طالب باتفاق سلام يحدد ماهية «المشورة الشعبية» ومصير القوات المسلحة التابعة للجيش الشعبي
أحمد الطاهري
|
أكد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة السوداني، أن اتفاقية السلام التي وقعت في يناير (كانون الثاني) عام 2005 وراء ما يجري من اقتتال ونزاعات مسلحة في جنوب كردفان ومنطقة النيل الأزرق ومنطقة أبيي. ولفت إلى أن ثغرات لم يتم ردمها بالاتفاقية هي المسؤولة تحديدا عن ذلك، مشيرا إلى أن الحل في هذه المناطق هو حل سياسي في المقام الأول، وأنه ما لم يتوافر هذا الحل ستظل بمثابة قنابل موقوتة، وأن الوضع ينذر بمخاطر كثيرة، ستشكل خلافا أساسيا بين الحكومة السودانية في الشمال وحكومة جنوب السودان. وحذر الصادق المهدي في حواره مع «الشرق الأوسط» من انفلات الوضع في دارفور، لافتا إلى أنه أصبح هناك في دارفور سلاح كثير جدا ومال كثير جدا، قدم عبر ليبيا.. وأكد أنه في «عهد القذافي صحيح كان هناك دعم لبعض حركات دارفور، أما الآن فهناك حالة من التسيب، لذلك نحن نتوقع أن يكون جزء كبير جدا من السلاح في ليبيا دخل دارفور». وتطرق الحوار إلى ملابسات الواقع العربي الراهن، وبروز التيارات الإسلامية على السطح، كما تحدث عن مبادرته حول دول «الربيع العربي» والتي تم تسليمها للأمانة العامة للجامعة العربية بعد اعتصام أمام مقر الجامعة.. وتطرق الحوار لعدد آخر من القضايا.. وفيما يلي نص الحوار: * بداية كيف تنظر للصراع الدائر في جنوب كردفان وما هو انعكاسه على الوضع السياسي في شمال السودان؟
- اتفاقية السلام التي وقعت في يناير 2005 اتفاقيه معيبة، ومن عيوبها أنها تركت ثلاث مناطق غير مشمولة بالحل وهي منطقة أبيي ومنطقة جنوب كردفان ومنطقة النيل الأزرق، وفيما يتعلق بمنطقتي جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان كان النص أن تجرى لسكانهما «مشورة شعبية» والمشورة الشعبية نفسها تعني أن اتفاقية السلام بالنسبة لهم لا تنطبق.. لأن السؤال هو «هل تعتقدون أن اتفاقية السلام قد أنصفتكم.. نعم أم لا.. وما الذي ينصفكم».. وهذا معناه أن رأيهم في اتفاقية السلام أصبح معلقا.. ونحن عندما علقنا على اتفاقية السلام قلنا إن الاتفاقية تركت قنابل موقوتة.. وهذه القنابل المثارة الآن بالنسبة للمنطقتين.. الموقف بالنسبة لاتفاقية السلام ومن الدستور الذي تأسس على اتفاقية السلام كله معلق.
* وكيف سيتأثر شمال السودان بهذه القنابل الموقوتة؟
- للأسف، التأثير هو أن الحركة الشعبية لديها جناح مسلح اسمه الجيش الشعبي، والمنتمون للحركة الشعبية في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق هم شماليون ولكنهم منتمون للحركة الشعبية لتحرير السودان.. وهم أيضا أعضاء في الجيش الشعبي لتحرير السودان ولديهم نحو أربعة وأربعين ألف مجند.. وهم شماليون ولكن ضمن الإجراءات التنظيمية يتبعون للجيش الشعبي، وعندما تم انفصال الجنوب كان المفروض أن يجرى اتفاق أولا حول ماهية المشورة الشعبية ويحسم هذا الموضوع وهذا الاتفاق السياسي يحدد مصير قوات الجيش الشعبي الشمالية، ولكن هذه الإجراءات لم تتم.. والقيادة السودانية تلقائيا وجدت أنه بعد انفصال الجنوب يجب «تسريح» هذه القوات تلقائيا وكان يجب أن يكون هناك اتفاق سياسي يحدد مصير هؤلاء قبل انفصال الجنوب، لأن عدم تحديد هذه المسألة هو الذي أدى إلى الحرب.
