دولة المواطنة و القانون
ليس هي مجرد الدولة التي تشرع القوانين
إنما يُضاف إلى ذلك أن الفكرة- النظرية، بخاصة الاجتماعية، على فرض رقيها وقابليتها للتطبيق لا تعني القدرة على بلوغها في لحظة زمنية واحدة، بل عملية مجتمعية مستمرة ممتدة. وكمثال على ذلك فكرة الديمقراطية أو تطبيقاتها العملية للتحول الديمقراطي ، فحتى عند الإتفاق النظري على كل مكوناتها: مبادئها واهدافها ووسائل تطبيقها.. فلا يمكن تحقيقها في فترة زمنية محددة، لإنها عملية مستمرة تتحقق خطوات إنجازها على مراحل زمنية ممتدة. عليه لا يمكن القول أن الديمقراطية تحققت في هذا البلد ذو النظام الاجتماعي أو ذاك بصورة متكاملة مهما طال الزمن، بل أن ما يُفترض هو أن تتحقق خطوات أفضل مع استمرار التطبيق الملائم. كما أن الديمقراطية باعتبارها وسيلة حكم فهي تتباين من حيث أهدافها ومنطلقاتها الاجتماعية وفقاً لطبيعة نظام الحكم: رأسمالية، اشتراكية.. علمانية، لاهوتية.. ذلك أن الديمقراطية- مجردة بذاتها- وسيلة حكم محايدة تأخذ صفتها الاجتماعية من نظام الحكم ذاته.. هذا رغم أنها تتطلب أن تتوفر فيها ثلاثة شروط: الاول حقوق الانسان ، بتحقيق المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين افراد المجتمع مع ضمان الحقوق الاجتماعية للمواطنين، بما فيها حق العمل وضمانه اجتماعيا، وحق التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.. الممارسة الايجابية لهذه الحقوق على نحو يقود الى مشاركة المواطنين بصورة فعالة في صنع قراراتهم الجماعية.. الثاني :- التعددية السياسية وذلك بممارسة الناخبين حقهم في اختيار ممثليهم، في سياق تعددية المرشحين، ومن خلال انتخابات حرة نزيهة لادارة شؤون حكمهم لفترة زمنية محددة.. الثالث: التداول السلمي للسلطة مع ملاحظة أساسية بأن العبرة في التطبيق السليم .
والآن فيما يخص دولة القانون، هل أنها تعني أية دولة تصدر القوانين؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، عندئذ ينطبق مفهوم دولة القانون على كل دول العالم في زمننا الحاضر ودولاً عديدة في الأزمنة السالفة، ويصبح هذا المفهوم وفق هذا المنظور بلا قيمة علمية أو عملية.، ويُعبر في نفس الوقت عن مفهوم ساذج لدولة القانون .
تقترن دولة القانون بجملة مبادئ تُجسد الحقوق والحريات الإنسانية في الدولة على أساس المواطنة، والأسس الثلاثة أعلاه تُشكل قاعدتها. وهذه الحقوق لا تتحقق بمجرد النص عليها في دستور الدولة وفي قوانينها، ولا تتحقق بمصادقة الدولة على إتفاقيات ومواثيق دولية بشأن تلك الحقوق والحريات، بل في نظام حكم يعترف تفصيلآ في إطار قانوني وتطبيقي، بحق المواطنين بأنهم أصحاب ومصدر السلطة الحقيقية.
وتصبح الدولة الديمقراطية مرادفة لدولة القانون في سياق نظام سياسي يقوم على مفهوم المواطنة. هذا التنظيم القانوني والسياسي هو الدولة الديمقراطية أي دولة القانون التي تعترف بخضوع سلطة الحكم للقانون، كحال خضوع المحكومين له، حيث تشكل حقوق وحريات المواطنين في هذا القانون، قيوداً على الدولة. ولكي يقوم نظام الحكم هذا، من خلال قواعده ومؤسساته، بعمله على وجه سليم، يتطلب ذلك ضمانات تتلخص في المبادئ الآتية: سيادة القانون.. الفصل بين السلطتين المدنية والعسكرية.. الفصل بين السلطات.. استقلال السلطة القضائية.. تقرير الرقابة القضائية على دستورية القوانين.. تقرير الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة وقراراتها.
من هنا، فإن مفهوم دولة القانون، يتجسد في هذه المبادئ، تتقدمها سيادة القانون- خضوع سلطة الحكم للقانون كمثل خضوع المحكومين له. وما يقيد سلطة الحكم دستور يضع القواعد الأساسية لنظام الحكم في الدولة، ويقرر حقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم. وبهذا يتحقق للأفراد مركز قانوني في مواجهة سلطة الحكم يكون ضماناً لهم في حرياتهم وحقوقهم. والقانون الذي تكون له السيادة في دولة القانون يجب أن يكون صادراً عن مجلس منتخب من الشعب، ولا يكون مخالفاً للدستور أو منطوياً على انحراف في استعمال السلطة التشريعية. وإذا لم يؤخذ بهذا المفهوم القانوني، عندئذ ينتفي معنى ومضمون دولة القانون.
0 التعليقات :
إرسال تعليق