لندن : عمار عوض
مضى قرابة الشهر منذ اعلان (استقلال أو انفصال) جنوب السودان، ومازال السودانيون ينتظرون اعلان تشكيل الحكومة التى ستدير ماتبقى من البلاد، واذا كنا وجدنا العذر لحكومة الجنوب الوليدة, التى اعلنت وقام وزراؤها باداء القسم فى حكومة قيل انها مؤقتة، وذلك مرده الى انها حكومة بلد لم يتشكل بعد، وبالمقابل فانه لايوجد عذر مطلقاً لحكومة حزب المؤتمر الوطنى التى كانت تعلم مواقيت إعلان جمهورية جنوب السودان ,ومايترتب على ذلك من فراغ دستوري، كما نحن الان، ويظهر علمها اليقينى هذا من خلال القرارات التى اصدرتها حتى قبل حلول موعد التاسع من يوليو عندما قامت باسقاط الجنسية عن السودانيين الجنوبيين قبل أن يرفع العلم على سارية دولة الجنوب في جوبا .
وكان قادة من الحزب الحاكم في الخرطوم قد صرحوا قبل فترة ليست بالقليلة انهم سيشكلون حكومة بقاعدة عريضة، وانها ستعلن بعد التاسع من يوليو مباشرة، وذهب بعضهم في منحى تفصيلي اكبر في شكل هذه الحكومة وقطعوا بأنها ستشمل حزبي الامة القومى والاتحادى الديمقراطي، وكالوا الاتهامات لبعض القوى المعارضة الأخرى بأنها لا تنشد الاستقرار لهذا البلد , نتيجة لعدم موافقتهم على المشاركة وفق شروطهم , التى رفضها حزبا الشيوعي والشعبي ، ولكن الايام اثبتت إن الحزبين الكبيرين كما يطلق عليهما في الاعلام, رفضا المشاركة هذه بأشكال مختلفة, فالامام الصادق المهدي زعيم حزب الامة القومى مازال متمسكاً ببرنامجه للأجندة الوطنية, والذي يعني ضمناً عند النظر الى محتوياته رفض المشاركة مالم تأتِ بعد حوار وطني جامع يتفق فيه على برنامج الحكومة القادمة، وشكل الدستور، وهو مالم يستسيغه قادة حزب المؤتمر الوطني , وانعكس على التأجيل أو قل (الطناش) لمقابلته للرئيس عمر البشير , رغم أن لجان الحوار بينهم اشارت الى الاتفاق على 80% وتركت المتبقي للقاء رئيسي الحزبين!!، لكن الشاهد الى الآن هو إن حزب الأمة صار خارج حسابات عصبة المؤتمر الوطني, والدليل النشاط المحموم للصادق في زياراته المستمرة لولايات السودان والتى يسوق فيها خطاباً اقرب ما يكون لخطاب القوى الداعية لتغيير النظام في الخرطوم .
ومن الجهة نفسها نجد أن السيد محمد عثمان المرغنى الذي راج انه بات من حكم المؤكد مشاركته فى حكومة ما اطلق عليها الجمهورية الثانية، اعلن بشكل قاطع بعد أن تبخر حوار المستشارية الذى كان يقوده صلاح قوش وتنشط من خلاله العناصر الساعية لمشاركة حزب المؤتمر !!! إن الحزب الاتحادى لن يشارك في الحكومة مستخدماً عبارات قاطعة الدلالة في هذا الامر قبل مغادرته الخرطوم الى القاهرة, قبيل اعلان دولة جنوب السودان التى غاب عن احتفالتها بهذا اليوم، واضاف على الموقف الرافض للمشاركة فى الحكومة , بأن التقى زعيم حزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي, في لقاء نادر الحدوث بالقاهرة , ليخرج الترابي بعدها ويقول إن المرغني اتفق معه على اسقاط النظام , مع إن المرغني لم يصرح بذاك, وتمسك بتجديد اعلانه عدم المشاركة , مجدداً الدعوة لبرنامجه للتوافق الوطني، لكن مقابلته لنائبه فى الحزب على محمود حسنين رئيس الجبهة الوطنية العريضة , التى يقوم برنامجها على اسقاط الحكومة في الخرطوم, يشير بطريقة أو بأخرى الى إن زعيم الختمية صار بعيداً هو الاخر عن حكومة القاعدة العريضة , التى وعدت بها العصبة التي تقود الحزب الحاكم في الخرطوم, جماهير الشعب السوداني (الفضل) .
