Featured Video

السودان الجنوبي.. أوراق الربح والخسارة

السودان الجنوبي.. أوراق الربح والخسارة

بان كي مون يقرع «جرس الإنذار».. ومراقبون شبهوا الدولة الوليدة بجنين خرج من رحم أم تعاني من «سوء التغذية».. وسلفا كير متفائل بضوء في نهاية النفق
جوبا: فايز الشيخ
هناك مثل أفريقي يقول إن «الليل طويل.. لكن ضوء النهار سيأتي». ربما الضوء هنا بالنسبة لدولة السودان الجنوبي الوليدة هو السلام، الذي تحقق بعد عقود من الحرب.. وقيام كيان يحتضن الجنوبيين وحدهم، لكن ليلا طويلا في انتظار هذه الدولة الوليدة، بعد أن فاقت من فرحة الاحتفالات.. لتكتشف أنها، في ظلمة بئر عميقة، من التخلف والمشكلات والعقبات، وعليها أن تتسلق الجدران المهترئة، وتصعد إلى أن ترى النور. فالتحديات التي تواجه هذه الدولة هي من كل نوع وشكل، أمنية اجتماعية، تنموية، بيئية، تعليمية، قبلية، والسلسة تطول.. وكل من هذه العقبات كفيل أن يقعد بالدولة الجديدة، إذا لم تمتلك العزيمة والإصرار والإخلاص والتحدي والفكر الثاقب لتخطي هذه العقبات.

«دعونا نحتفل بهذا اليوم.. لكن علينا أن نذهب للعمل الجاد بعد الاحتفالات»، تلك كانت كلمات رئيس أحدث دولة في العالم، الفريق أول سلفا كير ميارديت رئيس جمهورية السودان الجنوبي، والتي أنهى بها خطابه التاريخي بعد أن تم إعلان ميلاد دولته، وسماع العالم كله لصرخة الطفل الوليد. هو يعرف حجم التحديات التي تواجهه، بينما لم يكن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بعيدا عن الواقع، وهو يلامس كبد الحقيقة عشية إعلان ميلاد الدولة، وصرخة المولود وسط أهازيج الفرح، والإحساس بالانتصار للكرامة، ونيل الحرية، فقد حرص مون على توجيه رسالة إلى الجنوبيين قال عبرها «سوف تكون دولة السودان الجنوبي يوم ميلادها في ذيل قائمة الدول بحسب جميع مؤشرات التنمية البشرية، فالإحصاءات متدنية للغاية، حيث إن معدل وفيات الأمهات في الجنوب من أعلى المعدلات في العالم. وتتجاوز تقديرات الجهل بالقراءة والكتابة بين النساء 80 في المائة. ويعيش أكثر من نصف السكان بأقل من دولار واحد في اليوم. وستواجه الحكومة الجديدة التي تفتقر إلى الخبرة، وتعد ذات مؤسسات ناشئة، كثيرا من القضايا الحيوية، مثل الفقر وغياب الأمان وعدم وجود بنية تحتية». ويضيف المسؤول الأممي قائلا «لقد شعرت شخصيا بمدى صعوبة هذه التحديات خلال زيارتي الأولى لجنوب السودان عام 2007، حيث لا تتجاوز مساحة الجنوب 620 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ طول الطرق الممهدة أقل من 100 كم».
هذه الرسالة التي بعثها مون إلى الجنوبيين، وإلى المجتمع الدولي، كانت بمثابة «جرس إنذار»؛ وسط «فرح غامر»، فقد كان يريد للجنوبيين أن يفوقوا من سكرتهم، ويتوجهوا إلى بناء الدولة الجديدة، والالتفات إلى المهام الكبيرة. ويتخوف المراقبون من تقاطع تلك التحديات مع ظواهر منتشرة في معظم الدول الأفريقية، وهي المحسوبية والفساد والقبلية، وهو ما يتخوف منه بعض قادة الدولة الوليدة، التي خرجت من رحم أم تصنف بأنها من بين الدول الفاشلة في العالم، أو هي مثل جنين خرج من بطن أم تعاني من سوء التغذية، وأمراض أخرى.
وسبق أن حذرت منظمة الإغاثة الخيرية البريطانية «أوكسفام» من تحديات ضخمة تنتظر الدولة رقم 193 في الأمم المتحدة، والتي تحتاج لدعم على المدى الطويل من بقية دول العالم. وقالت المنظمة إن جنوب السودان وبعد عقود من الحرب «يجري بناؤه من الصفر تقريبا»، حيث لا يحصل أكثر من نصف الناس على مياه نظيفة للشرب، ويعاني ثلاثة أرباع سكانه من الأمية، ويوجد فيه عدد محدود من المدارس والمستشفيات والطرق.
