انهم يدعمون الديكتاتوريات العربية.. احتقان في الخليج
أ.د. علي الهيل
مع أن مفهوم الاستنساخ من منظور علمي هو مفهوم بيولوجي فيزيوكيميائي غير أنه يمكن أن يُستخدم كمفهوم بيولوجي/ سياسي، يمتزج في كثير من الأحيان بالمفهوم الجيوسياسي. لأنه في الحالتين غالباً ما يكون الإنسان مصدرَهُ ومرفَدَهُ. فقد كان إقدام الشهيد - بإذن الله - محمد البوعزيزي على حرق نفسه احتجاجا إنسانيا، ورسالة سياسية، وشكلا من أشكال التعبير عن الذات الفردية والجماعية، ومثَّل عينة أو أُنموذجاً للجوعى وصرخة نارية لجائع في وجه الظلم أ.د. علي الهيل
مع أن مفهوم الاستنساخ من منظور علمي هو مفهوم بيولوجي فيزيوكيميائي غير أنه يمكن أن يُستخدم كمفهوم بيولوجي/ سياسي، يمتزج في كثير من الأحيان بالمفهوم الجيوسياسي. لأنه في الحالتين غالباً ما يكون الإنسان مصدرَهُ ومرفَدَهُ. فقد كان إقدام الشهيد - بإذن الله - محمد البوعزيزي على حرق نفسه احتجاجا إنسانيا، ورسالة سياسية، وشكلا من أشكال التعبير عن الذات الفردية والجماعية، ومثَّل عينة أو أُنموذجاً للجوعى وصرخة نارية لجائع في وجه الظلم السياسي والبطر بالنعمة والتخمة، فاتحة لمواطنين آخرين في العالم العربي للإقدام على الفعل نفسه. حدث في مصر بأيام قليلة قبل اندلاع الثورة فيها، حيث أحرق أربعة من المصريين أنفسهم للأسباب نفسها التي أحرق البوعزيزي نفسه، وفي الجزائر ثلاث حالات، وفي السودان حالتان، وفي جازان السعودية أحرق سعودي نفسه، وفي موريتانيا حدثت حالتان. أليست هذه الحالات ذات الفعل الجمعي الناتج عن شعور جمعي بالقهر تستحق من التحليل السيكو سوسيولوجي أن يُعنى بالبحث فيها ودراستها؟
إذن يمكن القول، إن أولئك المواطنين العرب استنسخوا فعل البوعزيزي، الذي ربما جعلهم يتساءلون لماذا يقدِم شاب جامعي (لم يحصل على فرصة عمل شريف، لأن سياسات الحكومة التوظيفية الفاشلة لم توجِد له فرصة عمل) على حرق نفسه؟ ولعلهم وهم يحاولون التجاوب مع تساؤلهم، عثروا على الجواب الصادم قبالة أعينهم، حيث وجدوا أنفسهم في البيئة نفسها والظروف السوسيو اقتصادية عينها. ولمَّا كان فعل البوعزيزي في ضوء ما تقدم قابلا للاستنساخ، هو الذي أشعل نار الثورة الشعبية التونسية، التي قامت نتيجة لإحساس جمعي بضرورة التغيير، الذي أدى إلى استيلاد إرادة جمعية ويد الله مع الجماعة، وقديما قالوا يدٌ واحدةٌ لا تصفق، فليست مصادفة بالتالي أن الثورة المصرية تفجرت أسبوعا تقريبا بعد انتصار الثورة التونسية في خلع زين العابدين بن علي.
إنه فعل إستنساخي واضح، في ضوء الملاحظات التالية:
أولها التتابع المثير في ثورتي تونس ومصر، وما تلتمها من ثورات أو لنقل إرهاصات أو مشاريع ثورية في بلاد عربية أخرى، كليبيا والبحرين واليمن والجزائر والعراق، وثمة مؤشرات الى أن المغرب والسعودية مرشحان لتوافر البيئة بالاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهو احتقان لم يعد فرديا، بل هو احتقان جماعي جمعي، تكاد تَنْبَعِجُ بسببه هذه البيئة العربية، إضافةً إلى الشروط الموضوعية (أي خارج الذات وتحولها إلى جماعية جمعية) المشار إليها لثورة شعبية والمسلسل يبدو أنه مرشح للاستمرار، ومرجَّحٌ للتصعيد. وثانيها الطابع الشعبي المحض في الأغلب الأعم الذي ميزها، وثالث هذه الملاحظات تشابه العوامل السوسيو اقتصادية والسوسيو تاريخية (أهمها التاريخ المشترك والعداء لإسرائيل والغرب، إضافة إلى اللغة والدين) التي تلعب الدور المحفز - إلى حد ما - بين المواطنين العرب، ومنها: النسب العالية للبطالة، ووجود شرائح كبيرة بين العاطلين عن العمل من ذوي الدرجات الجامعية العليا، وأكثر من نصف السكان أو في الحد الأدنى ما هو أقل من النصف يقعون تحت خط الفقر، أي أنهم كانوا فقراء (ستة دولارات في اليوم) ثم أصبحوا اكثر فقراً (أي العيش على دولارين في اليوم).
وفي المقابل تكومت الثروة في يد الحاكم وأسرته وبطانته وزبانيته والمقربين منه او من حاشيته، نتيجة لطول مدة الحكم التي تجاوزت مثلاً العقدين (تونس) والعقود الثلاثة (مصر) و(اليمن) وفي حالة البحرين والسعودية أكثر من سبعة عقود والمغرب أكثر من خمسة عقود وليبيا أكثر من أربعة عقود، مما أدى إلى انتشار الفوضى الأخلاقية وأساليب التكسب المكيافيلية، وهي الإثراء السريع والفاحش في كثير من الحالات العربية، من خلال امتطاء وركوب وسائل غير مشروعة، وتفشي الرشوة وكل ما يطرأ على البال من صور الفساد الإداري والمالي.
ولا ينبغي لنا أن نُغفل هيمنة البطانة (وهذه ملاحظة لافتة بصورة واضحة في دول الخليج العربي) وعزلها للحاكم عن الناس وتغييبها لهم واستئثار القلة من أفراد البطانة بالثروة والسلطة، وهذه في دول الخليج العربية حديث المجالس بدرجات متفاوتة، وطبعا وقطعا الارتهان للأجنبي، الذي له اليد الطولى ونصيب الأسد من خيرات الدول العربية، والذي يسند ويدعم حكامها الديكتاتوريين العرب، غير مبالين بالملايين تحت خط الفقر مع علمهم بالإثراء غير المشروع للديكتاتوريين وأسرهم وأفراد بطانتهم، وغير مبالين بحقوق الإنسان في هذه الدول، طالما أن الديكتاتوريين العرب يضمنون أمن إسرائيل وكيلة الغرب الأثيرة في العالم العربي، وهذا أيضا واضح في دول الخليج العربية وبدرجات متفاوتة أيضاً.
وإلى جانب ذلك كله يشعر العرب الخليجيون بشكل خاص بأن حكوماتهم ـ بنسب متفاوتة ـ تفضل الأجانب عليهم، إذ يتم تجاهل أبناء الخليج المتخصصين والمؤهلين علميا وعمليا، والذين في مستوى الأجانب من حيث التخصصات والخبرات والمؤهلات. فأبناء الأجانب لهم خيارات في التعليم، والدولة تدفع مصاريفهم، ومسموح لهم إلى ستة أطفال، وثمة استثناءات لمن عنده أكبر من هذا العدد، بينما أبناء الخليجيين ليس لهم من خيار سوى المدارس الحكومية الهزيلة، وللأجانب تأمين صحي يمكنهم من العلاج في مستشفيات 'الفايف ستارز'، والمواطنون ليس أمامهم سوى المستشفى الحكومي ذي الطوابير الطويلة والمزدحم بالعمال غير المهرة، وحتى بالنسبة لبعض الأجانب يتم استثناؤهم، فتستضيف الدولة كلابهم وقططهم وغيرها من الحيوانات المنزلية في فنادق خاصة على حسابها في حالة سفرهم في إجازة، وتُطببُ حيواناتهم في مستشفيات خاصة على حساب الدولة، والأجانب يسافرون كل عام على 'الفيرست كلاس' هم وأسرهم ولا يهم عدد الأفراد، بينما الخليجيون (باستثناء بعض العسكريين الخليجيين) يسافرون على حسابهم الخاص على 'الإيكونومي'. مع أن الحاجة مشتركة بين الخليجيين والأجانب فكلٌ محتاج إلى الآخر، غير أن كثيراً من الأجانب طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ولم تعد لأبناء البلاد أي خصوصية في بلادهم بدرجات متفاوتة.
إن كل ذلك يفاقم من درجة الاحتقان الشعبي ويؤجج المشاعر الوطنية وقد شاهدنا ذلك في السعودية والبحرين وعمان والكويت والحبل على الجرار.
' كاتب قطري
إذن يمكن القول، إن أولئك المواطنين العرب استنسخوا فعل البوعزيزي، الذي ربما جعلهم يتساءلون لماذا يقدِم شاب جامعي (لم يحصل على فرصة عمل شريف، لأن سياسات الحكومة التوظيفية الفاشلة لم توجِد له فرصة عمل) على حرق نفسه؟ ولعلهم وهم يحاولون التجاوب مع تساؤلهم، عثروا على الجواب الصادم قبالة أعينهم، حيث وجدوا أنفسهم في البيئة نفسها والظروف السوسيو اقتصادية عينها. ولمَّا كان فعل البوعزيزي في ضوء ما تقدم قابلا للاستنساخ، هو الذي أشعل نار الثورة الشعبية التونسية، التي قامت نتيجة لإحساس جمعي بضرورة التغيير، الذي أدى إلى استيلاد إرادة جمعية ويد الله مع الجماعة، وقديما قالوا يدٌ واحدةٌ لا تصفق، فليست مصادفة بالتالي أن الثورة المصرية تفجرت أسبوعا تقريبا بعد انتصار الثورة التونسية في خلع زين العابدين بن علي.
إنه فعل إستنساخي واضح، في ضوء الملاحظات التالية:
أولها التتابع المثير في ثورتي تونس ومصر، وما تلتمها من ثورات أو لنقل إرهاصات أو مشاريع ثورية في بلاد عربية أخرى، كليبيا والبحرين واليمن والجزائر والعراق، وثمة مؤشرات الى أن المغرب والسعودية مرشحان لتوافر البيئة بالاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهو احتقان لم يعد فرديا، بل هو احتقان جماعي جمعي، تكاد تَنْبَعِجُ بسببه هذه البيئة العربية، إضافةً إلى الشروط الموضوعية (أي خارج الذات وتحولها إلى جماعية جمعية) المشار إليها لثورة شعبية والمسلسل يبدو أنه مرشح للاستمرار، ومرجَّحٌ للتصعيد. وثانيها الطابع الشعبي المحض في الأغلب الأعم الذي ميزها، وثالث هذه الملاحظات تشابه العوامل السوسيو اقتصادية والسوسيو تاريخية (أهمها التاريخ المشترك والعداء لإسرائيل والغرب، إضافة إلى اللغة والدين) التي تلعب الدور المحفز - إلى حد ما - بين المواطنين العرب، ومنها: النسب العالية للبطالة، ووجود شرائح كبيرة بين العاطلين عن العمل من ذوي الدرجات الجامعية العليا، وأكثر من نصف السكان أو في الحد الأدنى ما هو أقل من النصف يقعون تحت خط الفقر، أي أنهم كانوا فقراء (ستة دولارات في اليوم) ثم أصبحوا اكثر فقراً (أي العيش على دولارين في اليوم).
وفي المقابل تكومت الثروة في يد الحاكم وأسرته وبطانته وزبانيته والمقربين منه او من حاشيته، نتيجة لطول مدة الحكم التي تجاوزت مثلاً العقدين (تونس) والعقود الثلاثة (مصر) و(اليمن) وفي حالة البحرين والسعودية أكثر من سبعة عقود والمغرب أكثر من خمسة عقود وليبيا أكثر من أربعة عقود، مما أدى إلى انتشار الفوضى الأخلاقية وأساليب التكسب المكيافيلية، وهي الإثراء السريع والفاحش في كثير من الحالات العربية، من خلال امتطاء وركوب وسائل غير مشروعة، وتفشي الرشوة وكل ما يطرأ على البال من صور الفساد الإداري والمالي.
ولا ينبغي لنا أن نُغفل هيمنة البطانة (وهذه ملاحظة لافتة بصورة واضحة في دول الخليج العربي) وعزلها للحاكم عن الناس وتغييبها لهم واستئثار القلة من أفراد البطانة بالثروة والسلطة، وهذه في دول الخليج العربية حديث المجالس بدرجات متفاوتة، وطبعا وقطعا الارتهان للأجنبي، الذي له اليد الطولى ونصيب الأسد من خيرات الدول العربية، والذي يسند ويدعم حكامها الديكتاتوريين العرب، غير مبالين بالملايين تحت خط الفقر مع علمهم بالإثراء غير المشروع للديكتاتوريين وأسرهم وأفراد بطانتهم، وغير مبالين بحقوق الإنسان في هذه الدول، طالما أن الديكتاتوريين العرب يضمنون أمن إسرائيل وكيلة الغرب الأثيرة في العالم العربي، وهذا أيضا واضح في دول الخليج العربية وبدرجات متفاوتة أيضاً.
وإلى جانب ذلك كله يشعر العرب الخليجيون بشكل خاص بأن حكوماتهم ـ بنسب متفاوتة ـ تفضل الأجانب عليهم، إذ يتم تجاهل أبناء الخليج المتخصصين والمؤهلين علميا وعمليا، والذين في مستوى الأجانب من حيث التخصصات والخبرات والمؤهلات. فأبناء الأجانب لهم خيارات في التعليم، والدولة تدفع مصاريفهم، ومسموح لهم إلى ستة أطفال، وثمة استثناءات لمن عنده أكبر من هذا العدد، بينما أبناء الخليجيين ليس لهم من خيار سوى المدارس الحكومية الهزيلة، وللأجانب تأمين صحي يمكنهم من العلاج في مستشفيات 'الفايف ستارز'، والمواطنون ليس أمامهم سوى المستشفى الحكومي ذي الطوابير الطويلة والمزدحم بالعمال غير المهرة، وحتى بالنسبة لبعض الأجانب يتم استثناؤهم، فتستضيف الدولة كلابهم وقططهم وغيرها من الحيوانات المنزلية في فنادق خاصة على حسابها في حالة سفرهم في إجازة، وتُطببُ حيواناتهم في مستشفيات خاصة على حساب الدولة، والأجانب يسافرون كل عام على 'الفيرست كلاس' هم وأسرهم ولا يهم عدد الأفراد، بينما الخليجيون (باستثناء بعض العسكريين الخليجيين) يسافرون على حسابهم الخاص على 'الإيكونومي'. مع أن الحاجة مشتركة بين الخليجيين والأجانب فكلٌ محتاج إلى الآخر، غير أن كثيراً من الأجانب طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ولم تعد لأبناء البلاد أي خصوصية في بلادهم بدرجات متفاوتة.
إن كل ذلك يفاقم من درجة الاحتقان الشعبي ويؤجج المشاعر الوطنية وقد شاهدنا ذلك في السعودية والبحرين وعمان والكويت والحبل على الجرار.
' كاتب قطري
0 التعليقات :
إرسال تعليق