حسناً تبخرت مشاركة الامة والاتحادى كما اسلفنا (على الأقل الى الآن) في حكومة مايسمى بالجمهورية الثانية ، لكنا نجد إن هذا ليس السبب الوحيد, فالناظر الى النادي الكاثوليكي «سابقاً» ودار الحزب الحاكم يجد أن هنالك صراعاً لم يعد مكتوماً بين قادته في ظل الاعلان عن اتجاه فرضته الظروف الاقتصادية وليس الثواب الى الرشد, يقضي بأن يتم تقليص عدد الوزارات فى الحكومة بجانب تقليص عدد المستشارين المترهل للرئيس، وبات موقع نائب الرئيس هو الآخر محل شد وجذب بشكل درامي.
لذا فان صراعات «الاسلامويين» الذين يحكمون الخرطوم باتت ظاهرة للعيان , فاذا صوَّبنا النظر نحو وزارة الخارجية نجد أن صراعاً عنيفاً يجري حولها , والشاهد عليه المزايدات التى تتم بين مستشار الرئيس للشئون الخارجية مصطفى عثمان اسماعيل ووزير الخارجية على كرتي، فالوزير السابق الذى بدا واضحاً أنه يريد العودة الى الخارجية خاصة في ظل الانباء التى تواترت عن اتجاه الحزب الحاكم في الخرطوم للفصل بين الممسكين بأمانات (سكرتيريين) فى الحزب، وبين العاملين في الجهاز التنفيذي، ومع ظهور نغمة تقليص المستشارين لم يجد مصطفي عثمان من سبيل سوى استغلال المعارك التى يديرها وزير الشباب وأمين التعبئة السياسية حاج ماجد سوار مع الخارجية حول قصة منع سفره لأمريكا ليقوم مصطفى عثمان الذي يشغل منصب أمين العلاقات الخارجية في الحزب ومستشار الرئيس للشوؤن الخارجية أيضاً، وهى كلها مناصب بات وجوده فيها مهدداً ولو شئنا الدقة لايرغب فيها، وانما عينه على بيته القديم في وزارة الخارجية التى يستعصم بها الوزير على كرتي، وفي ظل هذا الخضم ركب مصطفي عثمان موجة شتم امريكا واعلان معاداتها على الملأ وهى السمة الغالبة لطالبي الوزارة فى الخرطوم عندما طالب بتقييد حركة الدبلوماسيين الامريكان فى الخرطوم ومعاملة امريكا بالمثل في اشتطاط غريب من الوهلة الاولى لكنه يعكس حقيقة الصراع على هذه الوزارة المهمة .
وكان للقصر الجمهوري نصيب أيضاً في صراعات الاسلامويين التى أخرت اعلان الحكومة في السودان الى الآن في ظل أوضاع اقتصادية تطحن المواطنين وعلاقات متوترة مع الجنوب والاقاليم فى دارفور وجنوب كردفان , بدأت اولى اشارات الصراع على منصب النائب الاول لرئيس الجمهورية الذي كان يشغله الفريق سلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان الحالي، في القتال العنيف لاعضاء الوفد الحكومي المفاوض للحركات المسلحة في الدوحة الذي يقوده غازى صلاح الدين (تذكروا هذا الاسم في هذا الصراع)، والرافض للموافقة على اعطاء دارفور منصب نائب في رئاسة الجمهورية , لأنهم كانوا يعلمون أن المتسابقين على هذا المنصب كثر، وليس من داعي لاضافة آخر يأتى بشرعية الاتفاق ويقلص من عدد الداخلين الى القصر الجمهوري كنواب في ظل تمويه الرئيس البشير باعلانه عدم رغبته في الترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة، ثانى الاشارات التى كانت علناً ونهاراً جهاراً عندما توجة الكاتب الاسلامي ومقدم البرنامج التلفزيوني (في الواجهة) لمساعد الرئيس نافع على نافع بسؤال مفاده أن هنالك الكثيرون داخل الحزب الحاكم ومراقبون يرون أن هناك صراع بينك ونائب الرئيس على عثمان حول منصب النائب (أو هكذا قال) ليرد نافع متلجلجاً في الاجابة أنه يرى أن على عثمان افضل منه لكنه عاد، وقال كلنا نرمي من كنانه واحدة (الغريب عند الاستماع لاجابته على هذا السؤال انه كان يهم بأن يقول إن علي اجدر لكنه قال انه اقدر )، لكنا نجد أن نافع الذى عمل كثيراً لهذا الترشيح ومبدياً قدر كبير من الولاء للرئيس البشير طوال سنوات الاتفاقية الماضية مما قاد الى يرسخ في اذهان الناس انه حتماً سيصعد خليفة لعلى عثمان ، جاته الضربة من حيث لايحتسب عندما شن عليه هجوماً كاسحاً بعد توقيعه للاتفاق الاطاري مع رئيس الحركة الشعبية الفريق مالك عقار فى أديس ابابا وظلت مدفعية الصحف المقربة من الرئيس «دماً وكتابة» تنعته بأوصاف لم يعهدها وأتى الرئيس من الصين ليكمل ماتبقى ويجهذ على الرجل برفضه الموافقة على اتفاق أديس ابابا مما قاد الى أن تهتز صورته بشكل كبير وتعرقل سعيه المكتوم لمنصب النائب مما جعله يقول في برنامج «في الواجهة» الذى أجرى معه بعد عودته من لندن وبالحرف (بلغت أن هناك صحفيين اثنين من ضمن الذين كتبوا ناقدين لاتفاق اديس في صحف الخرطوم هم مدفوعين من بعض القيادات التى ترى اننى اشكل خطراً على مستقبلها السياسي) ؟!!!!!!!!!.
