صالح أمام حشود من مؤيديه: لست راغبا في السلطة وسأسلمها إلى «أيد أمينة»
مسيرات مليونية لجمعتي «الرحيل» و«التسامح» وأنباء عن وساطات
|
شهدت العاصمة اليمنية صنعاء، أمس، مظاهرات غير مسبوقة للمطالبين بإسقاط النظام والمؤيدين، في يوم جمعة حمل أكثر من اسم وأكثر من هدف وغاية، في الوقت الذي شهدت فيه البلاد تطورات أمنية وسياسية أخرى. وخرجت حشود غفيرة من المواطنين للتظاهر إلى جانب المعتصمين في «ساحة التغيير» بوسط العاصمة صنعاء للمطالبة برحيل النظام، وأدى المحتشدون الذي قدر عددهم بقرابة المليون شخص، بحسب تقديرات المعارضة، صلاة الجمعة في الساحة والشوارع المجاورة لها، وهم يرددون الشعارات المطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح والأدعية الهادفة إلى التخلص من نظامه. وعلى الرغم من الهدوء على الصعيد الأمني، فإن عددا من المتظاهرين سقطوا جرحى برصاص قناصة بزي مدني اعتلوا سطح بناية سكنية في شارع الدائري، تسمى «عمارة الحاشدي»، في حين سارع أفراد من الجيش اليمني التابعين لـ«الفرقة الأولى مدرع»، إلى محاصرة البناية، وبحسب شهود عيان فقد جرى اعتقال 5 من المسلحين واقتيادهم إلى معسكر الفرقة. ورفع المعتصمون والمتظاهرون في صنعاء «كروتا» حمراء اللون بحجم كف اليد، كتب عليها: «ارحل»، كما وزعت بعض مطالبهم، وفي مشهد آخر، حشد الرئيس اليمني مئات الآلاف من أنصاره في مظاهرة كبيرة بوسط ميدان «السبعين يوما» قرب «دار الرئاسة» وفي «ميدان التحرير» وبعض شوارع العاصمة، وذلك ردا على دعوة «شباب الثورة» والمعارضين في تكتل «اللقاء المشترك» للمظاهرة في ما سميت «جمعة الرحيل»، وأطلق مؤيدو صالح اسم «جمعة التسامح» على مظاهرتهم.
وقد أعلن الرئيس اليمني صالح، وسط عشرات آلاف من أنصاره المحتشدين بصنعاء، عن استعداده للتنازل عن السلطة ولكن بشرط تسليمها إلى «أياد أمينة»، في حين كان عشرات آلاف آخرين يعتصمون في ساحة التغيير في ما أطلق عليها شباب ثورة التغيير «جمعة الرحيل» لإسقاط نظام الرئيس. وقال الرئيس صالح وسط تجمع ضخم من أنصاره نظمه حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وسط ميدان السبعين بصنعاء في ما سميت «جمعة التسامح»، إن «هذا التجمع الضخم هو استفتاء شعبي» للرد على الفوضويين، معلنا عن رغبته في تسليم السلطة «لأياد أمينة».
وتوجه صالح مخاطبا أنصار الثورة بالقول «يا أبنائي الشباب المعتصمين، أنا أدعوكم للحوار، أسسوا حزبا سياسيا، ولا تكونوا مطية للآخرين». في إشارة منه إلى تكتل المعارضة ممثلة باللقاء المشترك.
وانتقد الرئيس اليمني بعض أحزاب المعارضة، وقال إن هدفها هو «تمزيق وحدة اليمن وتفكيكه». إنها جاءت من مشارب شتى، حيث جمعت الإصلاحيين على الاشتراكيين على الحوثيين وغيرهم، حسب تعبيره.
