مظاهرات صاخبة بالمحافظات المصرية تطالب بإسقاط الحكومة
مظاهرات صاخبة بالمحافظات المصرية تطالب بإسقاط الحكومة وحل البرلمان
كلينتون تدعو إلى ضبط النفس وتعتبر أن الحكومة المصرية «مستقرة»
|
القاهرة: محمد حسن شعبان الإسكندرية: أحمد صبري أسوان: وليد عبد الرحمن الإسماعيلية: يسري محمد
خرج ألوف المصريين أمس في مظاهرات احتجاجية في الكثير من المحافظات، وهم يهتفون في الشوارع والميادين العامة، مطالبين بـ«الإصلاح السياسي والاقتصادي» وإسقاط الحكومة وحل البرلمان، وهم يشيدون بالانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي قبل أسبوعين. وغاب التنظيم عن المظاهرات الاحتجاجية المصرية التي يقدر عدد المشاركين فيها بعشرات الألوف، على الرغم من ظهور قيادات فيها من عدة تيارات وحركات، منها جماعة الإخوان وتيارات حزبية معارضة من اليساريين والليبراليين. إلى ذلك، دعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس كل الأطراف في مصر إلى «ضبط النفس»، إلا أنها قالت إن واشنطن تعتبر أن الحكومة المصرية مستقرة. وصرحت للصحافيين قائلة: «نحن ندعم الحق الأساسي في التعبير عن النفس والتجمع لجميع الناس، ونحث جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس وتجنب استخدام العنف». وأضافت في مؤتمر صحافي مع نظيرها الإسباني ترينيداد جيمينز: «ولكن الانطباع لدينا هو أن الحكومة المصرية مستقرة».
واندلعت مظاهرات أمس دون الحصول على ترخيص من السلطات، للاحتجاج على «الفقر والبطالة والقمع»، بعد أن دعا إليها نشطاء على الإنترنت تحت اسم «يوم الغضب»، واختير له يوم العطلة الرسمية بمناسبة عيد الشرطة أمس الثلاثاء، ولوحظ انخراط مواطنين عاديين في المظاهرات، في ظاهرة نادرة الحدوث في مصر، التي تمنع فيها السلطات التظاهر من دون ترخيص، وقال شهود عيان ونشطاء إن مواطنين عاديين هتفوا: «تونس.. تونس يا أبية إحنا وراكي للحرية»، بعد أن انضموا إلى المظاهرات في مدن القاهرة والإسكندرية، ومدن بالدلتا وعلى قناة السويس (شمالا) وبعض مدن الصعيد (جنوبا).
وفي القاهرة، خرج الألوف في مظاهرات حاشدة احتجاجا على أوضاعهم المعيشية. وبدأت الاحتجاجات في العاصمة عند الساعة الواحدة ظهرا بالتوقيت المحلي، عندما تجمع عشرات النواب السابقين، غالبيتهم من جماعة الإخوان، أمام دار القضاء العالي في قلب القاهرة، إلا إن قوات مكافحة الشغب حاصرتهم ولم تسمح لهم بالحركة، لكن مئات الشباب الغاضب الذي ظل على بعد خطوات منهم، استطاع كسر الطوق الأمني، وسريعا ما التحم المتظاهرون مع نحو ستة آلاف متظاهر آخرين كانوا قادمين من شارع الجلاء القريب، وهم يهتفون «باطل.. باطل»، في إشارة للنظام الحاكم.
وتوجه عدة آلاف، يقودهم قياديون من أحزاب ليبرالية، منها الوفد والغد باتجاه المقر الرئيسي للحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم)، على كورنيش النيل. وقاد المنافس السابق للرئيس المصري في الانتخابات الرئاسية في عام 2005 الدكتور أيمن نور، المتظاهرين باتجاه المبنى الرسمي للتلفزيون المصري المطل على النيل، الذي يبعد عدة مئات من الأمتار عن مقر الحزب الحاكم، ثم توجه المتظاهرون إلى ضاحية بولاق الشعبية عبر شارع 26 يوليو الحيوي بوسط القاهرة، الذي اكتظ بنحو عشرة آلاف محتج.
وفي منطقة شبرا، قام المتظاهرون باختراق عشرات الحواجز الأمنية البشرية، التي حاولت منعهم من التقدم. ولم تستخدم قوات الأمن في تلك الضاحية الواقعة بشمال القاهرة العنف، مما دفع الحشود إلى تحية قوات مكافحة الشغب والهتاف لهم وتوزيع الورود عليهم.
وفي ميدان التحرير، أكبر ميادين القاهرة، ضربت قوات الأمن حصارا مكثفا وأغلقت كل الشوارع المؤدية إلى الميدان، واشتبك المتظاهرون مع قوات مكافحة الشغب التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع، وكان لافتا أن تم استخدام أسطح المنازل لإلقاء القنابل، في محاولة للسيطرة على حركة الحشود التي حاولت كسر الطوق الأمني والانضمام للمتظاهرين أمام دار القضاء العالي التي انطلقت منها مظاهرات أمس، والتي كانت تهتف بسقوط الحكومة.
وفي ميدان محطة الرمل الشهير بشرق الإسكندرية (نحو 200 كلم شمال غربي القاهرة)، وأطلقت قوات الأمن قنابل مسيلة للدموع في مواجهة نحو عشرة آلاف متظاهر، وقال شهود عيان إن مظاهرات اندلعت في عدة أنحاء بالمدينة الواقعة على البحر المتوسط، وأشاروا إلى أن نشطاء من عدة أحزاب وحركات قادوا المتظاهرين في الإسكندرية، منها أحزاب الجبهة الديمقراطية والغد والكرامة، وكذا حركات كفاية وحشد والعدالة والحرية والحركة الشعبية لدعم الدكتور محمد البرادعي.
ورفع المتظاهرون لافتات طالبوا فيها بإصلاحات اقتصادية لتحسين أوضاعهم المعيشية، منها لافتة كتب عليها «مطالبنا وظيفة ولقمة عيش نظيفة». وألقى مدير أمن الإسكندرية اللواء محمد إبراهيم كلمة للمتظاهرين في محاولة لتهدئتهم وإقناعهم بالانصراف لتيسير حركة المرور في ميدان الرمل، إلا أن المحتجين لم ينصاعوا، وواصلوا تحركهم للطواف بالمدينة، مما دعا قوات الأمن لقذفهم بقنابل مسيلة للدموع.
وقال ناشطون وشهود عيان إن المظاهرات اندلعت في الإسكندرية في أحياء أخرى، منها العصافرة التي اندلعت فيها مظاهرة تضم ألفين، بدأت من أمام مسجد «هدى الإسلام» والتقوا مع مسيرة احتجاجية أخرى ضمت نحو خمسة آلاف، ليتجهوا بعد ذلك إلى كورنيش الإسكندرية على البحر، رافعين علم مصر.
وفي منطقة محطة القطارات الرئيسية بالإسكندرية المعروفة باسم «محطة مصر» ردد نحو ثلاثة آلاف محتج شعارات منددة بالحزب الحاكم، مطالبين بإسقاط الحكومة، ورفعوا لافتات كتبوا عليها: «البرلمان باطل.. الحزب الوطني باطل».
وتحركت مسيرة احتجاجية أخرى في شارع بورسعيد الحيوي بالإسكندرية أمام مكتبة الإسكندرية الشهيرة في منطقة الأزاريطة، انضم إليها في وقت لاحق المستشار محمود الخضيري، القريب من جماعة الإخوان، وقال شهود عيان إن الخضيري، وهو قاض سابق، قاد هذه المسيرة في اتجاه منطقة مجمع الكليات النظرية التابع لجامعة الإسكندرية.
وطالب الخضيري المتظاهرين بالاستمرار في مظاهراتهم والصمود لعدة أيام لممارسة ضغوط على الحكومة المصرية للاستجابة لطلباتهم، وعلى رأسها مطالب الإصلاح السياسي والمطالب السبعة للتغيير التي سبق أن أعلنت عنها الجمعية الوطنية للتغيير، التي أسسها البرادعي، وتعضده فيها عدة حركات، على رأسها جماعة الإخوان.
وشاركت أعداد أقل في عدة مدن بالدلتا في شمال العاصمة، حيث تظاهر نحو ألف محتج في مدينة المنصورة، وعدة آلاف في مدن دمياط وطنطا والمحلة الكبرى. وقال شاهد عيان إن المتظاهرين في المحلة الكبرى، وهي مدينة عمالية، كانوا يهتفون، مطالبين بتحسين أحوالهم المعيشية.
وفي مدن قناة السويس وشبه جزيرة سيناء، التي تشهد توترا منذ عدة سنوات بين الشرطة والمواطنين، قال شهود عيان: إن المئات من أهالي شمال سيناء خرجوا للتظاهر، استجابة لدعوة قوى المعارضة، وأغلق المحتجون الطريق الدولي «رفح – العريش» بالإطارات المطاطية المشتعلة، وأضاف الشهود أن المئات من البدو يستقلون شاحنات صغيرة توجهوا إلى منطقة قريبة من مطار الجورة، وهو قاعدة القوات الدولية بسيناء، للضغط على الحكومة، لتحسين أحوالهم المعيشية.
وفي الإسماعيلية، اندلعت مظاهرات بميدان الفردوس بمشاركة ما يقرب من 600 من النشطاء وأحزاب المعارضة وسط حراسة أمنية مشددة من قوات مكافحة الشغب والأمن المركزي، ووضع المحتجون ملصقات على جدران المباني تدعو لإقالة الحكومة وحل مجلسي البرلمان (الشعب والشورى) ووقف تصدير الغاز لإسرائيل.
وشهدت مدن بالصعيد مظاهرات أقل صخبا، ففي مدينة أسوان في أقصى الجنوب المصري، نظمت أحزاب التجمع والوفد والناصري وحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، مظاهرة في ميدان المحطة، ضمت أكثر من ألف متظاهر، وسط إجراءات أمنية مشددة، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بالتغيير.
وقال جمال فاضل، منسق الجمعية الوطنية للتغيير بأسوان، إن المتظاهرين حددوا بعض المطالب، وهي منع التوريث، ومنع التعذيب في أقسام الشرطة، وإلغاء جهاز أمن الدولة والمطالبة بالتغيير. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «المظاهرة شهدت لأول مرة استجابة كبيرة من مواطني أسوان من مختلف المراكز، إلى جانب القوى السياسية، على الرغم من التعرض لمضايقات أمنية، كانت نتيجتها القبض على 5 أشخاص من أعضاء حركة كفاية واحتجازهم في قسم الشرطة».
وبث موقع الحزب الحاكم على الإنترنت تصريحات لأمناء الإعلام به من عدة محافظات، قالوا فيها إن الأوضاع مستقرة، ولم يحدث ما يعكر صفو الأمن العام فيها، وإنه من غير الصحيح إطلاقا قيام المواطنين بالاستجابة للدعوات الهدامة التي أطلقها بعض مروجو الفتنة والتخريب للتظاهر في يوم الشرطة أمس.
==================================
المصدر : جريدة الشرق الأوسط
خرج ألوف المصريين أمس في مظاهرات احتجاجية في الكثير من المحافظات، وهم يهتفون في الشوارع والميادين العامة، مطالبين بـ«الإصلاح السياسي والاقتصادي» وإسقاط الحكومة وحل البرلمان، وهم يشيدون بالانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي قبل أسبوعين. وغاب التنظيم عن المظاهرات الاحتجاجية المصرية التي يقدر عدد المشاركين فيها بعشرات الألوف، على الرغم من ظهور قيادات فيها من عدة تيارات وحركات، منها جماعة الإخوان وتيارات حزبية معارضة من اليساريين والليبراليين. إلى ذلك، دعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس كل الأطراف في مصر إلى «ضبط النفس»، إلا أنها قالت إن واشنطن تعتبر أن الحكومة المصرية مستقرة. وصرحت للصحافيين قائلة: «نحن ندعم الحق الأساسي في التعبير عن النفس والتجمع لجميع الناس، ونحث جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس وتجنب استخدام العنف». وأضافت في مؤتمر صحافي مع نظيرها الإسباني ترينيداد جيمينز: «ولكن الانطباع لدينا هو أن الحكومة المصرية مستقرة».
واندلعت مظاهرات أمس دون الحصول على ترخيص من السلطات، للاحتجاج على «الفقر والبطالة والقمع»، بعد أن دعا إليها نشطاء على الإنترنت تحت اسم «يوم الغضب»، واختير له يوم العطلة الرسمية بمناسبة عيد الشرطة أمس الثلاثاء، ولوحظ انخراط مواطنين عاديين في المظاهرات، في ظاهرة نادرة الحدوث في مصر، التي تمنع فيها السلطات التظاهر من دون ترخيص، وقال شهود عيان ونشطاء إن مواطنين عاديين هتفوا: «تونس.. تونس يا أبية إحنا وراكي للحرية»، بعد أن انضموا إلى المظاهرات في مدن القاهرة والإسكندرية، ومدن بالدلتا وعلى قناة السويس (شمالا) وبعض مدن الصعيد (جنوبا).