لكن نافع عاد لتجديد الولاء للرئيس بأن نزل عند رأي صاحب الانتباهة وهو يعلن على الملأ ومن خلال شاشة النيل الأزرق في البرنامج المذكور اعلاه ان اتفاقية أديس كانت(خطوه غير موفقة) ليعود بعدها في سعيه المحموم لاستعادة أراضيه المفقودة عبر خمر قديمة في قوارير جديده كما يقولون، بالحديث عن (لحس الكوع ) وغيرها من الألفاظ التى كان يستعين بها في صعوده، وهو ماقاد لأن يجاريه نائب الرئيس على عثمان فى الحديث على ذات النسق (ليفجع الكثيرون الذين كانوا يرون في طه الشخصية الرزينة التى أدبتها سوح المحاكم وصقلها الجلوس لسنوات مع مفكر الحركة الشعبية الراحل جون قرنق) لكن على عثمان المهلوع على استعادة منصب النائب الأول فجع جميع المراقبين عندما اعتلى المنصة فى ولاية الجزيرة وهو يعلن بيعته للرئيس بشكل سافر وهو يقول أن السيف سيكون هو الفيصل بينهم و ليصاب جميع المراقبين بالصدمة وكانى بهم يقولون (حتى انت يابروتس)
هنالك متسابق آخر كان مستتراً بشكل كبير ونبهنا لتذكر اسمه فى خضم هذا الصراع وهو مستشار الرئيس غازي صلاح الدين الذى سبق له وأن نافس على عثمان على رئاسة الحركة الاسلامية لكنه خسر السباق وسط اقاويل مسنوده أن ترهيباً جرى وقاد الى اعلان فوز على عثمان بالمنصب والذى بقي فيه الى اليوم، ليغضب بعدها الرجل الذى ماكان له أن يغضب لأنه سبق وان نال منصب أمين عام حزب المؤتمر الوطنى منتصف التسعينات بنفس الأساليب التى قادت الى هزيمة مرشح الهامش الدارفوري د. الشفيع أحمد محمد، ولكن هى الايام دول في كيد «الاسلامويين» لبعضهم البعض، ليعود اليوم غازي صلاح الدين وهو متأبطاً اتفاق الدوحة للسلام مع حركة التحرير والعدالة بعد أن ابعد في وقت سابق من مفاوضات السلام في نيفاشا من قبل على عثمان، ويبدو أن تحالف الرافضين لنيفاشا التى انقضى اجلها قبل شهر، ارادوا أن يقدموا غازي فى لعبة السباق نحو القصر، وهو مايظهر في المقال التقريظي والاحتفائي الذى كتبه صاحب الانتباهة الطيب مصطفي أو فلنقل (الخال الرئاسي ) الذى صدر مقاله بانه لو كان بيده الحكم وتشكيل الوزارة واضعاً ثلاث علامات تعجب، مع انه ماكان يحتاج لذلك فالجميع بات يعلم انه يؤثر على الرئيس القابض عمر البشير تارة عبر صحيفته وتارة عبر قرابة الدم، كتب صاحب الانتباهة في زمن الغفله أو الغفلة في زمن الانتباهة ولافرق بينهما،انه يود استنساخ شخصية غازي صلاح الدين عشر مرات من اجل بناء مايسمى بالجمهورية الثانية ليعلن عن مرشحه مستفيداً من أن للرجل ثأرات مع نائب الرئيس الحالي على عثمان .