وتبلغ مساحة جمهورية السودان الجنوبي نحو 620 ألف كيلومتر مربع، وهي تعادل ربع مساحة السودان البالغة 2.5 مليون كيلومتر مربع تقريبا. وتمتد حدودها إلى 2000 كيلومتر تقريبا مع خمس دول هي: كينيا وأوغندا وأفريقيا الوسطى والكونغو وإثيوبيا، وسيضاف إليها السودان كدولة سادسة، وهي الحدود التي ستكون أكثر التهابا، حيث تمتد بطول 2200 كيلومتر، وينتشر بشمالها وجنوبها 13 مليون شخص من القبائل ذات التداخلات العرقية والمصالح الاقتصادية والمصير المشترك. ويعتبرها المراقبون منطقة «تماس ملتهبة» تنتشر عبرها «ألغام الاحتقان» بين الشمال والجنوب.
وتشكل قضية ترسيم الحدود واحدة من القضايا العالقةن حيث لا يزال الشمال والجنوب مختلفين حول عدد من المناطق مثل حفرة النحاس والمقينص وكاكا التجارية، بالإضافة إلى أبيي الغنية بالنفط. ويبلغ عدد ولايات الجنوب 10 ولايات هي: ولاية أعالي النيل والوحدة وجونجلي (إقليم أعالي النيل سابقا)، وولاية شمال بحر الغزال وغرب بحر الغزال والبحيرات وواراب (إقليم بحر الغزال سابقا)، وولاية بحر الجبل، وغرب الاستوائية وشرق الاستوائية (إقليم الاستوائية سابقا). ويبلغ عدد المحافظات بالجنوب نحو 30 محافظة.
ويشير مون في رسالته إلى أنه «بالنظر إلى الصورة الأكبر سنرى مخاطر زيادة أعمال العنف والأذى الذي قد يلحق بالمدنيين والمعاناة الإنسانية». في الوقت ذاته يتمتع الجنوب بإمكانات وموارد هائلة، حيث يحتوي على موارد نفطية ومساحة كبيرة من الأرض الزراعية، ويمر نهر النيل في قلبه، مما يشير إلى إمكانية أن يصبح دولة قابلة للحياة تتمتع بالرخاء قادرة على توفير الأمن والخدمات وفرص العمل لمواطنيها. لكن لا يمكن لدولة السودان الجنوبي وحدها أن تواجه هذه التحديات أو تستفيد من تلك الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها، حيث يتطلب ذلك شراكة كاملة مع المجتمع الدولي وكذلك دول الجوار.
ويرى القيادي بالحركة الشعبية مسؤول الاستخبارات الخارجية السابق إدوارد لينو أن دولة السودان الجنوبي تقع في قلب أفريقيا، وهي منطقة منفتحة. ويضيف «لعلك رأيت بنفسك الجنسيات المختلفة التي وفدت إلى جوبا طيلة السنوات الخمس بطريقة لم تشهدها أي مدينة من قبل. نحن لدينا مقومات الدولة الجديدة، كما أن إمكانية انصهار الشعوب التي تأتي إلينا مع شعوبنا بدأت من خلال الزيجات، وسبق أن قلت لضباط الاستخبارات في محاضرة إن شعوب دول الجوار تأتي إلينا لتغيير نمط حياتها، لأن لدينا موارد طبيعية وبشرية سواء من الجنوب أو العمالة الوافدة».
ويجزم المسؤول بأن دولة السودان الجنوبي لن تصبح «مثل دول النفط»، بل ستتقوى بالواقع الجديد، وقال «نربط دولتنا مع دول الجوار بما فيها الشمال الذي أتوقع أن يصبح دولة ديمقراطية وليست أصولية إسلامية». لكن لينو ذاته يبدو حذرا في تفاؤله، إذ يقول «أي ثورة عندما تكتمل خطواتها في الوصول إلى السلطة فعليها أن تراجع مواقفها، وأن تنظر إلى أين تقف، وأن تراجع قوامها الفكري والسياسي، لتخطو خطوات جديدة على أرض الواقع، لأن النظرية خضراء والواقع رمادي.. بمثل هذا المنهج يمكن البناء على طريق منهج وخارطة جديدة».