وفي القاهرة، خرج الألوف في مظاهرات حاشدة احتجاجا على أوضاعهم المعيشية. وبدأت الاحتجاجات في العاصمة عند الساعة الواحدة ظهرا بالتوقيت المحلي، عندما تجمع عشرات النواب السابقين، غالبيتهم من جماعة الإخوان، أمام دار القضاء العالي في قلب القاهرة، إلا إن قوات مكافحة الشغب حاصرتهم ولم تسمح لهم بالحركة، لكن مئات الشباب الغاضب الذي ظل على بعد خطوات منهم، استطاع كسر الطوق الأمني، وسريعا ما التحم المتظاهرون مع نحو ستة آلاف متظاهر آخرين كانوا قادمين من شارع الجلاء القريب، وهم يهتفون «باطل.. باطل»، في إشارة للنظام الحاكم.
وتوجه عدة آلاف، يقودهم قياديون من أحزاب ليبرالية، منها الوفد والغد باتجاه المقر الرئيسي للحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم)، على كورنيش النيل. وقاد المنافس السابق للرئيس المصري في الانتخابات الرئاسية في عام 2005 الدكتور أيمن نور، المتظاهرين باتجاه المبنى الرسمي للتلفزيون المصري المطل على النيل، الذي يبعد عدة مئات من الأمتار عن مقر الحزب الحاكم، ثم توجه المتظاهرون إلى ضاحية بولاق الشعبية عبر شارع 26 يوليو الحيوي بوسط القاهرة، الذي اكتظ بنحو عشرة آلاف محتج.
وفي منطقة شبرا، قام المتظاهرون باختراق عشرات الحواجز الأمنية البشرية، التي حاولت منعهم من التقدم. ولم تستخدم قوات الأمن في تلك الضاحية الواقعة بشمال القاهرة العنف، مما دفع الحشود إلى تحية قوات مكافحة الشغب والهتاف لهم وتوزيع الورود عليهم.
وفي ميدان التحرير، أكبر ميادين القاهرة، ضربت قوات الأمن حصارا مكثفا وأغلقت كل الشوارع المؤدية إلى الميدان، واشتبك المتظاهرون مع قوات مكافحة الشغب التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع، وكان لافتا أن تم استخدام أسطح المنازل لإلقاء القنابل، في محاولة للسيطرة على حركة الحشود التي حاولت كسر الطوق الأمني والانضمام للمتظاهرين أمام دار القضاء العالي التي انطلقت منها مظاهرات أمس، والتي كانت تهتف بسقوط الحكومة.
وفي ميدان محطة الرمل الشهير بشرق الإسكندرية (نحو 200 كلم شمال غربي القاهرة)، وأطلقت قوات الأمن قنابل مسيلة للدموع في مواجهة نحو عشرة آلاف متظاهر، وقال شهود عيان إن مظاهرات اندلعت في عدة أنحاء بالمدينة الواقعة على البحر المتوسط، وأشاروا إلى أن نشطاء من عدة أحزاب وحركات قادوا المتظاهرين في الإسكندرية، منها أحزاب الجبهة الديمقراطية والغد والكرامة، وكذا حركات كفاية وحشد والعدالة والحرية والحركة الشعبية لدعم الدكتور محمد البرادعي.
ورفع المتظاهرون لافتات طالبوا فيها بإصلاحات اقتصادية لتحسين أوضاعهم المعيشية، منها لافتة كتب عليها «مطالبنا وظيفة ولقمة عيش نظيفة». وألقى مدير أمن الإسكندرية اللواء محمد إبراهيم كلمة للمتظاهرين في محاولة لتهدئتهم وإقناعهم بالانصراف لتيسير حركة المرور في ميدان الرمل، إلا أن المحتجين لم ينصاعوا، وواصلوا تحركهم للطواف بالمدينة، مما دعا قوات الأمن لقذفهم بقنابل مسيلة للدموع.
وقال ناشطون وشهود عيان إن المظاهرات اندلعت في الإسكندرية في أحياء أخرى، منها العصافرة التي اندلعت فيها مظاهرة تضم ألفين، بدأت من أمام مسجد «هدى الإسلام» والتقوا مع مسيرة احتجاجية أخرى ضمت نحو خمسة آلاف، ليتجهوا بعد ذلك إلى كورنيش الإسكندرية على البحر، رافعين علم مصر.
وفي منطقة محطة القطارات الرئيسية بالإسكندرية المعروفة باسم «محطة مصر» ردد نحو ثلاثة آلاف محتج شعارات منددة بالحزب الحاكم، مطالبين بإسقاط الحكومة، ورفعوا لافتات كتبوا عليها: «البرلمان باطل.. الحزب الوطني باطل».
وتحركت مسيرة احتجاجية أخرى في شارع بورسعيد الحيوي بالإسكندرية أمام مكتبة الإسكندرية الشهيرة في منطقة الأزاريطة، انضم إليها في وقت لاحق المستشار محمود الخضيري، القريب من جماعة الإخوان، وقال شهود عيان إن الخضيري، وهو قاض سابق، قاد هذه المسيرة في اتجاه منطقة مجمع الكليات النظرية التابع لجامعة الإسكندرية.
وطالب الخضيري المتظاهرين بالاستمرار في مظاهراتهم والصمود لعدة أيام لممارسة ضغوط على الحكومة المصرية للاستجابة لطلباتهم، وعلى رأسها مطالب الإصلاح السياسي والمطالب السبعة للتغيير التي سبق أن أعلنت عنها الجمعية الوطنية للتغيير، التي أسسها البرادعي، وتعضده فيها عدة حركات، على رأسها جماعة الإخوان.
وشاركت أعداد أقل في عدة مدن بالدلتا في شمال العاصمة، حيث تظاهر نحو ألف محتج في مدينة المنصورة، وعدة آلاف في مدن دمياط وطنطا والمحلة الكبرى. وقال شاهد عيان إن المتظاهرين في المحلة الكبرى، وهي مدينة عمالية، كانوا يهتفون، مطالبين بتحسين أحوالهم المعيشية.
وفي مدن قناة السويس وشبه جزيرة سيناء، التي تشهد توترا منذ عدة سنوات بين الشرطة والمواطنين، قال شهود عيان: إن المئات من أهالي شمال سيناء خرجوا للتظاهر، استجابة لدعوة قوى المعارضة، وأغلق المحتجون الطريق الدولي «رفح – العريش» بالإطارات المطاطية المشتعلة، وأضاف الشهود أن المئات من البدو يستقلون شاحنات صغيرة توجهوا إلى منطقة قريبة من مطار الجورة، وهو قاعدة القوات الدولية بسيناء، للضغط على الحكومة، لتحسين أحوالهم المعيشية.
وفي الإسماعيلية، اندلعت مظاهرات بميدان الفردوس بمشاركة ما يقرب من 600 من النشطاء وأحزاب المعارضة وسط حراسة أمنية مشددة من قوات مكافحة الشغب والأمن المركزي، ووضع المحتجون ملصقات على جدران المباني تدعو لإقالة الحكومة وحل مجلسي البرلمان (الشعب والشورى) ووقف تصدير الغاز لإسرائيل.
وشهدت مدن بالصعيد مظاهرات أقل صخبا، ففي مدينة أسوان في أقصى الجنوب المصري، نظمت أحزاب التجمع والوفد والناصري وحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، مظاهرة في ميدان المحطة، ضمت أكثر من ألف متظاهر، وسط إجراءات أمنية مشددة، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بالتغيير.
وقال جمال فاضل، منسق الجمعية الوطنية للتغيير بأسوان، إن المتظاهرين حددوا بعض المطالب، وهي منع التوريث، ومنع التعذيب في أقسام الشرطة، وإلغاء جهاز أمن الدولة والمطالبة بالتغيير. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «المظاهرة شهدت لأول مرة استجابة كبيرة من مواطني أسوان من مختلف المراكز، إلى جانب القوى السياسية، على الرغم من التعرض لمضايقات أمنية، كانت نتيجتها القبض على 5 أشخاص من أعضاء حركة كفاية واحتجازهم في قسم الشرطة».
وبث موقع الحزب الحاكم على الإنترنت تصريحات لأمناء الإعلام به من عدة محافظات، قالوا فيها إن الأوضاع مستقرة، ولم يحدث ما يعكر صفو الأمن العام فيها، وإنه من غير الصحيح إطلاقا قيام المواطنين بالاستجابة للدعوات الهدامة التي أطلقها بعض مروجو الفتنة والتخريب للتظاهر في يوم الشرطة أمس.
==================================
المصدر : جريدة الشرق الأوسط
الجنوب يشرع في صياغة دستوره
الجنوب يشرع في صياغة دستوره.. وما زال خيار الاسم بين «السودان الجديد» و«جنوب السودان»
نسبة التصويت تصل في بعض المراكز إلى 100% من المسجلين.. والمفوضية تقلل من التأثير على النتيجة
|
الخرطوم: فايز الشيخ
أظهرت نتائج أولية في استفتاء جنوب السودان تصويت عدد أكبر من المسجلين في 7 مراكز بالجنوب، بينما قللت المفوضية من تأثير ذلك على النتيجة النهائية، وأكدت إجراء العملية بكاملها في شفافية ومطابقة للمعايير الدولية. إلى ذلك شرع جنوب السودان في كتابة دستور جديد بحيث يحمل الدستور اسم الدولة، والمرشح له «جنوب السودان»، أو «السودان الجديد». وأكد رئيس مفوضية استفتاء جنوب السودان محمد إبراهيم خليل، في مؤتمر صحافي بالخرطوم، «نجاح المفوضية في عملها وإجراء استفتاء بشفافية وسلام، على الرغم من الصعوبات التي واجهت المفوضية والمتمثلة في ضيق الوقت»، وأعلن أن المفوضية ستعلن يوم 30 من الشهر الحالي النتائج الأولية بالجنوب، بينما ستعلن نتيجة التصويت في الشمال ودول المهجر بالخرطوم في الثاني من فبراير (شباط) المقبل، على أن تعلن النتيجة النهائية في السابع من الشهر ذاته حال عدم وجود طعون في النتيجة، وأكد أنه في مثل هذه الحالة، فإن النتيجة ستعلن في منتصف الشهر المقبل. وجاء حديثه في وقت أظهرت فيه النتائج الأولية لاستفتاء جنوب السودان ووثائق اطلعت عليها «رويترز» أن أكثر من 100 في المائة من الناخبين المسجلين أدلوا بأصواتهم في سبع من المقاطعات الست والسبعين في جنوب السودان، في الاستفتاء الذي سيحدد مصير الجنوب، وهل سينفصل عن الشمال؟ وأشارت إلى أن هذه التناقضات محدودة، ومن غير المحتمل أن تغير النتيجة العامة التي يبدو أنها ستكون موافقة ساحقة على الانفصال، ولكن إذا لم تحل، فإنها قد تلقي ظلالا على عملية الاستفتاء وتجعلها عرضة لطعون قضائية.
ومن جانبها نفت الناطقة باسم المفوضية سعاد إبراهيم عيسى، تلقيهم أي تقارير تفيد بحدوث التجاوزات، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: حتى لو حصلت مثل هذه التجاوزات فإنها لن تؤثر على النتيجة النهائية، لأن هناك اتفاقا على وصول أن التجاوز في عدد البطاقات ما لم يصل إلى 5 في المائة فإنه غير مؤثر. وأشارت إلى التقارير التي أصدرها المراقبون الدوليون، والتي أكدت مطابقة العملية للمعايير الدولية، لكن وثائق للمفوضية تظهر أنه في سبع مقاطعات من ولايات وسط الاستوائية وجونقلي وأعالي النيل وغرب الاستوائية، فإن عدد الذين أدلوا بأصواتهم وفق النتائج الأولية تجاوز عدد الناخبين المسجلين. وهونت مفوضية الانتخابات من هذا التناقض، قائلة إنه لن يؤثر بأي حال على نتيجة الاستفتاء. وقالت عيسى: «هناك أكثر من 3 آلاف مركز أدلى الناخبون فيها بأصواتهم، فكم هي نسبة التجاوزات؟». كما قال وزير الإعلام بحكومة الجنوب والناطق الرسمي باسمها برنابا بنجامين: إن لجنة صياغة الدستور الدائم للجنوب شرعت في أعمالها لإعداد مسودة للدستور، وكشف عن تعديلات كبيرة ستتم على الدستور الانتقالي في الجنوب، وستراعي التعديلات الدولة الجديدة، وخصوصيتها، وتنوعها الثقافي والديني، وأكد أن الدستور الجديد سوف يحمل اسم الدولة الجديدة، ولم يستبعد احتفاظ الدولة باسم «جنوب السودان»، لكنه لم يستبعد في ذات الوقت اسم «السودان الجديد»، وهو شعار الحركة الشعبية خلال الحرب مع الشمال، حيث كانت تدعو لمشروع للسودان الجديد يقوم على الوحدة، بينما يفضل البعض اسم دولة «جنوب السودان» باعتبار أن الاسم تم التعامل به خلال المرحلة الانتقالية التي خضع فيها الجنوب لحكم ذاتي، وتعاملت المؤسسات هناك بالاسم، بالإضافة إلى وجود رابط مع الشمال، على طريقة اليمن الجنوبي، وكوريا الشمالية والجنوبية، وألمانيا الغربية والشرقية. ويقول جنوبيون: «الانفصال لا يعني قطع تاريخنا وروابطنا مع الشمال، ومن الأفضل الاحتفاظ باسم السودان في الدولة الجديدة، ليكون نواة لأي وحدة في المستقبل، ورشحت إلى ذلك أسماء مثل (كوش)، و(النيل) و(أماتونج) لاسم الدولة المستقلة، ويحتوي الدستور على مواد عن اسم الدولة، وشكل الحكم، والانتخابات، والحكومة الانتقالية، التي تعقبها انتخابات لحكومة منتخبة يشارك فيها كل الجنوبيين».
