دنيا الوطن
كشف الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا عن مخطط القذافي للعودة إلى السلطة واستغلال الخلافات المحتدمة بين الثوار بعد إسقاط نظامه السياسي قبل نحو شهرين. وقال جبريل في حوار مع «الشرق الأوسط» أجرته معه في القاهرة، إن القذافي ما زال في ليبيا ويسعى لاستغلال الخلافات السياسية بين الثوار في محاولة لإثبات وجوده والعودة مجددا إلى السلطة التي فقدها بعد اجتياح الثوار لمعقله الحصين في ثكنة باب العزيزية في طرابلس نهاية الشهر قبل الماضي. وتابع أن القذافي يعمل على عدة خيارات منها إشاعة عدم استقرار أي نظام جديد في ليبيا، أو أن يعلن دولة منفصلة في الجنوب يسمونها أي اسم.. «الطوارق»، «الجنوب»، «أفريقيا العظمى»، دولة إسلامية.. قائلا إن العقيد الهارب لديه عقدة الانتقام ولا يقبل الهزيمة، وإنه يمكن أن يقوم بأي شيء مستحيل لهدم أي نظام جديد في ليبيا.
وتحدث جبريل عن عملية تحرير طرابلس، التي قال إنها تعرضت للتأجيل ثلاث مرات كان آخرها بطلب من الناتو قبلها بساعات فقط. ووصف الوضع الداخلي في ليبيا بأنه يوجد في حالة فراغ سياسي، محذرا من محاولة بعض القوى الأجنبية أن تملأ هذا الفارغ في ظل غياب القوى الوطنية.
وشدد جبريل، الذي يستعد للتقاعد على أنه لن يتراجع عن استقالته المعلنة من منصبه بعد استكمال تحرير مدينة سرت مسقط رأس العقيد الهارب وآخر المعاقل المؤيدة له، معتبرا أنه لم يعد هناك أي مجال للعودة عن هذه الاستقالة.
وأوضح أن استقالته تأتي على خلفية مخاوفه من تحول الخلافات السياسية بين الثوار وكذا مخاوفه من حدوث صدام مسلح بين الثوار بسبب رغبتهم في اقتسام السلطة بعد الانتصار على القذافي. وفي ما يلي نص الحوار.
* هل أنت في طريقك للاستقالة أم استقلت فعلا؟
- الاستقالة تم التقدم بها فعلا، وقبلت من حيث المبدأ، والمفروض أن نبدأ في تفعيلها بإعلان التحرير، الذي اتفقنا أن يكون مع تحرير مدينة سرت.
* البعض كان يعتقد أنكم ستلعبون الدور نفسه الذي لعبه سوار الذهب في السودان، أي إنه لا يكتفي فقط بالقيادة وإنما يؤمن انتقال السلطة؟
- القصة أصبحت مختلفة، المعركة حتى سقوط النظام كانت معركة وطنية، الآن المعركة بدأت وبشراسة تتحول إلى معركة سياسية، دون أن تكون هناك قواعد للعبة، يعني لك أن تتخيل دولة أو شعبا لم يمارس السياسة بشكل حقيقي لمدة 42 عاما، ليست هناك مؤسسات، ليست هناك أحزاب، هذه أطر للحوار السياسي تنظم الحوار وكيفيته، فالحوار حين يكون بناء على قاعدة أساسية، وأهم شيء القاعدة الدستورية، وليس لدينا دستور، الدستور يحدد حقوق وواجبات وكيفية المشاركة وأصول المشاركة، لا شيء من هذا على الإطلاق، والتيارات التي دخلت في حمأة العراك السياسي منذ الآن، إذا جاز لنا التعبير أن نسميه عراكا، الخطر أنها تلعب دون قواعد للعبة.
* قبل أن نتكلم هنا عن التيارات التي عندها أسلحة نتكلم عن الإسلاميين تحديدا؟
- هناك الإسلاميون وغير الإسلاميين، الثورة الليبية شارك فيها الجميع، وأحيانا لما تقول لأحد ارم السلاح يقولك: «لا، إلا لما الثاني يرمي السلاح»، والمجلس والمكتب ليس لديهما أسلحة خاصة بهما، قواعد اللعبة الآن تيارات تملك السلاح والمال وتملك التنظيم وتملك أحيانا حتى الإعلام، بينما لا المكتب ولا المجلس يملك أيا من هذه الأدوات، فتحول الأمر إلى شرعية رسمية يحملها المجلس والمكتب، وشرعية فعلية على الأرض هي التي تنفذ أو لا تنفذ تعليمات المجلس أو المكتب، مع تسارع الأيام وتباعد الانتخابات قد تتحول الشرعية الفعلية إلى الشرعية الوحيدة التي يحترمها الناس إما خوفا أو طمعا، وبالتالي تصبح القضية شبه مستحيلة والتحول الديمقراطي الذي كنا نعد به يصبح سرابا.
* بما أن الثوار المسلحين لا يسمعون الكلام، ألا تصبح الحكومة بلا فاعلية؟
- أنا قدمت استقالتي من أجل ذلك، وأنا قدمتها لأنه ليس لدي أي تأثير، أي إننا نصنع قرارات ترمى في القمامة.
* ألا تعتقد أن استقالتك ربما تكون رصاصة الرحمة على المجلس الانتقالي؟
- هناك بعض الإخوة في المجلس الانتقالي يعتقدون أنني أبالغ في الأمور، وأرجو أن أكون أبالغ فعلا، ويعتقدون أنني لا أريد أن أكمل، أو أهاب المرحلة المقبلة. الأمور ليست كذلك. أنا أعتقد أن هناك دورا أكبر من ذلك الآن، لأن أي أحد يتصدر المرحلة التي نحن فيها الآن لو نجح بنسبة 30% يكون إنجازا هائلا، وتوقعات الناس عالية جدا، والناس عائدون من جبهات تشعر أنه من حقها كذا وكذا، ولو أراد الليبيون توصيل تجربتهم لأول درجة من النجاح، يجب أن يعلموا أن ما فعله القذافي في 42 سنة ليس من السهل أن يتغير في 42 يوما أو 42 شهرا.
