Featured Video

زعماء العالم العربي يجهزون حقائبهم للرحيل

زعماء العالم العربي يجهزون حقائبهم للرحيل


زعماء العالم العربي يجهزون حقائبهم للرحيل
صحف عبرية





في صباح كانون الاول (ديسمبر) 2010 صادر مراقبون تونسيون عربة الخضار للشاب، محمد بوعزيزي، في بلدة صغيرة تسمى سيدي بوزيد. الشاب العاطل عن العمل ابن 26 سنة، يحمل لقبا جامعيا اول في علوم الحاسوب جاء الى محطة الشرطة المحلية كي يستعيد بضاعته المصادرة. لم تكن الحالة الاقتصادية العسيرة لعائلته لتسمح له بان يتنازل حتى ولو عن خسة واحدة.
شرطية في محطة الشرطة المحلية أهانته امام أنظار الجميع وصفعته. بوعزيزي المسكين، بفعل يائس وربما أيضا احتجاجي، احرق نفسه. في 4 كانون الثاني (يناير) توفي. ولم ينل فرصة رؤية كيف ان فعله ادى الى خلع زعيمين عربيين بن علي في تونس (14 كانون الثاني/ يناير) ومبارك في مصر (11 شباط/ فبراير).
في اليمن، الجزائر، البحرين، ليبيا وحتى ايران يشتم في كل صباح حكام هذه الدول الشرطية اللعينة: لو انها لم تلمس عربة بوعزيزي. غير انه في هذه الاثناء الهزة في العالم العربي تتواصل. فقد تحول بوعزيزي الى رمز لمجتمع عربي يعاني ويهان فهم فجأة بان لديه هو ايضا القوة.
زعماء العالم العربي فقدوا الوسيلة. لم يسبق أن كان قادة الجيش موضع مغازلة من طرفهم بهذا القدر. علي عبدالله صالح في اليمن اذا كان سينهي الشهر. عبد العزيز بوتفليقة الجزائري حرص منذ الان على اعداد طائرة جاهزة في المطار، وحتى السيارة المحصنة لملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، مخطط لان تجتاز جسر فهد الى السعودية المجاورة بسرعة فائقة بالطبع شريطة ان يكون عبدالله هناك دائما الملك.
باختصار، لم يعد شيء مضمونا، لم يعد شيء غير واضح. وحتى ليس للامريكيين الذين من جهة يؤيدون الديمقراطية ولكن من جهة اخرى بسبب الوضع الاستثنائي جدا يديرون سياسة متذبذبة مثلما في حالة مصر.
يتعين على ادارة اوباما اليوم أن تدمج بين 'تحيا الديمقراطية' و 'تحيا المصالح'. ليس بسيطا ان تدمج بين الامرين. وحالة البحرين هي مثال كلاسيكي. قبل نحو نصف سنة بدأت اضطرابات شديدة في البحرين، كانت عمليا محاولة انقلاب من جانب الاغلبية الشيعية التي تحظى بدعم من ايران. واشنطن ايدت في حينه الاسرة المالكة السعودية التي تسمح لجنود الاسطول الخامس الامريكي بان يشعروا في الدولة الاصغر في الخليج الفارسي بانهم في بيتهم.
ولكن اليوم تغيرت الازمنة وعلى اوباما ان يدافع وان يطبق الرؤيا الديمقراطية لسلفه (من كان يصدق) جورج بوش. اذن ما العمل؟ تأييد المتظاهرين الشيعة، الذين يشكلون 70 في المئة من السكان في البحرين ام ربما مواصلة تطبيق السياسة الواقعية القديمة والطيبة في الشرق الاوسط رغم وجود المزيد فالمزيد من الانتقاد لها في اعقاب ثوران الشارع العربي؟ سؤال جيد.
البحرين هي نموذج جيد لان هذه المرة لم يعد الحديث يدور عن لعبة بسيطة. فالاضطرابات اقتربت جدا من اراضي دولة ليست فقط هي الاهم بين الدول العربية، بل وايضا هي دولة اللجوء للحكام العرب المخلوعين السعودية. وهي لا يمكنها ان تسمح بترك البحرين لمصيرها وبالتأكيد تحولها الى معقل شيعي. وفجأة الديمقراطية ايضا، التي على الموضة جدا في العالم العربي، قد تصطدم بالحدود من الجانب الامريكي ايضا.

