية والتحديات الهائلة التي تواجهها من طرف الحضارة الغربية ليس وليد بروز ظاهرة العولمة الثقافية فحسب ، وإنما يرجع إلى بداية الاحتكاك العسكري والثقافي مع هذه الحضارة قبل قرنين من الزمان ، لكن ما يميز ظاهرة العولمة هو كون التحديات الآن أخذت بعدا جديدا ، يتسم بالشمولية والخطورة ، حيث أن الثقافة الغربية امتلكت الآن الوسائل والأدوات القادرة على الوصول إلى عقل الإنسان العربي وعقل الإنسان المسلم وبشكل دائم ومستمر ، كما امتزجت وتداخلت مع عدد كبير من المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية ، لذلك فقدرتها على التأثير وأصبحت مضاعفة وغير محددة .

وأمام كل الإخفاقات والخيبات والهزائم والصراعات التي تعاني منها كافة المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العالمين العربية والإسلامي ، فإن أرضية التأثير وقوة التغير والاستيعاب أصبحت مهيأة أكثر لاستقبال موجات الثقافة الغربية وهي تدعو إلى نشر قيمها باعتبارها قِيمةً إنسانية متقدمة وعالمية تكونت نتيجة قرون طويلة من الخبرات والتجارب الإنسانية في أكثر من مجال وعلى أكثر من صعيد .

هذا الوضع الجديد الذي وصل إليه الاحتكاك و الذي أخذ طابع الصراع في أكثر الأحيان، و الإمكانيات التقنية الهائلة التي تملكها الثقافة الغربية ، و الوضع المزري الذي يتخبط فيه العالم العربي و الإسلامي، هو الذي يؤرق النخب المثقفة العربية و الإسلامية ، و يجعلهم يتوجسون خيفة من العولمة الثقافية، أكثر بكثير من خوفهم من الغزو الثقافي الذي عالجوه و ناقشوا تداعياته من قبل.

فهذه العولمة شاملة و ليست ثقافية فقط ، و إنما اقتصادية و سياسية، و هذان العنصران يدعمان الثقافة بشكل كبير، لأنها بدورهما يساعدان الثقافة على التجذر و التعمق بإعتبارهما خيارات حضارية تستجيب لحتمية التطور. و هذا يشكل تحديا خطيرا للهوية العربية و الإسلامية لم يسبق لها أن تعرضت له بنفس الحجم و القوة و الخطورة.

لذلك نجد أن النخب المثقفة العربية و الإسلامية هرعت لمناقشة ظاهرة العولمة الجديدة ، لمعالجتها و الكشف عن أخطارها على جميع المستويات الاقتصادية و السياسية و الثقافية و قد عقدت أكثر من ندوة و مؤتمر لمناقشة هذه الظاهرة، كما خصصت مجموعة من الدوريات المتخصصة بشؤون الفكر و الثقافة وتم نشر ملفات لمناقشة تداعيات العولمة و التعريف بها.

دعوة لمكافحة زحف العولمة

إن التعامل مع العولمة ومحاولة السيطرة على جبروتها يتطلب الكثير من الجهد والتحلي بالثقافة العالمية الواسعة ، وقد دعا الكثير من المثقفين العرب والمسلمين إلى ضرورة إتباع أسلوب الممانعة الثقافية عبر المقاومة الايجابية لهذه العولمة أو السيطرة الواعية على الثقافية الغربية كما يسمونها وذلك عن طريق استعمال الأدوات عينها التي تحققت بها الجراحة الثقافية للعولمة ، كما أشار بعض علماء الاجتماع الثقافي إلى أن فعل العدوان الثقافي غالبا ما يستنهض نقيضه وهذا في حد ذاته نوع من الممانعة الثقافية.

وفي هذا الصدد يقترح الدكتور أحمد صدقي الدجاني أنه لكي تأخذ ثقافتنا مكانتها ضمن هذه العولمة ، فإنه يجب أن نحسن تقديمها ، فعلينا أولا أن نعتني بها عن طريق الاهتمام بقطاع التربية والتعليم وان نهتم بتوفير الذاكرة الأدبية والذاكرة التاريخية لأبنائنا ، كما يؤكد على ضرورة الاستفادة من التقنية المعاصرة لأنها ملك عالمي.