وبعيداً عن كل هذه الصراعات داخل حزب المؤتمر الوطني والتى أعاقت تشكيل الحكومة، نجد أن الاحزاب المتوالية مع الحزب الوطني أيضاً تعانى من شقاقات وصراعات ودوننا مايحدث فى الحزب الاتحادى جناح الهندي الذى تحول الى جناح الدقير بقدرة قادر وأحزاب الامة المتوالية التى اتحدت وظنت أن في ذلك منجاة لها لكن اتت الاخبار من داخل البرلمان إن التوقيعات تجمع من اجل فصلهم من البرلمان بدعوى تغيير الولاء السياسي وهى مادة تبيح فصل العضو البرلماني .
إن اتفاق الدوحة أيضاً له نصيب في هذه الربكة فحركة التحرير والعدالة التى وقعت الاتفاق ومع إن الجميع يعلم انها بلا ثقل عسكري أو سياسي الا انها تريد أن تتقاسم الكعكة فى الخرطوم ودارفور وهو ما القى بظلاله على شعللة الصراع داخل حزب المؤتمر الوطني في دارفور، لان القادمين الجدد يريدون أن ينالوا نصيبهم كحكام للولايات ووزراء وسلطة انتقالية ورغم أن الحكومة تفتقت عبقريتها عن تقسيم الولايات لتضمن أن لايأتيها فائض ولاء من الوزراء وحكام الولايات الذين سيخلون مناصبهم ويتوجهون للخرطوم من اجل نيل نصيبهم الناتج عن الأدوار التى لعبوها لصالح المركز في دارفور .
خلاصة القول، فقد اصبح من الواضح لكل المراقبين أن المؤتمر الوطني يواجه تحديات جمه داخليه ( اي في داخله) هذا فضلا عن تحديات القضايا السياسيه الداخليه في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق، بجانب غلاء المعيشه الطاحن الذي صار اكبر مهدد لوجود المؤتمر الوطني في السلطه. وفوق كل هذه بالطبع يواجه الحزب الضغوط الخارجيه المتصاعده حتي من اقرب اصدقائه كالصين التي تضغط في اتجاه الحلول السلميه للقضايا الخلافيه الامر الذي لا يروق للمؤتمر الوطني حيث ما يزال يعتقد أن بإمكانه حسم الخلافات السياسيه عسكريا.
وبالنظر للوضع العسكري نجد أن البشير الذي راهن على اراء القيادات العسكرية الاقدم في الرتبة والتى سوقت له بدفع من (الخال الرئاسي) انها قادرة على دحر الفريق عبد العزيز الحلو , الذى اطلق شرارة الثورة فى جنوب كردفان , خسرت المعركة , والدليل ظاهر في انتصارات الحلو وتقدمه ومحاصرته غير المعلنه لعاصمة جنوب كردفان كادوقلي , خاصة وإن العالمين ببواطن الامور داخل الجيش , يشيرون الى وجود إنفصام كبير بين القيادات العليا التى استاثرت بالثروات , وتركت القيادات الوسيطة والدنيا تقبض الريح , مما قاد الوضع الى ماهو عليه الان , من احكام سيطرة عبد العزيز الحلو على ثلثي الولاية ويشير المراقبون الى أن الحلو اذا قرر دخول كادوقلي فلن يجد مقاومة , خاصة بعد الدعم والمناصرة التى وجدها من قوى الهامش التى تحمل السلاح في دارفور .
لكل ذلك اصبح الحزب مشلولا عاجزا عن الحركه والمبادره ولم يعد احد يعلم متي سيشكل الحزب الحكومه الجديده ومن هم المشاركون فيها، وبالنظر لصمت المتحدثين باسم الحزب عن امر التشكيل الجديد يبدوا ان الوزنه الداخليه للحزب اصبحت عصيه وهو ما يبرر التأخير وغني عن القول أن تشكيل الحكومه سيكشف بوضوح في اي اتجاه ستسير الجمهوريه الثانيه... حرب ام سلام! دعونا ننتظر ونأمل أن لايطول انتظارنا!
-----------------------------------
*كاتب واعلامي مقيم حديثا في بريطانيا
مضى قرابة الشهر منذ اعلان (استقلال أو انفصال) جنوب السودان، ومازال السودانيون ينتظرون اعلان تشكيل الحكومة التى ستدير ماتبقى من البلاد، واذا كنا وجدنا العذر لحكومة الجنوب الوليدة, التى اعلنت وقام وزراؤها باداء القسم فى حكومة قيل انها مؤقتة، وذلك مرده الى انها حكومة بلد لم يتشكل بعد، وبالمقابل فانه لايوجد عذر مطلقاً لحكومة حزب المؤتمر الوطنى التى كانت تعلم مواقيت إعلان جمهورية جنوب السودان ,ومايترتب على ذلك من فراغ دستوري، كما نحن الان، ويظهر علمها اليقينى هذا من خلال القرارات التى اصدرتها حتى قبل حلول موعد التاسع من يوليو عندما قامت باسقاط الجنسية عن السودانيين الجنوبيين قبل أن يرفع العلم على سارية دولة الجنوب في جوبا .
وكان قادة من الحزب الحاكم في الخرطوم قد صرحوا قبل فترة ليست بالقليلة انهم سيشكلون حكومة بقاعدة عريضة، وانها ستعلن بعد التاسع من يوليو مباشرة، وذهب بعضهم في منحى تفصيلي اكبر في شكل هذه الحكومة وقطعوا بأنها ستشمل حزبي الامة القومى والاتحادى الديمقراطي، وكالوا الاتهامات لبعض القوى المعارضة الأخرى بأنها لا تنشد الاستقرار لهذا البلد , نتيجة لعدم موافقتهم على المشاركة وفق شروطهم , التى رفضها حزبا الشيوعي والشعبي ، ولكن الايام اثبتت إن الحزبين الكبيرين كما يطلق عليهما في الاعلام, رفضا المشاركة هذه بأشكال مختلفة, فالامام الصادق المهدي زعيم حزب الامة القومى مازال متمسكاً ببرنامجه للأجندة الوطنية, والذي يعني ضمناً عند النظر الى محتوياته رفض المشاركة مالم تأتِ بعد حوار وطني جامع يتفق فيه على برنامج الحكومة القادمة، وشكل الدستور، وهو مالم يستسيغه قادة حزب المؤتمر الوطني , وانعكس على التأجيل أو قل (الطناش) لمقابلته للرئيس عمر البشير , رغم أن لجان الحوار بينهم اشارت الى الاتفاق على 80% وتركت المتبقي للقاء رئيسي الحزبين!!، لكن الشاهد الى الآن هو إن حزب الأمة صار خارج حسابات عصبة المؤتمر الوطني, والدليل النشاط المحموم للصادق في زياراته المستمرة لولايات السودان والتى يسوق فيها خطاباً اقرب ما يكون لخطاب القوى الداعية لتغيير النظام في الخرطوم .
ومن الجهة نفسها نجد أن السيد محمد عثمان المرغنى الذي راج انه بات من حكم المؤكد مشاركته فى حكومة ما اطلق عليها الجمهورية الثانية، اعلن بشكل قاطع بعد أن تبخر حوار المستشارية الذى كان يقوده صلاح قوش وتنشط من خلاله العناصر الساعية لمشاركة حزب المؤتمر !!! إن الحزب الاتحادى لن يشارك في الحكومة مستخدماً عبارات قاطعة الدلالة في هذا الامر قبل مغادرته الخرطوم الى القاهرة, قبيل اعلان دولة جنوب السودان التى غاب عن احتفالتها بهذا اليوم، واضاف على الموقف الرافض للمشاركة فى الحكومة , بأن التقى زعيم حزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي, في لقاء نادر الحدوث بالقاهرة , ليخرج الترابي بعدها ويقول إن المرغني اتفق معه على اسقاط النظام , مع إن المرغني لم يصرح بذاك, وتمسك بتجديد اعلانه عدم المشاركة , مجدداً الدعوة لبرنامجه للتوافق الوطني، لكن مقابلته لنائبه فى الحزب على محمود حسنين رئيس الجبهة الوطنية العريضة , التى يقوم برنامجها على اسقاط الحكومة في الخرطوم, يشير بطريقة أو بأخرى الى إن زعيم الختمية صار بعيداً هو الاخر عن حكومة القاعدة العريضة , التى وعدت بها العصبة التي تقود الحزب الحاكم في الخرطوم, جماهير الشعب السوداني (الفضل) .
