صور أطفال فى مجزرة حماه 1982 |
لأول مرة منذ ثلاثين عاما من الصمت يتكلم السوريون عن المجازر التي ارتكبها نظام الأسد في مدينة حماه وغيرها من المدن السورية في فبراير (شباط) 1982. وكان صبغ الشوارع والسيارات ومياه البحيرات في المدن إحدى وسائلهم لإحياء الذكرى الثلاثين لمجازر حماه، وأول من أمس قام شباب حمويون بصبغ العديد من شوارع المدينة باللون الأحمر وشوهدت سيارات الإطفاء تغسل الشوارع من آثار الصباغ الأحمر في ساحة العاصي ومنطقتي الدباغة والمرابط..
وزامن مرور ذكرى مجازر حماه مع انعقاد مجلس الأمن لبحث ملف الأزمة السورية، وإلقاء المندوب السوري بشار الجعفري كلمة وصفت بـ«الإنشائية» في دفاعه العاطفي عن رأس النظام، كان مناسبة للتذكير بالموقف التاريخي للدبلوماسي السوري الراحل حمود الشوفي الذي كان مندوبا لسوريا في الأمم المتحدة في الثمانينات، وكتب ناشطون في تنسيقية محافظة السويداء في ذكرى مجزرة حماه، نتذكر «المرحوم حمود الشوفي ابن السويداء البعثي القيادي ومندوب سوريا في الأمم المتحدة الذي انشق عن النظام بسبب مجازر حماه ولم يسمح بدخول جثمانه إلى أرض الوطن إلى يومنا هذا».
ومن ضمن الدعوات الكثيرة التي وجهها ناشطون لإحياء ذكرى حماه كانت دعوة الجالية العربية والسورية المقيمة في أميركا للوجود أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك للتذكير بما يقوم به النظام ضد الشعب السوري من قتل وتعذيب وتنكيل ومجازر ضد الإنسانية في مظاهرة صامتة وإشعال شموع تعرض فيها صور مجزرة حماه عام 1982 التي قام بها الرئيس الراحل حافظ الأسد وصور حديثة لمجازر بقية المحافظات السورية التي يرتكبها ابنه بشار اليوم.
وتحولت صفحات السوريين على موقع «فيس بوك» من ناشطين ومثقفين وإعلاميين خلال اليومين الماضيين إلى دفاتر مذكرات، دون فيها كل منهم ذكرياته الشخصية عن مجزرة حماه، فما من سوري لا تنطوي ذاكرته على جروح وندوب من الثمانينات، وكان لافتا إشارة الكثيرين منهم إلى التعتيم الإعلامي المرعب الذي مارسه النظام، فكثير من السوريين ما زالوا لغاية اليوم لا يعرفون حقيقة ما جرى حينذاك، ومنهم من طالب الإخوان المسلمين بتقديم روايتهم للأحداث طالما أن النظام السوري مصر على الإنكار، وهناك من قدم الاعتذار لمدينة حماه وكتب أحدهم «حماه سامحينا.. لأننا كنا نخاف من ذكر اسمك» وكتبت الإعلامية الخلود ابنة حماه «قبل قيام الثورة بشهر كنت وأصدقائي نتحدث عن تلك الأحداث بترديد سؤال واحد كما جمعتنا المدينة الواحدة: ترى هل سيأتي يوم نستطيع أن نتحدث عن 1982 دون أن نقول: هس الحيطان لها آذان».
الإعلامي السوري محمد منصور أكد على صفحته أن «ثلاثين عاما مرت لم ينس السوريون مجزرة حافظ ورفعت الأسد في حماه 1982» وقال «التاريخ سيفتح أوراقه من جديد... والقائد التاريخي الفذ والملهم، سيعيد التاريخ تصنيفه كواحد من أكبر مجرمي العصر في تاريخ سوريا... وسيبقى اسم هذه المجزرة وصمة عار تلحق به إلى قبره... وتثقل جباه أبنائه بأبشع صور العار الإنساني.. حماه مرة أخرى تنهض من رماد الألم... تمزق الصور وتحطم التماثيل... تقدم الشهداء... تعلن الإضراب... لتقول لكل الطغاة إنها المدينة التي قد تهزم وتهدم فوق رؤوس سكانها... لكنها المدينة التي لن تتحطم... ولن تنسى... ولن تغفر... ولن تتخلف عن ركب الحرية.. ففي حماه ينتهي (الأبد) مع أول شرارة حرية، وأول قطرة دم شهيد!».