* معنى كلامك أن الموضوع يتعدى مجرد الاشتباكات المسلحة ويصل إلى مرحلة الحرب النظامية؟
- نعم.. لأن الحرب الآن في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق قوامها معنى سياسي، وهو أننا نحن جماعة الحركة الشعبية في الشمال لم نتخذ الإجراء حول المشورة الشعبية، وكذلك فصيلنا المسلح لم يجر اتفاقا حول مصيره، ولذلك حدثت هذه المواجهة، والمواجهة في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق هي جزء لا يتجزأ من نواقص اتفاقية السلام التي نحن منذ البداية نقول إنها معيبة وبها ثغرات كثيرة، وقلت هذا الكلام في كتاب أصدرته عام 2005، وقلت إن هذه الثغرات تشكل قنابل زمنية، وهذا ما حدث.. والآن في رأينا هذه الحرب مسنودة بالحركة الشعبية، قطاع الشمال والقوات المسلحة التابعة للجيش الشعبي من الشماليين وهي تنذر بمخاطر كثيرة بما في ذلك أنها ستشكل خلافا أساسيا بين الحكومة السودانية في الشمال وحكومة جنوب السودان، لأن الحكومة الجنوبية وفي إعلان رسمي لرئيس جمهورية السودان الجنوبي سلفا كير قال إننا لا نستطيع أن نتخلى عن هؤلاء لأنهم قاتلوا معنا.
* وكيف يمكن الخروج من هذا الوضع؟
- لإنهاء الحرب.. لا بد من اتفاق سلام يحدد ماهية المشورة الشعبية ويحدد مصير القوات المسلحة التابعة للجيش الشعبي وإذا لم يحدث هذا فإن هذه المشكلة ستكون سببا في استمرار الحرب في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وستشكل أيضا سبب مواجهة محتملة بين السودان وجمهورية السودان الجنوبي.
* حسب تقديراتك فإن القنبلة الموقوتة الأخرى هي أبيي.. الرئيس عمر البشير أعلن أن أبيي شمالية فما هو رأيك؟
- هذا الموضوع أيضا خطير.. ومنذ البداية قلنا إنهم اتفقوا على أن أبيي منطقة مختلف على مصيرها، هل هي شمالية أم جنوبية، واتفق في اتفاقية السلام أن يجري استفتاء لأهل أبيي.. وأول خطأ ارتكب في هذا الموضوع هو أنه تم إسناد المسألة إلى لجنة تحكيم برئاسة محكم أميركي، ووقع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على وثيقة تتضمن قبولهم بما تقرره هذه اللجنة بشكل نهائي ولا يستأنف.. وجاءت اللجنة وقررت لصالح الحركة الشعبية، لكن «المؤتمر الوطني» رفض هذا القرار.. فتم الاتفاق على إجراء تحكيم ضمن إحدى آليات محكمة العدل الدولية، وأرسل الموضوع لهيئة التحكيم الدولية التي أصدرت قرارا قبله الطرفان ولكن القبائل العربية في المنطقة رفضته.. لأنه قسم المنطقة بصورة جعلتها في الغالب جنوبية.. المهم أن «المؤتمر الوطني» في البداية قبل هذا القرار وفي لجنة التحكيم كان هناك قاض عربي أردني وهو عون الخصاونة كتب في مذكرته، إن ما فعلناه كلجنة تحكيم كان خطأ وظلم القبائل العربية.. وهذا التبرير عزز من موقف القبائل العربية، ثم حدث بعد ذلك مواجهات تمخض عنها في نهاية الأمر أن تكون أبيي تحت قوة إثيوبية بعد أن كانت إدارتها تتبع رئاسة الجهورية.. والموقف في حد ذاته الآن خطير حتى مع وجود قوات إثيوبية تحفظ الأمن لأنه لا يوجد اتفاق سياسي يحدد رؤية شمالية ورؤية جنوبية فهذا يشكل جبهة مواجهة أخرى.. إذن نحن الآن لدينا ثلاث جبهات للقتال إما فعلية وإما محتملة.