أظهرت نتائج أولية في استفتاء جنوب السودان تصويت عدد أكبر من المسجلين في 7 مراكز بالجنوب، بينما قللت المفوضية من تأثير ذلك على النتيجة النهائية، وأكدت إجراء العملية بكاملها في شفافية ومطابقة للمعايير الدولية. إلى ذلك شرع جنوب السودان في كتابة دستور جديد بحيث يحمل الدستور اسم الدولة، والمرشح له «جنوب السودان»، أو «السودان الجديد». وأكد رئيس مفوضية استفتاء جنوب السودان محمد إبراهيم خليل، في مؤتمر صحافي بالخرطوم، «نجاح المفوضية في عملها وإجراء استفتاء بشفافية وسلام، على الرغم من الصعوبات التي واجهت المفوضية والمتمثلة في ضيق الوقت»، وأعلن أن المفوضية ستعلن يوم 30 من الشهر الحالي النتائج الأولية بالجنوب، بينما ستعلن نتيجة التصويت في الشمال ودول المهجر بالخرطوم في الثاني من فبراير (شباط) المقبل، على أن تعلن النتيجة النهائية في السابع من الشهر ذاته حال عدم وجود طعون في النتيجة، وأكد أنه في مثل هذه الحالة، فإن النتيجة ستعلن في منتصف الشهر المقبل. وجاء حديثه في وقت أظهرت فيه النتائج الأولية لاستفتاء جنوب السودان ووثائق اطلعت عليها «رويترز» أن أكثر من 100 في المائة من الناخبين المسجلين أدلوا بأصواتهم في سبع من المقاطعات الست والسبعين في جنوب السودان، في الاستفتاء الذي سيحدد مصير الجنوب، وهل سينفصل عن الشمال؟ وأشارت إلى أن هذه التناقضات محدودة، ومن غير المحتمل أن تغير النتيجة العامة التي يبدو أنها ستكون موافقة ساحقة على الانفصال، ولكن إذا لم تحل، فإنها قد تلقي ظلالا على عملية الاستفتاء وتجعلها عرضة لطعون قضائية.
ومن جانبها نفت الناطقة باسم المفوضية سعاد إبراهيم عيسى، تلقيهم أي تقارير تفيد بحدوث التجاوزات، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: حتى لو حصلت مثل هذه التجاوزات فإنها لن تؤثر على النتيجة النهائية، لأن هناك اتفاقا على وصول أن التجاوز في عدد البطاقات ما لم يصل إلى 5 في المائة فإنه غير مؤثر. وأشارت إلى التقارير التي أصدرها المراقبون الدوليون، والتي أكدت مطابقة العملية للمعايير الدولية، لكن وثائق للمفوضية تظهر أنه في سبع مقاطعات من ولايات وسط الاستوائية وجونقلي وأعالي النيل وغرب الاستوائية، فإن عدد الذين أدلوا بأصواتهم وفق النتائج الأولية تجاوز عدد الناخبين المسجلين. وهونت مفوضية الانتخابات من هذا التناقض، قائلة إنه لن يؤثر بأي حال على نتيجة الاستفتاء. وقالت عيسى: «هناك أكثر من 3 آلاف مركز أدلى الناخبون فيها بأصواتهم، فكم هي نسبة التجاوزات؟». كما قال وزير الإعلام بحكومة الجنوب والناطق الرسمي باسمها برنابا بنجامين: إن لجنة صياغة الدستور الدائم للجنوب شرعت في أعمالها لإعداد مسودة للدستور، وكشف عن تعديلات كبيرة ستتم على الدستور الانتقالي في الجنوب، وستراعي التعديلات الدولة الجديدة، وخصوصيتها، وتنوعها الثقافي والديني، وأكد أن الدستور الجديد سوف يحمل اسم الدولة الجديدة، ولم يستبعد احتفاظ الدولة باسم «جنوب السودان»، لكنه لم يستبعد في ذات الوقت اسم «السودان الجديد»، وهو شعار الحركة الشعبية خلال الحرب مع الشمال، حيث كانت تدعو لمشروع للسودان الجديد يقوم على الوحدة، بينما يفضل البعض اسم دولة «جنوب السودان» باعتبار أن الاسم تم التعامل به خلال المرحلة الانتقالية التي خضع فيها الجنوب لحكم ذاتي، وتعاملت المؤسسات هناك بالاسم، بالإضافة إلى وجود رابط مع الشمال، على طريقة اليمن الجنوبي، وكوريا الشمالية والجنوبية، وألمانيا الغربية والشرقية. ويقول جنوبيون: «الانفصال لا يعني قطع تاريخنا وروابطنا مع الشمال، ومن الأفضل الاحتفاظ باسم السودان في الدولة الجديدة، ليكون نواة لأي وحدة في المستقبل، ورشحت إلى ذلك أسماء مثل (كوش)، و(النيل) و(أماتونج) لاسم الدولة المستقلة، ويحتوي الدستور على مواد عن اسم الدولة، وشكل الحكم، والانتخابات، والحكومة الانتقالية، التي تعقبها انتخابات لحكومة منتخبة يشارك فيها كل الجنوبيين».
خليل إبراهيم: أمير المجاهدين
خليل إبراهيم: أمير المجاهدين
حارب إلى جانب الترابي في الجنوب وتمرد على الحكومة منذ 2001
لندن: مصطفى سري
أصبح اسمه على كل لسان اكثر من اي وقت مضى.. الدكتور خليل ابراهيم، رئيس ومؤسس حركة العدل والمساواة السودانية التي انطلقت من دارفور في العام 2001 بحمل السلاح ضد الحكومة المركزية في الخرطوم. ومن أمير للمجاهدين في جنوب السودان حيث كان يقاتل ضمن جنود الحكومة السودانية في عهد حكم الدكتور حسن الترابي، أصبح يحمل لقب متمرد في الإعلام الرسمي للحكومة السودانية منذ عام 2001 عندما أسس حركته التي تقاتل في دارفور. وعرضت اجهزة الأمنية جائزة مالية كبيرة قرابة 120 مليون دولار دولار لمن يدلي بمعلومات للقبض عليه، لانه قاد جنوداً من اطراف دارفور الى العاصمة السودانية الخرطوم في العاشر من الشهر الجاري. الدكتور خليل إبراهيم، 50 عاما، طبيب، من مواليد قرية الطينة التي تقع على الحدود السودانية ـ التشادية، ويتحدر من قبيلة الزغاوة المشتركة بين البلدين، ويقال ان لديه صلة قرابة دم مع الرئيس التشادي ادريس ديبي ولذلك يتم اتهامه بانه يلقى الدعم المالي والعسكري من حكومة ديبي وهو ما ظل ينفيه. تخرج خليل من جامعة الجزيرة، وسط السودان، في كلية الطب وعمل في مهنتها، ثم هاجر الى السعودية للعمل فيها، لكنه عاد الى السودان بعد وصول الرئيس السوداني عمر البشير الى الحكم في منتصف العام 1989.
وينتمي خليل ابراهيم الى الحركة الإسلامية السودانية منذ ان كان طالباً، فيما يعرف بين طلاب المدارس الثانوية والجامعات السودانية بالاتجاه الاسلامي. عاد الى الخرطوم ليعمل مع مجموعته التي استولت على السلطة، واختار العمل في مستشفى ام درمان التي قدم اليها مرة أخرى، لكن هذه المرة جاءها بقواته من دارفور.
وبدأ خليل إبراهيم نشاطه السياسي العملي مع حكومة البشير في اوائل التسعينات، وبعد فترة عمله في مهنة الطب، تم تعينه وزيراً للصحة في حكومة ولاية دارفور الكبرى، قبل تقسيمها الى ثلاث ولايات، ثم وزيراً للتعليم، ونقل الى ولاية النيل الأزرق ـ جنوب شرق السودان ـ مستشاراً في حكومة ولايتها، ونقل كذلك للعمل مع حكومة تنسيق الولايات الجنوبية. يقول عنه زملاؤه في الحركة الاسلامية انه كان اميراً للمجاهدين في فترة الحرب الاهلية بالجنوب التي اعلنت فيها حكومة البشير الجهاد على الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان التي كان يقودها الراحل الدكتور جون قرنق، غير ان احد المقربين لخليل ينفي ذلك، ويقول ان جهاز الامن والمخابرات الوطني هو من اطلق هذه الشائعات لتشويه صورة خليل، لوقف اي تقارب محتمل مع الحركة الشعبية، الى جانب تشويه صورته للرأي العام الدولي خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا. ويمضي اكثر من ذلك ليقول «لقد دفعوا أموالا لشركات العلاقات العامة لتشويه صورة خليل.
وخليل المتزوج من قرية ود ربيعة بالجزيرة وسط السودان لديه عدد من الأبناء والبنات يدرسن في المدارس والجامعات السودانية اكبرهم في كلية القانون بجامعة الخرطوم. يقول عنه الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة احمد حسين انه من القيادات الشابة التي لديها رؤية ثاقبة في قضايا المهمشين، وانه قدم العديد من المشروعات خلال عمله في الحكومة الولائية بدارفور. وأضاف «لقد ظل خليل يردد ان الحركة الإسلامية هربت من مسؤولياتها عن المواطن البسيط بعد وصولها للسلطة ولذلك فقدت الشرعية».
ويعتبر خليل مع آخرين من الذين صاغوا الكتاب الأسود الذي نشر في اوائل العام 2001، واظهر ان وسط وشمال السودان يستحوذان على السلطة والثروة وان ابناء الهامش في دارفور والجنوب والشرق مهمشون بصورة كبيرة. ويعتقد ان ذلك الكتاب من الشرارات التي اطلقت الثورة والتمرد في دارفور، فيما يعتقد اخرين انتقدوا الكتاب بأنه (كتاب عنصري يقود الى فتنة بين السودانيين)، لكن خليل بعد ذهابه الى هولندا للدراسات العليا في طب المجتمع بدأ في تشكيل الخلايا السرية لحركته، وبعد عودته في العام 2000 الى الخرطوم مكث لفترة وغادر سراً الى تشاد ومنها الى فرنسا لإعلان حركته في أغسطس (آب) من العام 2001، والتي ظل على قيادتها وخاض بها حروب طويلة مع الحكومة المركزية.
===========
الشرق الأوسط
أصبح اسمه على كل لسان اكثر من اي وقت مضى.. الدكتور خليل ابراهيم، رئيس ومؤسس حركة العدل والمساواة السودانية التي انطلقت من دارفور في العام 2001 بحمل السلاح ضد الحكومة المركزية في الخرطوم. ومن أمير للمجاهدين في جنوب السودان حيث كان يقاتل ضمن جنود الحكومة السودانية في عهد حكم الدكتور حسن الترابي، أصبح يحمل لقب متمرد في الإعلام الرسمي للحكومة السودانية منذ عام 2001 عندما أسس حركته التي تقاتل في دارفور. وعرضت اجهزة الأمنية جائزة مالية كبيرة قرابة 120 مليون دولار دولار لمن يدلي بمعلومات للقبض عليه، لانه قاد جنوداً من اطراف دارفور الى العاصمة السودانية الخرطوم في العاشر من الشهر الجاري. الدكتور خليل إبراهيم، 50 عاما، طبيب، من مواليد قرية الطينة التي تقع على الحدود السودانية ـ التشادية، ويتحدر من قبيلة الزغاوة المشتركة بين البلدين، ويقال ان لديه صلة قرابة دم مع الرئيس التشادي ادريس ديبي ولذلك يتم اتهامه بانه يلقى الدعم المالي والعسكري من حكومة ديبي وهو ما ظل ينفيه. تخرج خليل من جامعة الجزيرة، وسط السودان، في كلية الطب وعمل في مهنتها، ثم هاجر الى السعودية للعمل فيها، لكنه عاد الى السودان بعد وصول الرئيس السوداني عمر البشير الى الحكم في منتصف العام 1989.
وينتمي خليل ابراهيم الى الحركة الإسلامية السودانية منذ ان كان طالباً، فيما يعرف بين طلاب المدارس الثانوية والجامعات السودانية بالاتجاه الاسلامي. عاد الى الخرطوم ليعمل مع مجموعته التي استولت على السلطة، واختار العمل في مستشفى ام درمان التي قدم اليها مرة أخرى، لكن هذه المرة جاءها بقواته من دارفور.