وأسهب السوريون يوم أمس في استعادة ذكريات أيام الرعب، وكتبت مئات القصص والحوادث في محاولة جديدة لترميم ذاكرة لم يتوقف النظام الديكتاتوري يوما عن محاولة محوها وتشويهها، لكن تقول الناشطة ناديا «كتابات أطفال درعا على جدران المدرسة في مثل هذه الأيام من العام الماضي كانت الكلمات الأولى في مدونة الحرية والتي يوقع عليها السوريون بدمائهم.. كلمات أطفال درعا كانت أولى الكلمات التي مسحت آلام المجزرة وفتحت الصفحات للسوريين ليعيدوا كتابة تاريخهم المؤلم»، أما عماد الحمصي فيؤكد كملايين السوريين المكلومين «لن أنسى 2 شباط 1982 أبدا» بينما يعدد الناشط ناجي أسماء المجازر في حماه 1982 «مجزرة سوق الشجرة، مجزرة جامع الحوراني بالوادي، مجزرة سوق الطويل، مجزرة دوار المحطة، مجزرة مدرسة العميان، مجزرة مقبرة العشر، مجزرة جنوب الملعب، مجزرة الكيلانية، مجزرة البارودية، مجزرة الباشورة، مجزرة شارع أبي الفداء، عيادة الدكتور زهير المشنوق، مجزرة باب الجسر، مجزرة سوق الصاغة وسطوح السوق، مجزرة سوق السخاتير بسوق الطويل، مجزرة جامع المسعود، مجزرة معمل البورسلان، مجزرة مدرسة الصناعة، مجزرة في حي الصحة القديمة، مجزرة بين الحيرين، مجزرة السخانة، مجزرة طريق حلب القديم، مجزرة الضاهرية، مجزرة بستان السعادة، مجزرة الباشورة، مجزرة الجراجمة، مجزرة الجزدان، والكثير من عمليات القتل وهدم البيوت على أهلها وتصفية الأهالي في منازلهم وفي الحارات والسجون».
لكن السورين وبعد أحد عشر شهرا من الثورة والمطالبة بإسقاط النظام، قرروا الخروج عن صمتهم، وفتح كل الملفات المغلقة قسرا، لا سيما ملف مجازر الثمانينات، خاصة أنه كان واحدا من أهم الأسباب التي دفعت الناس للخروج إلى الشارع في أكثر من منطقة في مقدمتها حماه والرستن وتلبيسة والحولة وإدلب ومعرة النعمان وجسر الشغور وبانياس وغيرها.. إذ ما زال الآلاف من أبنائهم مفقودين، حتى إن ذويهم مكثوا لسنوات طويلة لا يجرؤون على ذكر أسمائهم، والسؤال عنهم، ومنذ عدة سنوات ومع تكاثر عدد الورثة المرتبط مصيرهم بإغلاق ملف المفقودين، تشجع البعض وبدأ بمطالبة الحكومة بإغلاق الملف وإصدار شهادات وفاة، ولكن حتى هذا لم يكن يسمح النظام بطرحه، ويقول ناشط من حماه وأحد أبناء المفقودين إن سبب إصرار النظام على عدم الكشف عن مصير المفقودين أو استصدار شهادات وفاة «ليس فقط خشية الاعتراف بجرائمه بل إصراره على الاستيلاء على ملكياتهم التي صادرها والتي لم يصادرها وستضيع ملكياتها بين ورثة كثر»، مشيرا إلى وجود مساحات كبيرة من الأراضي مهددة بضياع ملكيتها، هذا فضلا عن مئات الشقق والعقارات المستولى عليها من الثمانينات. مؤكدا على أن «أول مطلب كان لأهالي حماه في بداية الأحداث وحين كانت هناك إمكانية للتحاور مع السلطة كان الكشف عن مصير أكثر من خمسة عشر ألف مفقود من الثمانينات، وإعادة