ليس ما كانت

لا ريب في انه بعد ثورتي تونس ومصر لم يعد العالم العربي مثلما كان في الماضي. يمكن أن نسمي هذا هزة ارضية، ويمكن أن نسمي هذه هزة هائلة. مهما يكن من أمر، ففي الصحف العربية بعمومها يمكن أن نقرأ مقالات عديدة كتبت فيها هذا الاسبوع الجملة التالية: صفحة جديدة في التاريخ العربي.
المحللون في العالم العربي يرون اليوم عودة العزة العربية بعد اكثر من أربعين سنة من القمع. قمع من جانب زعمائهم وخجل من الهزائم العسكرية امام اسرائيل. وهم، هكذا، مثلا كتب في صحيفة 'الايام': 'رأوا منذ وفاة جمال عبدالناصر في 1970 وموت الحلم العربي المشترك، عقودا اصبح فيها النفط سيد المنطقة ونشأ التحالف المقدس بين الولايات المتحدة ومصر والعربية السعودية تعايشت اسرائيل معها على نحو جديد.
وفجأة يحلم العالم العربي ليس فقط بزعامة اخرى وبديمقراطية (حتى وان كان هذا اساسا بسبب 'الاقتصاد يا غبي' والفساد ايضا) بل حتى بتغييرات اقليمية. في شوارع البحرين تحدث هذا الاسبوع المتظاهرون الشيعة عن نهاية الهيمنة السعودية. وعلى سماع هذه الاقوال كان يمكن لحكام طهران ان يفركوا اياديهم متعة لو لم يحصل يوم الاثنين من هذا الاسبوع حين خرجت الجماهير هناك ايضا الى الشوارع في مدن مثل اصفهان، شيراز، مشهد وبالطبع طهران. 'الوباء' الديمقراطي لم يتجاوز ايران هذا الاسبوع ايضا، وان كانت هي غير عربية.
للوضع في ايران، العدو الاكبر للغرب، يسهل على واشنطن التصدي هذه المرة.
فخلافا للوضع في حزيران (يونيو) 2009 حين بقيت الولايات المتحدة غير مبالية امام مشاهد المتظاهرين في طهران، لا توجد هذه المرة حاجة لمغازلة النظام الايراني.
فالحوار حول النووي الايراني فشل نهائيا في محادثات اسطنبول في شهر كانون الثاني (يناير). والان يمكن رفع الصوت عاليا امام نظام آيات الله في طهران. فخسارة أن هذا لم يجرِ منذ حزيران (يونيو) 2009، حين دخلت الموجة الخضراء في حينه في حالة تسارع عال.
وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قالت يوم الاثنين، عندما اندلعت الاضطرابات في ايران، انها تؤيد عشرات الاف المتظاهرين في ايران: 'الشعب الايراني جدير بذات الحقوق التي رأوا المتظاهرين في مصر ينالونها. تلك الحقوق التي هي حقوق منذ الولادة'.
وصرحت كلينتون بانها، مثل الكثيرين في ادارة اوباما يؤيدون بشكل علني 'تطلعات الشباب في طهران'.
واشنطن تتوقع اليوم من طهران ان تكون 'ملتزمة بفتح الساحة السياسية امام اصوات المعارضة والمجتمع'. يمكن الافتراض بان واشنطن لن تطلق اقوالا مشابهة بالنسبة للسعودية وامارات الخليج.