* هل المجلس الانتقالي من دون تخطيط؟
- لا، الناس ليست منتخبة، طلع سيف القذافي يهدد الغرب والشعب الليبي، وقال إنها ستكون حربا أهلية، المجلس الانتقالي جاءت فكرته أننا لا نريد أن يخاف الغرب، وهو جسم بديل مستعد أن يكون هو الصوت الذي يكلم العالم ويحافظ على مصالح كل الدول داخل بلادنا، نتعهد بأن الشعب الليبي لن يتقسم، فكان كل هذا هو الجانب الأول من سبب وجود المجلس الانتقالي، السبب الثاني هو لو أراد الناس تقديم مساعدات للشعب الليبي في محنته فسيحتاجون لأحد للتنسيق لنقل الدواء والأكل، والمساكن، والسلاح. لما فرضت علينا الحرب لم تكن خيارنا أبدا، والشباب طلعوا طواعية ولم يحركهم أحد، فبالتالي هذه الثورة غير مخططة، كما هي ثورة مصر وثورة تونس، الشباب ينطلقون لأن عقدة الخوف انكسرت بداخلهم، على عكسنا، نحن كنا نخاف، لما أحد يضرب رصاصة في الهواء، الجميع يجري، وكنا نخاف من السجن والموت وكل شيء، بعكس الشباب.
* لكن القذافي كان يستعد لهذا اليوم على ما يبدو؟
- القذافي موضوع الأمن هو القيمة المركزية في تفكيره من قبل 1969، حين تولى الحكم، لأن هناك قبله 10 سنوات من الإعداد لوصوله للحكم، وكانت كلها قائمة على فكرة الخوف، وكان هاجسا رئيسيا في شخصيته وما زال.. هو هاجس الأمن، وأنا أذكر مرة جمعني لقاء به، فقلت له إنه زمان كان الأمن بالإقصاء، أما الآن الأمن بالاحتواء، إن لم يكن هناك نظام يقدم تنمية للناس.. لأنها هي الأمن الحقيقي، ويحتوي كل الأصوات، يكون ماشيا عكس مسار التاريخ.
* وماذا كان رده عليك وقتها؟
- أنا قابلت القذافي مرتين، ولم يعلق مرة واحدة على كلام أنا قلته، إطلاقا، ولم أتبادل معه حوارا، وأنا قدمت استقالتي نحو 4 مرات، وفي ثلاث مرات منها لم تقبل من المؤتمر الشعبي العام، وفي رابع مرة ذهبت له في رمضان 2009 وجلست أتكلم له ساعتين إلا الربع ولم يرد علي بكلمة واحدة، واكتفى فقط بتدوين ملاحظات، وبعدها قلت له إنني تقدمت باستقالتي 3 مرات وظروفي لا تسمح، وأنا استشاري ولا أنفع في منصب وزاري، لأنني إما سأحرج نفسي، أو الحكومة، ووقتها قال لي: عموما سنلغي الحكومة ونوزع الثروة، اصبر شهرين وكل شيء سيخلص. وهي الكلمات الوحيدة التي رد بها علي.
* هل تعتقد أن القذافي سيكرر نموذج رئيس فنزويلا هوغو شافيز الذي خرج من السلطة وعاد إليها؟
- أعتقد جازما أنه يحاول حاليا الرجوع للسلطة عن طريق قبائل الطوارق في شمال النيجر وجنوب ليبيا وجنوب الجزائر ومالي، وأعتقد أنه يعد العدة لهذا الأمر.
* بمعنى ماذا؟
- القذافي عنده أمر من اثنين، إما أنه يعمل على عدم استقرار أي نظام جديد في ليبيا، أو أن يعلن دولة منفصلة في الجنوب يسميها أي اسم، الطوارق، الجنوب، أفريقيا العظمى، دولة إسلامية.. بحيث يستطيع تعبئة الجنوب الأفريقي بكامله، ولا أعتقد أنه يمل أو يكل قبل عمل أي شيء، لأن عقدة الانتقام بداخله، ولا يقبل الهزيمة، فيعمل أي شيء مستحيل لهدم أي نظام جديد في ليبيا.
* هل هذا الكلام مبني على معطيات ومعلومات في الواقع؟
- هناك بعض المعطيات تؤيد ذلك.. أنه يتنقل في الجنوب الليبي وشمال النيجر والجزائر في حراك مستمر، طيلة الشهر الماضي بكامله، وهناك بوادر اتصالات تجري مع بعض المحيطين به ببعض مناطق دارفور، وبعض قبائل الرشايدة، وتعاقد في فترة من الفترات مع مجموعة كبيرة جدا منهم، ويحاول جلب كل هؤلاء إلى الجنوب الليبي أو شمال النيجر أو جنوب الجزائر، ليبدأ الدولة، أو على الأقل يبدأ بالتحرك ناحية الشمال.
* كم عدد هذه القوات تقريبا؟
- نحو 10 آلاف أو 15 ألفا.
* من يحكم طرابلس بعد أن أصبح كل شخص يقول أنا الأقوى؟
- خليني أكون صريحا جدا. لدينا عدة سيناريوهات.. سيناريو المجلس الانتقالي عندما يقول كله يرمي السلاح. والسيناريو الثاني هو أن يقول المجلس: الجميع يرمي السلاح، فيرفض البعض ويقول نريد حقنا في الثروة أو البترول أو غيره، وهو سيناريو سيئ. وسيناريو ثالث قد يكون أكثر سوءا، أي أن تكون هناك مجموعة لم تعترف بالمجلس الانتقالي ولم تنفذ فتشجع باقي المجموعات الأخرى على عدم رمي السلاح ويؤدي الأمر إلى صدام مسلح، وهو ما سيستغل من دول أجنبية لتضع قدمها على الأرض، وهو سيناريو مخيف.
* هل صحيح أن دولة قطر تمول تيارا سياسيا بعينه ضد المجلس الانتقالي أو من دون علمه؟ وهل نما إلى علمك أن هناك طائرات قطرية هبطت بسلاح، وسُلم إلى (رئيس المجلس العسكري بطرابلس) عبد الحكيم بلحاج؟
- الكلام هذا قيل عدة مرات، لكن عندما أقول إنني شاهدت بنفسي هذه الطائرات فهذا لم يحدث، والكلام في الشارع الليبي يتداول.