ويؤكد دبلوماسي أفريقي، طلب عدم ذكر اسمه، أن الجنوب لا يزال يعاني من صعوبة الانتقال من الثورة المسلحة إلى الدولة المدنية، وسيطرة عقلية «جنرالات الحرب» في إدارة كثير من المسائل المدنية، وهو أمر يحتاج إلى وقت ليس بالقصير. ويشير إلى تجارب بعض الثورات في كوبا وأنغولا وموزمبيق وناميبيا. وفي السياق ذاته، قال الخبير الأمني السوداني العميد حسن بيومي، إن «أولى الصعوبات هي الانتقال من نظام عسكري حارب لمدة أكثر من عشرين عاما، إلى نظام سياسي، لكن أكثر الصعوبات التي ستواجه الجنوب هي أن بعض قادة الجيش الشعبي (المحاربين السابقين) حينما يرتدون الزي المدني وربطات العنق، ويذهبون إلى المكاتب الأنيقة، يحتاجون إلى مبالغ مالية ضخمة تعبر عن متطلبات المرحلة لأشخاص يشعرون بأنهم هم الذين جاءوا باستقلال دولتهم، وفي الوقت ذاته عادوا للتو من الغابات، وسيزداد الأمر تعقيدا مع وجود رفقاء سلاح سابقين لا يزالون يحملون البندقية»، ويضيف «في حال شعور الطرف العسكري بأن وضعه المالي والاجتماعي أقل من رفاقه السابقين فإن التفكير في انقلاب عسكري يطيح بالحكومة يظل أمرا واردا».
لكن الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت بدا متفائلا، وواثقا من عبور تلك العقبات، بقوله نهار ميلاد دولته «عشنا أيام الحرب وعانينا كثيرا، وبارتفاع هذا العلم الذي يرفرف فوق رؤوسنا الآن يجب أن نترك أمر العراك والاحتراب بيننا لكي يصبح صفحة من الماضي، وعلينا أن نحل كل إشكالياتنا بالحوار والتعايش، وأن ننبذ كل أوجه العنف ونركز على مبادئ الحرية الديمقراطية، وأن نعترف بأن كل الوسائل غير الديمقراطية ووسائل العنف أثبتت فشلها، وأود أن أعلن الآن العفو العام لكل الذين حملوا السلاح في وجه حكومة جنوب السودان».
وأضاف «أود مرة أخرى أن أعلن العفو العام لكل الذين حملوا السلاح في منطقة أو أخرى، وأقول لهم أرجو أن نلقي بالسلاح وأن ينضموا لهذه الأمة الفتية ليساعدونا في بناء أمة جنوب السودان».
ويشير الخبير الأمني بيومي إلى واقع التعدد العرقي والإثني في السودان الجنوبي، حيث يوجد عدد كبير من القبائل ينتمي إلى إثنيات مختلفة ويتحدث لغات تنتمي إلى عوائل لغوية مختلفة. أكبر المجموعات القبلية في الجنوب هي المجموعات النيلية، ومن أكبرها قبيلة «الدينكا»، ثم «النوير»، ثم «الشلك»، فـ«الأنواك»، و«البير»، وهم يمثلون أكثر من نصف سكان الجنوب، ويعيشون مع مجموعات نيلية أخرى مثل «الزاندي» و«الفرتيت» و«المورو» وغيرها. ويضيف بيومي «هذا الواقع، على الرغم من أهمية التنوع الثقافي كمصدر ثراء وقوة، فإن طابع سيطرة القبيلة على الحزب، وعلى منظمات المجتمع المدني، كفيل بتحويل المنطقة إلى صراع مستمر». وكشف عن وجود 3 ملايين قطعة سلاح لا تزال في أيادي الأفراد والقبائل. يذكر أن الجنوب شهد عددا من الصراعات القبلية حول الأبقار والمراعي.. فقد شهد جنوب السودان واحدة من أطول الحروب الأهلية في أفريقيا، حيث قتل أكثر من مليوني شخص حتى توقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005. وبدأت شرارة الحرب في خمسينات القرن الماضي، واستمرت حتى عام 1972، بتوقيع اتفاقية سلام في أديس أبابا، لينعم الجنوب بعشر سنوات سلام، لكن الحرب تجددت مرة أخرى في عام 1983، بقيادة جون قرنق، وانتهت بتوقيع اتفاقية السلام عام 2005.