وبدأ خليل إبراهيم نشاطه السياسي العملي مع حكومة البشير في اوائل التسعينات، وبعد فترة عمله في مهنة الطب، تم تعينه وزيراً للصحة في حكومة ولاية دارفور الكبرى، قبل تقسيمها الى ثلاث ولايات، ثم وزيراً للتعليم، ونقل الى ولاية النيل الأزرق ـ جنوب شرق السودان ـ مستشاراً في حكومة ولايتها، ونقل كذلك للعمل مع حكومة تنسيق الولايات الجنوبية. يقول عنه زملاؤه في الحركة الاسلامية انه كان اميراً للمجاهدين في فترة الحرب الاهلية بالجنوب التي اعلنت فيها حكومة البشير الجهاد على الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان التي كان يقودها الراحل الدكتور جون قرنق، غير ان احد المقربين لخليل ينفي ذلك، ويقول ان جهاز الامن والمخابرات الوطني هو من اطلق هذه الشائعات لتشويه صورة خليل، لوقف اي تقارب محتمل مع الحركة الشعبية، الى جانب تشويه صورته للرأي العام الدولي خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا. ويمضي اكثر من ذلك ليقول «لقد دفعوا أموالا لشركات العلاقات العامة لتشويه صورة خليل.
وخليل المتزوج من قرية ود ربيعة بالجزيرة وسط السودان لديه عدد من الأبناء والبنات يدرسن في المدارس والجامعات السودانية اكبرهم في كلية القانون بجامعة الخرطوم. يقول عنه الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة احمد حسين انه من القيادات الشابة التي لديها رؤية ثاقبة في قضايا المهمشين، وانه قدم العديد من المشروعات خلال عمله في الحكومة الولائية بدارفور. وأضاف «لقد ظل خليل يردد ان الحركة الإسلامية هربت من مسؤولياتها عن المواطن البسيط بعد وصولها للسلطة ولذلك فقدت الشرعية».
ويعتبر خليل مع آخرين من الذين صاغوا الكتاب الأسود الذي نشر في اوائل العام 2001، واظهر ان وسط وشمال السودان يستحوذان على السلطة والثروة وان ابناء الهامش في دارفور والجنوب والشرق مهمشون بصورة كبيرة. ويعتقد ان ذلك الكتاب من الشرارات التي اطلقت الثورة والتمرد في دارفور، فيما يعتقد اخرين انتقدوا الكتاب بأنه (كتاب عنصري يقود الى فتنة بين السودانيين)، لكن خليل بعد ذهابه الى هولندا للدراسات العليا في طب المجتمع بدأ في تشكيل الخلايا السرية لحركته، وبعد عودته في العام 2000 الى الخرطوم مكث لفترة وغادر سراً الى تشاد ومنها الى فرنسا لإعلان حركته في أغسطس (آب) من العام 2001، والتي ظل على قيادتها وخاض بها حروب طويلة مع الحكومة المركزية.
===========
الشرق الأوسط
أبيل ألير.. حكيم الجنوب
أبيل ألير.. حكيم الجنوب
رئيس مفوضية الانتخابات السودانية.. نائب الرئيس نميري.. أول قاض جنوبي.. رجل المهمات الصعبة
اختلف السودانيون كثيرا حول المفوضية القومية للانتخابات، التي أسست مؤخرا من أجل القيام بمهمة ترتيب الانتخابات التي جرت في 11 أبريل (نيسان) الحالي.. وذهب الناس مذاهب في وصفها بالانحياز إلى الحزب الحاكم، والارتباك، وارتكاب أخطاء فنية فاضحة، والفوضى التي صاحبت الاقتراع، لكن السودانيين لا يكادون يختلفون كثيرا حول رئيس تلك المفوضية، وهو نائب الرئيس السوداني الأسبق - في عهد الرئيس جعفر نميري - والسياسي السوداني الجنوبي المخضرم، أبيل ألير. وعلى الرغم من الضجة التي صاحبت تلك المفوضية، فإن كثيرين لم يحملوه وزرها، بل كانوا يحمدون مواقفه، وتاريخه. لم يكن أبيل ألير - في السبعينات من عمره - في الصورة الكبيرة التي في كانت في واجهة المفوضية، لكنه كان يقوم بدور رائد في تسيير الأمور، مستفيدا من تجاربه السياسية الكبيرة، ومن شخصيته المحايدة، التي لعبت أدوارا كبيرة في تاريخ السودان السياسي الحاضر. وعلى الرغم من الضجيج الذي صاحب عمل المفوضية، ما بين منتقد، وشاكر، فإن ألير، وكعادته آثر الابتعاد عن دائرة الضوء، ربما لأسباب كثيرة لا ندريها، ولكنها حفظت للرجل هامته وتاريخه الناصع.
أبيل ألير، الذي يصفه السياسيون السودانيون بأنه «حكيم الجنوب»، يمثل شخصية متميزة ولافتة، مارس العمل القضائي والقانوني والدستوري والتنفيذي والسياسي على مدى 50، حيث انتقل من القضاء في أوائل الستينات إلى السياسة نائبا في البرلمان، ثم وزيرا ثم رئيس أول حكومة للإقليم الجنوبي، ثم نائبا لرئيس الجمهورية في عهد نميري، ثم مستشارا قانونيا لمنظمات إقليمية ودولية، ثم مستشارا في مفاوضات السلام في التي جرت في مدينة نيفاشا الكينية 2003 - 2004، ثم رئيسا للجنة التحقيق في ملابسات سقوط الطائرة الأوغندية التي أدت إلى وفاة النائب الأول ورئيس حكومة الجنوب وزعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق، وأخيرا رئيسا لمفوضية الانتخابات التي تصنف على أنها أخطر انتخابات عامة تجرى في تاريخ السودان الحديث، حتى صار مرتبطا بأنه رجل المهمات الصعبة.
يصفه كثير من المراقبين والسياسيين بأنه رجل حذر يتجنب الحديث إلا لدى الضرورة، وفي التوقيت الذي يراه مناسبا. وقد خص «الشرق الأوسط» بجانب من وقائع مثيرة في مسيرة مشحونة بالأحداث والمواقف. قامته الطويلة، وملامحه الرصينة، وهدوء حركته، وصوته الخافت وقدرته على الإصغاء والصمت معا وصلابته في الموقف، تجعل مظهره مهيبا ومحترما من دون قصد منه.
اشتهر أبيل ألير منذ صباه بالصبر والمثابرة وقوة الإرادة، وشق طريقه من الغابة في الجنوب إلى المدرسة الابتدائية ثم إلى الثانوي في مدينة رمبيك في الجنوب - إحدى أشهر المدارس الثانوية في الجنوب - ثم في مدرسة وادي سيدنا في الشمال، والتحق بكلية القانون في جامعة الخرطوم، عوضا عن الطب ليكون بذلك ثاني طالب يدرس القانون بعد القيادي السياسي البارز جوزيف قرنق، الذي أعدم في أحداث يوليو (تموز) 1971 في سجن كوبر في الخرطوم بحري.
وانخرط في سلك القضاء، فكان أول قانوني جنوبي يعين قاضيا لقدراته وكفاءته القانونية، وكان لافتا بأناقة مظهره وانضباطه وأدبه ورصانته. ونُقل إلى مدينة الأبيض في غرب السودان، وكانت محطة مهمة ومثيرة في مسيرته القانونية.
يروي أبيل ألير لـ«الشرق الأوسط» واقعة خطيرة تزامنت مع وصوله عام 1960 أيام الحكم العسكري النوفمبري 1958 - 1964، وقد بدأت آنذاك مؤشرات مقاومة الحكم العسكري في عدد من مدن السودان ومنها الأبيض. ولدى وصوله مباشرة كلف بالاضطلاع بمهام القاضي المقيم الذي كان ذهب في عطلة، وتلقى شكوى مفادها أن قانونيا معارضا اعتقلته قيادة الجيش بالمدينة وتعرض للتعذيب ووضع في الحراسة، فسارع على الفور، وهو القاضي الصغير، إلى الاتصال بالحاكم العسكري الذي كان آنذاك الحاكم بأمره، وأبلغه بأنه تلقى شكوى باعتقال محام وتعرضه للتعذيب، وأنه يطلب إحضاره إلى مكتبه في القضائية للتحري في الأمر. ولم يستجب الحاكم العسكري لطلبه، لأنه لم يتم إرسال أو إحضار القانوني المعني للقاضي، وفوجئ الحاكم العسكري في اليوم التالي بأن القاضي الشاب الجديد جاءه بنفسه في القيادة العسكرية ليقول له بكل أدب: «سعادتك.. إن طلبي بإحضار القانوني المعتقل لم ينفذ بعد مضي أربع وعشرين ساعة، وقد جئت بنفسي للقائه في مقر حبسه، وأريد رؤيته وأن أسمع منه دون حضور أحد..». وأمام المفاجأة والطلب المباشر الواضح، وافق الحاكم العسكري للقاضي الشاب على لقاء القانوني المعارض الذي أكد له أنهم ضربوه وعذبوه بوحشية، يقول: «وقمت بإعداد تقرير دقيق ووافٍ عن الواقعة وأرسلته إلى رئيس القضاء. لقد كانت الواقعة تمثل خرقا قانونيا وأخلاقيا خطيرا». وفي هذه الأثناء، أبلغ الحاكم العسكري في الأبيض القيادة العسكرية في الخرطوم بالحراك القانوني الجريء الذي قاده القاضي الجنوبي الجديد ولقائه المحامي المعتقل. وأرسلت القيادة العامة للجيش مستشارا قانونيا برتبة لواء، والتقى القاضي ألير الذي بادره بأنه سيتحدث إليه كقانوني مع قانوني، وأبلغه بأن قيادة الجيش في المدينة ارتكبت خطأ باعتقال مواطن وتعذيبه، فلو كانت هنالك تهمة فإن المعني بها هو المؤسسة الشرطية التي تتحرى وتعتقل وفقا للقانون. وجرت اتصالات مكثفة لتطويق الموقف المتأزم الذي فاجأ الحكم في الخرطوم، وتم إطلاق سراح المحامي المعارض ونقل القائد العسكري إلى موقع آخر. وعرفت المدينة كلها بالحدث، وأن القاضي الجنوبي الشاب الجديد نفذ القانون بوعي وحسم ومن دون خوف من أي جهة، واعتبر ذلك موقفا شجاعا ومشهودا.
يقول أبيل ألير إنه كقاضٍ كان يعنيه تطبيق القانون وحماية مواطن بالقانون، وأنه أحس بالرضا والارتياح لدى وصول قيادة نقابة المحامين، التي تضم محمد أحمد محجوب ومبارك زروق وهما من الرموز السودانية البارزة، وشغلا مناصب دستورية وتنفيذية في الحكومات الوطنية ليدعما موقفه القانوني الصحيح. ويروي أبيل ألير أنه في صبيحة يوم 25 مايو (أيار) 1969م، وقع «انقلاب مايو» بقيادة الرائد جعفر نميري، وفوجئ باسمه كوزير للإسكان في حكومة النظام الجديد. وغادر منزله في الخرطوم إلى أم درمان، عندما وجهت الأمانة العامة لمجلس الوزراء نداء إلى الوزراء الجدد للحضور لأداء القسم، وقرر عدم الذهاب، لأنه كان في حاجة إلى التفكير وللترتيب وتحديد الأولويات. وعندما عاد ليلا إلى منزله في الخرطوم، وجد أن نائب رئيس مجلس قيادة النظام الجديد ورئيس الوزراء بابكر عوض الله، جاء وسأل عنه وترك له مذكرة للقائه في اليوم التالي، كما جاءه صديقه وزميله جوزيف قرنق، الذي عين أيضا وزيرا في الحكومة الجديدة، والتقى رئيس الوزراء بابكر عوض الله، الذي نقل إليه معرفته بمواقفه، حيث استقال من القضاء لينضم إلى وفد جبهة الجنوب في مؤتمر المائدة المستديرة لحل مشكلة الجنوب، وليخوض أيضا الانتخابات كنائب في البرلمان، وحثه على المشاركة في الحكومة الجديدة. ورد أبيل ألير بأن قبوله المنصب للوزارة يرتبط بمعرفة موقف النظام الجديد من حل مشكلة الجنوب، وأن لديه رؤية لمعالجة هذه القضية. فطلب منه رئيس الوزراء بابكر عوض الله إعداد مذكرة حول هذه القضية. وبالفعل، سارع بتقديمها وانعقد اجتماع مشترك لمجلس قيادة مايو العسكري ومجلس الوزراء للتداول حول المذكرة، التي شددت على إجراء مفاوضات بين الحكومة والمتمردين بقيادة حركة أنانيا المتمردة آنذاك لوقف الحرب، ووافق الاجتماع على المذكرة وما تحمله من مقترحات لحل مشكلة الجنوب.