* ألم تثر هذا الكلام مع مسؤولين في قطر؟
- أثرناه داخل المجلس في الاجتماع، والأغلبية تقول إنه عبارة عن نوع من التهويل ولم نر شيئا مثل ذلك. وللأمانة، الشارع الليبي يتكلم في ذلك بشكل واضح، لماذا ندعم ذلك ولا ندعم ذاك؟ أنا وجهة نظري إذا كان هناك اعتراف بالشرعية الليبية الممثلة في المجلس (الانتقالي)، فأي شيء يجب أن يأتي عبر هذه القناة.
* من هو صاحب القرار الآن؟
- أنا كرئيس مكتب تنفيذي قراراتي لا تنفذ.
* من لا ينفذها؟
- التشكيلات.. كل الأمور في يديها.
* أم إن هناك بعض أعضاء المجلس الانتقالي يلتفون من ورائكم ليوقفوا قراراتكم؟
- المجلس من دون لف يأخذ قرارات تنفيذية.
* ألا يوجد تعاون بينكم؟
- أتكلم مع الحاج مصطفى (عبد الجليل) رئيس المجلس في بعض الأمور، ولكن أشياء كثيرة لا أعلمها إطلاقا وفي نطاق الجهاز التنفيذي.
* تتحدث كأنكم جزر منعزلة؟
- هي طبيعة المرحلة، وارتفاع سقف التوقعات وسقف الاحتياجات، فأصبحت العملية عملية فزع، ولا وقت لقول: أنت عملت وأنا عملت. لكن خلينا نلم بالموقف الأول، لأن كمية الاحتياجات وكمية التوقعات أكبر من طاقة أي إنسان.. خذ مثلا ملف الجرحى: هم أعداد رهيبة جدا، عندنا جرحى في تونس ومصر والأردن وتركيا وفرنسا وقطر وإيطاليا وألمانيا، وسيكون عندنا جرحى في المستشفى الأميركي في ألمانيا وبريطانيا.. كل هذا، والأعداد لا تزال تزيد، مع أننا رصدنا 400 مليون دولار للعلاج، بعدها جعلها المستشار (مصطفى عبد الجليل) مليارا، مع أنني أرى أنه مبلغ كبير جدا، لكن للاحتياط، ورغم ذلك، فإن الناس ليسوا راضين.
* أنا تلح عليّ منذ فترة حكاية أن الليبيين في توقيت ما صدقوا أنهم الشعب الأسطورة، هل هذا صحيح؟
- ما حدث كان كبيرا بكل المقاييس، معمر القذافي ليس (الرئيس المصري السابق) حسني مبارك ولا (الرئيس التونسي المخلوع) زين العابدين ولا (الرئيس السوري الحالي بشار) الأسد ولا (الرئيس اليمنى الحالي) علي عبد الله صالح. هو (القذافي) رجل اختصر الشعب والمجتمع والدولة في شخصه، وبالتالي، كان يقول مقولة قيصر: «أنا الدولة والدولة أنا»، ووصل بعدها إلى مرحلة الألوهية، يعنى عندما قابله (جاكوب) زوما (رئيس جنوب أفريقيا) في آخر لقاء قال له إن الناس تعبدني، وسألوه مرة في قناة «الحرة»: كيف عملت الكتاب الأخضر، فقال: «شيء من الوحي، وشيء من الإلهام، وشفت عذابات البشرية عبر التاريخ»، وهذا الإنسان فعلا بدأ يصدق نفسه.. ومرة «قائد الأمة الإسلامية» و«ملك الملوك» والصولجان، ومرة «قائد الثورة العالمية».. وهذا مؤشر على أن هذه الشخصية متضخمة لدرجة سرطانية. وبالتالي، فالإطاحة بهذا الشخص الذي لا هاجس له إلا الأمن، ولا يفكر في أي شيء آخر سوى تأمين نفسه والنظام، تعد إنجازا. هل تعلم أن القذافي هو الرئيس الوحيد في العالم الذي يضع خطة أمنه الشخصي بنفسه؟ لا يثق في أي شخص على الإطلاق.
* بمعنى؟
- يقول للحرس سنبيت هنا الليلة، وعند التجهيز لذلك يغير المكان. الرؤساء عندما يريدون مقابلته أو وزراء خارجية ينقلون له رسائل يتركهم طويلا في الفندق؛ من ناحية هي عقدة العظمة، ويريد أن يذل الناس ويشعرهم بأنهم يحتاجون إليه.. والجزء الأهم هو الناحية الأمنية لأنه لو عرف أنه سيقابلهم الساعة كذا يمكن أن يتسرب الخبر، ويترك الضيف أحيانا يومين أو ثلاثة ويفاجأ دون سابق علم أنه سيقابله الآن، ويقال إنه، مثلا، سيقابله في باب العزيزية، ويتم تغيير المكان فلربما يتسرب الخبر أيضا.
* هل تم التقليل من شأن القذافي بأنه إذا ما سقطت طرابلس انهار النظام، وهل هذا تقليل من خطورة ما يمثله القذافي.. لأن الناس كانت تعتقد أنه بمجرد دخول باب العزيزة ستنتهي الأمور؟
- بالنسبة لي، حتى الانسحاب السهل في طرابلس وفتحها بهذه السهولة عليه علامات استفهام كثيرة، ربما انسحب الرجل من البداية ونحن لدينا معلومات مؤكدة بأنه قبل انتفاضة طرابلس تقريبا بيومين أدخل كثيرا من الكتائب إلى طرابلس، وفي بداية الهجوم سحبها من طرابلس ونقلها ناحية الجنوب.
* من سرب له معلومات الهجوم؟ وهل دول التحالف الغربي منهم العميل المزدوج، إن صح التعبير؟
- في عالم السياسة لا شيء مستبعد، خصوصا إذا كان عالم السياسة العنصر الرئيسي فيه هو العنصر الاستخباراتي، فعالم الاستخبارات عالم له قواعده الخاصة؛ فأحيانا دولة تقول شيئا والاستخبارات تمشي في اتجاه آخر، فكل هذه الأمور واردة، لكن ما نعرفه أن يوم الانتفاضة تسرب قبلها بيومين، والموضوع تأجل أكثر من مرة.. أول تاريخ له كان 14 يوليو (تموز) الماضي، وحدثت بعض الأمور غير المتوقعة، فاضطررنا إلى التأجيل بسبب الحصول على السلاح، وعندما استكملنا كل الاستعدادات طلب الناتو التأجيل بعد دخول كتائب القذافي طرابلس. عندما بدأ سحبها داخل طرابلس قصف أهدافا مهمة والغرف الأمنية كان لا بد أن يتم قصفها من أجل توفير خروج آمن، فتم التأجيل إلى يوم 20 يوليو (تموز) الماضي.