* دعنا ننتقل إلى غرب السودان.. إلى دارفور، كيف سينعكس مقتل القذافي على المعادلة هناك والتركيبة المسلحة على الأرض والذي كان له تدخلاته بها مما دفع البشير أن أعلن مؤخرا أن السودان كان يدعم ثوار ليبيا، ويرد على تدخلات القذافي في دارفور وأن السودان رد للقذافي «الصاع صاعين»؟
- لا شك أن القذافي لعب دورا فيما كان يحدث في دارفور، لأنه كان يعتقد أن تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى ودارفور جزء من الفضاء الأمني القومي الليبي، ولهذا كانت عنده تدخلات فيما يحدث في دارفور، يحتضن فريقا ويخاصم فريقا ويتدخل.. وفى آخر مرحلة كان ضد عملية السلام التي تجرى في الدوحة، وكان يحتضن أحد فصائل دارفور في ليبيا. ولما قامت الثورة الليبية ضد القذافي كان الدكتور خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة ضيفا في ليبيا.. وفى اعتقادي أن الحكومة السودانية كانت غير راضية على هذا الوجود وطلبوا من العقيد القذافي أن يسلم لهم خليل إبراهيم وطبعا القذافي رفض، فعندما قامت الثورة الليبية اعتبر النظام السوداني أنه يجب أن يدعم الثوار وكما قال الرئيس البشير «رد الصاع صاعين» للقذافي ردا على احتضانه لخليل إبراهيم.. وكانوا يعتقدون أن الثوار الذين تعاونوا معهم سوف يسمحون لهم أن يعتقلوا خليل إبراهيم ولكن كان خليل إبراهيم قد خرج من طرابلس وعاد إلى دارفور.. ومما لا شك فيه أن حركه العدل والمساواة حظيت بدعم كبير من العقيد القذافي قبل أن ينتهي.
* أما وقد انتهى القذافي هل سيستقر الوضع في دارفور؟
- أبدا.. بل ستتعقد الأمور
* لماذا؟
- لأنه أصبح هناك في دارفور سلاح كثير جدا ومال كثير جدا، قدم عبر ليبيا.. ففي عهد القذافي صحيح كان هناك دعم لبعض حركات دارفور، أما الآن فهناك حالة من التسيب، ولذلك نحن نتوقع أن يكون جزء كبير جدا من السلاح في ليبيا دخل دارفور.
* خلال العقد الماضي كانت هناك سمة غالبة على السودان وهي أن أهل السلاح هم أصحاب النصيب في السلطة وأن الأحزاب الرئيسية مثل حزبكم «الأمة» أو الحزب الاتحادي أو حتى الأحزاب الاشتراكية والشيوعية القديمة قد ولى وقتها ولم يعد لها مكان.. فما هي قراءتك لهذا الوضع؟
- نعم.. لا شك أن الفترة الماضية شهدت ظهور قوى سياسية جديدة.. حركات مسلحة في شرق السودان وفي غرب السودان وفي وسط السودان، وهذه الحركات تمثل عنصرا جديدا في الجسم السياسي السوداني.. ولا شك في أن النظام الحاكم في السودان كان قد لعب دورا مهما في إضعاف الأحزاب السياسية غير المسلحة، بل في مرحلة ما كانوا يقولون نحن لا نفاوض إلا من كانوا مسلحين، وهذا أغرى عددا كبيرا من الشباب لأن يحملوا السلاح.. ولكن الأحزاب السياسية في السودان متجذرة، بمعنى أنه نعم نشأت قوى سياسية جديدة ونشأ شباب عنده اتجاهات جديدة، ونشأت أحزاب جديدة مثل أحزاب دارفور المسلحة، هذا صحيح.. ولكن لا شك أيضا أن أثر هذه الفترة على الأحزاب كان متفاوتا وفي اعتقادي أن حزب الأمة كان من أكثر الأحزاب صمودا، وكان دائما مبادرا داخليا وخارجيا وحاضرا وصاحب موقف في كافة القضايا.
