للمشاركة في انتخابات مختلفة عن سابقاتها
|
يتوجه اليوم أكثر من 13 مليون ناخب مغربي نحو مراكز الاقتراع للتصويت على ثلاث لوائح انتخابية، في انتخابات يراد لها ألا تكون مثل سابقاتها. وتجري الانتخابات في ظل تكهنات متضاربة، بسبب عدم وجود استطلاعات للرأي تبين التوجهات العامة للناخبين حيث يمنع القانون تنظيم هذه الاستطلاعات أثناء الحملة الانتخابية، ووسط مخاوف أن تكون نسبة الإقبال متدنية. وقالت وزارة الداخلية إن العدد الإجمالي للناخبين يبلغ 13 مليونا و626 ألفا و375 ناخبا، منهم 55 في المائة من الرجال و45 من النساء.
وتجري الانتخابات في ظل دستور جديد وافق عليه المغاربة بأغلبية كاسحة في يوليو (تموز) الماضي، منح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة وكذلك للبرلمان، في حين شدد الدستور على ضرورة أن تكون الانتخابات «نزيهة وشفافة»، إذ إن الانتخابات في المغرب ظلت تشوهها الاتهامات بالفساد والتلاعب في عمليات التصويت غير أن البلاد حريصة على تغيير هذا الانطباع هذه المرة. وعقد أمس «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» اجتماعا مع قادة الأحزاب السياسية، ليشرح لهم المنهجية التي سيستعملها المجلس في مراقبة الانتخابات. وقالت مصادر المجلس إن 16 منظمة مغربية وأجنبية اعتمدت لمراقبة الانتخابات، بغرض التأكد من النزاهة والشفافية.
وعلى الرغم من أن الحملة الانتخابية اتسمت بالفتور لأسباب متباينة، فإن عناصر التشويق في هذه الانتخابات متوفرة، إذ إن المغاربة لا يعرفون على وجه الدقة ما هو الحزب الذي سيحتل المرتبة الأولى، وهي المرتبة التي تعني تلقائيا أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، سيكلف أحد قادته بإجراء مشاورات لتشكيل الحكومة المقبلة، ونظرا لأن اكتساح حزب للانتخابات وحصوله على أغلبية نسبية مسألة مستبعدة تماما، فإن الحكومة المقبلة ستكون قطعا ائتلافية بين عدة أحزاب. وثمة تكهنات رائجة في المغرب حول الأحزاب التي يمكن أن تتنافس على الصدارة، وهي لا تتعدى ثلاثة أحزاب من بين 30 حزبا قدمت مرشحين في هذه الانتخابات التي استعملت فيها كثيرا كلمة «التغيير» في مناخات «الربيع العربي» حيث يعتقد المغاربة أن لهم طرائقهم الخاصة في «التغيير» وأن بلادهم بمنأى عن الاضطرابات التي تعم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وعلى الرغم من ترشيح نساء وشباب في الدوائر الجغرافية، فإن حظوظ هذه الشرائح للفوز في الانتخابات ليست مؤكدة، وبالتالي تقرر تخصيص لائحتين لهما من أجل ضمان تمثيلية ملائمة داخل مجلس النواب. والمشكلة التي ظلت تشكو منها معظم الأحزاب في الأيام الأخيرة لحملة انتخابية دامت 12 يوما، هي مسألة استعمال المال في شراء أصوات الناخبين. وكانت السلطات قد اعتقلت مرشحا في مدينة القنيطرة (شمال الرباط) وقالت إنه ضبط متلبسا وهو يوزع رشى على ناخبين. وأصدرت محكمة حكما عليه بسنتين سجنا، في بادرة غير مسبوقة. ولأن المرشح ينتمي إلى أحد الأحزاب الصغيرة فإن تداعيات الواقعة على الساحة السياسة، ووسط ضجيج الحملة الانتخابية، كانت محدودة. وتبادل مرشحون اتهامات علنية باستعمال ما يطلق عليه في المغرب «المال الحرام» لشراء أصوات الناخبين، لكن ليس إلى حد توجيه اتهامات لأشخاص بأسمائهم، إذ إن ترويج مثل هذه التهم علنا يضع صاحبها تحت طائلة القانون.
وتقول مصادر وثيقة الاطلاع حول مسألة استعمال «المال الحرام» بأن الانتخابات الحالية لم تعد تستعمل فيها الطرق القديمة، حيث كان بعض المرشحين يوزعون أموالا نقدية على الناخبين الذين يحضرون لهم من داخل مراكز الاقتراع، على أوراق المرشحين المنافسين، كوسيلة للتأكد أن الناخب وضع بطاقة المرشح المعني بالأمر داخل صندوق الاقتراع.