حسناً تبخرت مشاركة الامة والاتحادى كما اسلفنا (على الأقل الى الآن) في حكومة مايسمى بالجمهورية الثانية ، لكنا نجد إن هذا ليس السبب الوحيد, فالناظر الى النادي الكاثوليكي «سابقاً» ودار الحزب الحاكم يجد أن هنالك صراعاً لم يعد مكتوماً بين قادته في ظل الاعلان عن اتجاه فرضته الظروف الاقتصادية وليس الثواب الى الرشد, يقضي بأن يتم تقليص عدد الوزارات فى الحكومة بجانب تقليص عدد المستشارين المترهل للرئيس، وبات موقع نائب الرئيس هو الآخر محل شد وجذب بشكل درامي.
لذا فان صراعات «الاسلامويين» الذين يحكمون الخرطوم باتت ظاهرة للعيان , فاذا صوَّبنا النظر نحو وزارة الخارجية نجد أن صراعاً عنيفاً يجري حولها , والشاهد عليه المزايدات التى تتم بين مستشار الرئيس للشئون الخارجية مصطفى عثمان اسماعيل ووزير الخارجية على كرتي، فالوزير السابق الذى بدا واضحاً أنه يريد العودة الى الخارجية خاصة في ظل الانباء التى تواترت عن اتجاه الحزب الحاكم في الخرطوم للفصل بين الممسكين بأمانات (سكرتيريين) فى الحزب، وبين العاملين في الجهاز التنفيذي، ومع ظهور نغمة تقليص المستشارين لم يجد مصطفي عثمان من سبيل سوى استغلال المعارك التى يديرها وزير الشباب وأمين التعبئة السياسية حاج ماجد سوار مع الخارجية حول قصة منع سفره لأمريكا ليقوم مصطفى عثمان الذي يشغل منصب أمين العلاقات الخارجية في الحزب ومستشار الرئيس للشوؤن الخارجية أيضاً، وهى كلها مناصب بات وجوده فيها مهدداً ولو شئنا الدقة لايرغب فيها، وانما عينه على بيته القديم في وزارة الخارجية التى يستعصم بها الوزير على كرتي، وفي ظل هذا الخضم ركب مصطفي عثمان موجة شتم امريكا واعلان معاداتها على الملأ وهى السمة الغالبة لطالبي الوزارة فى الخرطوم عندما طالب بتقييد حركة الدبلوماسيين الامريكان فى الخرطوم ومعاملة امريكا بالمثل في اشتطاط غريب من الوهلة الاولى لكنه يعكس حقيقة الصراع على هذه الوزارة المهمة .
وكان للقصر الجمهوري نصيب أيضاً في صراعات الاسلامويين التى أخرت اعلان الحكومة في السودان الى الآن في ظل أوضاع اقتصادية تطحن المواطنين وعلاقات متوترة مع الجنوب والاقاليم فى دارفور وجنوب كردفان , بدأت اولى اشارات الصراع على منصب النائب الاول لرئيس الجمهورية الذي كان يشغله الفريق سلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان الحالي، في القتال العنيف لاعضاء الوفد الحكومي المفاوض للحركات المسلحة في الدوحة الذي يقوده غازى صلاح الدين (تذكروا هذا الاسم في هذا الصراع)، والرافض للموافقة على اعطاء دارفور منصب نائب في رئاسة الجمهورية , لأنهم كانوا يعلمون أن المتسابقين على هذا المنصب كثر، وليس من داعي لاضافة آخر يأتى بشرعية الاتفاق ويقلص من عدد الداخلين الى القصر الجمهوري كنواب في ظل تمويه الرئيس البشير باعلانه عدم رغبته في الترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة، ثانى الاشارات التى كانت علناً ونهاراً جهاراً عندما توجة الكاتب الاسلامي ومقدم البرنامج التلفزيوني (في الواجهة) لمساعد الرئيس نافع على نافع بسؤال مفاده أن هنالك الكثيرون داخل الحزب الحاكم ومراقبون يرون أن هناك صراع بينك ونائب الرئيس على عثمان حول منصب النائب (أو هكذا قال) ليرد نافع متلجلجاً في الاجابة أنه يرى أن على عثمان افضل منه لكنه عاد، وقال كلنا نرمي من كنانه واحدة (الغريب عند الاستماع لاجابته على هذا السؤال انه كان يهم بأن يقول إن علي اجدر لكنه قال انه اقدر )، لكنا نجد أن نافع الذى عمل كثيراً لهذا الترشيح ومبدياً قدر كبير من الولاء للرئيس البشير طوال سنوات الاتفاقية الماضية مما قاد الى يرسخ في اذهان الناس انه حتماً سيصعد خليفة لعلى عثمان ، جاته الضربة من حيث لايحتسب عندما شن عليه هجوماً كاسحاً بعد توقيعه للاتفاق الاطاري مع رئيس الحركة الشعبية الفريق مالك عقار فى أديس ابابا وظلت مدفعية الصحف المقربة من الرئيس «دماً وكتابة» تنعته بأوصاف لم يعهدها وأتى الرئيس من الصين ليكمل ماتبقى ويجهذ على الرجل برفضه الموافقة على اتفاق أديس ابابا مما قاد الى أن تهتز صورته بشكل كبير وتعرقل سعيه المكتوم لمنصب النائب مما جعله يقول في برنامج «في الواجهة» الذى أجرى معه بعد عودته من لندن وبالحرف (بلغت أن هناك صحفيين اثنين من ضمن الذين كتبوا ناقدين لاتفاق اديس في صحف الخرطوم هم مدفوعين من بعض القيادات التى ترى اننى اشكل خطراً على مستقبلها السياسي) ؟!!!!!!!!!.