* على ذكر المبادرات، ما هو المحتوى الذي تحمله مبادرتك حول دول «الربيع العربي»، والتي تم تسليمها للأمانة العامة للجامعة العربية بعد اعتصام أمام مقر الجامعة؟
- نحن نعتبر أنفسنا أصحاب تجربة ثورية.. نحن نستند إلى ميراث ثوري متمثل في الثورة المهدية، وأيضا هناك ميراث ثوري حديث.. يعني أنا الذي كتبت ميثاق ثورة أكتوبر (تشرين الأول) في عام 1964، وأنا الذي كتبت ميثاق ثورة أبريل (نيسان) عام 1985، ومن هذا المنطلق نعتبر أنفسنا سبقنا «الربيع العربي» بتجارب سودانية في نفس الخط.. وكنا كحزب وكنت أنا شخصيا متابعين للموقف السياسي في الدول العربية، ولذلك لما قامت الثورات كنا من أوائل الناس الذين رحبوا بها وأيدناها ودعمناها بفكرنا ورأينا، وكنا شاعرين بخوف على هذه الثورات، لأنه ليس لديها قيادة وليس لديها برنامج محدد، ولذلك فهي ممكن أن تحقق هدفها الأول وهو الإطاحة بالنظام أو برأس النظام ولكن ليس لديها تحضير للبديل.. فوجدنا أهمية عمل منبر يضم ممثلين للقوى الشبابية حتى يكون هناك تفاهم حول كيفية توثيق تعاون بينها، خصوصا أن هناك مهام مثل ما هو البديل في البلدان التي شهدت ثورات وما الذي يمكن عمله في الثورات التي ما زالت قائمة مثل سوريا واليمن.. ودعونا عددا كبيرا من ممثلي القوى الشبابية في دول «الربيع العربي» وطرحنا عليهم تكوين تجمع قوى «الربيع العربي»، ولكن رئي أن نعلن عن قيامها باعتصام أمام الجامعة العربية، وهناك لا بد من اتفاق سلام يحدد ماهية المشورة الشعبية ويحدد مصير القوات المسلحة التابعة للجيش الشعبي.
* قبل أيام حدث متغير في الخطاب الديني للأزهر الشريف وهو المرجعية الأكبر للسنة في العالم الإسلامي، عندما أعلن سقوط شرعية الحاكم الذي يستخدم العنف لمواجهة احتجاجات شعبه، فما هو رأيك وأيضا كيف تنظر للخطاب الديني المتفاوت في العالم العربي في مرحلة الثورات؟
- كلام شيخ الأزهر ممتاز ويجعل الأزهر يسترد دوره الإسلامي القيادي.. وما قاله كان كلاما من نور، وهو أن الحاكم الذي يستمر في الحكم بقتل المدنيين العزل من شعبه يفقد شرعيته، وأنا أؤيد هذه الفتوى بشدة وأعتقد كونها جاءت من شيخ الأزهر فإنها جاءت في وقتها، ووضعت الأزهر في مكانه المناسب في القيادة للرأي العام الإسلامي.. وفيما يخص الظاهرة الدينية كنت وما زلت أقول إن الشعار الإسلامي صار يتملك رأس المال الاجتماعي الأكبر في الشارع في البلدان الإسلامية لأسباب كثيرة.. منها أشواق للتاريخ الإسلامي المجيد، وكذلك لأن القوى الإسلامية صمدت في وجه الطغاة وصار عندها أقدام، وبالتالي صار عندها في نفوس الناس تقدير، وكذلك كثير من هذه القوى في فتره الأنظمة الديكتاتورية استطاعت أن تتخندق في مؤسسات دينية وتقدم خدمات اجتماعية.
* لكن هذه الثورات لم تقم بها قوى الإسلام السياسي والشباب هم أول من بادر بها وأقدم من أجل التغيير؟
- مع أن هذه الثورات لم تقم بها قوى إسلامية، وإنما قامت بها قوى جديدة تنشد الكرامة والحرية، ولم ترفع أي شعارات آيديولوجية، إلا أنه عندما جاءت الحرية عبر الشعب عن الأشواق الإسلامية لأن الأشواق الإسلامية موجودة ولكن القوانين القمعية كانت حاجزا في طريقها.. وبسبب ما عند هذه القوى من مكانة في الشارع السياسي عندما جاءت الحرية ظهر وجهها، وأصبح السؤال أي إسلام؟!.. الطيف السياسي الإسلامي أصبح منقسما ما بين حدين.. وهما حد أردوغان وحد طالبان وما بينهما وأصبح السؤال ماذا سيحدث من تعديل إسلامي في هذه البلدان، خصوصا أن الديمقراطية والحرية ستعطي وزنا لهذه الشعارات الإسلامية.. لهذا نحن نرتب في منتدى الوسطية الإسلامية العالمية لمؤتمر ينعقد الشهر المقبل في القاهرة، وهذا المؤتمر سندعو إليه كل ألوان الطيف السياسي الإسلامي للإجابة عن سؤالين هما: ماذا نعني بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، وما هي الدروس المستفادة من التجارب الإسلامية المعاصرة في الحكم؟.. وقد التقينا شيخ الأزهر وطلبنا منه مشاركة الأزهر في هذا المؤتمر لأن المطلوب الآن إجابة عن هذين السؤالين.
- اتفاقية السلام التي وقعت في يناير 2005 اتفاقيه معيبة، ومن عيوبها أنها تركت ثلاث مناطق غير مشمولة بالحل وهي منطقة أبيي ومنطقة جنوب كردفان ومنطقة النيل الأزرق، وفيما يتعلق بمنطقتي جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان كان النص أن تجرى لسكانهما «مشورة شعبية» والمشورة الشعبية نفسها تعني أن اتفاقية السلام بالنسبة لهم لا تنطبق.. لأن السؤال هو «هل تعتقدون أن اتفاقية السلام قد أنصفتكم.. نعم أم لا.. وما الذي ينصفكم».. وهذا معناه أن رأيهم في اتفاقية السلام أصبح معلقا.. ونحن عندما علقنا على اتفاقية السلام قلنا إن الاتفاقية تركت قنابل موقوتة.. وهذه القنابل المثارة الآن بالنسبة للمنطقتين.. الموقف بالنسبة لاتفاقية السلام ومن الدستور الذي تأسس على اتفاقية السلام كله معلق.
* وكيف سيتأثر شمال السودان بهذه القنابل الموقوتة؟
- للأسف، التأثير هو أن الحركة الشعبية لديها جناح مسلح اسمه الجيش الشعبي، والمنتمون للحركة الشعبية في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق هم شماليون ولكنهم منتمون للحركة الشعبية لتحرير السودان.. وهم أيضا أعضاء في الجيش الشعبي لتحرير السودان ولديهم نحو أربعة وأربعين ألف مجند.. وهم شماليون ولكن ضمن الإجراءات التنظيمية يتبعون للجيش الشعبي، وعندما تم انفصال الجنوب كان المفروض أن يجرى اتفاق أولا حول ماهية المشورة الشعبية ويحسم هذا الموضوع وهذا الاتفاق السياسي يحدد مصير قوات الجيش الشعبي الشمالية، ولكن هذه الإجراءات لم تتم.. والقيادة السودانية تلقائيا وجدت أنه بعد انفصال الجنوب يجب «تسريح» هذه القوات تلقائيا وكان يجب أن يكون هناك اتفاق سياسي يحدد مصير هؤلاء قبل انفصال الجنوب، لأن عدم تحديد هذه المسألة هو الذي أدى إلى الحرب.
* معنى كلامك أن الموضوع يتعدى مجرد الاشتباكات المسلحة ويصل إلى مرحلة الحرب النظامية؟
- نعم.. لأن الحرب الآن في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق قوامها معنى سياسي، وهو أننا نحن جماعة الحركة الشعبية في الشمال لم نتخذ الإجراء حول المشورة الشعبية، وكذلك فصيلنا المسلح لم يجر اتفاقا حول مصيره، ولذلك حدثت هذه المواجهة، والمواجهة في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق هي جزء لا يتجزأ من نواقص اتفاقية السلام التي نحن منذ البداية نقول إنها معيبة وبها ثغرات كثيرة، وقلت هذا الكلام في كتاب أصدرته عام 2005، وقلت إن هذه الثغرات تشكل قنابل زمنية، وهذا ما حدث.. والآن في رأينا هذه الحرب مسنودة بالحركة الشعبية، قطاع الشمال والقوات المسلحة التابعة للجيش الشعبي من الشماليين وهي تنذر بمخاطر كثيرة بما في ذلك أنها ستشكل خلافا أساسيا بين الحكومة السودانية في الشمال وحكومة جنوب السودان، لأن الحكومة الجنوبية وفي إعلان رسمي لرئيس جمهورية السودان الجنوبي سلفا كير قال إننا لا نستطيع أن نتخلى عن هؤلاء لأنهم قاتلوا معنا.
* وكيف يمكن الخروج من هذا الوضع؟
- لإنهاء الحرب.. لا بد من اتفاق سلام يحدد ماهية المشورة الشعبية ويحدد مصير القوات المسلحة التابعة للجيش الشعبي وإذا لم يحدث هذا فإن هذه المشكلة ستكون سببا في استمرار الحرب في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وستشكل أيضا سبب مواجهة محتملة بين السودان وجمهورية السودان الجنوبي.
* حسب تقديراتك فإن القنبلة الموقوتة الأخرى هي أبيي.. الرئيس عمر البشير أعلن أن أبيي شمالية فما هو رأيك؟
- هذا الموضوع أيضا خطير.. ومنذ البداية قلنا إنهم اتفقوا على أن أبيي منطقة مختلف على مصيرها، هل هي شمالية أم جنوبية، واتفق في اتفاقية السلام أن يجري استفتاء لأهل أبيي.. وأول خطأ ارتكب في هذا الموضوع هو أنه تم إسناد المسألة إلى لجنة تحكيم برئاسة محكم أميركي، ووقع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على وثيقة تتضمن قبولهم بما تقرره هذه اللجنة بشكل نهائي ولا يستأنف.. وجاءت اللجنة وقررت لصالح الحركة الشعبية، لكن «المؤتمر الوطني» رفض هذا القرار.. فتم الاتفاق على إجراء تحكيم ضمن إحدى آليات محكمة العدل الدولية، وأرسل الموضوع لهيئة التحكيم الدولية التي أصدرت قرارا قبله الطرفان ولكن القبائل العربية في المنطقة رفضته.. لأنه قسم المنطقة بصورة جعلتها في الغالب جنوبية.. المهم أن «المؤتمر الوطني» في البداية قبل هذا القرار وفي لجنة التحكيم كان هناك قاض عربي أردني وهو عون الخصاونة كتب في مذكرته، إن ما فعلناه كلجنة تحكيم كان خطأ وظلم القبائل العربية.. وهذا التبرير عزز من موقف القبائل العربية، ثم حدث بعد ذلك مواجهات تمخض عنها في نهاية الأمر أن تكون أبيي تحت قوة إثيوبية بعد أن كانت إدارتها تتبع رئاسة الجهورية.. والموقف في حد ذاته الآن خطير حتى مع وجود قوات إثيوبية تحفظ الأمن لأنه لا يوجد اتفاق سياسي يحدد رؤية شمالية ورؤية جنوبية فهذا يشكل جبهة مواجهة أخرى.. إذن نحن الآن لدينا ثلاث جبهات للقتال إما فعلية وإما محتملة.
* دعنا ننتقل إلى غرب السودان.. إلى دارفور، كيف سينعكس مقتل القذافي على المعادلة هناك والتركيبة المسلحة على الأرض والذي كان له تدخلاته بها مما دفع البشير أن أعلن مؤخرا أن السودان كان يدعم ثوار ليبيا، ويرد على تدخلات القذافي في دارفور وأن السودان رد للقذافي «الصاع صاعين»؟
- لا شك أن القذافي لعب دورا فيما كان يحدث في دارفور، لأنه كان يعتقد أن تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى ودارفور جزء من الفضاء الأمني القومي الليبي، ولهذا كانت عنده تدخلات فيما يحدث في دارفور، يحتضن فريقا ويخاصم فريقا ويتدخل.. وفى آخر مرحلة كان ضد عملية السلام التي تجرى في الدوحة، وكان يحتضن أحد فصائل دارفور في ليبيا. ولما قامت الثورة الليبية ضد القذافي كان الدكتور خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة ضيفا في ليبيا.. وفى اعتقادي أن الحكومة السودانية كانت غير راضية على هذا الوجود وطلبوا من العقيد القذافي أن يسلم لهم خليل إبراهيم وطبعا القذافي رفض، فعندما قامت الثورة الليبية اعتبر النظام السوداني أنه يجب أن يدعم الثوار وكما قال الرئيس البشير «رد الصاع صاعين» للقذافي ردا على احتضانه لخليل إبراهيم.. وكانوا يعتقدون أن الثوار الذين تعاونوا معهم سوف يسمحون لهم أن يعتقلوا خليل إبراهيم ولكن كان خليل إبراهيم قد خرج من طرابلس وعاد إلى دارفور.. ومما لا شك فيه أن حركه العدل والمساواة حظيت بدعم كبير من العقيد القذافي قبل أن ينتهي.