واعتبر أبيل ألير أن تقديمه الاستقالة من القضاء بعد ثورة أكتوبر 1964، بعد أن خيره رئيس القضاء بابكر عوض الله بين القضاء والعمل السياسي. وقال إن قضية الجنوب كانت تمثل قرارا مهما في مسيرة حياته القانونية والسياسية. ويقول رئيس مفوضية الانتخابات أبيل ألير إن العلاقة برئيس الحركة الشعبية الراحل الدكتور جون قرنق بدأت مبكرا، بعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة وحركة أنانيا ووقف الحرب في الجنوب عام 1972. وعندما جاءت عملية إعادة توطين العائدين واستقرارهم وكذلك استيعاب قوات الأنانيا في الجيش، لفت نظره جون قرنق، حيث عرف عنه معارضته للاتفاقية. وظل متابعا لحركات وتنقلات قرنق منذ عملية التحاقه بالجيش السوداني وتنقلاته، ولقرار وزير الدفاع والقائد العام الفريق أول عبد الماجد حامد خليل لإرسال جون قرنق لبعثة دراسية إلى الولايات المتحدة، حيث نال الدكتوراه في مشروع جونقلي في الجنوب. وقد عرف آنذاك أن جون قرنق على الرغم من وجوده في الولايات المتحدة، فقد ظل مثابرا على اتصالاته بزملائه في الجنوب وفي خارجه.
وعندما نقضت اتفاقية الحكم الذاتي للجنوب كإقليم واحد وقسم إلى 3 أقاليم وشكلت حكومة أخرى للجنوب فإنه - أي أبيل ألير الذي أعفي من منصبه - ظل بعض الوقت في الجنوب لدراسة مشروع خدمي، وذلك عام 1983، وفاجأه جون قرنق بزيارته وإبلاغه بقيادة حرب جديدة، وطلب منه الانضمام إليهم. ورد عليه ألير بأنه سيبقى في الجنوب، وطلب منه الحفاظ على أرواح المواطنين، الشماليين أو الأجانب في المنطقة. وعندما بدأت مفاوضات نيفاشا بين الحكومة والحركة الشعبية بقيادة النائب الأول علي عثمان محمد طه، وزعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق، طلب جون قرنق حضور ألير. ويضيف أبيل ألير أن تلك المفاوضات اتسمت بالجدية والمسؤولية، ولكنها كانت بالفعل صعبة ومعقدة وتحتاج إلى إرادة مشتركة قوية لتحقيق ما هو مطلوب والوصول إلى نتائج تفضي إلى وقف الحرب وإحلال السلام الشامل، وقد أخذ برأيه في قضية السلطة حيث نقل للطرفين أن الجيش يمثل السلطة القوية في أفريقيا، وجاء اقتراحه بوجود جيش الحركة الشعبية في الجنوب وعودة الجيش للشمال مع وحدة قوات مشتركة من القوات المسلحة والحركة الشعبية في الجنوب. وبالنسبة إلى الثروة، فطالب بمراعاة أن الجنوب مصدر النفط، وأنه الأكثر حاجة إلى التنمية والخدمات. وأشار بالنسبة إلى علاقة الجنوب والشمال، إلى أن الفيصل يتمثل في إقرار حق تقرير المصير والاستفتاء الذي بموجبه يقرر أهل الجنوب وبإرادتهم الوحدة مع الشمال أو الانفصال.
ويقفز أبيل ألير إلى الحدث الأهم بعد أشهر قليلة من توقيع اتفاقية السلام الشامل، الذي تمثل في الرحيل المفاجئ للنائب الأول للرئيس.. رئيس حكومة الجنوب زعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق، وقال إنه قد تلقى النبأ بحزن بالغ على المستوى الشخصي والمستوى العام، وعندما تم تكليفه برئاسة لجنة التحقيق في ملابسات حادثة سقوط الطائرة الأوغندية التي كان يستقلها قرنق، فإنه تجاوز أحزانه الشخصية ليغلب العقل والمنطق والقانون، واستعان بخبراء فنيين دوليين وسودانيين للوصول إلى الحقيقة، وإرسال الصندوق الأسود للخارج لنقل ما دار في الطائرة وآخر أقوال الدكتور جون قرنق. وعلى الرغم من الاستعجال الذي أبدته عدة جهات لمعرفة نتائج التحقيق، فإنه حرص من جانبه على الدقة والتريث والمراجعة، وأعد التقرير بشكل دقيق، الذي انتهى إلى نتائج مفادها أن الفشل البشري كان وراء الحادث الأليم الذي أودى بحياة النائب الأول، ورئيس حكومة الجنوب الدكتور جون قرنق، وبذلك أسدل الستار على تخمينات حول حقيقة مصرعه.
بعد الانتفاضة الشعبية في أبريل 1985م، التي أطاحت بالنظام المايوي 1969 - 1985، اجتمع به عضو المجلس العسكري الانتقالي وقتها وزير الدفاع اللواء عثمان عبد الله، ليطلب منه المشاركة في الحكومة الانتقالية باعتباره «حكيم الجنوب»، فجاء رده أنه محسوب على الحكم المايوي الذي أطاحت به الانتفاضة الشعبية، وأنه كان نائبا لرئيس النظام السابق، والقبول بأي مشاركة أو منصب في نظام لاحق يتعارض تماما مع مبادئ وقيم يصعب التخلي عنها مهما كان إغراء السلطة أو لدوافع أخرى، وأن عدم قبوله أي منصب أو مشاركة جديدة يتواءم وقناعات شخصية وإنسانية وأخلاقية، وقد أمن على هذه الواقعة اللواء عثمان عبد الله.
ويتذكر أيضا أبيل ألير أنه عندما كان رئيسا لحكومة الجنوب بعد اتفاقية السلام التي وقعت عام 1972 في أديس أبابا، زاره وفد من مسلمي الجنوب، وأبلغوه بأنهم عرفوا أن تصديقا منح لجهة أخرى لقيام مبنى أو كنيسة في ميدان في جوبا سبق أن صدق لهم فيه ببناء مسجد، وأنه استمع إليهم جيدا. وعندما فرغوا دعاهم إلى تناول الإفطار في منزله، فقد كانوا في شهر رمضان. وبعد الإفطار نقل إليهم أنه سيهتم بالمشكلة، وسيلجأ إلى الجهات المختصة، فإذا تأكد إصدار تصديق فهذا يعني حقهم في الأسبقية. وظهر بالفعل وجود تصديق بقيام مسجد في الموقع المعين، فطلب مقابلة الجماعة الذين تقدموا لبناء مبنى أو كنيسة، ونقل إليهم أنه استعان بالجهات المختصة، ووجد أن الموقع الذي طلبوه سبق أن صدق لبناء مسجد، وأنه في مقدورهم اختيار موقع آخر، وسيوافق لهم، وانتهى الأمر برضا الأطراف كافة.
ويوصف أبيل ألير بأنه شديد الحذر «أكثر مما يجب»، وهو يقول في حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «يوجد فارق بين الحذر والتريث»، فهو يتريث في اتخاذ القرار أو الموقف أو حتى الحديث. فعندما كان قاضيا، كان يتجنب إصدار حكم في حالة غضب أو فرح، ويفضل إصدار الحكم في حالة طبيعية متماسكة ومتزنة. وهو في الحكم كان يدلي برأيه بعد دراسة واقعية وحيثيات موضوعية تعزز ما ذهب إليه، وإذا تحدث عن قضية يستند إلى وثائق ومراجع، وهو يتمتع باحترام وفير وواسع من القطاعات كافة في الشمال والجنوب، ويتمتع بسمعة ممتازة كشخصية مهيبة وحكيمة، لذلك اعتبر اختياره رئيسا لمفوضية الانتخابات العامة التي تشرف وتدير أخطر وأصعب وأعقد انتخابات عامة عرفها السودان في تاريخه الحديث في أبريل 2010 بمثابة اختيار موفق، وبخاصة إلى جانب ما يتمتع به من خبرة سياسية ونيابية ودستورية وتنفيذية ودراية قانونية فائقة. وقد كان أيضا رئيسا مع القاضي ووزير العدل السابق عبد الله إدريس للمفوضية القومية للمراجعة الدستورية، بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل مطلع 2005.
ويوصف أيضا أبيل ألير بأنه رب أسرة متماسكة ورصينة، تتكون من زوجته، و3 أبناء وبنتين، وقد توفيت إحداهما وهي شابة، وتزوجت الأخرى. وهو وفيّ ومخلص في علاقاته مع أصدقائه الكثر المتميزين في ميادين السياسة والفكر والإعلام والاقتصاد، ويحرص على المشاركة والحضور شخصيا في المناسبات الاجتماعية والأفراح، ويسهم بالواجب المادي الاجتماعي بتقديمه مباشرة لصاحب المناسبة أو في «الكشف» على الطريقة السودانية، وهو كريم وسخي ولا يرد طلبا لمن يلجأ إليه لقضاء حاجة مادية. تقول مديرة مكتبه في المفوضية سيدة عيسى لـ«الشرق الأوسط» بأن العاملين أعدوا كشفا لمناسبة اجتماعية تخص زميلة لهم في المفوضية، وأن الكشف حمل أرقاما متفاوتة من 10 جنيهات إلى 25 جنيها، و50 جنيها وأكبر مبلغ كان 100 جنيه. وعندما طالع ألير الكشف، قال إن المناسبات الاجتماعية أضحت مكلفة، وقام بدفع 2000 جنيه وكانت مساهمة سخية.
المصدر : الشرق الأوسط
هل يصبح السودان ساحة صراع بعد إنفصال الجنوب؟
هل يصبح السودان ساحة صراع بعد إنفصال الجنوب؟
د. يوسف نور عوض
يتحدث الكثيرون عن السودان كبلد متعدد الأعراق والثقافات، وإذا أرادوا أن يخرجوا من هذا التعريف العشوائي قالوا إن السودان يقع في إطار واقعين، أحدهما في الشمال حيث تسود ثقافة عربية إسلامية وثانيهما في الجنوب حيث تسود ثقافة مسيحية أو وثنية، أما إذا تكلموا عن اللغات التي يتحدثها شعب السودان فقالوا إنها تزيد عن أربعمئة لغة، وإذا نظرنا إلى كل هذه التقسيمات وجدنا أنها تنطلق من دوافع خاصة لا تصب في مجملها في مصلحة السودان، ذلك أن السودان حين نال استقلاله لم يكن عدد سكانه قد تجاوز العشرة ملايين، وبصرف النظر عن كون بعض هؤلاء مسلمين أو غير مسلمين فالحقيقة هي أن معظم سكان البلاد كانوا يخضعون لثقافة متقاربة في تكويناتها تمثل جوهر الواقع الثقافي السوداني دون حاجة لتسميته بالعربي الإسلامي أو الزنجي الوثني، غير أن ذلك لا ينفي وجود نزعات قبلية في البلاد واتجاهات نحو الانتماء لواقع عرقي وعقدي لا يمثل حقيقة الحياة الثقافية في السودان ،وهو واقع غير معترف به أصلا خارج حدود السودان، ولا نشك في أن الكثيرين ممن لا تهمهم مصلحة السودان حاولوا استغلال هذا الواقع من أجل تحقيق أغراض خاصة بهم وهو ما يبدو بشكل واضح في مشكلة جنوب السودان التي هي أكبر تحد أمام سلامة هذا الوطن، وذلك ما يدفعنا لاستجلاء طبيعة هذه المشكلة والأسباب التي تجعلها تتسم بالخطورة.