لكن نافع عاد لتجديد الولاء للرئيس بأن نزل عند رأي صاحب الانتباهة وهو يعلن على الملأ ومن خلال شاشة النيل الأزرق في البرنامج المذكور اعلاه ان اتفاقية أديس كانت(خطوه غير موفقة) ليعود بعدها في سعيه المحموم لاستعادة أراضيه المفقودة عبر خمر قديمة في قوارير جديده كما يقولون، بالحديث عن (لحس الكوع ) وغيرها من الألفاظ التى كان يستعين بها في صعوده، وهو ماقاد لأن يجاريه نائب الرئيس على عثمان فى الحديث على ذات النسق (ليفجع الكثيرون الذين كانوا يرون في طه الشخصية الرزينة التى أدبتها سوح المحاكم وصقلها الجلوس لسنوات مع مفكر الحركة الشعبية الراحل جون قرنق) لكن على عثمان المهلوع على استعادة منصب النائب الأول فجع جميع المراقبين عندما اعتلى المنصة فى ولاية الجزيرة وهو يعلن بيعته للرئيس بشكل سافر وهو يقول أن السيف سيكون هو الفيصل بينهم و ليصاب جميع المراقبين بالصدمة وكانى بهم يقولون (حتى انت يابروتس)
هنالك متسابق آخر كان مستتراً بشكل كبير ونبهنا لتذكر اسمه فى خضم هذا الصراع وهو مستشار الرئيس غازي صلاح الدين الذى سبق له وأن نافس على عثمان على رئاسة الحركة الاسلامية لكنه خسر السباق وسط اقاويل مسنوده أن ترهيباً جرى وقاد الى اعلان فوز على عثمان بالمنصب والذى بقي فيه الى اليوم، ليغضب بعدها الرجل الذى ماكان له أن يغضب لأنه سبق وان نال منصب أمين عام حزب المؤتمر الوطنى منتصف التسعينات بنفس الأساليب التى قادت الى هزيمة مرشح الهامش الدارفوري د. الشفيع أحمد محمد، ولكن هى الايام دول في كيد «الاسلامويين» لبعضهم البعض، ليعود اليوم غازي صلاح الدين وهو متأبطاً اتفاق الدوحة للسلام مع حركة التحرير والعدالة بعد أن ابعد في وقت سابق من مفاوضات السلام في نيفاشا من قبل على عثمان، ويبدو أن تحالف الرافضين لنيفاشا التى انقضى اجلها قبل شهر، ارادوا أن يقدموا غازي فى لعبة السباق نحو القصر، وهو مايظهر في المقال التقريظي والاحتفائي الذى كتبه صاحب الانتباهة الطيب مصطفي أو فلنقل (الخال الرئاسي ) الذى صدر مقاله بانه لو كان بيده الحكم وتشكيل الوزارة واضعاً ثلاث علامات تعجب، مع انه ماكان يحتاج لذلك فالجميع بات يعلم انه يؤثر على الرئيس القابض عمر البشير تارة عبر صحيفته وتارة عبر قرابة الدم، كتب صاحب الانتباهة في زمن الغفله أو الغفلة في زمن الانتباهة ولافرق بينهما،انه يود استنساخ شخصية غازي صلاح الدين عشر مرات من اجل بناء مايسمى بالجمهورية الثانية ليعلن عن مرشحه مستفيداً من أن للرجل ثأرات مع نائب الرئيس الحالي على عثمان .