* أما وقد انتهى القذافي هل سيستقر الوضع في دارفور؟
- أبدا.. بل ستتعقد الأمور
* لماذا؟
- لأنه أصبح هناك في دارفور سلاح كثير جدا ومال كثير جدا، قدم عبر ليبيا.. ففي عهد القذافي صحيح كان هناك دعم لبعض حركات دارفور، أما الآن فهناك حالة من التسيب، ولذلك نحن نتوقع أن يكون جزء كبير جدا من السلاح في ليبيا دخل دارفور.
* خلال العقد الماضي كانت هناك سمة غالبة على السودان وهي أن أهل السلاح هم أصحاب النصيب في السلطة وأن الأحزاب الرئيسية مثل حزبكم «الأمة» أو الحزب الاتحادي أو حتى الأحزاب الاشتراكية والشيوعية القديمة قد ولى وقتها ولم يعد لها مكان.. فما هي قراءتك لهذا الوضع؟
- نعم.. لا شك أن الفترة الماضية شهدت ظهور قوى سياسية جديدة.. حركات مسلحة في شرق السودان وفي غرب السودان وفي وسط السودان، وهذه الحركات تمثل عنصرا جديدا في الجسم السياسي السوداني.. ولا شك في أن النظام الحاكم في السودان كان قد لعب دورا مهما في إضعاف الأحزاب السياسية غير المسلحة، بل في مرحلة ما كانوا يقولون نحن لا نفاوض إلا من كانوا مسلحين، وهذا أغرى عددا كبيرا من الشباب لأن يحملوا السلاح.. ولكن الأحزاب السياسية في السودان متجذرة، بمعنى أنه نعم نشأت قوى سياسية جديدة ونشأ شباب عنده اتجاهات جديدة، ونشأت أحزاب جديدة مثل أحزاب دارفور المسلحة، هذا صحيح.. ولكن لا شك أيضا أن أثر هذه الفترة على الأحزاب كان متفاوتا وفي اعتقادي أن حزب الأمة كان من أكثر الأحزاب صمودا، وكان دائما مبادرا داخليا وخارجيا وحاضرا وصاحب موقف في كافة القضايا.
* على ذكر المبادرات، ما هو المحتوى الذي تحمله مبادرتك حول دول «الربيع العربي»، والتي تم تسليمها للأمانة العامة للجامعة العربية بعد اعتصام أمام مقر الجامعة؟
- نحن نعتبر أنفسنا أصحاب تجربة ثورية.. نحن نستند إلى ميراث ثوري متمثل في الثورة المهدية، وأيضا هناك ميراث ثوري حديث.. يعني أنا الذي كتبت ميثاق ثورة أكتوبر (تشرين الأول) في عام 1964، وأنا الذي كتبت ميثاق ثورة أبريل (نيسان) عام 1985، ومن هذا المنطلق نعتبر أنفسنا سبقنا «الربيع العربي» بتجارب سودانية في نفس الخط.. وكنا كحزب وكنت أنا شخصيا متابعين للموقف السياسي في الدول العربية، ولذلك لما قامت الثورات كنا من أوائل الناس الذين رحبوا بها وأيدناها ودعمناها بفكرنا ورأينا، وكنا شاعرين بخوف على هذه الثورات، لأنه ليس لديها قيادة وليس لديها برنامج محدد، ولذلك فهي ممكن أن تحقق هدفها الأول وهو الإطاحة بالنظام أو برأس النظام ولكن ليس لديها تحضير للبديل.. فوجدنا أهمية عمل منبر يضم ممثلين للقوى الشبابية حتى يكون هناك تفاهم حول كيفية توثيق تعاون بينها، خصوصا أن هناك مهام مثل ما هو البديل في البلدان التي شهدت ثورات وما الذي يمكن عمله في الثورات التي ما زالت قائمة مثل سوريا واليمن.. ودعونا عددا كبيرا من ممثلي القوى الشبابية في دول «الربيع العربي» وطرحنا عليهم تكوين تجمع قوى «الربيع العربي»، ولكن رئي أن نعلن عن قيامها باعتصام أمام الجامعة العربية، وهناك لا بد من اتفاق سلام يحدد ماهية المشورة الشعبية ويحدد مصير القوات المسلحة التابعة للجيش الشعبي.
* قبل أيام حدث متغير في الخطاب الديني للأزهر الشريف وهو المرجعية الأكبر للسنة في العالم الإسلامي، عندما أعلن سقوط شرعية الحاكم الذي يستخدم العنف لمواجهة احتجاجات شعبه، فما هو رأيك وأيضا كيف تنظر للخطاب الديني المتفاوت في العالم العربي في مرحلة الثورات؟
- كلام شيخ الأزهر ممتاز ويجعل الأزهر يسترد دوره الإسلامي القيادي.. وما قاله كان كلاما من نور، وهو أن الحاكم الذي يستمر في الحكم بقتل المدنيين العزل من شعبه يفقد شرعيته، وأنا أؤيد هذه الفتوى بشدة وأعتقد كونها جاءت من شيخ الأزهر فإنها جاءت في وقتها، ووضعت الأزهر في مكانه المناسب في القيادة للرأي العام الإسلامي.. وفيما يخص الظاهرة الدينية كنت وما زلت أقول إن الشعار الإسلامي صار يتملك رأس المال الاجتماعي الأكبر في الشارع في البلدان الإسلامية لأسباب كثيرة.. منها أشواق للتاريخ الإسلامي المجيد، وكذلك لأن القوى الإسلامية صمدت في وجه الطغاة وصار عندها أقدام، وبالتالي صار عندها في نفوس الناس تقدير، وكذلك كثير من هذه القوى في فتره الأنظمة الديكتاتورية استطاعت أن تتخندق في مؤسسات دينية وتقدم خدمات اجتماعية.
* لكن هذه الثورات لم تقم بها قوى الإسلام السياسي والشباب هم أول من بادر بها وأقدم من أجل التغيير؟
- مع أن هذه الثورات لم تقم بها قوى إسلامية، وإنما قامت بها قوى جديدة تنشد الكرامة والحرية، ولم ترفع أي شعارات آيديولوجية، إلا أنه عندما جاءت الحرية عبر الشعب عن الأشواق الإسلامية لأن الأشواق الإسلامية موجودة ولكن القوانين القمعية كانت حاجزا في طريقها.. وبسبب ما عند هذه القوى من مكانة في الشارع السياسي عندما جاءت الحرية ظهر وجهها، وأصبح السؤال أي إسلام؟!.. الطيف السياسي الإسلامي أصبح منقسما ما بين حدين.. وهما حد أردوغان وحد طالبان وما بينهما وأصبح السؤال ماذا سيحدث من تعديل إسلامي في هذه البلدان، خصوصا أن الديمقراطية والحرية ستعطي وزنا لهذه الشعارات الإسلامية.. لهذا نحن نرتب في منتدى الوسطية الإسلامية العالمية لمؤتمر ينعقد الشهر المقبل في القاهرة، وهذا المؤتمر سندعو إليه كل ألوان الطيف السياسي الإسلامي للإجابة عن سؤالين هما: ماذا نعني بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، وما هي الدروس المستفادة من التجارب الإسلامية المعاصرة في الحكم؟.. وقد التقينا شيخ الأزهر وطلبنا منه مشاركة الأزهر في هذا المؤتمر لأن المطلوب الآن إجابة عن هذين السؤالين.
0 التعليقات :
إرسال تعليق