ونقول في ذلك إن الحركة الوطنية في السودان بدأت في فترة مبكرة خلال القرن العشرين، و بلغت هذه الحركة أوجها خلال الأربعينيات من القرن الماضي، وكانت في مجملها تسير في اتجاهين رئيسيين، الأول، اتحادي ظل يحتمي بمصر التي كانت إحدى دولتي الحكم الثنائي، أما الثاني وهو حزب الأمة فقد كان ينادي بالاستقلال التام رغم احتمائه بالبريطانيين ،وكان ذلك أمرا طبيعيا لأن الإنكليز كانوا هم العنصر الأقوى في حكم السودان بينما كان الوجود المصري شكليا، إلا أنه لم تظهر خلافات كبيرة بين الاتحاديين وحزب الأمة عندما جاء وقت الخيار لمستقبل الحكم، إذ وافق الاتحاديون على استقلال السودان، وبالتالي لم يكن هناك كبير فرق من حيث التوجه بينهم وبين حزب الأمة. و حتى تلك المرحلة كان صوت الجنوبيين مغيبا إذ لم يكن لهم تأثير يذكر في مجريات السياسة السودانية بل لم تكن هناك رؤية واضحة حول الدور الذي يمكن أن يلعبوه مستقبلا. وقد أدى المستقبل الغامض للجنوب بعد الاستقلال إلى قيام أول حركة تمرد في جنوب السودان عام 1955 عندما تمردت حامية ‘توريت’ وكان تمردا دمويا بمعنى الكلمة حيث تعرضت كثير من الأسر الشمالية في الجنوب للقتل، وكان سبب التمرد واضحا، وهو قلق القوى الجنوبية مما سيؤول إليه الحال بعد الاستقلال، ذلك أنه خلال مرحلة الحكم الانكليزي كان الجنوبيون يعيشون في بيئة يطلق عليها المناطق المقفولة التي يمنع فيها الاحتكاك مع الشماليين حماية لهم، وهذا وضع أدرك الجنوبيون أنه لن يكون ممكنا في ظل عهد الاستقلال، وقد استمرت حركة التمرد حتى عام ألف وتسعمئة واثنين وسبعين عندما قامت حركة تحرير السودان بتوقيع اتفاق مع حكومة الرئيس الراحل جعفر نميري، وكان مصيرهذا الاتفاق محتوما لأن الرئيس نميري كان يريد فقط وقف الحرب وليس تأسيس نظام ديمقراطي حديث يستوعب كل العناصر في داخله، وقد زاد الوضع صعوبة عندما تبنى الرئيس نميري مشروع تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد وهو مشروع وإن كان يؤيده الكثيرون في الشمال فإن معظم الجنوبيين لم يكونوا معنيين به، وخلال هذه الفترة بدأت البلاد تمر بأزمات اقتصادية أدت إلى كثير من الإضرابات والمظاهرات الشعبية، وظن الرئيس نميري أن اكتشاف النفط في جنوب السودان سوف يساعد على تحسين الأوضاع السياسية ،لكن اتضح في ما بعد أن النفط لم يكن أكثر من قنبلة موقوتة تحرك المشاعر الجهوية في البلاد، وكان ذلك سببا رئيسيا في تحالف النميري مع الإسلاميين من أجل اكتساب القوة والدعم، وقد أدى هذا التحالف إلى ظهور ما عرف في ذلك الوقت بقوانين سبتمبر التي أعادت الحرب الأهلية إلى جنوب السودان من جديد، غير أن الحرب التي دعمها نظام إثيوبيا المدعوم من الاتحاد السوفييتي اتخذت في هذه المرة منحى دينيا لم يكن معهودا على هذا النحو من قبل، وقد أدى تفاقم الأحوال في جنوب السودان والظروف الاقتصادية إلى ثورة شعبية أطاحت نظام النميري من خلال انقلاب عسكري رتب على عجل في عام ستة وثمانين ليأتي بحكومة تآلف حزبي في نهاية الأمر ولكنه تآلف لم يستمر طويلا إذ انقلب عليه الجيش مرة أخرى وأتى بحكومة الإنقاذ التي مازالت تمارس سلطتها حتى اليوم،وعلى الفور تكونت جبهة الهيئات الوطنية التي شملت أحزاب المعارضة الشمالية وكان من بينها الجيش الشعبي لتحرير السودان، الذي ظل يواصل اتصالاته بالحكومة من أجل بحث مسألة تقرير المصير ودور الدين في سياسة الدولة. ولكن مواقف الجنوبيين لم تكن كلها تسير في خط واحد إذ نشأت كثير من النزاعات التي أدت إلى قتال بين الفصائل الجنوبية، وظلت الحكومة في الشمال دائما تعتقد أن مثل هذه النزاعات هي الضمان لاستمرار تيار الوحدة مع الشمال في جنوب السودان، ولكن هذه رؤية ضيقة لأنها أهملت المصالح الخارجية في استمرار النزاعات السودانية.
ولا نريد أن نحصر المصالح الأجنبية في النواحي الاقتصادية وحدها خاصة بعد اكتشاف النفط في جنوب السودان، إذ أصبح مؤكدا للولايات المتحدة أن السودان الذي زاد عمر استقلاله عن خمسين عاما لن يكون بحال من الأحوال صديقا لها بكونه فشل خلال سنوات الاستقلال في تحقيق هذه الصداقة بسبب التوجهات الثقافية التي سيطرت على نظم الحكم في هذا البلد، وبالتالي فقد بدا واضحا أن الانحياز لإقليم جنوب السودان قد يحقق مصالح للولايات المتحدة أكبر من تلك التي تتحقق بالانحياز لشمال السودان، وقد وجدت إسرائيل في هذه السياسة خدمة لمصالحها خاصة أن تفكيك دولة السودان سوف يضعف مصر مستقبلا وسيجعلها دولة لا تشكل خطرا على وجود إسرائيل في المستقبل، وبالتالي شجعت كل من إسرائيل والولايات المتحدة فكرة أن يكون هناك استفتاء في جنوب السودان، وهو استفتاء غير ضروري إذ لا يوجد بلد في العالم يتجه نحو استفتاء يعرف سلفا أنه سيؤدي إلى تمزيقه، غير أن حكومة شمال السودان لم تفكر بإمعان في هذا الاستفتاء وتعتقد أنه إجراء طبيعي ،وحتى لو جاءت نتيجته لصالح دعاة الانفصال فإن ذلك سوف يزيح عنها عبئا، وهو تفكير خطأ لأن حكومة السودان لم تفكر في تداعيات قرار الانفصال خاصة مع وجود دعوات انفصالية أخرى في دارفور وبعض مناطق شرق السودان، وهو ما ينذر بأن السودان قد يصبح ساحة قتال بعد الاستفتاء المقبل، ومع ذلك فإن جامعة الدول العربية الميتة أصلا لم تحرك ساكنا ولم تتخذ أي خطوات من أجل إخراج السودان من محنته، أما الولايات المتحدة فهي مستمرة في تقديم الإغراءات للحكومة السودانية بأن تترك الأمور تسير على هواها مع وعود برفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب وتقديم المساعدات له، وكل تلك وعود زائفة لأن هدف الولايات المتحدة هو تدمير السودان وليس مساعدته، وفي رأيي فإنه من الضرورة عند هذه المرحلة أن توقف حكومة السودان هذا الاستفتاء بأي ثمن وتحافظ على وحدة البلاد، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال ظلم أهل الجنوب بل لا بد من النظر في إعطائهم كامل الحقوق السياسية والاقتصادية التي يستحقونها حتى لا تجد في ذلك العناصر المعادية للسودان ذريعة في تفكيك هذا البلد الذي يصعب أن يستمر آمنا دون أن يكون موحدا. وإذا لم تتخذ إجراءات سريعة لتدارك الموقف في جنوب السودان فالأغلب أن تتحول البلاد إلى ساحة صراع لن يكون بالإمكان السيطرة عليها.
ونقول في ذلك إن الحركة الوطنية في السودان بدأت في فترة مبكرة خلال القرن العشرين، و بلغت هذه الحركة أوجها خلال الأربعينيات من القرن الماضي، وكانت في مجملها تسير في اتجاهين رئيسيين، الأول، اتحادي ظل يحتمي بمصر التي كانت إحدى دولتي الحكم الثنائي، أما الثاني وهو حزب الأمة فقد كان ينادي بالاستقلال التام رغم احتمائه بالبريطانيين ،وكان ذلك أمرا طبيعيا لأن الإنكليز كانوا هم العنصر الأقوى في حكم السودان بينما كان الوجود المصري شكليا، إلا أنه لم تظهر خلافات كبيرة بين الاتحاديين وحزب الأمة عندما جاء وقت الخيار لمستقبل الحكم، إذ وافق الاتحاديون على استقلال السودان، وبالتالي لم يكن هناك كبير فرق من حيث التوجه بينهم وبين حزب الأمة. و حتى تلك المرحلة كان صوت الجنوبيين مغيبا إذ لم يكن لهم تأثير يذكر في مجريات السياسة السودانية بل لم تكن هناك رؤية واضحة حول الدور الذي يمكن أن يلعبوه مستقبلا. وقد أدى المستقبل الغامض للجنوب بعد الاستقلال إلى قيام أول حركة تمرد في جنوب السودان عام 1955 عندما تمردت حامية ‘توريت’ وكان تمردا دمويا بمعنى الكلمة حيث تعرضت كثير من الأسر الشمالية في الجنوب للقتل، وكان سبب التمرد واضحا، وهو قلق القوى الجنوبية مما سيؤول إليه الحال بعد الاستقلال، ذلك أنه خلال مرحلة الحكم الانكليزي كان الجنوبيون يعيشون في بيئة يطلق عليها المناطق المقفولة التي يمنع فيها الاحتكاك مع الشماليين حماية لهم، وهذا وضع أدرك الجنوبيون أنه لن يكون ممكنا في ظل عهد الاستقلال، وقد استمرت حركة التمرد حتى عام ألف وتسعمئة واثنين وسبعين عندما قامت حركة تحرير السودان بتوقيع اتفاق مع حكومة الرئيس الراحل جعفر نميري، وكان مصيرهذا الاتفاق محتوما لأن الرئيس نميري كان يريد فقط وقف الحرب وليس تأسيس نظام ديمقراطي حديث يستوعب كل العناصر في داخله، وقد زاد الوضع صعوبة عندما تبنى الرئيس نميري مشروع تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد وهو مشروع وإن كان يؤيده الكثيرون في الشمال فإن معظم الجنوبيين لم يكونوا معنيين به، وخلال هذه الفترة بدأت البلاد تمر بأزمات اقتصادية أدت إلى كثير من الإضرابات والمظاهرات الشعبية، وظن الرئيس نميري أن اكتشاف النفط في جنوب السودان سوف يساعد على تحسين الأوضاع السياسية ،لكن اتضح في ما بعد أن النفط لم يكن أكثر من قنبلة موقوتة تحرك المشاعر الجهوية في البلاد، وكان ذلك سببا رئيسيا في تحالف النميري مع الإسلاميين من أجل اكتساب القوة والدعم، وقد أدى هذا التحالف إلى ظهور ما عرف في ذلك الوقت بقوانين سبتمبر التي أعادت الحرب الأهلية إلى جنوب السودان من جديد، غير أن الحرب التي دعمها نظام إثيوبيا المدعوم من الاتحاد السوفييتي اتخذت في هذه المرة منحى دينيا لم يكن معهودا على هذا النحو من قبل، وقد أدى تفاقم الأحوال في جنوب السودان والظروف الاقتصادية إلى ثورة شعبية أطاحت نظام النميري من خلال انقلاب عسكري رتب على عجل في عام ستة وثمانين ليأتي بحكومة تآلف حزبي في نهاية الأمر ولكنه تآلف لم يستمر طويلا إذ انقلب عليه الجيش مرة أخرى وأتى بحكومة الإنقاذ التي مازالت تمارس سلطتها حتى اليوم،وعلى الفور تكونت جبهة الهيئات الوطنية التي شملت أحزاب المعارضة الشمالية وكان من بينها الجيش الشعبي لتحرير السودان، الذي ظل يواصل اتصالاته بالحكومة من أجل بحث مسألة تقرير المصير ودور الدين في سياسة الدولة. ولكن مواقف الجنوبيين لم تكن كلها تسير في خط واحد إذ نشأت كثير من النزاعات التي أدت إلى قتال بين الفصائل الجنوبية، وظلت الحكومة في الشمال دائما تعتقد أن مثل هذه النزاعات هي الضمان لاستمرار تيار الوحدة مع الشمال في جنوب السودان، ولكن هذه رؤية ضيقة لأنها أهملت المصالح الخارجية في استمرار النزاعات السودانية.
ولا نريد أن نحصر المصالح الأجنبية في النواحي الاقتصادية وحدها خاصة بعد اكتشاف النفط في جنوب السودان، إذ أصبح مؤكدا للولايات المتحدة أن السودان الذي زاد عمر استقلاله عن خمسين عاما لن يكون بحال من الأحوال صديقا لها بكونه فشل خلال سنوات الاستقلال في تحقيق هذه الصداقة بسبب التوجهات الثقافية التي سيطرت على نظم الحكم في هذا البلد، وبالتالي فقد بدا واضحا أن الانحياز لإقليم جنوب السودان قد يحقق مصالح للولايات المتحدة أكبر من تلك التي تتحقق بالانحياز لشمال السودان، وقد وجدت إسرائيل في هذه السياسة خدمة لمصالحها خاصة أن تفكيك دولة السودان سوف يضعف مصر مستقبلا وسيجعلها دولة لا تشكل خطرا على وجود إسرائيل في المستقبل، وبالتالي شجعت كل من إسرائيل والولايات المتحدة فكرة أن يكون هناك استفتاء في جنوب السودان، وهو استفتاء غير ضروري إذ لا يوجد بلد في العالم يتجه نحو استفتاء يعرف سلفا أنه سيؤدي إلى تمزيقه، غير أن حكومة شمال السودان لم تفكر بإمعان في هذا الاستفتاء وتعتقد أنه إجراء طبيعي ،وحتى لو جاءت نتيجته لصالح دعاة الانفصال فإن ذلك سوف يزيح عنها عبئا، وهو تفكير خطأ لأن حكومة السودان لم تفكر في تداعيات قرار الانفصال خاصة مع وجود دعوات انفصالية أخرى في دارفور وبعض مناطق شرق السودان، وهو ما ينذر بأن السودان قد يصبح ساحة قتال بعد الاستفتاء المقبل، ومع ذلك فإن جامعة الدول العربية الميتة أصلا لم تحرك ساكنا ولم تتخذ أي خطوات من أجل إخراج السودان من محنته، أما الولايات المتحدة فهي مستمرة في تقديم الإغراءات للحكومة السودانية بأن تترك الأمور تسير على هواها مع وعود برفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب وتقديم المساعدات له، وكل تلك وعود زائفة لأن هدف الولايات المتحدة هو تدمير السودان وليس مساعدته، وفي رأيي فإنه من الضرورة عند هذه المرحلة أن توقف حكومة السودان هذا الاستفتاء بأي ثمن وتحافظ على وحدة البلاد، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال ظلم أهل الجنوب بل لا بد من النظر في إعطائهم كامل الحقوق السياسية والاقتصادية التي يستحقونها حتى لا تجد في ذلك العناصر المعادية للسودان ذريعة في تفكيك هذا البلد الذي يصعب أن يستمر آمنا دون أن يكون موحدا. وإذا لم تتخذ إجراءات سريعة لتدارك الموقف في جنوب السودان فالأغلب أن تتحول البلاد إلى ساحة صراع لن يكون بالإمكان السيطرة عليها.