* حدثنا عن يوم 14 يوليو، ثم 17 إلى 20 أغسطس (آب)..
- 17 أغسطس «غزوة بدر؟» ثم 20 أغسطس «فتح مكة»، وطبعا طرابلس مقسمة إلى ضواحي، كل ضاحية فيها 3 أو 4 قادة خلية ومسلحون وجاهزين، ويوم 20 طلب الناتو التأجيل مرة أخرى، الساعة الثالثة ظهرا، قبل العملية بأربع ساعات، والناس كانت تقول بعضها لبعض بعد المغرب بساعة، وكان المفروض يضرب 27 هدفا من الغرف الأمنية للقذافي وما يتبعها، لكن ما ضرب كان 12 فقط، وبالتالي فإحقاقا للحق الذي أدى لنجاح انتفاضة طرابلس هم أهلها وصمودهم، حتى نزول الجبهتين؛ جبهة مصراتة والجبل الغربي، تأخر عن الموعد المخطط له نحو يوم كامل، وكان هناك خوف حقيقي عندي أنا تحديدا بأن القذافي سيسحق الانتفاضة وينتظر الجبهتين.
* هناك لغط كبير أن الناتو ساهم وقوات أجنبية (على الأرض). ما حقيقة هذا الأمر؟
- لم تشارك أي قوات أجنبية على الأرض إطلاقا، وكانت هناك قوات خاصة ليبية، كان المخطط - وهذا لم يحدث - أن الانتفاضة على جزأين؛ جزء أول حتى نتأكد أن الأهداف ضربت، ثم نحو فترة ساعة ونصف حتى نتأكد.
* عندما سألتم الناتو لماذا لم يضرب، هل رد؟ أم إنكم لم تسألوا؟
- بعض الغرف الأمنية في مناطق صعبة جدا مثل شقة داخل عمارة، لأن الأهداف الأولى كانت نحو 82 هدفا، وبدأنا نركز على الأهداف الرئيسية حتى اختصرت إلى 27 هدفا.
* هل للناتو مصلحة أن يطيل في الأمر ويظل القذافي هاربا؟ وهل لدول التحالف الغربي مصلحة أن يطول هذا السيناريو وهو ما يحقق سيناريو التدخل الأجنبي؟
- هذا الأمر ممكن أن يؤخذ في أكثر من اتجاه، فهناك من يقول بأنه كلما طالت الأمور ستكون هناك فرصة للشركات لإعادة التعمير، وفرصة لهذه الدول حتى تطالب بدفع تكلفة السلاح الذي استهلك. لكن للأمانة، لم يتم اتفاق على أي شيء مع الغرب لا على شركاتهم حتى تأخذ العقود ولا تكلفة تدفع لهم، وأعتقد أن المجلس توصل مرة لقرار إمكانية دفع تكاليف تمويل الحرب، ورغم ذلك أنا حرصت على أن لا أثير ذلك مع أي رئيس دولة ولا أي وزير خارجية، لأني لو أثرته مرة واحدة كانت كل الدول المشاركة ستطالب بذلك، وكان هذا مدخلا خطيرا جدا، والحمد لله أنني لم ألجأ إليه.
* وما مخاوفك من المستقبل في ليبيا؟
- أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن الناس تأخذ الأمور في يديها فعلا، خاصة الشباب والمرأة لأن هذه ثورتهم؛ لا ثورة محمود جبريل ولا ثورة مصطفى عبد الجليل، ولا مجلس انتقالي ولا مكتب تنفيذي، لكن الناس على الأرض هم الأبطال الحقيقيون، لو نظموا أنفسهم وتقدموا لصناديق الانتخابات ستمر هذه البلد بسلام، ومستقبلها سيكون من الأفضل في المنطقة.
* وأين يذهب الإسلاميون؟
- الإسلاميون هم جزء من الوطن.
* على ما يبدو البعض يعتقد أنهم يريدون اختطاف الوطن؟
- ما دام الشعب موجودا، فأي تيار من التيارات لا يقدر على اختطاف شيء، وما يتيح لهم ذلك هو غياب هذه الكتلة الضخمة؛ الشباب والمرأة، ووقتها ستحدث حالة عدم استقرار، فنرى في مصر كل شيء يحدث.. الشباب ينزلون إلى ميدان التحرير. لكن الشباب الليبي كان في الجبهات، لكن بعد ذلك أي شيء لا يتفق مع أحلامهم، سينزلون.
* هل ممكن أن يصلوا لمرحلة تنحية المجلس الانتقالي؟
- المجلس الانتقالي المفروض أن يتنحى لما المؤتمر الوطني يتم عقده.
* متى كان من المفترض حدوث ذلك؟
- كان مفروض بعد 8 أشهر، وأنا الآن أدفع بقوة إلى أنه بمجرد تحرير سرت، تتم العملية الانتقالية.
* متى من المتوقع تحرير سرت.. كل يوم يظهر من يقول خلال ساعات؟
- هي معركة بين إرادة وصمود؛ إرادة الثوار الليبيين وقدرة ما تبقى من كتائب القذافي على الصمود
* أليست مسألة محيرة ومذهلة رغم كل ما تعرضت له قوات القذافي من ضرب وتدمير، وما زال لديهم القدرة على منعكم من دخول سرت؟
- كمية الأسلحة التي تم اكتشافها في ليبيا أثناء هذه الثورة تفوق خيال أي إنسان، ووجدنا مخازن أسلحة كثيرة تكفي 5 أو 6 دول، أي إن دول شمال أفريقيا كلها ممكن أن تستعمل هذه الأسلحة. أنا أريد أن يعلم الليبيون أن الخطر ما زال موجودا لأن هذا الرجل موجود.