ويعتبر انتشار السلاح بين المدنيين من أكبر مهددات الدولة الجديدة، مع أن حكومة الجنوب نفذت خططا كبيرة لجمع السلاح من المدنيين. ويضاف إلى ذلك انتشار ميليشيات مسلحة في الجنوب، بالإضافة إلى النزاعات القبلية، وانتشار عناصر «جيش الرب» الأوغندي في جنوب السودان الذي بدأ نشاطه هناك في عام 1993، بعد أن قامت السلطات السودانية إبان حربها الشرسة ضد الجيش الشعبي، بتسليح عناصر أصولية مسيحية من دولة أوغندا المجاورة، للضغط على الرئيس يوري موسيفيني من أجل وقف دعمه اللوجيستي للجيش الشعبي. واستخدمت الخرطوم وقتها «جيش الرب»، ورقة ضغط في وجه كمبالا لسنوات، لكنها اضطرت في مرحلة لاحقة إلى توقيع بروتوكول عسكري منح الجيش الأوغندي حق مطاردة «جيش الرب» داخل الأراضي السودانية، وتسهيل مهمة قوات موسيفيني.
ومع أن القبلية هي سمة يتسم بها كل السودان في جنوبه وشماله وغربه وشرقه، فإن ما يزيد الوضع في الجنوب تعقيدا هو علو الروح القبلية على الروح القومية، مع انتشار السلاح بسبب الحروب الطويلة، وتسريبه كذلك عبر «جهات من خارج الجنوب»، مع انتشار ميليشيات كثيرة وقادة منشقين كثر من الحركة وجيشها مثل لام أكول وجورج أتور وقلواك قاي، مع وجود آخرين.
وقد فطن سلفا كير لهذا الواقع ودعا إلى مصالحة جنوبية، وترتيب بيته من الداخل. وأجرى أولى خطوات المصالحة الجنوبية بلقاء هو الأول من نوعه مع عدد من قادة الفصائل الجنوبية، من بينهم القيادي في «المؤتمر الوطني» (الحاكم) رياك قاي، وقادة الميليشيات المسلحة في الجنوب، ومنهم اللواء التوم النور دلدوم، واللواء غبريال تانق، واللواء توماس أبور، واللواء قودن دوم شول، واللواء جون دوير، والعميد قاي جيمس قاي، والعميد تور قين.
واتفق الجنوبيون على دستور جديد، وحكومة انتقالية تجري انتخابات ديمقراطية وحرة، وهو إجماع على أهمية الأمر.. لكن يتخوف بعض المراقبين من ألا يعدو هذا الحوار سوى «علاقات عامة، وتجميع الجنوبيين على الاستفتاء، والتصويت لخيار الانفصال وقيام الدولة الجديدة».
ويربط المراقبون بين الديمقراطية كنظام سياسي، وبين التنوع الإثني، وفي الوقت ذاته طبيعة القوة المسيطرة في الجنوب، وهي الجيش الشعبي، وقدامى المحاربين. وفي هذا السياق يقول مانفريد فان إيكيرت، مدير مكتب الوكالة الألمانية للتعاون التقني (GIZ) في جنوب السودان «تعتبر إعادة تأهيل المقاتلين السابقين في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان من أهم التحديات التي تواجه بناء مؤسسات جديدة، وتنفذ الوكالة الألمانية برنامجا لإعادة تأهيل المقاتلين السابقين بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في النظام الاجتماعي ودعم أوضاع حياتهم الجديدة».
ويهدف هذا البرنامج كما يوضح مانفريد إلى «المساهمة في تحقيق التنمية وترسيخ السلام والاستقرار في جنوب السودان». وتقدم الوكالة الألمانية في هذا الصدد مساعدات على بناء المؤسسات وترشيد الإدارة وتحسين مستوى خدمات المؤسسات الحكومية بشكل يلائم متطلبات حياة فئات السكان، ووفق «رؤية لبناء مؤسسات لا مركزية وحكم فيدرالي في جنوب السودان»، وهو تحد كبير بحسب العميد بيومي الذي يؤكد أن مسألة الانتقال تحتاج إلى وقت، وإلى ظروف اقتصادية وسياسية محددة قد لا تتوافر حاليا في الجنوب.
لكن منظمة «أوكسفام» تشير إلى قضايا وتحديات أخرى مهمة. وتقول ميلندا يونغ، مديرة برنامج «أوكسفام» في جنوب السودان «إن مشكلات الفقر المدقع وانعدام التنمية والعنف الذي يهدد الحياة اليومية للناس لن تختفي بعد الاستفتاء وتحتاج إلى معالجة أيا كانت نتيجة التصويت، كما أن الفشل في معالجتها يخاطر بعرقلة التقدم الذي تم إنجازه في السنوات القليلة الماضية».