================================
http://nabeel2.yoo7.com/
http://nabeel2.yoo7.com/
هل تطبق الإنقاذ النظام الفدرالي فى السودان ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هل تطبق الإنقاذ النظام الفدرالي فى السودان ؟
من الانظمة السائدة في هذا العصر النظام الفيدرالي , وقد أثبت هذا النظام نجاحه الكبير في العديد من الدول المتقدمة , وتعد أقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الاميركية من العاملين بهذا النظام الذي يجمع تحت لوائه خمسون دولة أو ولاية تسمى الولايات المتحدة الأمريكية ,وجميع الولايات القومية السودانية يحدوهم الأمل في الوصول بالوطن إلى المستويات العالية المطلوبة من الرقي والتقدم واشاعة مفاهيم الحرية والديمقراطية , وبعد عقود طويلة من الاستبداد والإحتكار .
ان أقوى دولة في العالم الآن هي الولايات المتحدة الأميركية تعمل بهذا النظام ومنذ أكثر من 200 عام , وهناك ما يقارب من 25 دولة , أو أكثر تعتبر من الدول المتقدمة علمياً وادارياً وسياسياً .
وهذا النظام قديم وموجود من عهود الحكم من الدول التي قامت في صدر الأسلام من حكم الخلفاء وحكم الدولة الاموية والدولة العباسية والحكم العثماني ..
كان نظام هذه الدول قائماً على نظام الولايات في عهد الحكم العثماني .
وسأحاول انشاء وبحسب ما يتيسر لدي من المصادر المطلوبة في البحث في هذا المجال .
وبما أن تجرية الولايات المتحدة الأمريكية هي الأبرز والانجح في عصرنا الراهن سأحاول البحث حولها , وحول بعض الدول الآخرى التي تتبنى هذا المنهاج السياسي والإدراي في بلادها مثل سوسيسرا وبلجيكا ..
وفي هذا البحث الذي سأسعى جاهداً من خلاله أن أكون قد قدمت ولو الحد الأدنى من الفائدة المرجوة في سبيل تشييد صرح البناء الإداري والسياسي لمستقبل السودان الجديد
في هذا الطريق الطويل والشائك , طريق الحرية ودولة القانون واحترام الرأى الآخر .
تعريف الفدرالية
الفدرالية ومجمل تطبيقاتها في العالم ..
الفدرالية في الولايات المتحدةالأمريكية.
الفدرالية في بعض الدول الاوربية ..
الفدرالية وجذورها في الدولةالاسلامية الاولى من خلال الإمبراطورية الاسلامية التي تعاقبت على حكم الدول الاسلامية والبلاد والممالك التي كانت تحت سيطرة هذه الامبراطورية ..
تعريف الفدرالية
(( فيما يخص الفيدرالية، هناك أنواع منها، مثلاً الفيدرالية الأمريكية هي أشبه بإتحاد دول، لذلك تسمى بالإنكليزي United States of America ,أي إتحاد الدول الأمريكية وترجمت خطأ إلى العربية (الولايات المتحدة الأمريكية) فهي دول وليست ولايات. على أي حال، يقول المثل (خطأ شائع خير من صحيح مهجور). أغلب الدول الديمقراطية هي فيدراليات، مثل ألمانيا وسويسرا وبريطانيا والهند وماليزيا وروسيا وغيرها )) .
(( نظرا لأنه لايوجد تمييز لفظي في اللغة العربية بين الدولة الفدرالية كمجموع و بين الدول الجزئية التي تؤلف باتحادها هذه المجموع ، كما في الأنكليزية ( حيث يميز بين federal للمجموع و federate للدولة الجزئية ) و كما في الفرنسية ( حيث يميز ايضا بين المجموع federal و بين الجزء federe ) ، اذ يقال باللغة العربية (دولة فدرالية أو إتحادية للمجموع و لأجزاء هذا المجموع )
ويذكر في موقع آخر : وتسمى الجمهوريات الأتحادية في الولايات المتحدة بالدول ( States ) و في كندا بالولايات و هي دول متحدة فيما بينها ، بل أن إسم أميركا الرسمي هو ( الدول المتحدة ) United States و ليس ( الولايات المتحدة ) كما ترجم الى العربية . وكلمة الولاية ( Province ) و هي أيضا دول إتحادية كما في كندا ، يمكن ترجمتها بكلمة ( الأقليم). وکندا دولة مستقلة تماماً بدون رئيس خاص بها فرئيسها هو ملکة بريطانيا ولهذه (حاكم) يمثلها سلطته رمزية فقط . ولكن الشخص الذي يمثل كندا في المؤتمرات والقمم الدولية هو رئيس وزراء كندا المنتخب أو وزراؤه وسفراؤه , كما في المملكة المتحدة, وليس الملكة البريطانية)).
الدول الفدرالية في العالم..
يقطن اليوم ما يقارب 40% من سكان العالم في أكثر من 25 جمهورية فدرالية وأتحادية ومنها
ـ الارجنتين
ـ أستراليا
ـ بلجيكا
ـ بوصنيا و هرتسوكوفينا
ـ البرازيل
ـ أثيوبيا
ـ الامارات العربية المتحدة
الهند
ـ كندا
ـ ماليزيا
ـ المكسيك
ـ نيجيريا
ـ باكستان
ـ روسيا
ـ سويسرا
صربيا و الجبل الاسود(مونتينيكروا)
ـ أسبانيا
ـ جنوب أفريقيا
ـ الما نيا
ـ الولايات المتحدة
ـ فنزويلا
النمسا
أنواع الفدراليات
الفدراليات ككل القوانين والعلاقات السياسية تتطور عبر المكان والزمان في شتى أنحاء العالم وأهم الفدراليات التي يمكن ذكرها 0
فدرالية تعاونية - ويتكون هذا التحالف بالتعاون بين المقاطعات الفدرالية والحكومة المركزية وذلك لحل المشاكل المشتركة حسب القدرات والامكانيات المتواجدة على المستوى الحكومي والاقليمي .
كندا..
تعتبر واحدة من البلدان التي تعمل بشكل جدي نحو هذا النوع من الفدرالية فدرالية حقوقية (متساوية في سن القوانين)- يسند هنا للفدرالية مسئولية وصلاحية غير محدودة في سن القوانين على جميع المستويات ذات العلاقة بمصالح الفدرالية . هذا النوع من الفدرالية يمكن أيجادها في أغلب الدول ذات الطابع الفدرالي في الحكم وبشكل خاص في المانيا والنمسا
فدرالية متباينة :ـــــــــــــ
حينما تكون المقاطعات الفدرالية تختلف في مؤهلاتها (محتوياتها السياسية والقومية والجغرافية) عندئذ يتم الاتفاق بين الحكومة الفدرالية "المركزية والمقاطعات على شكل فيدرالي أداري معين معتمدا على الواقع في أمكانيات ومتطلبات كل مقاطعة لادارة قضاياها .
أسبانيا تمثل هذا الشكل من الحكم الفدرالي بقدر كبير رغم عدم تعريف الدولة لنفسها بذلك رسميا .
التعريف الاسلامي للفدرالية
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ – 5-
هذه الآية بحسب عقيدتي من الآيات التي يمكن الإستدلال بها على وجود أساس فكرة الفدرالية في القرآن الكريم , فالتقسيم الذي يوجد في هذه الآية الكريمة يدل على أن تقسيم البشر الى قوميات وأمم هو سنة إلهية , والحكمة منها ليسهل التعامل بين بني البشر
(( «و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا »)) و هي جمع شعب وقبيلة ، مثل مضر و ربيعة و قبائل هي دون الشعوب كبكر من ربيعة و تميم من مضر هذا قول أكثر المفسرين و قيل الشعوب دون القبائل و إنما سميت بذلك لتشعبها و تفرقها عن الحسن و قيل أراد بالشعوب الموالي و بالقبائل العرب في رواية عطا عن ابن عباس و إلى هذا ذهب قوم فقالوا الشعوب من العجم و القبائل من العرب و الأسباط من بني إسرائيل و روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) «لتعارفوا» أي جعلناكم كذلك لتعارفوا فيعرف بعضكم بعضا بنسبه و أبيه و قومه و لو لا ذلك لفسدت المعاملات و خربت الدنيا و لما أمكن نقل حديث))
وجاء في تفسير الميزان أيضاً ...
(( الشعوب جمع شعب بالكسر فالسكون و هو على ما في المجمع الحي العظيم من الناس كربيعة و مضر، و القبائل جمع قبيلة و هي دون الشعب كتميم من مضر.
و قيل: الشعوب دون القبائل و سميت بها لتشعبها، قال الراغب: الشعب القبيلة المنشعبة من حي واحد، و جمعه شعوب، قال تعالى: «شعوبا و قبائل» و الشعب من الوادي ما اجتمع منه طرف و تفرق طرف فإذا نظرت إليه من الجانب الذي تفرق أخذت في وهمك واحدا يتفرق، و إذا نظرت من جانب الاجتماع أخذت في وهمك اثنين اجتمعا فلذلك قيل: شعبت إذا جمعت، و شعبت إذا فرقت )) 0
يمكننا أن نستدل من خلال هذا التقسيم القرآني إلى وجود ضروري إلى فكرة التقسيمات القبائلية والشعوبية للإنسانية , ويعبر عن هذا القرآن الكريم بالشعوب والقبائل كا جاء فى القرآن الكريم .
وإن كان جاء من باب التأكيد على ضرورة التعارف والتفاهم بين بني الشر , فالحاجة إلى وضع نظام سياسي أولى لتسيير أمور المجتمع من خلال هذه التقسيمات ..
الفيدرالية هى :ــــــ نوع من انواع التقسيم البشري والجغرافي للإنسانية ليسهل أمر الحكم بين الناس وتنظيم مصالحهم .
فأي حكم يقوم على النظر إلى الميزات والأعراق والجغرافيا أيضاً لإقامة حكم إنساني شامل ينفع الناس هو أمر طبيعي تقره الشرائع والأعراف ولا تنكره العقائد الدينية إضافة إلى نجاحها عملياً على ارض الواقع .
ويمكن من خلال النظر الى شكل الحكم في الدولة الاسلامية في عهد الخلفاء أن نأخذ فكرة أولية عن مبدأ الفيدرالية في زمان الحكومات الاسلامية , وبالذات في عهد الامام علي عليه السلام .
ومنها النظرات الاولية لدى الامام علي عليه السلام في عهده للقائد الاسلامي الكبير مالك الاشتر (رض) . ومن الأقوال الخالدة قول الامام عليه السلام :
(( إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة وأنت واجد منهم خيرالخلف من له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم ممن لم يعاون ظالماً على ظلمه ولا آثماً على إثمه .))
والمطلب الذي نستفيده من هذا التصريح هو إن الإمام عليه السلام يعطي الخطوط العريضة للوالي مالك الأشتر في أخطر الأمور وأهمها وهي تعيين الوزراء والقيادات الكبيرة المهمة في تلك الولاية أو الأقليم , وبدون تدخل مباشر من الإمام علي عليه السلام في هذه التعيينات.
ومن خلال هذه الخطوط العريضة التي تبين إن الامام ما كان ليقبل على نفسه التدخل في الشؤون الكبيرة فمن باب أولى أن لا يتدخل في القضايا التي هي أقل اهمية من هذه القرارات الخطيرة
الكونفدرالية ؟؟
وإن كان مفهوم الكونفدرالية ليس محل بحثنا إلا إنها ترتبط بالفدرالية من جهة ما , فالكونفدرالية كما يفهمها ويعرفها السياسيون هي اتحاد كونفدرالي بين دولتين مستقلتين ذات نظام سياسي متشابه سواء كان جمهوريا أم ملكياً ..
وهذه من النظم التي يمكن تطبيقها في بلاد معينة ولا يمكن تطبيقها في بلاد أخرى بحسب الظروف الجغرافية السياسية والعرقية , وكذلك المعتقدات والافكار الدينية والعقائدية .
من الممكن على سبل المثال تطبيق الكونفدرالية بين دول الخليج العربي للتشابه الكبير بين سياسات وعقائد وأفكار هذه الدول , إضافة إلى التشابه والتقارب الجغرافي ..
مثال على ذلك الاتحاد الذي حصل وما زال بين الامارات العربية السبعة بقيادة المرحوم الشيخ زايد بن آل نهيان .
