ولد الفيتوري في السودان في عام 1936م و نشأ في الاسكندرية و هناك حفظ القرآن الكريم ثم عمل محرراً في الصحف المصرية و السودانية .
لقد ترك الجامعة قبل أن ينهي دارسته فيها واتجه نحو العمل الصحفي هارباً من رتابة الدروس وقوانين وقيود الجامعة والحقيقة أن عمله في الصحافة أمن له لقمة العيش وهو ما كان يبحث عنه .
ويصور الفيتوري نظرات الناس التي كانت تلاحقه بسبب لون بشرته الأسود وقصر قامته وفقره إلا أنه يبقى الرجل الحالم الذي تستيقظ النجوم في قلبه النقي الطيب
لقد ترك الجامعة قبل أن ينهي دارسته فيها واتجه نحو العمل الصحفي هارباً من رتابة الدروس وقوانين وقيود الجامعة والحقيقة أن عمله في الصحافة أمن له لقمة العيش وهو ما كان يبحث عنه .
ويصور الفيتوري نظرات الناس التي كانت تلاحقه بسبب لون بشرته الأسود وقصر قامته وفقره إلا أنه يبقى الرجل الحالم الذي تستيقظ النجوم في قلبه النقي الطيب
فقير أجل .. ودميم دميم
بلون الشتاء .. بلون الغيوم
يسير فتسخر منه الوجوه
وتسخر حتى وجوه الهموم
فيحمل أحقاده في جنون
ويحضن أحزانه في وجوم
ولكنه أبداً حالم
وفي قلبه يقظات النجوم
ورغم حقده وغضبه واشمئزازه من تلك النظرات يبقى متسلحاً بالكرامة فاللون الأسود ليس عيباً أو مذلة :
قلها لا تجبن .. لا تجبن
قلها في وجه البشرية
أنا زنجي
وأبي زنجي الجد
وأمي زنجية
أنا أسود
أسود لكني حر أمتلك الحرية
وكثيراً ما أعلن ثورته السوداء قائلاً :
لتنتفض جثة تاريخنا
ولينتصب تمثال أحقادنا
آن لهذا الأسود .. المنزوي
المتواري عن عيون السنا
آن له أن يتحدى الورى
مارس الفيتوري أثناء إقامته في القاهرة العمل الصحفي وكتب الكثير من الدراسات الأدبية والسياسية والمقابلات في صحيفة » الجمهورية « وبعد انتقاله الى السودان عام 1958 رئس تحرير أكثر من مجلة وجريدة ومن أبرزها مجلة » الإذاعة والتلفزيون « السودانية .. وفي لبنان عمل محرراً أدبياً في مجلة الأسبوع الأدبي » ومحرراً في جريدة » بيروت « وشارك في إصدار مجلة » الديار « كما أسند إليه مهام رئيس تحرير مجلة الثقافة العربية « الليبية .
كما شغل وظيفة خبير إعلامي في جامعة الدول العربية في القاهرة إلا أنه ترك وظيفة هذه وقدم الى بيروت ليعمل من جديد في الصحافة لكن الفيتوري أبعد عن لبنان لأسباب قيل أنها سياسية وقد اختار السفر الى ليبية ومن ثم الى دمشق وكان لإبعاده ضجة في الأوساط الفكرية التي استنكرت هذا الترحيل وسمح له بالعودة الى لبنان في 8 أيار عام 1975 .من أهم مؤلفات الفيتوري دواوينه الشعرية » أغاني افريقيا « و عاشق من افريقيا و » اذكريني يا افريقيا « و » سقوط بشليم « و » معزوفة لدرويش متجول « و » سولارا « و » الثورة والبطل والمشنقة «و»أقوال شاهد اثبات «و » ثورة عمر المختار « وابتسمي حتى تمر الخيل « .
