تضارب الأنباء عن الهجوم الانتحاري على باب العزيزية.. واستهداف مطار القرضابية في سرت ومعارك طاحنة حول أجدابيا ومصراتة
|
تضاربت الأنباء، أمس، حول حقيقة الهجوم الانتحاري على باب العزيزية، واستهداف مطار القرضابية في سرت من جانب الثوار، بينما قالت قيادات في ثورة 17 فبراير (شباط) المناوئة لحكم العقيد الليبي معمر القذافي، إن طيارين بطائراتهم من قوات النظام الليبي انضموا للثوار ووجهوا ضربات جوية للكتائب الأمنية التي كانت تقترب من بنغازي. وبينما شدد اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس المجلس العسكري للثوار، لـ«الشرق الأوسط»، على أن بنغازي لن تسقط، مؤكدا ثقته في قدرة الثوار على تطوير خططهم العسكرية لتوجيه ضربات موجعة لقوات القذافي، قال خالد كعيم، نائب وزير الخارجية الليبي، لـ«الشرق الأوسط» إنه لم تحدث أي محاولة للهجوم على مقر إقامة القذافي، وإن القوات المسلحة والكتائب الأمنية الموالية للعقيد القذافي تستعد لاستعادة السيطرة على معقل الثوار في بنغازي.
وكشفت مصادر ليبية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن أن طائرة حربية من التي يملكها الثوار شنت هجوما مكثفا، أمس، على مطار القرضابية في مدينة سرت، كما قصفت طائرة أخرى مطار المعيتيقة في طرابلس العاصمة، مؤكدة أن هجوم الطائرة التي قصفت باب العزيزية، معقل القذافي في طرابلس مساء أول من أمس، كان هجوما انتحاريا، قام به الطيار العقيد مختار محمد عثمان، وكان مكلفا المشاركة في الهجوم على مدينة زوارة على الحدود التونسية ضمن قوات القذافي، لكنه قطع المهمة وقام بتفجير طائرته في الباب الرئيسي لمعسكر العزيزية، الذي يتحصن فيه القذافي، ولم يعرف إن كان استشهد في العملية أم لا.
ولفتت المصادر إلى أن هذا الهجوم هو السبب في ظهور القذافي بشكل مفاجئ بعده مباشرة، وإلقائه خطابا في جمع قال التلفزيون الليبي إنه لمؤيدي النظام الليبي، وقال مراقبون إن القذافي قام بذلك ليؤكد أنه لا يزال حيا. ولفتوا إلى أن القذافي أمر بعد العملية الانتحارية بقطع الاتصالات عن طرابلس.
بيد أن خالد كعيم، نائب وزير الخارجية الليبي، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لم تحدث أي محاولة للهجوم على مقر إقامة القذافي، مضيفا عبر الهاتف من طرابلس إن «هذه المعلومات لا أساس لها من الصحة»، و«لم تسمع أصوات طائرات على الإطلاق في طرابلس العاصمة طوال اليومين الماضيين»، وشدد على أن القوات المسلحة والكتائب الأمنية الموالية للعقيد القذافي تستعد لاستعادة السيطرة على المنطقة الشرقية، وتحديدا معقل الثوار في مدينة بنغازي.
ومضى كعيم قائلا: «الآن الفرصة ما زالت متاحة أمام الناس في بنغازي وأهل المدينة للقيام بعمل اجتماعي من داخل المدينة لكي لا تكون هناك عمليات عسكرية. العفو العام مستمر والقوات المسلحة سوف لن تقوم بدخول بنغازي حتى يستنفد الأهالي جهودهم الاجتماعية. هذا قرار رسمي. من يرجع سلاحه إلى عائلته أو إلى قبيلته أو المجالس الثورية (سيتم العفو عنه)».
ولفت كعيم إلى أن العاصمة طرابلس شهدت، أمس، اجتماعا لبعض شيوخ القبائل في بنغازي في محاولة لما وصفه بتهدئة الأوضاع. وقال: «هؤلاء سيعودون إلى المدينة (بنغازي) لإقناع الناس أن العفو قائم وأنه لن تحدث عمليات انتقام ضدهم»، مضيفا أن «أي شخص في هذه المرحة سيستسلم أو يسلم سلاحه لن يكون مطلوبا ولن يحاكم، وسيكون بإمكانه أن يمضي إلى حال سبيله»، مشيرا إلى أن السلطات الليبية قررت، أمس، «تجديد الدعوة وتمديد المهلة لاستمرار العفو العام لمن يلقي السلاح سواء من العسكريين أو المدنيين».
وقال كعيم إن حكومة بلاده تسعى إلى عودة الحياة الطبيعية إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها بعض المدن الليبية منذ السابع عشر من الشهر الماضي، موضحا أن عشرات الأجانب بدأوا، اعتبارا من أمس، في التوافد مجددا على العاصمة طرابلس من كل الجنسيات. كما أعلن عن نية السلطات الليبية لتنظيم مؤتمر موسع لرجال الأعمال العاملين في ليبيا لمتابعة العمل الذي توقف بسبب هذه الأحداث.