ويعتمد الجنوب على النفط بنسبة 98 في المائة بموازنته العامة، وهو أمر خطير للغاية، على الرغم من أن 40 في العامة من مساحات الجنوب هي أراض زراعية خصبة، و30 في المائة عبارة عن مراع غنية. إلا أن الجنوب لا يزال يستورد كل احتياجاته من دول الجوار الأفريقي أو الشمال، لا سيما المواد الغذائية. وفي قضية النفط، تقول عابدة المهدي، وزيرة الدولة للشؤون المالية السودانية سابقا «في حالتنا هناك تعاون اقتصادي إجباري إذا لم يكن مرغوبا فيه.. إذا ما أضر الجنوب بالشمال في مجال سيرد الشمال في مجال آخر، لذا يحتاج الجانبان إلى التعاون اقتصاديا لتسير الأمور في يسر».
ويذهب الاقتصادي حسن ساتي، المسؤول السابق في وزارة المالية السودانية عن حكومة الجنوب، بالقول «يجب أن يستثمروا معظم أموال النفط في تنمية الزراعة والصناعة والخدمات التعليمية والصحية». ويضيف «إذا ما واصلوا الإنفاق على أنفسهم فسيواجهون موقفا صعبا للغاية». بينما يقول أسبن بارث إيدي، نائب وزير الخارجية النرويجي، الذي يقدم المشورة للجانبين بشأن النفط «الطرفان مؤهلان تماما لتدمير بعضهما بعضا، لكن على حساب تدمير نفسيهما».
وهناك عدد من التفاصيل الصغيرة التي تشكل إضاءات حمراء في قلب التحديات الكبيرة، مثل عودة أكثر من مليون نازح ولاجئ إلى الدولة الجديدة، وطلاب كانوا يدرسون بالشمال، وجامعات رحلت من الخرطوم إلى جوبا. والجميع يتطلع إلى استقرار وسكن ومياه وصحة وتعليم وفرص عمل.
ومع أن للجنوب ورقته الرابحة، وهي النفط، والذي يدر عليه سنويا مبلغا قيمته مليارا دولار أميركي، ويقدر الاقتصاديون أن يقفز المبلغ إلى 3 مليارات دولار بعد التوصل إلى قسمة جديدة حول عائدات النفط مع الشمال، فإن النفط ذاته رهين بصيغة الاتفاق مع الشمال الذي يسيطر على الأنابيب ومعامل التكرير وموانئ التصدير. ويعتبر هذا جزءا من ملفات ما بعد الاستفتاء. ولا شك أن طريقة حل هذه القضايا ستلقي بظلالها على العلاقة بين الجنوب والشمال، وهو أكبر التحديات التي تواجه الطرفين، مع بقاء تحديات داخلية لكل دولة. لكنها في النهاية ترتبط ارتباطا عضويا مع أوضاع الدولة الجارة. وهو أمر دعا الجنوبيين للتصريح بأن الاستقلال من الشمال هو استقلال «سياسي» مع بقاء الروابط القديمة، ومن بينها الاسم.
هناك قضايا كثيرة تنتظر الجنوبيين، وقد فصلها الأمين العام للأمم المتحدة «في إرساء أساس دولة حديثة ديمقراطية تحترم حرية التعبير، وضمان جميع الحقوق السياسية والمؤسسات الشاملة التي تزيد من مدى استفادة سكان المناطق الريفية وكذلك المناطق التي تأثرت بالصراع». ويقول «في القرن الحادي والعشرين نما إدراك المجتمع الدولي لمسؤوليات الحكومات أمام شعوبها التي تتضمن حماية الحياة السياسية والحقوق الديمقراطية».
وأوضحت الثورات الشعبية التي شهدتها مؤخرا دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط ما يمكن أن يحدث عندما لا تعير الحكومات اهتماما لاحتياجات ومطالب شعوبها. إن الجنوبيين انتصروا من وجهة نظرهم لكرامتهم حسب تلك اللافتات المرفوعة في كل المدن الجنوبية، وصاروا في النهاية أحرارا كما يقولون. إلا أن تلك الحرية لن تكتمل إلا بالتحرر من الفاقة والعوز والجهل والخوف، وهي أكبر التحديات التي تواجه أحدث دولة، وأفقر دولة في العالم.
-----
 جريدة الشرق الأوسط

0 التعليقات :

إرسال تعليق