ما هي الكونفدرالية
. وهنالك نوع من الدول هي ( الكونفدرالية confederation ) وهذه تختلف عن الدول الفدرالية حيث أنها تتألف من دول مستقلة و لكنها تتفق فيما بينها لتأسيس Confederation الكونفدرالية ، أي حلف لحماية مصالحها و تتخذ قراراتها الكونفدرالية بالأجماع ، بينما الدولة الفدرالية هي دولة واحدة بالرغم من توزيع الصلاحيات عموديا و افقيا . وإسم الدولة السويسرية مازال كونفدرالية رسميا إشارة لأصولها الكونفدرالية ، مع أنها أصبحت دولة فدرالية منذ عام 1848 و تتألف من دول إتحادية تسمى كانتونات canton (عددها حاليا 26 بين كانتون و نصف كانتون).
وقد كانت هناك اطروحات لتطبيق الكونفدرالية بين اسرائيل وفلسطين والاردن , ولكنها وجدت اعتراضات كبيرة وكثيرة من السياسين والمفكرين الفلسطينيين و الاردنيين وغيرهم , وممن كتب في هذا الباحث الدكتور أحمد مطر حيث قال :
(( لذلك فان الكونفدرالية الوحيدة المتاحة ضمن موازين القوى الحالية هي كونفدرالية بين سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية في قطاع غزة وبعض التجمعات السكنية في الضفة الغربية وبين المملكة الاردنية الهاشمية وهي بهذا الشكل ليست (كونفدرالية) بالمعنى الدستوري والقانوني لهذه الكلمة ولكنها صيغة ضبابية مضللة لكل من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي اهدافه الخاصة منها وذلك على حساب الطرف الاردني شعبا وارضا ودولة.))
الفيدرالية الأمريكية :ــــــــــ
سأحاول أن أتحدث عن الحالة الامريكية من خلال التعليق على مقالة ديفيد بود نهايمر , وهي مقالة تحيط بجوانب كثيرة من الحالة الفدرالية الامريكية وهي بعنوان
الفدرالية والديمقراطية
(( بقلم ديفيد بودنهايمر:
الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات هما في الواقع وكيلتان وقيّمتان على الشعب، لكنهما مختلفتان، ولهما صلاحيات مختلفة، وتهدفان لتحقيق غايات مختلفة.
((جيمس ماديسون، مجلة الفدرالي، العدد 46))
يستدل الكاتب الامريكي ببداية مقالته مستشهداً بحديث جيمس ماديسون القائل بأن الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات مختلفتان من حيث الصلاحيات , بل وحتى إن غاياتهم مختلفة على حد قول بود نهايمر , وهذه حقيقة نراها ونسمعها من خل إطلاعنا على أخبار الولايات المتحدة الأمريكية حيث نرى ان هناك على سبيل المثال اختلافاً بالقوانين القضائية والجزائية بين ولاية وولاية أخرى في داخل الولايات
الأمريكية .
ويضيف الكاتب الامريكي شارحاً الوضع في بلاده :
(( كانت الانتخابات الرئاسية العام 2000 إحدى أكثر الانتخابات تقارباً للنتائج، والأكثر مدعاة للإرباك في التاريخ الأميركي. ولم يتم التأكد، إلا بعد أكثر من شهر من اقتراع الناخبين، من أن المرشح الجمهوري جورج دبليو. بوش هو الذي فاز بتلك الانتخابات ليصبح الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتحدة. في غضون ذلك، كان العالم يراقب فيما المعركة على أصوات فلوريدا تتنقل تكراراً بين المحاكم المحلي ومحاكم الولاية والمحاكم الفدرالية، إلى أن بتّت المحكمة العليا القضية. وما وجده الكثير من المراقبين الأجانب محيّراً هو الاختلاف الكبير في المعايير الانتخابية بين مكان وآخر، وكيف يمكن لمسؤولين محليين أن يلعبوا مثل هذا الدور الهام في انتخابات قومية )) -10-
إذن حتى بعض المعاير الانتخابية كانت مختلفة في هذا العصر , وبالذات في أيام انتخاب جورج دبليو بوش , وليس معنىهذا أن الاختلاف هو اختلاف جذري وجوهري , إنما الأمر يدل على وجود الأساليب المختلفة في وسائل الدعاية ووسائل الفرز ووسائل التطبيق الآلي والجماهيري للإنتحابات لأمريكية بين ولاية وأخرى , :كما إن للمسؤلين المحليين سياساتهم واساليبهم الخاصة بهم في إجراء العملية الإنتخابية , وكل في ولايته التي يشرف عليها.
وكل هذا يدور في فلك السياسة المركزية العليا للولايات االمتحدة الأميركية , وعلى أن تبت المحكمةالعليا الأمريكية في نتائج الإنتخابات في الرحلة النهائية , وذلك في عملية رائعة من التوافق والتنسيق والتوافق بين السلطات المركزية والسلطات الصلاحيات المحلية لكل ولاية من الولايات الأمريكية .
ويضيف الكاتب ديفيد بودنهايمر :
(( وقد يكون المواطنون الأميركيون فوجئوا أيضاً باختلاف الإجراءات الانتخابية بين ولاية وأخرى، ولكن التداخل بين صلاحيات الحكومات المحلية، وحكومات الولايات، والحكومة الفدرالية نادراً ما بدا أمراً غير عادي. تكاد لا تمر بضعة أيام لا يتعامل بها ناس عاديون في الولايات المتحدة مع قوانين أو إجراءات تتعلق بهذه المستويات الثلاثة من الحكم. فوضع مخططات للمناطق، وتنظيم السير، والنظافة العامة، والإدارة التربوية، وإصلاح الطرق، ومئات من الخدمات الأخرى هي أعمال يقوم بها أساساً مسؤولون محليون بموجب صلاحيات تمنحهم إياها حكومة الولاية.
أما حكومات الولايات فتتولى الكثير من شؤون السياسة التربوية، والقضاء الجزائي ، وتنظيم الأعمال والمهن ، والصحة العامة، وعدد من المجالات الأخرى الهامة. كما أن ما تقوم به الحكومة الفدرالية، من الدفاع عن البلاد، وإدارة الشؤون الخارجية، إلى السياستين الاقتصادية والنقدية، وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية، فهو ما تتناوله الأخبار يومياً نظراً لتأثيره الكبير على الشعب مع أن القليل جداً من الناس أدرك الأمر في ذلك الوقت، فإن مسرحية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إضافة إلى أحداث أخرى عديدة تتعلق بالحياة اليومية، جرت على مسرح أقامه واضعو الدستور الأميركي قبل أكثر من 200 سنة )) -11-
يذكر الكاتب هنا أن الكثير من المواطنين الأميركيين فوجئوا باختلاف الاجراءات الانتخابية بين ولاية وأخرى , والحقيقة أن كل العالم يقف مندهشاً من النظام الأمريكي المتميز في إجراء الإنتخابات ..
واللطيف ان حتى الرؤساء الأمريكان والمقربين منهم لا يستطيع الجزم بالنتائج النهائية للإنتخابات الأمريكية حتى اللحظة الأخيرة , ويبقى الجميع في حالة من الإنتظار والترقب لما ستسفر عنه النتائج النهائية , وهي مواقف لا تخلوا من الإثارة والحماس القومي . ذلك الحماس الذي يتأتى من خلال شعور الفرد الأمريكي بأهميته في هذه العملية المصيرية .
وأكاد أجزم أن شعوراً بالغيظ وربما بالحسد يصيب أكثر البشرية في أنحاء الكرة الأرضية سيما من أولئك الذين يعيشون في بلاد تهيمن عليها الديكتاتوريات البغيضة ..
ويتسائل المواطن في الدول العربية والكثير من دول العالم الثالث وهو يرى هذه الإثارة والناس تعيش في كرنفال بهيج والمظاهر المصحوبة بالراحة واللذة الإنسانية العميقة لدى المواطن سواء كان في اوروبا أو سائر ألعالم الغربي .. يتسائل إن كان بالإمكان أن يرى في بلده مثل هذه الديمقراطية الموجودة ؟
طبعاً لا يوجد الكمال المطلق , والكمال لله وحده , ولكنا نحكم بالمنظار النسبي .
نبقى مع مع هذا البحث الذي يبين أن المواطن الأمريكي دائماً مايرى بعض الإختلافات في الولايات التي يزورها أو يريد العمل والإقامة بها ,وهذا بسبب الصلاحيات الموجودة في تلك الولايات , فيجد الخلاف مثلاً في طرق وقوانين السير والخدمات العامة , وهذه القوانين تقوم بسنها واجرائها السلطات المحلية في الولايات .
السلطات المحلية لها دور من الإستقلالية في أعمالها , وهي وظائف تختلف عن الوظائف التي تقوم بها الحكومات لتلك الولايات .
فالحكومات تلتزم بواجبات القضاء والقوانين الجزائية والعقوبات التي تقرر من قبل تلك السلطات الموجودة في كل ولاية على حدة , وتنظيم الأعمال والإشراف على شؤون الصحة العامة .
حيث يكون من واجب الحكومة الفدرالية المركزية الدفاع عن البلاد، وإدارة الشؤون الخارجية، وإدارة السياسات الاقتصادية والنقدية، وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية . وكل هذا يتم في ضمن النسيج العام للولايات المتحدة لأمريكية في عملية توافقية بديعة ورائعة تبين مدى التقدم الإداري الكبير الذي وصلت إليه السياسة الأميركية في إدارة شؤون بلادها.
ويذكر ديفيد بودنهايمر أن هذه الأحداث التي تقع على مسرح أسمه النظام الإداري الفدرالي السياس الأمركي قدوضعه الآباء المؤسسون للدستور الأمريكي قبل 200 عام .
والحقيقة أن الأميركان التزموا بهذه المبادئ الفيدرالية الأساسية , وأضافوا لها الشئ الكثير بحسب متطلبات العصر, والتقدم والتغييرات الهائلة التي طرأت على الإنسانية , أي لم يصيبهم الجمود والسكون .
يكتب تحت عنوان دراسة في التطور بود نهايمر :
دراسة في التطور
((كيف نجح النظام الفدرالي في الولايات المتحدة؟ ليس هناك من جواب بسيط عن هذا السؤال. فالفدرالية هي في الواقع إطار عمل دينامي للحكم، وهذه صفة تلائم تماماً الطبيعة المتغيرة للمجتمع الأميركي نفسه. منذ العمل به قبل 200 عام، تغيّر فصل السلطات في ظل النظام الفدرالي الأميركي عدة مرّات من ناحيتي القانون والممارسة. الدستور الأميركي وثيقة مرنة، قُصد به أن يتيح للدولة أن تستجيب لأوضاع متغيرة. في بعض الأوقات، أعطت التعديلات الدستورية الحكومة المركزية وحكومات الولايات أدواراً تختلف عن تلك التي كانت مقصودة لها أصلاً؛ وفي أحيان أخرى، قدّمت المحاكم تفسيرات مختلفة لتلك الأدوار. إن التوازن الصحيح بين سلطات الحكومة القومية وحكومات الولايات هو على الدوام موضع نقاش في الحياة السياسية الأميركية. وهذه قضية لا يمكن أن يحلها "رأي أو جيل واحد"، كما لاحظ الرئيس وودرو ويلسون (1913-1920). وأضاف إن التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية، والتحولات في القيم السياسية، ودور الدولة الأميركية في العالم أمور تطلبت جميعها من كل جيل جديد أن يعامل الفدرالية وكأنها "مسألة جديدة )) -12-
إذن ليست الفيدرالية بالضرورة أن تكون على نمط واحد لا يتبدل على مر العصور, وفي كل مكان بل إنها عملية دينامية كما يعبر عنها بود نهايمر ( أي متحركة بصورة متواصلة وتلقائية) .
ومن الممكن أن تكتسي بعض الخصوصيات بين بلد وآخر ,فمن الممكن جداً أن تكون هناك فروقات بين النظام الفيدرالي في الولايات المتحدة الاميركية وبين الوضع في السودان بالعديد من التفاصيل.
وهي على كل حال نظام سياسي المطلوب منه أن ينظم أمور البلاد الشاسعة والقوميات والأديان الطوائف المختلفة بما يجعل من العيش المشترك أكثر أماناً ويفسح المجال لكل فئة باظهار خصوصياتها والعمل بها دون التضارب مع الآخرين .
***************************************
المصادر
1- من رسالة للدكتور عبد الخالق حسين .. باحث وكاتب عراقي . مقيم في لندن
-2- الكاتب والباحث العراقي - عصمت شريف وانلي . مقيم في سويسرا
-3- المصدر السابق
-4- المصدر السابق
-5- سورة الحجرات - 13
-6- مجمع البيان في تفسير القرآن - أمين الدين أبو علي الفضل الطبرسي
-7- تفسير الميزان – محمد حسين الطباطبائي-
-8- نهج البلاغة - الشيخ محمد عبده –ص- 82 - المجلد الثاني
-9- بقلم عصمت شريف وانلي / لوزان ، سويسرة ، في 9 حزيران 2003
-10- مقال ديفيد بودنهايمر موقع http://medlem.spray.se/zarabud/
-11- المصدر السابق
-12- المصدر السابق