وبعيداً عن كل هذه الصراعات داخل حزب المؤتمر الوطني والتى أعاقت تشكيل الحكومة، نجد أن الاحزاب المتوالية مع الحزب الوطني أيضاً تعانى من شقاقات وصراعات ودوننا مايحدث فى الحزب الاتحادى جناح الهندي الذى تحول الى جناح الدقير بقدرة قادر وأحزاب الامة المتوالية التى اتحدت وظنت أن في ذلك منجاة لها لكن اتت الاخبار من داخل البرلمان إن التوقيعات تجمع من اجل فصلهم من البرلمان بدعوى تغيير الولاء السياسي وهى مادة تبيح فصل العضو البرلماني .
إن اتفاق الدوحة أيضاً له نصيب في هذه الربكة فحركة التحرير والعدالة التى وقعت الاتفاق ومع إن الجميع يعلم انها بلا ثقل عسكري أو سياسي الا انها تريد أن تتقاسم الكعكة فى الخرطوم ودارفور وهو ما القى بظلاله على شعللة الصراع داخل حزب المؤتمر الوطني في دارفور، لان القادمين الجدد يريدون أن ينالوا نصيبهم كحكام للولايات ووزراء وسلطة انتقالية ورغم أن الحكومة تفتقت عبقريتها عن تقسيم الولايات لتضمن أن لايأتيها فائض ولاء من الوزراء وحكام الولايات الذين سيخلون مناصبهم ويتوجهون للخرطوم من اجل نيل نصيبهم الناتج عن الأدوار التى لعبوها لصالح المركز في دارفور .
خلاصة القول، فقد اصبح من الواضح لكل المراقبين أن المؤتمر الوطني يواجه تحديات جمه داخليه ( اي في داخله) هذا فضلا عن تحديات القضايا السياسيه الداخليه في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق، بجانب غلاء المعيشه الطاحن الذي صار اكبر مهدد لوجود المؤتمر الوطني في السلطه. وفوق كل هذه بالطبع يواجه الحزب الضغوط الخارجيه المتصاعده حتي من اقرب اصدقائه كالصين التي تضغط في اتجاه الحلول السلميه للقضايا الخلافيه الامر الذي لا يروق للمؤتمر الوطني حيث ما يزال يعتقد أن بإمكانه حسم الخلافات السياسيه عسكريا.
وبالنظر للوضع العسكري نجد أن البشير الذي راهن على اراء القيادات العسكرية الاقدم في الرتبة والتى سوقت له بدفع من (الخال الرئاسي) انها قادرة على دحر الفريق عبد العزيز الحلو , الذى اطلق شرارة الثورة فى جنوب كردفان , خسرت المعركة , والدليل ظاهر في انتصارات الحلو وتقدمه ومحاصرته غير المعلنه لعاصمة جنوب كردفان كادوقلي , خاصة وإن العالمين ببواطن الامور داخل الجيش , يشيرون الى وجود إنفصام كبير بين القيادات العليا التى استاثرت بالثروات , وتركت القيادات الوسيطة والدنيا تقبض الريح , مما قاد الوضع الى ماهو عليه الان , من احكام سيطرة عبد العزيز الحلو على ثلثي الولاية ويشير المراقبون الى أن الحلو اذا قرر دخول كادوقلي فلن يجد مقاومة , خاصة بعد الدعم والمناصرة التى وجدها من قوى الهامش التى تحمل السلاح في دارفور .
لكل ذلك اصبح الحزب مشلولا عاجزا عن الحركه والمبادره ولم يعد احد يعلم متي سيشكل الحزب الحكومه الجديده ومن هم المشاركون فيها، وبالنظر لصمت المتحدثين باسم الحزب عن امر التشكيل الجديد يبدوا ان الوزنه الداخليه للحزب اصبحت عصيه وهو ما يبرر التأخير وغني عن القول أن تشكيل الحكومه سيكشف بوضوح في اي اتجاه ستسير الجمهوريه الثانيه... حرب ام سلام! دعونا ننتظر ونأمل أن لايطول انتظارنا!
-----------------------------------
*كاتب واعلامي مقيم حديثا في بريطانيا
0 التعليقات :
إرسال تعليق