وسط مخاوف من أن تنجح على الصعيد الخارجي
ووفقا لمنظمات حقوق الإنسان السورية فإن نظام الأسد شرع في استخدام الفتنة كورقة أولية حين أرسل النظام السوري الشبيحة يوم 10 أبريل (نيسان) 2011 إلى الأحياء الجنوبية من مدينة بانياس الساحلية، حيث جرت عملية إطلاق الرصاص على مسجد أبي بكر الصديق من أجل إشعال فتنة طائفية في مدينة بانياس، وهو ما فشل بعد انفضاح أمر وجود الشبيحة.
ومع استمرار المعالجة الأمنية في طول البلاد وعرضها طيلة الشهور الخمسة الماضية، بدا أن الحل العسكري لن يكون كافيا ليعيد النظام السوري إنتاج المنتج الطائفي مرة أخرى ولكن في حمص هذه المرة، حيث عثر على ثلاث جثث لشباب علويين مقتولين، وهو ما أشعل الأحداث يومي 18 و19 يوليو (تموز) 2011 التي بدت طائفية في المدينة التي تميزت بوحدة طوائفها طوال فترة الاحتجاجات.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد كشف في بيان له الخميس الماضي النقاب عن محاولات النظام السوري لإشعال فتنة طائفية في سوريا لتشويه صورة الثورة الشعبية السلمية التي قام بها الشعب السوري بكل مرجعياته الطائفية والمذهبية دون أن تكون محصورة بفئة واحدة من أي منها. وأكد المرصد السوري في بيانه على أن جميع الشهداء المدنيين الذين سقطوا خلال أحداث حمص قتلوا بطريقة انتقائية ممنهجة لا يمكن أن تتم إلا بأيادي عناصر الأجهزة الأمنية في سوريا، وذلك حسب نص البيان الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه.
وترى بهية مارديني، الناشطة السورية المعروفة، رئيسة اللجنة العربية للدفاع عن حرية الرأي والتعبير، أن النظام السوري يحاول زرع الفتنة بين السوريين بشتى الطرق لشغل السوريين عن قضيتهم الرئيسية وهي إسقاط النظام وذلك عبر استخدام الشبيحة الذين يحطمون محلات ومتاجر لطوائف بعينها لإلصاقها بطوائف أخرى لتندلع المصادمات بينهم. وقالت مارديني لـ«الشرق الأوسط» «لا يعقل أن تحدث فتنة طائفية بصورة طبيعية بينما الشعب السوري كله متوحد في الشارع». وأضافت مارديني في اتصال تليفوني من القاهرة «لا توجد فتنة طائفية أساسا في سوريا، كل الطوائف تعيش في مودة ووئام»، وتابعت مارديني قائلة «النظام السوري يستخدم الفتنة كآخر أوراقه وهي ورقة ضعيفة ونتنة ومكشوفة وتدل على أنه استنفد كل أوراقه الأخرى».
وتعتقد مارديني أن الطائفية تخدم النظام السوري على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث قالت «داخليا الطائفية تعمل على تخويف الناس على حياتهم ومستقبلهم عبر الاقتتال بين الطوائف والمذاهب، فهي تجعل النظام هو الملجأ للاحتكام بينهم، وخارجيا لإيصال رسالة للغرب مفادها أن النظام بديله الفوضى والاقتتال وربما وصول الإسلاميين للحكم». وأفادت مارديني أن الشعب السوري واع جدا ولن ينجح معه استخدام الورقة الطائفية، ولكنها حذرت قائلة «كل ما أخشاه أن تنجح الطائفية على الصعيد الخارجي، هناك شعور في الغرب أن بديل الأسد هو الفوضى».
وكشفت مارديني أن الشبيحة استفزوا الطائفة السنية يوم الجمعة الماضي حين رددوا «بالدم بالدم نفديك يا إيران» وذلك أمام جامع آمنة في حلب وهو ما لم يتجاوب معه السنة.
ووصف ياسين حاج صالح، المعارض السوري البارز، في وقت سابق ما حدث في حمص بالتواطؤ البين، حيث قال لـ«الشرق الأوسط» «الانتفاضة السورية أظهرت انضباطا شديدا بين الطوائف السورية، فلم تظهر أي نعرات طائفية على الإطلاق وما يحدث جد مفتعل».
من جهته وصف رامي نخلة، الناشط الإلكتروني المعروف، الطائفية بالمنتج الأصيل الذي ينتجه النظام السوري منذ عقود وليس له علاقة على الإطلاق بالسوريين، حيث قال لـ«الشرق الأوسط» «النظام طائفي بالأساس، فهو يخصص المناصب العليا بالجيش من قادة اللواءات العسكرية ونوابهم ومتخذي القرار للطائفة العلوية، وهو يلعب بالورقة الطائفية العلوية لضمان وجوده». وأشار نخلة إلى أن الشعب السوري يتفهم جدا أن النظام السوري يلعب على الوتر الطائفي. وأوجز نخلة استخدام الطائفية في سوريا حين قال «الشعب السوري يحارب نظام الأسد بأجهزته الأمنية وفتنته الطائفية»، وأضاف أن الأسد يحاول أن يخير السوريين بين نظامه البغيض والفتنة الطائفية. واعترف نخلة أن هناك حوادث طائفية تحدث فعلا على الأرض ولكنها لا تخرج أبدا عن كونها فردية وغير ممنهجة.
وقال الدكتور عارف دليلة، المفكر الاقتصادي السوري، إنه في مثل تلك الظروف الاستثنائية، لا يوجد أسهل من استخدام الورقة الطائفية، وقال دليلة لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من دمشق «الطائفية هي أقذر الأوراق، ولا يلعب بها إلا كل من هو بعيد عن الوطن والثقافة والمدنية والحضارة».
ويعتقد دليلة أن الورقة الطائفية هي الأخطر على مسيرة الثورة السورية، ولكنه قلل من آثارها على المنتج النهائي للثورة، حيث قال «السوريون يدركون جيدا أنها لعبة مقصود بها تفتيت صفوفهم ولن ينخدعوا أبدا باعتقادي». وأرجع دليلة السبب الرئيسي في استخدام الفتنة كورقة قوية إلى غياب السياسة عن السوريين منذ عقود، وهو ما أدى إلى نشوء أجيال لا تنتمي إلا للطوائف والمذاهب. ودعا دليلة إلى إعادة المجتمع إلى السياسة، والسياسة إلى المجتمع.
0 التعليقات :
إرسال تعليق