وفي الحقيقة فإن العديد من المفكرين العرب يجمعون على أن التفوق التقني والتكنولوجي والعلمي تستثمره العولمة الثقافية الغربية بشكل هائل ، ويرى هؤلاء المفكرون أنه لا يمكن إيقاف هذه الهجمة الإعلامية ، لكن يمكن الحد من تأثيراتها السلبية عن طريق إيجاد قنوات فضائية عربية و إسلامية ، وأن ننشر أدبياتنا وأفكارنا وفنوننا في شتى أنحاء العالم ، وأن تنفتح بلادنا على بعضها ، فيكفينا تمترسا خلف الحدود الاستعمارية المصطنعة ، أيضا من الأهمية بمكان أن نتكتل اقتصاديا وان تكون كافة القنوات الإعلامية مفتوحة أمام شعوب منطقتنا .

أما إذا لم نهيأ مثل هذه البدائل فان العواقب ستكون وخيمة إذ سوف تعمل التبعية الثقافية إلى تجذر وتعميق التبعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

برامج التصحيح الاقتصادى والمتمثلة بوصفات البنك الدولى  اوأهمها:

1ـ إلغاء دعم المواد الغذائية الأساسية (الدقيق والسكر والأرز والحليب)، ورفع أسعار كثير من الخدمات الأساسية مثل أسعار المياه والكهرباء والنقل والمحروقات وغيرها، ورفع الدعم عن التعليم تدريجيا، خاصة فى مجال التعليم العالى، وإلغاء الحماية الجمركية عن الصناعات الوطنية، وتخفيض الجمارك على سلع ومواد لا تهم الفقراء، وفرض ضرائب إضافية، ولكن كان المتضررون منها فعلا هم الفقراء وليس الأغنياء مثل: ضريبة المبيعات، وضريبة القيمة المضافة، وإصدار قوانين جديدة تضر بمصالح الفقراء، ورفع الدعم عن كثير من المؤسسات ذات الأهداف الخدمية مثل النقل، والاتصال أو تخفيضها مثل الخدمات الصحية.

توقيع اتفاقيات (الجات) ومنظمة التجارة الدولية (WTO) ليس من صالح الدول النامية على الإطلاق، بل هى وسيلة من وسائل الهيمنة على التجارة العالمية ولمصلحة الدول الصناعية الكبرى، وأن الدخول فى هذه المنظمة يؤدى إلى إضعاف شبكة الأمان الاجتماعى فى الدول النامية، واختراق الخصوصية الثقافية لها، واختراق السيادة الاقتصادية والاجتماعية من خلال حماية الملكية الفكرية، وسيطرة رأس المال الأجنبى على الصناعات والمصادر الطبيعية والتكنولوجيا وخدمات الاستشارات والبحث والتطوير والاتصالات والخدمات المصرفية والخدمات العلاجية فى المستشفيات والسياحة، وحتى الخدمات الترفيهية حيث نصت وثيقة الانضمام إلى منظمة (WTO) على التزامها بالسماح بملكية المستثمر الأجنبى 100% من رأسمال المشاريع والشركات والمصانع خلال الفترة من عام 2000 إلى 2005.

2ـ الخصخصة المتمثلة فى بيع جزء أو كل أسهم القطاع العام الحكومى إلى شركات أو مساهمين أجانب تحت مسمى البحث عن شريك استراتيجى وهذا التوجه العالمى وإن كانت فيه إيجابيات فى الدول الرأسمالية ذات الاقتصاد الحر، فإن له مخاطر مستقبلية على الاقتصاد الوطنى فى الدول النامية، خاصة سيطرة رأس المال الأجنبى على المؤسسات الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية والمصادر الطبيعية والاتصالات، وكذلك على بعض الخدمات، حيث إن شروط ومبادئ الخصخصة هى السماح للمستثمر الأجنبى بتملك 100% من أسهم الشركات والمؤسسات الوطنية.