كشف الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا عن مخطط القذافي للعودة إلى السلطة واستغلال الخلافات المحتدمة بين الثوار بعد إسقاط نظامه السياسي قبل نحو شهرين. وقال جبريل في حوار مع «الشرق الأوسط» أجرته معه في القاهرة، إن القذافي ما زال في ليبيا ويسعى لاستغلال الخلافات السياسية بين الثوار في محاولة لإثبات وجوده والعودة مجددا إلى السلطة التي فقدها بعد اجتياح الثوار لمعقله الحصين في ثكنة باب العزيزية في طرابلس نهاية الشهر قبل الماضي. وتابع أن القذافي يعمل على عدة خيارات منها إشاعة عدم استقرار أي نظام جديد في ليبيا، أو أن يعلن دولة منفصلة في الجنوب يسمونها أي اسم.. «الطوارق»، «الجنوب»، «أفريقيا العظمى»، دولة إسلامية.. قائلا إن العقيد الهارب لديه عقدة الانتقام ولا يقبل الهزيمة، وإنه يمكن أن يقوم بأي شيء مستحيل لهدم أي نظام جديد في ليبيا.
وتحدث جبريل عن عملية تحرير طرابلس، التي قال إنها تعرضت للتأجيل ثلاث مرات كان آخرها بطلب من الناتو قبلها بساعات فقط. ووصف الوضع الداخلي في ليبيا بأنه يوجد في حالة فراغ سياسي، محذرا من محاولة بعض القوى الأجنبية أن تملأ هذا الفارغ في ظل غياب القوى الوطنية.
وشدد جبريل، الذي يستعد للتقاعد على أنه لن يتراجع عن استقالته المعلنة من منصبه بعد استكمال تحرير مدينة سرت مسقط رأس العقيد الهارب وآخر المعاقل المؤيدة له، معتبرا أنه لم يعد هناك أي مجال للعودة عن هذه الاستقالة.
وأوضح أن استقالته تأتي على خلفية مخاوفه من تحول الخلافات السياسية بين الثوار وكذا مخاوفه من حدوث صدام مسلح بين الثوار بسبب رغبتهم في اقتسام السلطة بعد الانتصار على القذافي. وفي ما يلي نص الحوار.
* هل أنت في طريقك للاستقالة أم استقلت فعلا؟
- الاستقالة تم التقدم بها فعلا، وقبلت من حيث المبدأ، والمفروض أن نبدأ في تفعيلها بإعلان التحرير، الذي اتفقنا أن يكون مع تحرير مدينة سرت.
* البعض كان يعتقد أنكم ستلعبون الدور نفسه الذي لعبه سوار الذهب في السودان، أي إنه لا يكتفي فقط بالقيادة وإنما يؤمن انتقال السلطة؟
- القصة أصبحت مختلفة، المعركة حتى سقوط النظام كانت معركة وطنية، الآن المعركة بدأت وبشراسة تتحول إلى معركة سياسية، دون أن تكون هناك قواعد للعبة، يعني لك أن تتخيل دولة أو شعبا لم يمارس السياسة بشكل حقيقي لمدة 42 عاما، ليست هناك مؤسسات، ليست هناك أحزاب، هذه أطر للحوار السياسي تنظم الحوار وكيفيته، فالحوار حين يكون بناء على قاعدة أساسية، وأهم شيء القاعدة الدستورية، وليس لدينا دستور، الدستور يحدد حقوق وواجبات وكيفية المشاركة وأصول المشاركة، لا شيء من هذا على الإطلاق، والتيارات التي دخلت في حمأة العراك السياسي منذ الآن، إذا جاز لنا التعبير أن نسميه عراكا، الخطر أنها تلعب دون قواعد للعبة.
* قبل أن نتكلم هنا عن التيارات التي عندها أسلحة نتكلم عن الإسلاميين تحديدا؟
- هناك الإسلاميون وغير الإسلاميين، الثورة الليبية شارك فيها الجميع، وأحيانا لما تقول لأحد ارم السلاح يقولك: «لا، إلا لما الثاني يرمي السلاح»، والمجلس والمكتب ليس لديهما أسلحة خاصة بهما، قواعد اللعبة الآن تيارات تملك السلاح والمال وتملك التنظيم وتملك أحيانا حتى الإعلام، بينما لا المكتب ولا المجلس يملك أيا من هذه الأدوات، فتحول الأمر إلى شرعية رسمية يحملها المجلس والمكتب، وشرعية فعلية على الأرض هي التي تنفذ أو لا تنفذ تعليمات المجلس أو المكتب، مع تسارع الأيام وتباعد الانتخابات قد تتحول الشرعية الفعلية إلى الشرعية الوحيدة التي يحترمها الناس إما خوفا أو طمعا، وبالتالي تصبح القضية شبه مستحيلة والتحول الديمقراطي الذي كنا نعد به يصبح سرابا.
* بما أن الثوار المسلحين لا يسمعون الكلام، ألا تصبح الحكومة بلا فاعلية؟
- أنا قدمت استقالتي من أجل ذلك، وأنا قدمتها لأنه ليس لدي أي تأثير، أي إننا نصنع قرارات ترمى في القمامة.
* ألا تعتقد أن استقالتك ربما تكون رصاصة الرحمة على المجلس الانتقالي؟
- هناك بعض الإخوة في المجلس الانتقالي يعتقدون أنني أبالغ في الأمور، وأرجو أن أكون أبالغ فعلا، ويعتقدون أنني لا أريد أن أكمل، أو أهاب المرحلة المقبلة. الأمور ليست كذلك. أنا أعتقد أن هناك دورا أكبر من ذلك الآن، لأن أي أحد يتصدر المرحلة التي نحن فيها الآن لو نجح بنسبة 30% يكون إنجازا هائلا، وتوقعات الناس عالية جدا، والناس عائدون من جبهات تشعر أنه من حقها كذا وكذا، ولو أراد الليبيون توصيل تجربتهم لأول درجة من النجاح، يجب أن يعلموا أن ما فعله القذافي في 42 سنة ليس من السهل أن يتغير في 42 يوما أو 42 شهرا.