الملكيات المستولى عليها، ونالوا الكثير من الوعود التي لم تكن سوى كذب وتسويف والاستمرار في القمع والقتل». لهذا كله تعهد السوريون المناهضون للنظام بالعمل على عدم تكرار مجازر الثمانينات، ومنذ نحو شهر بدأت التحضيرات والدعوات لإحياء ذكرى مجازر حماه، تحت عنوان «حماه لن تتكرر». وما حصل في حماه حسب المعلومات المتداولة في المراجع التاريخية أنه في 2 فبراير 1982 توجهت قوات من الجيش إلى مدينة حماه وقاموا بحصار حي البارودي وتصدت لهم قوات الإخوان المسلمين المسلحة فأجبروا على التراجع وتحصنت قوات الإخوان على أسطح المنازل وفي فجر اليوم التالي بدأوا بالتكبير على المنابر وأعلنوا حماه «مدينة محررة» وتوعدوا بتحرير باقي البلاد وبدأوا بالهجوم على المراكز الحكومية ومراكز الأمن وقاموا بإعدام ممثلي حزب البعث وكل من تعاون معهم وبلغ عدد القتلى 50 على الأقل.
قام 6000 - 8000 جندي من سرايا الدفاع والقوات الخاصة واللواء 21 المدرع واللواء 47 المدرع والفرقة الثالثة المصفحة بمحاصرة المدينة وقطع الاتصالات عنها، ونقل بعض المراقبين أن الأحياء القديمة ضربت بالقنابل من الجو لتسهيل دخول القوات العسكرية والدبابات كما ذكر تقرير منظمة العفو الدولية شتى أنواع الانتهاكات من إعدامات جماعية وإعدام بغاز السيانيد وجمع المدنيين في المطار الحربي والملعب البلدي وتركهم بدون طعام أو مأوى. كما دخلت البلدوزرات إلى المدينة وهدمت الأحياء السكنية وهدمت البنى التحتية للمدينة. في يوم 22 فبراير أذاعت السلطات السورية رسالة برقية من فرع الحزب في حماه تبين فيها تأييدهم للرئيس حافظ الأسد وتؤكد أن قوات الأمن قد انتقمت من الإخوان المسلمين بسبب ارتكابهم لأعمال القتل التي راح ضحيتها أعضاء حزب البعث وعائلاتهم وأشارت الرسالة إلى أنهم «أخمدوا أنفاسهم إلى الأبد».
وقدرت منظمة العفو الدولية أعداد القتلى بـ 10000-25000 قتيل ولم تحاول السلطات السورية تكذيب هذا العدد ولم ترد على التقرير المرسل من منظمة العفو الدولية ولم تستجب لطلبهم بفتح تحقيق بشأن الانتهاكات بل وتم فتح أتوستراد دمشق حماه بعد أقل من شهرين من المذبحة كي يرى السوريون ويسمعوا ثمن العصيان.
وبحسب المصادر التاريخية فقد سبقت مجزرة حماه مجازر أخرى، ففي 27 يونيو (حزيران) 1980، قاد رفعت الأسد عملية عسكرية للرد على محاولة اغتيال فاشلة للرئيس حافظ الأسد، ونفذ العملية سرايا الدفاع وجنود من الفيلق الأربعين للجيش السوري واللواء 138 لفرق الأمن، حيث توجه منهم ثمانون مجندا إلى سجن تدمر العسكري الذي ضم مجموعة من السجناء يعتقد أن معظمهم من الإخوان المسلمين وتم قتلهم في زنزاناتهم وعنابر نومهم، ويذكر تقرير منظمة العفو الدولية أن أعداد القتلى تراوحت بين 600 إلى 1000 سجين وأنه تم دفنهم في مقبرة جماعية خارج السجن.
0 التعليقات :
إرسال تعليق