فرض السياسات الاقتصادية، وفق مقتضيات الخصخصة وأيديولوجية الليبرالية الجديدة عبر مركزية دور القطاع الخاص فى إطار تحالفه العضوى مع البيروقراطية العليا أو النظام الحاكم المعبر عن الطبقة السائدة فى كثير من بلدان العالم الثالث، خاصة أن القطاع الخاص فى الدول النامية قد تحول ـ إلى حد كبير ـ إلى جهاز "كومبرادورى" كبير فى خدمة النظام السائد ونظام العولمة الإمبريالى فى آن واحد، بعد أن ألغى هذا القطاع ـ فى معظمه ـ كل علاقة له بالمشروع التنموى الوطنى أو القومى، وأصبح همه الوحيد الحصول على الربح ولو على حساب مصالح وتطور المجتمعات النامية واستقلالها الاقتصادى أيضا، تركت العولمة مجموعة من الآثار السلبية على الاقتصادات الوطنية فى الدول النامية، منها: ارتفاع مديونية الدول من (50) مليار دولار قبل عهد التصحيح الاقتصادى إلى 116 مليارا خلال فترة التصحيح، وانخفاض قيمة الصادرات من 4.2% عام 1990 إلى 2.5 فى عام 1998، وتضاعف عدد الفقراء فقرا مدقعا فى الدول النامية، كما تزايد أعداد الفقراء فقرا مطلقا بشكل كبير، وبالضرورة تضاعف أعداد العاطلين عن العمل، حيث وصلت نسبتهم فى بعض الدول النامية إلى 30% من القوى العاملة فيها وبين خريجى الجامعات خاصة.

أما على المستوى السياسى، فتبدو الآثار السلبية فى إسقاط العديد من القواعد المستقرة فى إدارة العلاقات الدولية، حيث دخلت هذه العلاقات تحت الإشراف المباشر وغير المباشر للولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها الأحادية.

كما تحولت أقاليم عديدة فى هذا الكوكب إلى مسارح استراتيجية مضطربة، بدأت، أو أنها فى انتظار دورها على البرنامج، وهى مسارح أو أزمات مفتوحة على جميع الاحتمالات وفى جميع القارات، كما جرى فى يوغسلافيا أو البلقان وألبانيا والشيشان، وما أصاب هذه البلدان من تفكك وخراب أعادها سنوات طويلة إلى الوراء، وكذلك الأمر فى إندونيسيا وأزمة بلدان آسيا الاقتصادية والسياسية وفى باكستان والهند وبنجلاديش وسيريلانكا، وأزمات الدول الإفريقية، ومنها: الصومال وجيبوتى وموريتانيا والكونغو والسودان وغيرها وصولا إلى بلدان أمريكا اللاتينية وتزايد الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فيها كما تتفاقم هذه الأزمات فى الشرق الأوسط ، حيث يتفجر الصراع الوجودى بين العرب والصهاينه ، وتتفجر الأزمات الداخلية فى الجزائر والسودان واليمن ومصر وتونس وسوريا ولبنان والعراق  إلى جانب الاحتلال الإمبريالى لفلسطين.

3ـ إضعاف وتهميش دول عدم الانحياز، ومنظمة الدول الإفريقية، والجامعة العربية، ومنظمة الدول الإسلامية، وكافة المنظمات الإقليمية التى نشأت إبان مرحلة الحرب الباردة، والتى تكاد اليوم تفقد بوصلتها ودورها.

 ومن الآثار العسكرية السالبة للعولمة على الدول النامية،  أتت تحت شعار مكافحة الإرهاب ومحور الشر ، وصراع الحضارات وغيرها من مبررات التدخل للهيمنة ، وكان من نتائج هذه الأعمال تشكيل تحالفات دولية ترتب عليها حرب الخليج، وحرب البوسنة والهرسك، وغزو الصومال، واحتلال أفغانستان والعراق.

أما عن النتائج السلبية المباشرة وغير المباشرة للهيمنة العسكرية والسياسية لهذه التحالفات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على الدول النامية، فقد تمثلت فى استنزاف دخل البترول فى السعودية ودول الخليج وارتفاع فاتورة مساهمة تلك الدولة فى تغطية نفقات حرب الخليج، حيث بلغت قيمتها أكثر من مائتى مليار دولار حتى الآن، هذا فضلا عن تقلص مساهمة الدول الخليجية فى كثير من المؤسسات العربية والإسلامية الخيرية، مما كان لها آثار سلبية مباشرة على برامج المساعدات المقدمة إلى العديد من الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدنى فى الدول العربية التى تعانى من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة فيها.

وأخيرا، تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر فى عمل مؤسسات المجتمع المدنى العربى والإسلامى، وتجميد أرصدتها وإغلاق العديد من هذه المؤسسات.

كما غزت العولمة سيادة الدول،  ويبدو واضحآ في النظم السياسية للدول النامية بتهميشها وفق شروط الهيمنة الأمريكية التى جعلت دور الدولة فى بلدان العالم الثالث يقتصر على الجانب الأمنى والقمعى لحماية المصالح الرأسمالية الخارجية والداخلية المتشابكة، بعد أن نجحت هذه الشروط فى تصفية دور الدولة الإنتاجى والخدمى الذى كان مخصصا فى المراحل السابقة لتغطية بعض احتياجات الناس الضرورية ، وبتراجع دور الدولة  القومي الوطنى والاجتماعى، ترعرعت المصالح الشخصية البيروقراطية والكومبرادورية والطفيلية، باسم الخصخصة والانفتاح، مما أدى إلى تفكك الروابط الوطنية والقومية والإقليمية، إلى جانب عوامل التفكك وشبه الانهيار المجتمعى الداخلى المعبر عنه بإعادة إنتاج وتجديد مظاهر التخلف بكل مظاهره القبلية والإثنية والعنصرية والدينية، التى ترافقت مع تعمق الفجوات الاجتماعية ومظاهر الفقر المدقع بصورة غير مسبوقة فيها.

إن النتائج الناجمة عن اندماج البلدان النامية فى العولمة تشير إلى عدد من الحقائق، منها:

1ـ أنه بالرغم من ارتفاع حجم التجارة الدولية إلى 9.2 تريليون دولار عام 2003 (وهى اليوم فى منتصف عام 2006 تقدر بنحو ـ 10 تريليونات دولار سنويا)، فقد ظل نصيب مجموعة البلاد النامية من التجارة العالمية ثابتا خلال العقود الثلاثة الماضية حول 18% بما فى ذلك نصيب الدول المصدرة للنفط، رغم أن سكان هذه المجموعة من البلاد يشكلون 75% من إجمالى سكان العالم.

2ـ بالرغم من أن دعاة العولمة والتحرير المالى والتجارى كانوا يزعمون أن البلاد النامية سوف تستفيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلا أن ذلك لم يحدث فقد تبين فى العقدين الماضيين أن أكثر من 90% من حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة تذهب أساسا إلى البلدان المتقدمة (الولايات المتحدة، أوروبا، اليابان، والصين). أما بقية البلاد النامية، فقد حصلت على أقل من 10% من تلك الحركة وفى هذا السياق، تشير البيانات الخاصة بالاستثمارات العالمية إلى أنها بلغت عام 2000 (1393) مليار دولار، وقد تراجعت بنسبة 40% عام 2001 على أثر أحداث 11 سبتمبر وتركزت هذه الاستثمارات بنسبة 90% منها فى الدول الصناعية، حيث لم تتجاوز قيمة الاستثمارات الأجنبية التى تدفقت إلى الدول النامية 162.1 مليار دولار عام 2002 ولم تزد على حدود هذا الرقم حتى عام 2005.

3ـ ارتفع إجمالى رصيد ديون البلدان النامية بشكل دراماتيكى فى العقد الماضى من 603.3 مليار دولار عام 1980 إلى 2172 مليار دولار عام 1997، ووصلت إلى ما يقرب من 2.5 تريليون دولار عام 2004 ومع نمو حجم هذه الديون، ارتفعت أسعار الفائدة ومعدل خدمة الدين الذى وصل فى بعض هذه البلدان إلى ما يزيد على 100%.

4ـ إن عولمة الأسواق المالية وما انطوت عليه من إجراءات للتحرير المالى كانت ذات آثار مهمة وخطيرة على البلاد النامية فقد أدت إلى إلغاء الحظر على المعاملات التى يشملها حساب رأس المال والحسابات المالية لميزان المدفوعات وكذلك، فإن هذه الإجراءات عرضت الجهاز المصرفى للأزمات، ولتدفق الأموال القذرة (غسيل الأموال)، وتعرض البلد لهجمات المضاربين، وإلى إضعاف السيادة الوطنية فى مجال السياسة المالية والنقدية، وشجعت على هروب واسع لرءوس الأموال الوطنية للخارج.

5ـ تراجعت مساهمة الدول النامية (146 دولة) فى الناتج المحلى العالمى (البالغ كما فى نهاية 2004 [36] تريليون دولار) إلى 29 % مقابل 71% للدول المتقدمة (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى واليابان) أما فيما يتعلق فى مساهمة دول الشرق الأوسط، فقد شاركت بنحو 2% من إجمالى الناتج المحلى العالمى.

ومما سبق، يمكن القول إن البلاد النامية تعانى من وضع غير متكافئ لها فى الاقتصاد العالمى، وإن هذا الوضع يتدهور فترة بعد أخرى تحت تأثير سرعة اندفاع قطار العولمة والتحرر المتسارع لاقتصادات هذه البلاد وإدماجها فى الاقتصاد العالمى، وإن هذا الدمج والتحول المفاجئ والالتزام المبكر بقواعد العولمة والليبرالية والتحرير الاقتصادى كانت له نتائج سلبية، وأحيانا مدمرة على اقتصاد البلدان النامية، حيث وضعت الكثير من العقبات فى وجه تنميتها، وأفقدتها القدرة على حماية صناعاتها الوطنية، وأدت إلى ارتفاع تكلفة المعرفة والتكنولوجيا، وتعرضها إلى المنافسة غير المتكافئة مع الواردات الأجنبية، واحتمال استيلاء الشركات العملاقة المتعددة الجنسية على المشروعات الوطنية والمجالات الأساسية، مما سيدفع، وذلك هو الأخطر، إلى تقليص قدرة البلاد النامية على صياغة وتصميم سياساتها التنموية والتجارية (وغيرها من السياسات) بعد أن انتقلت عملية صنع الكثير من القرارات من مستواها الوطنى إلى منظمة التجارة العالمية.

إن هذه التطورات والتراكمات السالبة ستؤدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتزايد مساحات الفقر والبطالة والتحلل الإجتماعى  والتناقضات الداخلية بكل أنواعها علمنا منها ومالم نعلم ، فى كل بلدان العالم عموما، وفى البلدان الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية خصوصا وبوتيرة عالية لم تشهدها هذه البلدان من قبل، حيث ستتعاظم الثروات مقابل تعاظم الفقر واتساعه، وما ستنتجه هذه الفجوات العميقة من شعور عام لدى هذه الشعوب الفقيرة من خوف كبير على مستقبلها، نتيجة لفقدانها القدرة على التحكم والسيطرة على مقدراتها فى الظروف الراهنة، بعد أن فقدت كل مكتسباتها ضمن الحد الأدنى ـ التى حصلت عليها تلك الشعوب عبر نضالها فى مرحلة الاستقلال وحتى نهاية الستينيات من القرن الماضى، مما سيدفع بها ـ دفاعا عن مصالحها الوطنية والمطلبية معا ـ إلى الانتقال من الطابع العفوى لرفضها، نحو الطابع المنظم، لكى تمارس عملية التغيير والتجاوز لأنظمتها، وكسر حلقات التبعية والتخلف فى بلادها، مقدمة لتغيير جوهرى فى البنية الداخلية لمجتمعاتها، ستدفع بدورها إلى تغيير جوهرى أيضا فى بنية العلاقات الإقليمية والدولية، مؤذنة بعصر  حديث متجدد من الثنائية أو التعددية فى هذا الكوكب إذ إن توحش الرأسمالية المعولمة وآثارها على البلدان النامية، عبر ممارساتها البشعة ضد مصالح شعوب هذه البلدان، سيدفع بهذه الشعوب، عبر طلائعها المنظمة من المثقفين والرواد وعامة المكتوين بلهيب لسعاتها ، إلى الإعلان بكل صراحة ووضوح بأنه لو لم تكن هناك اشتراكية، فسيحرص الجميع على السعى لإيجادها والإيمان بنظريتها وبلورة نظامها من أجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية، وتثبيته وحمايته كنتيجة منطقية لظروف الحرمان والذل والاضطهاد والفقر والمرض والمعاناة بكل ألوانها ومكوناتها  التى تتعرض لها شعوب العالم الفقير، فى ظل العولمة وأدواتها الإمبريالية بعيدة المدى والطموح ، وجب تقليمها حفاظآ  على كرامة الإنسانية وإسئثارآ لبقائها وحريتها.

 

 

تحميل كتب بصيغة pdf  فى العولمة

 

 

 

 

1 التعليقات :

إرسال تعليق