* هل المجلس الانتقالي من دون تخطيط؟
- لا، الناس ليست منتخبة، طلع سيف القذافي يهدد الغرب والشعب الليبي، وقال إنها ستكون حربا أهلية، المجلس الانتقالي جاءت فكرته أننا لا نريد أن يخاف الغرب، وهو جسم بديل مستعد أن يكون هو الصوت الذي يكلم العالم ويحافظ على مصالح كل الدول داخل بلادنا، نتعهد بأن الشعب الليبي لن يتقسم، فكان كل هذا هو الجانب الأول من سبب وجود المجلس الانتقالي، السبب الثاني هو لو أراد الناس تقديم مساعدات للشعب الليبي في محنته فسيحتاجون لأحد للتنسيق لنقل الدواء والأكل، والمساكن، والسلاح. لما فرضت علينا الحرب لم تكن خيارنا أبدا، والشباب طلعوا طواعية ولم يحركهم أحد، فبالتالي هذه الثورة غير مخططة، كما هي ثورة مصر وثورة تونس، الشباب ينطلقون لأن عقدة الخوف انكسرت بداخلهم، على عكسنا، نحن كنا نخاف، لما أحد يضرب رصاصة في الهواء، الجميع يجري، وكنا نخاف من السجن والموت وكل شيء، بعكس الشباب.
* لكن القذافي كان يستعد لهذا اليوم على ما يبدو؟
- القذافي موضوع الأمن هو القيمة المركزية في تفكيره من قبل 1969، حين تولى الحكم، لأن هناك قبله 10 سنوات من الإعداد لوصوله للحكم، وكانت كلها قائمة على فكرة الخوف، وكان هاجسا رئيسيا في شخصيته وما زال.. هو هاجس الأمن، وأنا أذكر مرة جمعني لقاء به، فقلت له إنه زمان كان الأمن بالإقصاء، أما الآن الأمن بالاحتواء، إن لم يكن هناك نظام يقدم تنمية للناس.. لأنها هي الأمن الحقيقي، ويحتوي كل الأصوات، يكون ماشيا عكس مسار التاريخ.
* وماذا كان رده عليك وقتها؟
- أنا قابلت القذافي مرتين، ولم يعلق مرة واحدة على كلام أنا قلته، إطلاقا، ولم أتبادل معه حوارا، وأنا قدمت استقالتي نحو 4 مرات، وفي ثلاث مرات منها لم تقبل من المؤتمر الشعبي العام، وفي رابع مرة ذهبت له في رمضان 2009 وجلست أتكلم له ساعتين إلا الربع ولم يرد علي بكلمة واحدة، واكتفى فقط بتدوين ملاحظات، وبعدها قلت له إنني تقدمت باستقالتي 3 مرات وظروفي لا تسمح، وأنا استشاري ولا أنفع في منصب وزاري، لأنني إما سأحرج نفسي، أو الحكومة، ووقتها قال لي: عموما سنلغي الحكومة ونوزع الثروة، اصبر شهرين وكل شيء سيخلص. وهي الكلمات الوحيدة التي رد بها علي.
* هل تعتقد أن القذافي سيكرر نموذج رئيس فنزويلا هوغو شافيز الذي خرج من السلطة وعاد إليها؟
- أعتقد جازما أنه يحاول حاليا الرجوع للسلطة عن طريق قبائل الطوارق في شمال النيجر وجنوب ليبيا وجنوب الجزائر ومالي، وأعتقد أنه يعد العدة لهذا الأمر.
* بمعنى ماذا؟
- القذافي عنده أمر من اثنين، إما أنه يعمل على عدم استقرار أي نظام جديد في ليبيا، أو أن يعلن دولة منفصلة في الجنوب يسميها أي اسم، الطوارق، الجنوب، أفريقيا العظمى، دولة إسلامية.. بحيث يستطيع تعبئة الجنوب الأفريقي بكامله، ولا أعتقد أنه يمل أو يكل قبل عمل أي شيء، لأن عقدة الانتقام بداخله، ولا يقبل الهزيمة، فيعمل أي شيء مستحيل لهدم أي نظام جديد في ليبيا.
* هل هذا الكلام مبني على معطيات ومعلومات في الواقع؟
- هناك بعض المعطيات تؤيد ذلك.. أنه يتنقل في الجنوب الليبي وشمال النيجر والجزائر في حراك مستمر، طيلة الشهر الماضي بكامله، وهناك بوادر اتصالات تجري مع بعض المحيطين به ببعض مناطق دارفور، وبعض قبائل الرشايدة، وتعاقد في فترة من الفترات مع مجموعة كبيرة جدا منهم، ويحاول جلب كل هؤلاء إلى الجنوب الليبي أو شمال النيجر أو جنوب الجزائر، ليبدأ الدولة، أو على الأقل يبدأ بالتحرك ناحية الشمال.
* كم عدد هذه القوات تقريبا؟
- نحو 10 آلاف أو 15 ألفا.
* من يحكم طرابلس بعد أن أصبح كل شخص يقول أنا الأقوى؟
- خليني أكون صريحا جدا. لدينا عدة سيناريوهات.. سيناريو المجلس الانتقالي عندما يقول كله يرمي السلاح. والسيناريو الثاني هو أن يقول المجلس: الجميع يرمي السلاح، فيرفض البعض ويقول نريد حقنا في الثروة أو البترول أو غيره، وهو سيناريو سيئ. وسيناريو ثالث قد يكون أكثر سوءا، أي أن تكون هناك مجموعة لم تعترف بالمجلس الانتقالي ولم تنفذ فتشجع باقي المجموعات الأخرى على عدم رمي السلاح ويؤدي الأمر إلى صدام مسلح، وهو ما سيستغل من دول أجنبية لتضع قدمها على الأرض، وهو سيناريو مخيف.
* هل صحيح أن دولة قطر تمول تيارا سياسيا بعينه ضد المجلس الانتقالي أو من دون علمه؟ وهل نما إلى علمك أن هناك طائرات قطرية هبطت بسلاح، وسُلم إلى (رئيس المجلس العسكري بطرابلس) عبد الحكيم بلحاج؟
- الكلام هذا قيل عدة مرات، لكن عندما أقول إنني شاهدت بنفسي هذه الطائرات فهذا لم يحدث، والكلام في الشارع الليبي يتداول.