عاش الفيتوري غريباً عن أرضه التي ولد فيها لكن آلام الغربة لم تثبط من عزيمته بل زادته تحدياً و اصراراً فوقف في وجه الحياة هازئاً من كل شيء ثائراً على كل شيء لا يعجبه حتى كان له ما أراد و قد صدقت نبوءة والده الذي قال له يوماً : « إن نجمك سينتشر و لست ادري ما ستكون في المستقبل احاكماً أم رجل دين أم أي شيء آخر .»
كان الفيتوري اسود البشرة قصيرة القامة دميم الوجه لكنه طيب القلب و أفضل من الكثير الذين يحملون جمال الملامح و هم سود القلوب عاش فقيراً حتى انه يصور في إحدى قصائده نظرات الناس اليه و يتعجب منها يقول :
فقير أجل .. دميم دميم * بلون الشتاءبلون الغيوم . يسير فتسخر منه الوجوه * و تسخر حتى وجوه الهموم . فيحمل احقاده في جنون * و يحضن احزانه في وجوم * و لكنه ابداً حالم . و في قلبه يقظات النجوم .
فهو لا يعد اللون الاسود عيباً او عاراً لانه من صنع الله و الله لا يخلق إلا جميلاً قلها لا تجبن ... لا تجبن . قلها في وجه البشرية . أنا زنجي * و أبي زنجي الجد * و أمي زنجية . أنا أسود . أسود لكني حر امتلك الحرية .
و رغم كل ماحصل و قيل عنه الا انه ثائر في كل شيء غالباً ما يعلن ثورته السوداء التي تأبى إلا ان تدخلها شمس الامل لكي يتحدى رغم انه واحد كل البشر يقول :
لتنتفض جثة تاريخنا
و لينتصب تمثال احقادنا
آن لهذا الاسود المنزوي
المتواري عن عيون السنا
آن له ان يتحدى الورى
عندما اشتدت وطأة الحرب عام 1944 انتقلت اسرته الى ريف مصر و هناك اتحد الفيتوري بكل مظاهرها و عاش جماليتها و راقب الفلاحين و هم يعملون و يكدحون و استطاع ان ينظم في القرية شعراً جميلاً يحلم من خلاله بالثورة على الاقطاع .
كان الدجى يرخي جناحيه على القرية
و كانت الأوجه ذات الاسى
ذات العيون الاستوائية
قد انزوت خلف سراديبها
تحلم بالنار و الثورة
فالفيتوري يرى انه في هذا الزمن يسقط كل شيء حتى الشعراء فهو شاعر صلب لم يهادن و لم يساوم حطم كل القيود و خرج من عباءات الذل والعبودية رافضاً كل ما خلفه الاستعمار من ظلام و ضعف يقول :
يا أخي في الشرق في كل سكن
يا اخي في الارض في كل وطن
انا ادعوك فهل تعرفني ؟
يا اخاً اعرفه رغم المحن
انني مزقت اكفان الدجى
انني هدمت جدران الوهن
فهو يكره الماضي الذي يذكره بالذل و القيود وهو يهرب من عصر العبودية الى عصر الحرية الذي ما فتئ فيه يحلم به فهو يؤمن بارادته و انه قوي بما فيه الكفاية ليحطم قيوده يقول :
لم اعد مقبرة تحكي البلى
لم اعد ساقية تبكي الدمن
لم اعد اعبد قيودي
لم اعد عبد ماض هرم
عبد وثن
انا حي خالد رغم الردى
انا حر رغم قضبان الزمن
لقد كان للفيتوري نظرة في الشعراء الموجودين في هذا الزمان زمان الغناء و الرقص الزمان الذي اصبح خالياً من الوطنيين الا ما ندر يقول : « إننا كشعراء اصبحنا مثل المغنين في هذا العصر مثل راقصات هذا العصر ، مثل جماعات يعتمدون على ايقاعات ، على سيقان ، على افخاذ ، ثم لا شيء ، وراء كل هذا ابتسامات باهتة و رؤوس محنطة و افكار ساقطة و رؤى مظلمة و توجيهات نحو عصر خاو من الابداع و الروعة من الجمال ، و من القيم الحقيقية للانسان
نستطيع ان نقول ان محمد الفيتوري شخصية فلسطينية بامتياز فهو فلسطيني الهوى سوداني الهوية انعجن بالقضية الفلسطينية و عاش آلامها و شارك الناس مشاعرهم فهو المنصهر في عذابات ابن الارض ، المتطلع الى التحرير الموعود يقول في قصيدة طفل الحجارة :
ليس طفلاً هكذا تولد
في العصر اليهودي
و تستغرق في الحلم امامه
عارياً إلا من القدس و من زيتونه
الاقصى و ناقوس القيامة
شفقياً و شفيقاً كغمامة
واحتفالياً كأكفان شهيد
و فدائياً من الجرح البعيد
يقول الفيتوري « انا لا أملك شيئاً غير ايماني بشعبي و بتاريخ بلادي» فهو متوغل في اصلاب القضايا العربية من المحيط الى الخليج المسكون بهواجس العربي الساعي الى الخلاص من كوابيس الحكام و الانظمة يقول
انه العدل الذي يكبر في صمت الجرائم
انه التاريخ مسقوفاً بأزهار الجماجم
انه روح فلسطين المقاوم
انه الارض التي لم تخن الارض
و خانتها الطرابيش و العمائم
انه الحق الذي لم يخن الحق
و خانته الحكومات و خانته المحاكم
و هو يبحث عن وطنه ،و لكن لا يدري اين يجده فهو يتساءل ما هو و هو يبحث عن جوابه .. انه يقول :
خارج من دمائل
تبحث عن وطن فيك
مستغرق في الدموع
وطن ربما ضيعت خوفاً عليه
و امعنت في التيه كي لا تضيع
اهي تلك الطقوس ؟
التي البستك طحالبها في عصور الصقيع
اهي تلك المدائن ؟
تعشق زوارها ثم تصلبهم في خشوع
فالفيتوري شاعر كبير لا يؤمن ان هناك شعراً دون وجود انسان وراء هذا الشعر و دون ان تكون هناك قضية آثار تسهم في تدفق الابداع يقول في قصيدة صلوا على الجلاد و الضحية :
كان الدجى عباءة
صلوا على الجلاد و الضحية
و قالت الحرية
أولهم آخرهم
صلوا على الانسان و الحرية
و قالت القضية
يا فقراء استيقظوا
صلوا على الخائن و القضية
فهو مؤمن بأنه مهما طالت سنوات الاحتلال لابد ان تنتهي و انه مهما تغيرت الاسماء و اختلفت الوجوه يبقى العدو عدواً نتعرف عليه ونقاتله يقول :
ايتها الاسماء
لو طالت لحى الأطفال و النساء
لن تطول ايامكم من بعد و لو امطرت السماء
اقنعة فسوف تخضوضر روح الخلق في الاشياء
و سوف لن تختلط الوجوه و الاسماء
الشاعر الأستاذ الفيتوري فى فراش المرض
الشاعر الأستاذ الفيتوري فى فراش المرض
حصل الفيتوري على جائزة الوسام الفاتح عام 1988 و جائزة الوسام الذهبي للعلوم و الفنون و الآداب في السودان اهم دواوينه الشعرية - أغاني افريقيا - عاشق من افريقيا - البطل و الثورة المشنقة - شرق الشمس - غرب القمر - دنـيـا لا يـمـلكُها مــن يـملكُها .
وحصل صاحب "أحزان أفريقيا" على جنسية وجواز سفر ليبيين، بعد أن سحب منه
نظام جعفر نميري جنسيته السودانية وجواز سفره. وعمل مستشارا ثقافيا في
السفارة الليبية بإيطاليا، كما شغل منصب مستشار وسفير بالسفارة الليبية
ببيروت، وعمل أيضا مستشارا سياسيا وإعلاميا بسفارة ليبيا بالمغرب .
0 التعليقات :
إرسال تعليق