وأضاف صالح «نحن لا نريد السلطة، ولكن نريد أن نسلم السلطة لأياد أمينة، وليست فاسدة»، مؤكدا أن «الفوضويين والغوغائيين محرم عليهم تولي الحكم». وكان صالح قد أعلن أنه سيدافع عن نفسه «بكل الوسائل الممكنة»، وأن النظام لن يسلم نفسه إلى حبل المشنقة، ودعا العسكريين المنشقين إلى «العودة إلى جادة الصواب». وقال صالح: «سنتمسك بالشرعية الدستورية ونحافظ على أمن واستقلال وسلامة أراضي الجمهورية اليمنية بكل الوسائل الممكنة». وقد تحدث الرئيس اليمني خلال لقاء مع ضباط الجيش والشرطة الذين ما زالوا موالين له ودعاهم إلى «اليقظة». ودعا من جهة أخرى الضباط والجنود الذين انشقوا «للعودة إلى جادة الصواب، لأنهم ارتكبوا حماقة».
وكانت المعارضة اليمنية أطلقت دعوة للتجمع أمس، بعد مقتل 52 محتجا بالرصاص الحي الجمعة الماضية في ساحة التغيير بصنعاء، لتأكيد المطالب الشعبية وإجبار صالح على الرحيل.
وقد دعا خطيب الجمعة التي أقيمت بالساحة إلى «الثبات حتى يسقط النظام»، محييا كل فئات المجتمع التي التحقت بالثورة ومنها القوات المسلحة والوزراء والسفراء. وقال: «تخليتم عن سلاحكم والتحقتم بالساحة بعد أن فرقكم النظام»، مشيرا إلى أن الشعوب المجاورة فهمت المطالب المشروعة للشعب اليمني ورغبته في إنهاء النظام. وأضاف أن «الرئيس يعتقد أن الشعب عاجز عن إدارة نفسه، ونحن نقول له لا، فالشعب مليء بالطاقات القادرة على تسيير البلاد».
وفي تعز، تجمع الآلاف من المصلين بالمدينة لأداء صلاة الجمعة ومواصلة مطالبتهم برحيل النظام. وقد زادت أحداث الجمعة الماضية من وتيرة الانشقاقات عن النظام، حيث التحق بالثورة قادة كبار بالجيش وزعماء قبائل ووزراء ودبلوماسيون. وأمام حجم الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها النظام اليمني، يحاول الأخير القيام بكل ما في وسعه للحيلولة دون تقوية صفوف المعارضة.
في هذه الأثناء،علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة أن اتصالات مكثفة تجري على مستويات سياسية متعددة، وذلك بهدف التوصل إلى «تسوية سياسية» تضمن ما وصف بـ«الرحيل الآمن والمشرف» للرئيس علي عبد الله صالح عن كرسي الحكم، وقالت المصادر إن شخصيات قبلية بارزة وتحظى بالاحترام في الساحة اليمنية، هي من تقوم بهذه المساعي الهادفة إلى تجنيب البلاد الدخول في دوامة عنف وحرب أهلية، وبحسب المعلومات إن هناك مقترحات عديدة يجري تداولها، منها تشكيل مجلس انتقالي يتكون من مدنيين وعسكريين للإشراف على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في الأشهر المتبقية من العام الحالي 2011. على الصعيد ذاته، قالت مصادر سياسية يمنية إن لقاء جمع، أمس، الرئيس علي عبد الله صالح بحليفه السابق اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية الغربية، قائد «الفرقة الأولى مدرع»، الذي انشق على النظام الاثنين الماضي، ومعه عدد كبير من قادة الألوية العسكرية في الجيش، وفي الوقت الذي لم تعرف الشخصيات التي ساهمت في جمع الرجلين، فإن المصادر تؤكد أن اللقاء «أخفق» في التوصل لطبقة توافق، وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن صالح طلب من الأحمر التراجع علنا عن دعم «ثورة الشباب» والقبول بما يسمى «العفو العام»، لكن الأخير، حسب ذات المصادر، رفض وتركز حديثه على تقديم النصيحة للرئيس بالتنحي في ضوء مخارج «تحافظ على تاريخه» و«تجنيب البلاد الانزلاق نحو العنف»، وعلى الرغم من ذلك لم يصدر أي تأكيد أو نفي للقاء من الجانبين. غير أن مسؤولا إعلاميا رئاسيا ذكر الجمعة أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عقد اجتماعات خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية مع قائد عسكري كبير انضم إلى المعارضة التي تطالب بتنحي الرئيس فورا. وقال أحمد الصوفي، المتحدث الإعلامي باسم صالح لـ«رويترز»، إنه خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية عقدت اجتماعات بين صالح واللواء علي محسن وأن الأخير أوضح لصالح لماذا فعل ذلك، وأنه طلب من الرئيس تأكيدات بأنه لن يتم اتخاذ إجراءات ضده.