وتقول هذه المصادر إن الأساليب تغيرت تماما، وأصبحت هناك وسائل مبتكرة لشراء الأصوات، وعلى الرغم من صعوبة التعرف على هذه الطرق لكن يعتقد أنها في الغالب تعتمد على شراء الأصوات عبر وسطاء، بحيث يتفاوضون مع المرشحين حول إمكانية ضمان تصويت مجموعات صغيرة للمرشح، ويقدمون «تأكيدات» على ذلك. وتنتشر هذه الظاهرة في البوادي والأرياف والمدن الصغيرة، لكن الأمر يختلف في المدن الكبيرة حيث ترتفع نسبة الوعي.
وأكثر ما يميز الانتخابات الحالية، أن الوجوه السياسية تغيرت بنسبة تصل إلى 80 في المائة، كما أن نسبة التعليم أصبحت مرتفعة للغاية، وفي لوائح الشباب على سبيل المثال فإن عددا من الأحزاب رشحت لوائح جميع أعضائها تتكون كلها من خريجي جامعات، وهذا التحول سيجعل من البرلمان المقبل برلمانا لا علاقة له بالبرلمانات السابقة، وهو الأمر الذي تأمله الطبقة السياسية في البلاد. وعلى الرغم من أن معظم القضايا التي شكلت محور حملات الأحزاب والمرشحين، تكاد تكون متشابهة ومتطابقة، وهي لا تخرج عن «رباعي الخدمات» التي يأمل فيه المغاربة، وهو العمل والسكن والتعليم والصحة، لكن هذا لم يمنع بعض الأحزاب من طرح بعض الأفكار الجريئة أو الطريفة، مثل تحديد تعويض مستمر للعاطلين، والمساعدة في توفير التأشيرات للراغبين في السفر إلى الخارج، ومحو أمية المغاربة جميعا خلال خمس سنوات.
وكان من بين الظواهر اللافتة، أن الحملة الانتخابية تفاوتت حدتها من منطقة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى، وفي هذا الصدد تشير المؤشرات التي توفرت حتى أمس، إلى أن أكثر المدن التي عرفت معركة انتخابية وحملات تبين أن التنافس كان ملتهبا، هي مدينة فاس، في وسط البلاد، التي ترشح فيها وزيران وشخصيات أخرى مثيرة للجدل، في حين أن مدينة مثل طنجة التي عادة ما كان تؤجج فيها الصراعات المحلية من الحملة الانتخابية، مرت فيها الحملة هادئة وفاترة، وإلى حد كبير ينطبق الأمر على مدينة مراكش عاصمة المغرب السياحية، وحتى الدار البيضاء التي توجد بها أكثر الدوائر كثافة من حيث عدد الناخبين، لم تعرف حملة انتخابية على غرار ما كان يحدث في الانتخابات السابقة.
واستعملت في هذه الحملة الانتخابية جميع وسائل التواصل مع الناخبين، سواء عن طريق التجمعات الانتخابية، أو إغراق الأحياء والشوارع بالمنشورات الانتخابية، أو عبر وسائل الإعلام الرسمية التي خصصت فترات زمنية متفاوتة، وفي كثير من الأحيان الاتصال المباشر مع الناس في منازلهم أو في الأسواق، بناء على اعتبارات لها علاقة بحجم الأحزاب، حيث خاطب المرشحون الناخبين، إضافة إلى استعمال الإنترنت على نطاق واسع، وكذلك الاستفادة من سهولة التواصل عبر الهواتف الجوالة في بلد بلغ فيه عدد هذه الهواتف 36 مليون هاتف، واستعمل عدد كبير من المرشحين الرسائل النصية عبر الهواتف الجوالة لحث الناخبين على التصويت لرموزهم الانتخابية.
إضافة إلى كل ذلك استعملت الجدران في جميع شوارع المدن من أجل لصق منشورات الأحزاب، في أمكنة خصصتها السلطات المحلية لكل حزب على حدة.
واللافت أن جميع الأحزاب تعتقد، أن إقبالا كثيفا على صناديق الاقتراع اليوم، كفيل بأن يعزز حظوظها، وفي الوقت نفسه تبذل السلطات جهودا كبيرة من أجل أن تتعدى نسبة المشاركة 50 في المائة على الأقل.
والمؤكد أن كثيرين من المغاربة الذين يتوقون للفكاك من أسر الفقر والجريمة والفساد وضعوا ثقتهم إلى حد ما في نتائج هذه الانتخابات، خاصة أن البلاد تواجه في نفس الوقت مجموعة من المشكلات العويصة، كما أنها، على الرغم من الجهود التي بذلت وأجواء الانفتاح لم تشهد سوى بعض التحسن الاجتماعي ونشر وترسيخ الديمقراطية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق