المخ.. والتفكير الإبداعي
الإبداع جانب مهم من الإدراك
كمبريدج (ولاية ماساتشوستس الأميركية): «الشرق الأوسط»* * هل يمكن أن تكون سعيدا ومبدعا؟ الجواب: نعم. إلا أن الرضا هو عدو الإبداع، فالعقل المبدع هو عقل جائع، وعقل عطش، وليس عقلا شبعا.. إنه يريد أكثر فأكثر، وهو لا يشابه العقل الجالس أمام المدفأة ممسكا بكوب من الشاي.
شيلي كارسون باحثة في علم النفس في جامعة هارفارد ألفت كتابها الموسوم «عقلك المبدع» Your Creative Brain الذي يتحدث عن الجوانب السيكولوجية (النفسية) وجوانب علوم الأعصاب، المرتبطة بالإبداع، كما يتحدث عن الخطوات التي يمكن للإنسان اتخاذها لكي يصبح أكثر إبداعا. وقد نشر الكتاب مع «دار النشر الصحي في هارفارد». وفي ما يلي نص المقابلة أجريت مع الباحثة كارسون.
خصائص الإبداع
* ما هو الإبداع، بالضبط؟
- إن التعريف المقبول له في هذا المجال، هو أنه ولكي يصبح شيء ما إبداعا فإن عليه أن يكون جديدا أو أصيلا، وكذلك أن يكون مفيدا أو متكيفا مع مجموعة من السكان.
* أي أنه ولكي يكون الشيء إبداعا، هل عليه أن يكون مفيدا؟
- هذا الجانب من التعريف يساعدنا على التمييز بين الأصالة وبين الإبداع. والكثير من الأشياء الأصيلة لا تكون إبداعية على وجه الخصوص، فالخطاب المكون من «سلطة من الكلمات» لشخص ما مصاب بالشيزوفرينيا (انفصام الشخصية) يمكن أن يكون عالي الأصالة، إلا أنه لا يبدو أنه يحمل أية فائدة، حتى للشخص الذي يتلفظ به بنفسه.
* أليس من المدهش فعلا أن يكون الإبداع موضع دراسة؟
- عام 1950 ناشد الباحث النفسي الأميركي جيه. بي. غيلفورد العلماء بقوله: «رجاء، تعالوا نبدأ بدراسة الإبداع». وهناك اليوم عدة مجلات مخصصة للإبداع. ومع بداية سنوات القرن الحالي أخذ علماء الأعصاب بالاهتمام بهذا الموضوع. أعتقد أن الإبداع جانب مهم من الإدراك مثله مثل الذاكرة، الانتباه، أو الإدراك الحسي. ولكني وعندما اقترحت لأول مرة تدريس مادة حول الإبداع جوبهت بالرفض، فقد اعتبر ذلك مجالا «ضبابيا».
* في أي موقع من الدماغ يظهر الإبداع؟
- كان النموذج القديم ينص على أن الجانب الأيسر من الدماغ مخصص للتفكير التحليلي والمتسلل المتعاقب analytical and sequential thinking، فيما يخصص النصف الأيمن من الدماغ للتفكير الكلي holistic thinking.
ثم جاء التوجه نحو تقسيم الدماغ إلى جانبين أمامي - خلفي، مع قيام القسم الأمامي بدور حامي البوابة والتحكم بعمليات الإدخال نحو القسم الخلفي. إلا أننا نعتبر الآن أن الأمر أكثر تعقيدا من هذه التقسيمات في النموذجين، وأن نموذج الدماغ يعتمد على المدى الذي وصل إليه إبداع الإنسان.
الإبداع والذكاء والسعادة
* ما هي العلاقة بين الإبداع والذكاء؟
- إن وجود كمية معينة من الذكاء مهم - لكنه ليس كاف - للإبداع. وفي العادة فإن عتبة الذكاء تبدأ من «معامل الذكاء» IQ الذي يبلغ 120. إلا أن الأمور تعتمد على نوعية المجالات الإبداعية، فالأشخاص العاملون في مجال الفنون التشكيلية لديهم عتبة أقل من الذكاء اللازم للإبداع. أما إن كنت تعمل في مجال الفيزياء النظرية فعليك أن تتمتع بعتبة أعلى من «معامل الذكاء» قبل أن تقوم بعمل إبداعي في ذلك المجال.
* هل يمكن أن تكون سعيدا ومبدعا؟
- سعيد ومبدع؟ الجواب: نعم. إلا أن الرضا هو عدو الإبداع، فالعقل المبدع هو عقل جائع، وعقل عطش، وليس عقلا شبعا، إنه يريد أكثر فأكثر، وهو لا يشابه العقل الجالس أمام المدفأة ويمسك بكوب من الشاي.
* هل يؤثر الإبداع مباشرة على العقل؟
- لعلك قد سمعت بـ«الانجراف»؟ حين لا يكون الأشخاص واعين بأنفسهم، ويفقدون الإحساس بالزمن، وينغمسون بكل حواسهم في عملهم. وعندما يكون الأشخاص في هذا الوضع فإنهم يواجهون التحديات أثناء عملية إبداعهم، وكلما نجحوا في ذلك ينشط مركز المكافآت في الدماغ ليحصلوا على دفعة من «دوبامين» dopamine. وفي بعض الأحيان فإنهم لا يحسون بأنهم سعداء، إلا أن مركز المكافآت والدوبامين يؤثران عليهم ويدفعانهم إلى الأمام في تنفيذ عملهم.
* هل هناك أناس مبدعون أكثر من غيرهم؟
- إني لا أقول هنا إنه لا يوجد استعداد جيني لكي يصبح الإنسان مبدعا. فإننا نعلم أن هناك بعض الخصائص الجينية المرتبطة بالبحث عن الجدة - أي عن كل ما هو جديد - مثلا. والبحث عن الجدة هو إحدى خصائص الإبداع. وقد أشارت الأبحاث على السلوك المعرفي إلى أن بالإمكان تغيير وضعيات تنشيط الدماغ، وتغيير مستويات الناقلات العصبية وكذلك مستقبلات تلك الناقلات. ويكمن لب موضوع الكتاب الذي ألفته في أننا إذا كنا نمتلك القدرة على تغيير أدمغتنا بوسيلة العلاج السلوكي المعرفي cognitive behavior therapy، لماذا إذن لا يصبح بمقدورنا توظيف هذه القدرة بهدف تحويلنا إلى باحثين أكثر عن الجديد أي تحويلنا إلى مبدعين؟
الإعلام يدمر الإبداع
* هل تعتقدين أن وسائل الإعلام الحالية الموجهة لنا، تدمر الإبداع؟
- الأمر الجيد هو انتشار معلومات كثيرة حولنا. ويحتاج الإبداع إلى استقاء نتف من المعلومات سواء كانت في الخارج، أي من الوسط المحيط، أو مختزنة داخل الدماغ، وتوليف تلك المعلومات وتركيبها بوسائل جديدة وأصيلة.
أما الجوانب السيئة في ما يخص وسائل الإعلام الموجهة إلينا فإنها تكمن في أننا لا نملك الوقت الكافي لهضم معلوماتها، وتركيبها. فهذه العمليات تتطلب التفكير، والانفصال. ولا يمكن للإنسان فعل ذلك وهو مندمج ومتواصل دوما مع الآخرين عبر الرسائل النصية ومراسلات «تويتر».
* هل الإبداع مفيد للصحة؟
- هناك بعض الأدبيات التي تفترض أن الإبداع يقلل التوتر. ويرتبط التوتر مع حدوث مشكلات في القلب ومشكلات صحية أخرى. إلا أنه لم تنفذ أية دراسة حتى الآن بهدف إظهار وجود ترابط مباشر بين الإبداع والصحة. ومع هذا فقد كانت هناك دراسة أظهرت أن النشاط الإبداعي لدى المسنين يرتبط بخفض الإصابة بالعته، وبزيادة طول أعمارهم.
* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا»
شيلي كارسون باحثة في علم النفس في جامعة هارفارد ألفت كتابها الموسوم «عقلك المبدع» Your Creative Brain الذي يتحدث عن الجوانب السيكولوجية (النفسية) وجوانب علوم الأعصاب، المرتبطة بالإبداع، كما يتحدث عن الخطوات التي يمكن للإنسان اتخاذها لكي يصبح أكثر إبداعا. وقد نشر الكتاب مع «دار النشر الصحي في هارفارد». وفي ما يلي نص المقابلة أجريت مع الباحثة كارسون.
خصائص الإبداع
* ما هو الإبداع، بالضبط؟
- إن التعريف المقبول له في هذا المجال، هو أنه ولكي يصبح شيء ما إبداعا فإن عليه أن يكون جديدا أو أصيلا، وكذلك أن يكون مفيدا أو متكيفا مع مجموعة من السكان.
* أي أنه ولكي يكون الشيء إبداعا، هل عليه أن يكون مفيدا؟
- هذا الجانب من التعريف يساعدنا على التمييز بين الأصالة وبين الإبداع. والكثير من الأشياء الأصيلة لا تكون إبداعية على وجه الخصوص، فالخطاب المكون من «سلطة من الكلمات» لشخص ما مصاب بالشيزوفرينيا (انفصام الشخصية) يمكن أن يكون عالي الأصالة، إلا أنه لا يبدو أنه يحمل أية فائدة، حتى للشخص الذي يتلفظ به بنفسه.
* أليس من المدهش فعلا أن يكون الإبداع موضع دراسة؟
- عام 1950 ناشد الباحث النفسي الأميركي جيه. بي. غيلفورد العلماء بقوله: «رجاء، تعالوا نبدأ بدراسة الإبداع». وهناك اليوم عدة مجلات مخصصة للإبداع. ومع بداية سنوات القرن الحالي أخذ علماء الأعصاب بالاهتمام بهذا الموضوع. أعتقد أن الإبداع جانب مهم من الإدراك مثله مثل الذاكرة، الانتباه، أو الإدراك الحسي. ولكني وعندما اقترحت لأول مرة تدريس مادة حول الإبداع جوبهت بالرفض، فقد اعتبر ذلك مجالا «ضبابيا».
* في أي موقع من الدماغ يظهر الإبداع؟
- كان النموذج القديم ينص على أن الجانب الأيسر من الدماغ مخصص للتفكير التحليلي والمتسلل المتعاقب analytical and sequential thinking، فيما يخصص النصف الأيمن من الدماغ للتفكير الكلي holistic thinking.
ثم جاء التوجه نحو تقسيم الدماغ إلى جانبين أمامي - خلفي، مع قيام القسم الأمامي بدور حامي البوابة والتحكم بعمليات الإدخال نحو القسم الخلفي. إلا أننا نعتبر الآن أن الأمر أكثر تعقيدا من هذه التقسيمات في النموذجين، وأن نموذج الدماغ يعتمد على المدى الذي وصل إليه إبداع الإنسان.
الإبداع والذكاء والسعادة
* ما هي العلاقة بين الإبداع والذكاء؟
- إن وجود كمية معينة من الذكاء مهم - لكنه ليس كاف - للإبداع. وفي العادة فإن عتبة الذكاء تبدأ من «معامل الذكاء» IQ الذي يبلغ 120. إلا أن الأمور تعتمد على نوعية المجالات الإبداعية، فالأشخاص العاملون في مجال الفنون التشكيلية لديهم عتبة أقل من الذكاء اللازم للإبداع. أما إن كنت تعمل في مجال الفيزياء النظرية فعليك أن تتمتع بعتبة أعلى من «معامل الذكاء» قبل أن تقوم بعمل إبداعي في ذلك المجال.
* هل يمكن أن تكون سعيدا ومبدعا؟
- سعيد ومبدع؟ الجواب: نعم. إلا أن الرضا هو عدو الإبداع، فالعقل المبدع هو عقل جائع، وعقل عطش، وليس عقلا شبعا، إنه يريد أكثر فأكثر، وهو لا يشابه العقل الجالس أمام المدفأة ويمسك بكوب من الشاي.
* هل يؤثر الإبداع مباشرة على العقل؟
- لعلك قد سمعت بـ«الانجراف»؟ حين لا يكون الأشخاص واعين بأنفسهم، ويفقدون الإحساس بالزمن، وينغمسون بكل حواسهم في عملهم. وعندما يكون الأشخاص في هذا الوضع فإنهم يواجهون التحديات أثناء عملية إبداعهم، وكلما نجحوا في ذلك ينشط مركز المكافآت في الدماغ ليحصلوا على دفعة من «دوبامين» dopamine. وفي بعض الأحيان فإنهم لا يحسون بأنهم سعداء، إلا أن مركز المكافآت والدوبامين يؤثران عليهم ويدفعانهم إلى الأمام في تنفيذ عملهم.
* هل هناك أناس مبدعون أكثر من غيرهم؟
- إني لا أقول هنا إنه لا يوجد استعداد جيني لكي يصبح الإنسان مبدعا. فإننا نعلم أن هناك بعض الخصائص الجينية المرتبطة بالبحث عن الجدة - أي عن كل ما هو جديد - مثلا. والبحث عن الجدة هو إحدى خصائص الإبداع. وقد أشارت الأبحاث على السلوك المعرفي إلى أن بالإمكان تغيير وضعيات تنشيط الدماغ، وتغيير مستويات الناقلات العصبية وكذلك مستقبلات تلك الناقلات. ويكمن لب موضوع الكتاب الذي ألفته في أننا إذا كنا نمتلك القدرة على تغيير أدمغتنا بوسيلة العلاج السلوكي المعرفي cognitive behavior therapy، لماذا إذن لا يصبح بمقدورنا توظيف هذه القدرة بهدف تحويلنا إلى باحثين أكثر عن الجديد أي تحويلنا إلى مبدعين؟
الإعلام يدمر الإبداع
* هل تعتقدين أن وسائل الإعلام الحالية الموجهة لنا، تدمر الإبداع؟
- الأمر الجيد هو انتشار معلومات كثيرة حولنا. ويحتاج الإبداع إلى استقاء نتف من المعلومات سواء كانت في الخارج، أي من الوسط المحيط، أو مختزنة داخل الدماغ، وتوليف تلك المعلومات وتركيبها بوسائل جديدة وأصيلة.
أما الجوانب السيئة في ما يخص وسائل الإعلام الموجهة إلينا فإنها تكمن في أننا لا نملك الوقت الكافي لهضم معلوماتها، وتركيبها. فهذه العمليات تتطلب التفكير، والانفصال. ولا يمكن للإنسان فعل ذلك وهو مندمج ومتواصل دوما مع الآخرين عبر الرسائل النصية ومراسلات «تويتر».
* هل الإبداع مفيد للصحة؟
- هناك بعض الأدبيات التي تفترض أن الإبداع يقلل التوتر. ويرتبط التوتر مع حدوث مشكلات في القلب ومشكلات صحية أخرى. إلا أنه لم تنفذ أية دراسة حتى الآن بهدف إظهار وجود ترابط مباشر بين الإبداع والصحة. ومع هذا فقد كانت هناك دراسة أظهرت أن النشاط الإبداعي لدى المسنين يرتبط بخفض الإصابة بالعته، وبزيادة طول أعمارهم.
* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا»
0 التعليقات :
إرسال تعليق