* ألم تثر هذا الكلام مع مسؤولين في قطر؟
- أثرناه داخل المجلس في الاجتماع، والأغلبية تقول إنه عبارة عن نوع من التهويل ولم نر شيئا مثل ذلك. وللأمانة، الشارع الليبي يتكلم في ذلك بشكل واضح، لماذا ندعم ذلك ولا ندعم ذاك؟ أنا وجهة نظري إذا كان هناك اعتراف بالشرعية الليبية الممثلة في المجلس (الانتقالي)، فأي شيء يجب أن يأتي عبر هذه القناة.
* من هو صاحب القرار الآن؟
- أنا كرئيس مكتب تنفيذي قراراتي لا تنفذ.
* من لا ينفذها؟
- التشكيلات.. كل الأمور في يديها.
* أم إن هناك بعض أعضاء المجلس الانتقالي يلتفون من ورائكم ليوقفوا قراراتكم؟
- المجلس من دون لف يأخذ قرارات تنفيذية.
* ألا يوجد تعاون بينكم؟
- أتكلم مع الحاج مصطفى (عبد الجليل) رئيس المجلس في بعض الأمور، ولكن أشياء كثيرة لا أعلمها إطلاقا وفي نطاق الجهاز التنفيذي.
* تتحدث كأنكم جزر منعزلة؟
- هي طبيعة المرحلة، وارتفاع سقف التوقعات وسقف الاحتياجات، فأصبحت العملية عملية فزع، ولا وقت لقول: أنت عملت وأنا عملت. لكن خلينا نلم بالموقف الأول، لأن كمية الاحتياجات وكمية التوقعات أكبر من طاقة أي إنسان.. خذ مثلا ملف الجرحى: هم أعداد رهيبة جدا، عندنا جرحى في تونس ومصر والأردن وتركيا وفرنسا وقطر وإيطاليا وألمانيا، وسيكون عندنا جرحى في المستشفى الأميركي في ألمانيا وبريطانيا.. كل هذا، والأعداد لا تزال تزيد، مع أننا رصدنا 400 مليون دولار للعلاج، بعدها جعلها المستشار (مصطفى عبد الجليل) مليارا، مع أنني أرى أنه مبلغ كبير جدا، لكن للاحتياط، ورغم ذلك، فإن الناس ليسوا راضين.
* أنا تلح عليّ منذ فترة حكاية أن الليبيين في توقيت ما صدقوا أنهم الشعب الأسطورة، هل هذا صحيح؟
- ما حدث كان كبيرا بكل المقاييس، معمر القذافي ليس (الرئيس المصري السابق) حسني مبارك ولا (الرئيس التونسي المخلوع) زين العابدين ولا (الرئيس السوري الحالي بشار) الأسد ولا (الرئيس اليمنى الحالي) علي عبد الله صالح. هو (القذافي) رجل اختصر الشعب والمجتمع والدولة في شخصه، وبالتالي، كان يقول مقولة قيصر: «أنا الدولة والدولة أنا»، ووصل بعدها إلى مرحلة الألوهية، يعنى عندما قابله (جاكوب) زوما (رئيس جنوب أفريقيا) في آخر لقاء قال له إن الناس تعبدني، وسألوه مرة في قناة «الحرة»: كيف عملت الكتاب الأخضر، فقال: «شيء من الوحي، وشيء من الإلهام، وشفت عذابات البشرية عبر التاريخ»، وهذا الإنسان فعلا بدأ يصدق نفسه.. ومرة «قائد الأمة الإسلامية» و«ملك الملوك» والصولجان، ومرة «قائد الثورة العالمية».. وهذا مؤشر على أن هذه الشخصية متضخمة لدرجة سرطانية. وبالتالي، فالإطاحة بهذا الشخص الذي لا هاجس له إلا الأمن، ولا يفكر في أي شيء آخر سوى تأمين نفسه والنظام، تعد إنجازا. هل تعلم أن القذافي هو الرئيس الوحيد في العالم الذي يضع خطة أمنه الشخصي بنفسه؟ لا يثق في أي شخص على الإطلاق.
* بمعنى؟
- يقول للحرس سنبيت هنا الليلة، وعند التجهيز لذلك يغير المكان. الرؤساء عندما يريدون مقابلته أو وزراء خارجية ينقلون له رسائل يتركهم طويلا في الفندق؛ من ناحية هي عقدة العظمة، ويريد أن يذل الناس ويشعرهم بأنهم يحتاجون إليه.. والجزء الأهم هو الناحية الأمنية لأنه لو عرف أنه سيقابلهم الساعة كذا يمكن أن يتسرب الخبر، ويترك الضيف أحيانا يومين أو ثلاثة ويفاجأ دون سابق علم أنه سيقابله الآن، ويقال إنه، مثلا، سيقابله في باب العزيزية، ويتم تغيير المكان فلربما يتسرب الخبر أيضا.
* هل تم التقليل من شأن القذافي بأنه إذا ما سقطت طرابلس انهار النظام، وهل هذا تقليل من خطورة ما يمثله القذافي.. لأن الناس كانت تعتقد أنه بمجرد دخول باب العزيزة ستنتهي الأمور؟
- بالنسبة لي، حتى الانسحاب السهل في طرابلس وفتحها بهذه السهولة عليه علامات استفهام كثيرة، ربما انسحب الرجل من البداية ونحن لدينا معلومات مؤكدة بأنه قبل انتفاضة طرابلس تقريبا بيومين أدخل كثيرا من الكتائب إلى طرابلس، وفي بداية الهجوم سحبها من طرابلس ونقلها ناحية الجنوب.
* من سرب له معلومات الهجوم؟ وهل دول التحالف الغربي منهم العميل المزدوج، إن صح التعبير؟
- في عالم السياسة لا شيء مستبعد، خصوصا إذا كان عالم السياسة العنصر الرئيسي فيه هو العنصر الاستخباراتي، فعالم الاستخبارات عالم له قواعده الخاصة؛ فأحيانا دولة تقول شيئا والاستخبارات تمشي في اتجاه آخر، فكل هذه الأمور واردة، لكن ما نعرفه أن يوم الانتفاضة تسرب قبلها بيومين، والموضوع تأجل أكثر من مرة.. أول تاريخ له كان 14 يوليو (تموز) الماضي، وحدثت بعض الأمور غير المتوقعة، فاضطررنا إلى التأجيل بسبب الحصول على السلاح، وعندما استكملنا كل الاستعدادات طلب الناتو التأجيل بعد دخول كتائب القذافي طرابلس. عندما بدأ سحبها داخل طرابلس قصف أهدافا مهمة والغرف الأمنية كان لا بد أن يتم قصفها من أجل توفير خروج آمن، فتم التأجيل إلى يوم 20 يوليو (تموز) الماضي.
* حدثنا عن يوم 14 يوليو، ثم 17 إلى 20 أغسطس (آب)..
- 17 أغسطس «غزوة بدر؟» ثم 20 أغسطس «فتح مكة»، وطبعا طرابلس مقسمة إلى ضواحي، كل ضاحية فيها 3 أو 4 قادة خلية ومسلحون وجاهزين، ويوم 20 طلب الناتو التأجيل مرة أخرى، الساعة الثالثة ظهرا، قبل العملية بأربع ساعات، والناس كانت تقول بعضها لبعض بعد المغرب بساعة، وكان المفروض يضرب 27 هدفا من الغرف الأمنية للقذافي وما يتبعها، لكن ما ضرب كان 12 فقط، وبالتالي فإحقاقا للحق الذي أدى لنجاح انتفاضة طرابلس هم أهلها وصمودهم، حتى نزول الجبهتين؛ جبهة مصراتة والجبل الغربي، تأخر عن الموعد المخطط له نحو يوم كامل، وكان هناك خوف حقيقي عندي أنا تحديدا بأن القذافي سيسحق الانتفاضة وينتظر الجبهتين.
* هناك لغط كبير أن الناتو ساهم وقوات أجنبية (على الأرض). ما حقيقة هذا الأمر؟
- لم تشارك أي قوات أجنبية على الأرض إطلاقا، وكانت هناك قوات خاصة ليبية، كان المخطط - وهذا لم يحدث - أن الانتفاضة على جزأين؛ جزء أول حتى نتأكد أن الأهداف ضربت، ثم نحو فترة ساعة ونصف حتى نتأكد.
* عندما سألتم الناتو لماذا لم يضرب، هل رد؟ أم إنكم لم تسألوا؟
- بعض الغرف الأمنية في مناطق صعبة جدا مثل شقة داخل عمارة، لأن الأهداف الأولى كانت نحو 82 هدفا، وبدأنا نركز على الأهداف الرئيسية حتى اختصرت إلى 27 هدفا.
* هل للناتو مصلحة أن يطيل في الأمر ويظل القذافي هاربا؟ وهل لدول التحالف الغربي مصلحة أن يطول هذا السيناريو وهو ما يحقق سيناريو التدخل الأجنبي؟
- هذا الأمر ممكن أن يؤخذ في أكثر من اتجاه، فهناك من يقول بأنه كلما طالت الأمور ستكون هناك فرصة للشركات لإعادة التعمير، وفرصة لهذه الدول حتى تطالب بدفع تكلفة السلاح الذي استهلك. لكن للأمانة، لم يتم اتفاق على أي شيء مع الغرب لا على شركاتهم حتى تأخذ العقود ولا تكلفة تدفع لهم، وأعتقد أن المجلس توصل مرة لقرار إمكانية دفع تكاليف تمويل الحرب، ورغم ذلك أنا حرصت على أن لا أثير ذلك مع أي رئيس دولة ولا أي وزير خارجية، لأني لو أثرته مرة واحدة كانت كل الدول المشاركة ستطالب بذلك، وكان هذا مدخلا خطيرا جدا، والحمد لله أنني لم ألجأ إليه.
* وما مخاوفك من المستقبل في ليبيا؟
- أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن الناس تأخذ الأمور في يديها فعلا، خاصة الشباب والمرأة لأن هذه ثورتهم؛ لا ثورة محمود جبريل ولا ثورة مصطفى عبد الجليل، ولا مجلس انتقالي ولا مكتب تنفيذي، لكن الناس على الأرض هم الأبطال الحقيقيون، لو نظموا أنفسهم وتقدموا لصناديق الانتخابات ستمر هذه البلد بسلام، ومستقبلها سيكون من الأفضل في المنطقة.
* وأين يذهب الإسلاميون؟
- الإسلاميون هم جزء من الوطن.
* على ما يبدو البعض يعتقد أنهم يريدون اختطاف الوطن؟
- ما دام الشعب موجودا، فأي تيار من التيارات لا يقدر على اختطاف شيء، وما يتيح لهم ذلك هو غياب هذه الكتلة الضخمة؛ الشباب والمرأة، ووقتها ستحدث حالة عدم استقرار، فنرى في مصر كل شيء يحدث.. الشباب ينزلون إلى ميدان التحرير. لكن الشباب الليبي كان في الجبهات، لكن بعد ذلك أي شيء لا يتفق مع أحلامهم، سينزلون.
* هل ممكن أن يصلوا لمرحلة تنحية المجلس الانتقالي؟
- المجلس الانتقالي المفروض أن يتنحى لما المؤتمر الوطني يتم عقده.
* متى كان من المفترض حدوث ذلك؟
- كان مفروض بعد 8 أشهر، وأنا الآن أدفع بقوة إلى أنه بمجرد تحرير سرت، تتم العملية الانتقالية.
* متى من المتوقع تحرير سرت.. كل يوم يظهر من يقول خلال ساعات؟
- هي معركة بين إرادة وصمود؛ إرادة الثوار الليبيين وقدرة ما تبقى من كتائب القذافي على الصمود
* أليست مسألة محيرة ومذهلة رغم كل ما تعرضت له قوات القذافي من ضرب وتدمير، وما زال لديهم القدرة على منعكم من دخول سرت؟
- كمية الأسلحة التي تم اكتشافها في ليبيا أثناء هذه الثورة تفوق خيال أي إنسان، ووجدنا مخازن أسلحة كثيرة تكفي 5 أو 6 دول، أي إن دول شمال أفريقيا كلها ممكن أن تستعمل هذه الأسلحة. أنا أريد أن يعلم الليبيون أن الخطر ما زال موجودا لأن هذا الرجل موجود.
0 التعليقات :
إرسال تعليق