لكن تطمينات كعيم، ومن قبلها تطمينات سيف الإسلام نجل القذافي، لم تبعد التكهنات عن حالة الارتباك البادية على المسؤولين الليبيين، وبخاصة بعد أن ظهر القذافي نفسه بشكل مفاجئ الليلة قبل الماضية أمام عدد من الشباب في خيمة، قال التلفزيون الليبي الرسمي إنها في باب العزيزية. ويرى مراقبون أن ظهور القذافي يندرج ضمن الحرب النفسية لمنع فقدان المزيد من أنصاره في بعض المدن التي لا تزال تحت سيطرة كتائبه الأمنية، وبعد توارد الأخبار عن إصابة أفراد من عائلته في عملية فدائية قام بها طيار فجر طائرته في معسكر باب العزيزية، المعقل الحصين والوحيد للقذافي وسط العاصمة طرابلس، وانضمام طيارين بطائراتهم الحربية للثوار بعد هبوطهم بها في مطار بنغازي، وانضمام أعداد كبيرة من ضباط وجنود الكتيبة التي تقدمت نحو أجدابيا وتسليم دبابات ومدرعات وسيارات نقل جنود للثوار في بنغازي وطبرق.
وشن القذافي هجوما على فرنسا والدول الغربية أمام الحشد الصغير في خيمته الليلة قبل الماضية، وحمل بشدة على بريطانيا لدعوتها إلى فرض منطقة لحظر الطيران في ليبيا. وقال إن الليبيين (أنصاره) سيقاتلون حتى الموت دفاعا عن بلدهم، مضيفا: «الاستعمار سيُهزم.. أميركا ستُهزم.. فرنسا ستُهزم.. بريطانيا ستُهزم.. العملاء سيُهزمون.. سينتصر الشعب الليبي.. ستنتصر الوحدة الوطنية». كما شن هجوما على الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي لمساندتهما فرض منطقة حظر الطيران.
وبدا خلال اليومين الماضيين، وحتى مساء أمس، أن المعارضة تزيد من رص صفوفها، والدخول في المعركة بطائرات وزوارق حربية، لأول مرة. ونفذ الثوار، أمس، هجوما للمرة الثانية باستخدام الطائرات حين قالت المصادر إن طائرة من طراز «ميغ 36» تابعة للثوار تمكنت من قصف مطار القرضابية في مدينة سرت.
وأضافت المصادر أن وصول طائرات الثوار إلى سرت شجع ضباطا من قوات القذافي في سرت على التمرد، وأن سكانا في المدينة خصوصا من أبناء قبائل الفرجان وأولاد سليمان، خرجوا إثر ذلك في مظاهرات مؤيدة للثوار في سرت ورفعوا علم دولة الاستقلال فوق مبنى المثابة الثورية وسط المدينة.
يأتي هذا في وقت انضم فيه مزيد من الطيارين الليبيين بطائراتهم العسكرية للثوار، وقالت مصادر الثوار في بنغازي إن 6 طائرات حربية وطوافات (مروحيات) على الأقل انضمت، حتى مساء أمس، إلى قواعد الثوار في مطار بنينة، جنوب بنغازي، الذي تعرض لغارات من طائرات «سوخوي 24» تابعة للقذافي.
وقال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس المجلس العسكري للثوار، لـ«الشرق الأوسط»، إن بنغازي لن تسقط، مشيرا إلى أن نظام القذافي يعتمد أسلوب الكذب والخداع عبر ادعاءات لا سند لها على أرض المدينة. وقال يونس في اتصال هاتفي من بنغازي: «نحن هنا.. ليس بإمكان القذافي أو قواته الاقتراب من المدينة. إننا ننتظره لنرى ماذا سيفعل»، مؤكدا ثقته في قدرة الثوار على تطوير خططهم العسكرية خلال وقت قريب لتوجيه المزيد من الضربات الموجعة لقوات القذافي.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن العقيد خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي سابقا في تشاد، الذي انخرط منذ أسبوع في صفوف الثوار المناهضين للعقيد القذافي، يستعد لعملية عسكرية كبيرة رفض المقربون منه كشف أي تفاصيل عنها، لكن المصادر أشارت إلى أن حفتر قاد قوة خاصة اقتربت مساء أول من أمس من مدينة سرت، التي تعتبر العاصمة السياسية لنظام العقيد القذافي قبل أن يرجع حفتر مجددا إلى مدينة أجدابيا.
وعلى أهم جبهات القتال الدائرة حول مدينة أجدابيا، قالت المصادر إن الثوار استخدموا - بشكل واسع - الزوارق الحربية في قصف كتائب القذافي التي كانت تسعى إلى السيطرة على المدينة، وإن الجيش الوطني التابع للمعارضة تمكن من إرباك كتائب القذافي، وتشتيت عدد منها وتدمير آليات والاستيلاء على آليات أخرى. وسقط في معارك أجدابيا أكثر من 25 من الثوار ووقوع عدد غير معروف من القتلى في صفوف قوات القذافي وأسر نحو 100 جندي منها.
وقالت المصادر إن مجموعة أمنية من كتائب العقيد القذافي غيرت ولاءها إلى الثوار بعد أن كانت تنفذ مهاما إلى الشرق من أجدابيا. وأضافت مصادر ليبية مطلعة إن هذه المجموعة الأمنية تمكنت من الوصول إلى طبرق، وسلمت نفسها لقيادة الثوار في المدينة المسؤول عنها اللواء سليمان محمود، والواقعة في أقصى الشرق الليبي.
وكشفت المصادر في اتصالات هاتفية مع «الشرق الأوسط» أن القصد من هجوم كتائب القذافي على أجدابيا هو تسريب وصول هذه المجموعة إلى طبرق، لفتح طريق لكتائب القذافي إلى مدينة بنغازي، وأشارت المصادر إلى أن هذه المجموعة التي سلمت نفسها، دخلت من أجدابيا - بعد أن قررت الانشقاق عن القذافي - من الخلف، من الطريق الصحراوي المعروف بطريق روميل، الذي يبعد نحو 320 كلم عن بنغازي.
وبحسب المراقبين، تحاول قوات القذافي أن تحقق نصرا في المدن الغربية، بعد أن تعثرت، منذ عصر أمس، محاولات السيطرة على مدينة أجدابيا أو التقدم نحو مدينة بنغازي. وقالت المصادر إن قوات القذافي شنت هجوما بالدبابات والمدفعية التابعة لكتيبة خميس القذافي على مصراتة الواقعة على ساحل البحر المتوسط على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشرق، في محاولة لاستعادتها من الثوار. وتعد مصراتة ثالث أكبر المدن الليبية، ويقطنها نحو 300 ألف نسمة. وبعد مواجهات كبيرة مع ثوار المدينة سقط حتى مساء أمس 11 قتيلا و20 جريحا، من الثوار، بالإضافة إلى عدد آخر من القتلى في صفوف قوات القذافي. وقال الثوار إنهم أسروا عددا آخر من القوات الموالية للقذافي.
وقال محمد عبد المجيد، من ثوار 17 فبراير في مصراتة، إن الثوار قاوموا تقدم الكتيبة الأولى التابعة للقذافي واستولوا على عدد من الدبابات، وأرغموا الباقي على التراجع باتجاه زليطن. وقال طبيب في مستشفى مصراتة لوكالة «رويترز» إن جثث 5 قتلى وصلوا إلى المستشفى، (لكنه علم أن عددا أكبر من القتلى قد سقط). وأضاف أن المصابين يصلون إلى المستشفى في سيارات خاصة لأن سائقي سيارات الإسعاف يخشون القصف. وقال الطبيب، الذي عرف نفسه باسم مفتاح: «لدينا ما يكفي من الدواء، لكن لدينا عجز في المسعفين والأطباء».
وتجدد القتال بشكل متقطع في مدينة الزاوية الواقعة على بعد نحو 50 كلم غرب طرابلس، وهي المدينة التي شهدت دمارا كبيرا على أيدي قوات القذافي الأسبوع الماضي، وقال عنها تقرير رسمي لمبعوث الأمم المتحدة، رشيد خليكوف، إنه شاهد 24 مبنى مدمرا في وسط المدينة، و«لم يكن هناك أي نشاط تجاري ملحوظ. ولا يوجد نساء أو أطفال في الشوارع»، و«ثمة وجود عسكري كثيف».
وفي مدينة الزنتان أفاد مراسل محلي أن الثوار اشتبكوا مع قوات تابعة للقذافي، وتمكنوا من الاستيلاء على آليات عسكرية من منطقة القاعة الواقعة جنوب المدينة.
وتشهد مدينة بنغازي مظاهرة حاشدة اليوم، الخميس، يشارك فيها أكاديميون ومثقفون وفنانون، ستنطلق من شارع الاستقلال، وتتجه إلى التجمع في ساحة المحكمة مكان الاعتصام بالمدينة، وقالت المصادر إن المظاهرة سوف تصدر بيانا، يترجم إلى عدد من اللغات، تعلن فيه معاضدتها للمجلس الوطني المؤقت، وتطالب المنظمات الإنسانية وحقوق الإنسان بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي، كما تناشد منظمات الإغاثة الدولية تقديم معونات طبية عاجلة إلى الشعب الليبي، وكذلك المنظمات الدولية باتخاذ مواقف حازمة ضد القذافي كمجرم حرب.
ولفتت المصادر أيضا إلى رحيل مجموعة الأطباء الفرنسيين عن مستشفى بنغازي الطبي، بعد استدعائهم بشكل مفاجئ من قبل إدارتهم في فرنسا، على حد قول الأطباء أنفسهم، مشيرين إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد أن ساءت العلاقات بين نظام القذافي وباريس، حيث اعترفت فرنسا بالمجلس الوطني الانتقالي، برئاسة مصطفى عبد الجليل، كممثل وحيد للشعب الليبي، وأعلنت عزمها فتح سفارة لها في مدينة بنغازي.
0 التعليقات :
إرسال تعليق