وفي ذات السياق، تشهد «ساحة التغيير» انضمام المزيد من المطالبين برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، من مختلف الشرائح الاجتماعية، كما تشهد الساحة جدلا في أوساط الشباب، بشأن التحاق عدد من كبار قادة الجيش بالثورة، فهناك من يعتقد أن ما يجري هو «التفاف على الثورة» و«احتواء لها»، وهناك من يؤيد ويبارك ذلك، وآخرون يبدون مخاوف والبعض الآخر يفضل التريث حتى عواقب وخواتم الأمور. وفي «ساحة التغيير» بصنعاء أصدر «شباب الثورة» بيانا تحت اسم «مشروع مطالب الثورة الشعبية السلمية»، وتضمن النقاط التالية: «تنحي الرئيس من منصبه وعزل أبنائه وأبناء أخيه من قيادات الوحدات العسكرية والأمنية، تشكيل مجلس وطني انتقالي لمدة ستة أشهر يتكون من خمس شخصيات (أربع شخصيات مدنية من بينها رئيس المجلس الرئاسي، وشخصية عسكرية)، تشكيل حكومة انتقالية من شخصيات تتمتع بالخبرة والكفاءة والنزاهة، تشكيل لجنة من ذوي التخصص والخبرة لصياغة دستور جديد يقوم على أساس النظام البرلماني ونظم الانتخابات وفق القائمة النسبية ويكفل كافة الحقوق والحريات، على أن يتم الاستفتاء عليه خلال مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، بناء دولة مدنية حديثة قائمة على المواطنة المتساوية والشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة، والاستقلال التام للقضاء والحكم المحلي كامل الصلاحيات، إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس ومعايير علمية ووطنية حديثة بما يكفل حيادها التام، الإعداد والتهيئة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وفق الدستور الجديد خلال الفترة الانتقالية، سرعة محاكمة المتسببين في سفك دماء المعتصمين والمتظاهرين السلميين، واعتبار الشهداء منهم شهداء الواجب، وتعويض أسرهم تعويضا عادلا، ومعالجة الجرحى على نفقة الدولة». وفي اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من لندن، قال عبد الحفيظ النهاري، نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن، إن ما يزيد على المليون مؤيد للرئيس صالح قد احتشدوا في ميدان السبعين القريب من قصر الرئاسة اليمني في جمعة «التسامح» في رد - حسب تعبيره - على الناطق باسم المعارضة محمد قحطان، الذي توعد الرئيس بزحف يصل إلى «غرف النوم»، الأمر الذي استهجنه النهاري الذي قال إنه يدل على المستوى الذي بلغته لغة الخطاب السياسي لدى المعارضة، حسب تعبيره. وكانت صحيفة «وول ستريت جرنال» قد أوردت أنباء غير مؤكدة عن اجتماع السفير الأمريكي في صنعاء جيرالد فيرستن مع نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إضافة إلى زعيمين معارضين من الإصلاح والاشتراكي لإيجاد مخرج للأزمة الحالية. وتخشى الولايات المتحدة من انزلاق اليمن إلى حافة الحرب الأهلية، الأمر الذي من الممكن أن يمكن تنظيم القاعدة من التحرك بحرية أكثر في اليمن لضرب المصالح الأميركية والغربية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق