مجلس الوزراء لـ «الشرق الأوسط»: إقرار قانون الغدر وحل اتحاد العمال وتعيين مجالس لإدارة المحافظات
قررت الحكومة المصرية الليلة الماضية العمل بقانون الغدر، الذي يتيح للسلطات القضائية محاكمة المتهمين بإفساد الحياة السياسية، بعد تعديله، كما قررت تعيين مجالس محلية شعبية بدلا من المجالس المنتخبة التي تم حلها قبل شهر، وكانت تضم في عضويتها نحو 50 ألف عضو من أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي (المنحل) الذي كان يرأسه الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وأضاف الدكتور أحمد السمان، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، لـ«الشرق الأوسط»، أن اجتماعا للحكومة برئاسة الدكتور عصام شرف أقر أيضا عدة قرارات، كان من بينها حل اتحاد العمال. ويضم الاتحاد في عضويته نحو 7 ملايين عامل. وتخشى العديد من القوى السياسية التي تقف بقوة وراء ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أطاحت بحكم مبارك، من تسلل شخصيات من حزب الرئيس السابق إلى واجهة الحياة السياسية مرة أخرى لـ«كبح» اندفاع الثورة التي تدعو لـ«قطع رقاب» المتهمين بالفساد ومن أطلقوا النار على المتظاهرين في أيام الثورة.
ومع قرب انتخابات البرلمان وتصاعد مطالب الثوار وقرب موعد محاكمة عدد من كبار رموز النظام السابق على رأسهم مبارك يوم الثالث من الشهر المقبل، استمر اجتماع مجلس الوزراء حتى وقت متأخر من الليلة الماضية في بحث العديد من القضايا التي تتعلق بإدارة الدولة في المرحلة الانتقالية الحالية. وقال المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء المصري، إن أحد بنود الاجتماع كان قضية إبعاد شخصيات محسوبة على النظام السابق من مواقع المسؤولية، مشيرا إلى أن هذا الإجراء سيتم بناء على قانون الغدر، لكن بعد تعديله.
وصدر هذا القانون من ثورة يوليو (تموز) عام 1952 ضد سياسيي العهد الملكي، وورد فيه أن مرتكب جريمة الغدر هو كل من كان مكلفا بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة وارتكب عملا من شأنه إفساد الحكم أو الحياة السياسية، أو استغل النفوذ ولو بطريق الإيهام أو بتصرف يقصد منه التأثير في القضاة، أو في أعضاء أي هيئة خول لها القانون اختصاصا في القضاء أو الإفتاء. ويعاقب هذا القانون من تثبت عليه التهمة بالعزل من الوظائف العامة، أو سقوط العضوية في المجالس النيابية، والحرمان من تولي الوظائف العامة، ومن حق الانتخاب أو الترشيح لأي مجلس من المجالس النيابية، ومن حق الانتماء إلى أي حزب سياسي لمدة أقلها خمس سنوات.
وصرح السمان بأن القانون سوف تدخل عليه بعض التعديلات ليكون مواكبا للمرحلة الراهنة خاصة أنه صدر منذ وقت طويل وفي ظروف مغايرة، مشيرا إلى أن قرار الإبعاد بالنسبة لأعضاء الحزب الوطني السابق العاملين في إدارات الدولة سيكون بناء على ما تتلقاه السلطات القضائية من بلاغات بحق تلك الشخصيات. وأضاف «من يثبت تورطه سيتم عزله، والاستعانة بقيادات جديدة».
ويصف المراقبون هذه الخطوة بأنها تشبه عمليات التطهير السياسي التي اتبعها الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر وأنور السادات في النصف الثاني من القرن الماضي ضد العديد من القوى السياسية، كان آخرها في عام 1981. ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر مصرية مطلعة لم تسمها أن عدد القيادات العليا التي كانت منتمية لحزب مبارك في الجهاز الإداري للدولة يصل لنحو 10 آلاف من القيادات الوسطى والدنيا، موزعين بين موظفي الوزارات والإدارات المحلية ودواوين المحافظات ومجالس المدن، إضافة إلى العديد من شركات القطاع العام والمؤسسات الحكومية.
لكن بعض المتشددين المنخرطين في ثورة 25 يناير يذهبون إلى تقدير العدد بأكبر من ذلك بكثير. وقال الدكتور حازم شومان، الداعية السلفي، في تسجيل تلفزيوني «نريد أن نطهر مصر من نصف مليون مبارك ممن لا يزالون يحكمون هذا البلد». وكان الحزب الحاكم، حتى مؤتمره الأخير الذي عقد العام الماضي، يقدر عدد أعضائه بنحو ثلاثة ملايين عضو، لكن مصادر أمنية قالت إن عدد الفاعلين الحقيقيين من أعضاء الحزب السابق أقل من ذلك بكثير، وأن غالبية العضوية كانت صورية، ولا تصل للملايين.
وقال سيد عبد العال، الأمين العام لحزب التجمع اليساري المشارك في ثورة 25 يناير، إن الإجراءات التي تحاول الحكومة القيام بها لإبعاد المسؤولين الذين كانوا يشغلون عضوية حزب مبارك، أو كانوا متواطئين مع نظامه، تتناسب مع الحالة الثورية التي نشأت أثناء وبعد الثورة. وأشار إلى أن توجهات الثورة هي مع استبعاد كل من تورط سياسيا أو ماليا مع نظام مبارك سواء بالمشاركة أو بالسكوت.
لكن عبد العال استطرد قائلا إن السؤال المطروح حاليا هو «كيف ستتم عملية تنقية أسماء كل هؤلاء من الأجهزة الإدارية والمؤسسات وشركات القطاع العام؟»، مشيرا إلى أن تعامل الحكومة بـ«هذه العمومية» مع الأمر «يعني أنها لا تحمل أي جدية في تنفيذه».
وتابع عبد العال قائلا إن هناك قرائن كثيرة يمكن التوصل من خلالها إلى المتهمين الذين ينبغي استبعادهم من المواقع الإدارية في الدولة.. «لأن كل وزارة تعلم كيف عملت تأييدا لمبارك، وكذلك الأمر في عدة جهات أخرى مثل الاتحاد العام للعمال في تأييده للرئيس السابق وزوجته».
وأضاف الأمين العام لـ«التجمع»: «يوجد مديرو أمن ورؤساء مجالس إدارات بشركات عامة وحكومية، أعطوا أوامر وشاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في تزوير الانتخابات. كان بعض المسؤولين الذين ينبغي استبعادهم يعدون كشوفا بالعاملين في الدولة باعتبارهم من مؤيدي حزب مبارك على غير الحقيقة، ويقومون من خلال هذه الكشوف بتزوير الانتخابات».
وعما إذا كانت إجراءات التطهير الجديدة تتشابه بطريقة ما، مع ما حدث مع حزب البعث العراقي بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قال مسؤول في مجلس الوزراء المصري إن ما حدث بحق حزب البعث العراقي في العراق كان «اجتثاث (البعث) بأعضائه»، بينما في مصر الأمر يختلف، حيث تم حل الحزب الوطني أولا بحكم قضائي لا علاقة للسلطات الحاكمة به، إضافة إلى ذلك أن إجراءات التطهير لا تستهدف منع كوادر وأعضاء الحزب الوطني من الحياة العامة، وإنما من العمل في مؤسسات الدولة بعد ثورة 25 يناير.. «والإجراءات ستشمل المتورطين فقط».
ولم يعط مجلس الوزراء تفاصيل وافية عما ستكون عليه الإجراءات الجديدة، خاصة في ما يتعلق بقانون الغدر والتعديلات التي ستدخل عليه. وقال الدكتور عادل سليمان، مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، إن ما يسمى بتطهير إدارات الدولة من أعضاء الحزب الوطني، نوع من أنواع التغيير الذي قام به عبد الناصر والسادات، لكن مع الفارق الكبير في التشبيه، لأن ما قام به عبد الناصر من تطهير كان بعد انقلاب عسكري، موضحا «لم نعرف على أي أساس، ومن هم الذين سيبعدون، وما هي الأدلة التي سيستخدمونها ضدهم، أم أنها مجرد عنوان يتم ترديده لكي يرتاح الناس نفسيا».
على صعيد متصل، علمت «الشرق الأوسط» أن عشرات من نواب حزب مبارك السابقين بدأوا في الانخراط في أحزاب من تلك التي نشأت حديثا بعد الثورة، في محاولة للترشح ودخول البرلمان من خلالها، ومن خلال الترشح كمستقلين أيضا، من بينهم نحو 76 نائبا سابقا انضموا لواحد من هذه الأحزاب الذي أسسه صحافي برلماني معروف من أبناء جنوب القاهرة.
0 التعليقات :
إرسال تعليق