نهاية عهد

في مثل هذا اليوم قبل اسبوع انتهى في مصر عهد مبارك. احد ما في القاهرة سعى الى أن يذكرني هذا الاسبوع بانه كانت للمصريين دوما عادة لتسمية بلادهم وعاصمتهم بانها 'ام الدنيا'.
اليوم يوجد احساس في القاهرة بانهم بالفعل هكذا، مثال يحتذى للعالم العربي ولا يهم اذا انتهت الثورة الشعبية بانقلاب عسكري رحيم في نهاية النهار يحل جنرال محل الرئيس. بالنسبة للمصريين يدور الحديث في كل الاحوال عن ثورة استثنائية وغير مسبوقة.
تذكير تاريخي: ثورة 1919 كانت موجهة ضد الاحتلال البريطاني، ثورة 1952 خاضها 'الضباط الاحرار' وكان الحديث يدور عن انقلاب عسكري.
الشارع في مصر لا يريد اليوم أن يسرق منه انجازه. يحتمل الا يتخلى الجيش بسهولة عن الحكم ويحتمل ايضا ان ينشأ عن الديمقراطية المصرية حتى وان كانت محدودة عند تنفيذها ـ حكم 'الاخوان المسلمين'. ولكن الجمهور اليوم يريد أن يحتفل بانتصاره.
انتصار الشارع المصري العربي على الفقر، القمع، الفساد، التطرف الديني وتعزز الذراع الجهادية للاسلام، الشك وعدم الثقة بين المواطن وزعيمه، الذي انقطع عنه في قصره ـ كل هذا سحر لب العرب.
مبارك ـ الذي حتى يوم أمس كان حليفا وادارة اوباما رأت فيه شريكا بل واحترمت حكمه بخطاب اوباما في القاهرة ـ اصبح بين ليلة وضحاها منبوذا ومتروكا لمصيره. من ناحية الشارع في القاهرة كان هذا تقريبا مثل 'السهولة التي لا تطاق للثورة'.
الجميع يركزون اليوم على روائع الشبكة. الفيس بوك والتويتر سيصبحان مرشحين لجائزة نوبل للسلام. ولكن التعليم الجديد، او لمزيد من الدقة فتح العيون، قدمته القنوات الفضائية المختلفة.
رحلاتي الى العالم العربي بدأتها في 1990 قبل أن تبدأ الجزيرة القطرية بالبث في 1996.
في ايران، في ليبيا رغم الحظر المفروض على تركيب صحن لالتقاط البث الفضائي ـ كان بوسعي أن اراها بكميات كبيرة. العالم العربي رأى المرة تلو الاخرى ما الذي يحصل لدى الجار الغربي. رأى وأراد. شبكة الجزيرة فتحت العيون. اثبتت انه يمكن انتقاد النظام القائم دون أن تسقط السماء على الرأس.
صحيح أن تونس ليست مصر بالضبط مثلما هي الجزائر ليست اليمن، والبحرين ليس ايران. ولكنْ، هناك قاسم مشترك بين كل هذه الدول وهو الحكم المطلق في كل الدول في العالم الذي ينغلق علينا. عالم لم يعد ممكنا اخفاء أي شيء فيه. عالم فيه الجميع، بمن فيهم الزعماء العرب، يسقطون في الشبكة.
كان هذا اسبوعا عاد فيه علي عبدالله صالح، رئيس اليمن، ليذكر بانه لن يتنافس لولاية اخرى والرئيس السوري، بشار الاسد، قام بمسرحية وقاد بنفسه سيارته كي يظهر بانه مستقر.
فأظهر بذلك خوفا حقيقيا. كان هذا اسبوع حتى معمر القذافي شعر فيه بعد 42 سنة من الحكم ما هو عدم الاستقرار.

الى اين بعد

والان ماذا؟ هل يمكن لاحد أن يضمن بان التغيير الذي بدأ في تونس ومصر سيؤدي الى الديمقراطية في تلك الدول؟
كان هناك من تساءل هذا الاسبوع اذا كان هذا تمردا ام ثورة. وبالفعل، لا شك في أن هذه ثورة حتى وان كانت نتائجها في هذه اللحظة جد غير واضحة.
ليس في مصر فقط، في تونس ايضا الدولة العربية التي نجحت في أن تبني لنفسها الطبقة الوسطى الاوسع في العالم العربي مع النساء الاكثر حرية من بين 22 دولة من الجامعة العربية، ليست محصنة امام الوقوع بين براثن الاسلاميين الذين يكمنون لها كما تكمن النسور لفرائسها.
في مصر لا توجد معارضة اكثر تنظيما من الاخوان المسلمين. وهكذا هناك اساس للخوف في أن ما حصل في ايران في 1979، حين افترس الخميني دون ملح الديمقراطيين على انواعهم ممن ساعدوه في أخذ الحكم من يد الشاه من شأنه أن يتكرر.
العام 2011، بالضبط مثل العام 2001، اصبحت تاريخية ما ان بدأت. في حينه كان الاسلاميون هم الذين خرجوا في تصريح النوايا مع عمليات 11 ايلول (سبتمبر). اما اليوم فمواطنو العالم العربي هم الذين يخرجون بتصريحات اكثر وعدا بالنسبة لمستقبلهم.
في العالم العربي يعيش اليوم 100 مليون شاب من ابناء 15 حتى 29 يحلمون بمستقبل اقتصادي افضل وربما ايضا بعصر الفيس بوك. وهم يسألون انفسهم لماذا ليس الديمقراطية؟ يخيل ان هذه ايام مسموح فيها الحلم في كل شيء. الديمقراطية تتفوق على الواقعية.
واين اسرائيل في كل هذا؟ في القدس حلموا دوما بجيران ديمقراطيين، كضمانة لنجاح المسيرة السلمية. فهل حقا؟ فجأة لم يعد شيء مضمونا. فجأة تنطلق اصوات قلقة عن حق او عن غير حق. مع حاكم واحد يسهل عقد الصفقات.
مع الجماهير تصبح هذه قصة اكثر تعقيدا بكثير. ولا سيما عندما يكون القاسم المشترك الاوسع في الشارع العربي هو كراهية دولة اسرائيل. ولا بد أن احدا ما سيحرص في المدى القصير على أن يستغل ذلك لاهداف انتخابية اذا ما وعندما تبدأ حملات انتخابية في العالم العربي.

0 التعليقات :

إرسال تعليق