ليبيا بعيون الغرب: اوباما يحتمي خلف الاوروبيين ولا يريد القيادة.. الكل يتعلل بتفويض الجامعة وانتقاد شديد للنفاق العربي
لندن ـ 'القدس العربي': هكذا اذاً، وجد الغرب حربه في ليبيا. ساركوزي سيفوز في ولاية ثانية، ممكن، والصحافة البريطانية وجدت في المناسبة - القصف ان تستعيد الحرب العالمية الثانية ـ بليتز على طرابلس تماما كما ضرب هتلر في الحرب العالمية الثانية لندن، ومع الجذل والتغطية التي اعترت الصحافيين، جاءت دعوات تغيير النظام بل الغزو الارضي.
ومع التقارير المكثفة والكاريكاتير التي تظهر مرة اخرى دولة عربية تضرب بالصواريخ جاء الانتقاد لما سمي 'النفاق العربي' الذي حول ملف ليبيا للجامعة العربية ودعم الحظر الجوي والان يستنكر الضربات الجوية الموجعة للنظام الليبي، لكن الاسئلة تظل في المنظومة الاعلامية المتقدمة وقدراتها على التغطية والتحليل اكثر مما هو مشاهد في الاعلام العربي هي مسألة 'الحرب الدعائية' التي دعت 'اندبندنت'الحرص على خسارتها.
وفي نفس الصحيفة عاد روبرت فيسك ليذكرنا بضحايا الضربة على ليبيا عام 1986 وقصة عائلة فلسطينية فقدت ابنتها في الغارة. وهناك من تحدث عن نهاية النظام الليبي ولكن من سيخلفه؟ فقد اثبتت المعارضة اللييبية ضعفها عسكريا وسياسيا. والاهم من ذلك ماذا يريد الغرب وامريكا تحقيقه من الضربات الجوية، فقد اعلن مايك مولن انه من الممكن السماح للقذافي بالبقاء في السلطة حالة عدم سقوطه. ويبدو ان الصحافة الامريكية انشغلت بالموضوع هذا خاصة ان رئيسها كعادته اختار القيام بجولة له في امريكا اللاتينية وشوهد وهو يلعب كرة القدم. ففي تحليل لصحيفة 'نيويورك تايمز' قالت ان كل المداولات العسكرية ضد ليبيا فشلت في الاجابة على سؤال واحد: هل الهدف من العمليات هو حماية الشعب الليبي من القذافي ام تحقيق ما اكد عليه الرئيس باراك اوباما قبل اسبوعين من ان على 'القذافي الرحيل'؟ واشارت الصحيفة الى تصريحات مايك مولين 'نحن لا نسعى للاطاحة بالقذافي'، لكن الصحيفة ترى ان تصريحات مولين تعبر بوضوح انه مهما كانت النوايا البريطانية والفرنسية والامريكية من وراء الضربات الجوية فانها قد تهدد النظام.
وهنا تتساءل الصحيفة قائلة ان هناك مخاطر من ان الزعيم الليبي قد لا يطاح به من خلال الضربات الجوية، مما يطرح اسئلة حول المصادر الامريكية وحلفائها معها من اجل معركة طويلة. وقالت ان عملية الضربة لم تتحقق الا بعد عشرين يوما من بداية الازمة وخلالها استطاع القذافي دحر المعارضة التي وصلت لاطراف طرابلس الى معقلها الاخير في بنغازي.
وقالت ان الضربات عندما جاءت دمرت دفاعات القذافي وجعلت المعارضة تقوم باعادة تنظيم نفسها. ويبدو في تصريحات المرشح للرئاسة السابق جون ماكين ان هناك امل في سحق القذافي فقد قال وهو من دعاة ضرب الاخير 'آمل ان لا تكون متأخرة'، مشيرا الى ان عملية اتخاذ القرار جاءت متأخرة.
ويعتقد المحللون وحتى مسؤولون في الادارة الامريكية ان جهود اخراج القذافي من السلطة كان من الممكن ان تكون سهلة لو سارعت امريكا لاتخاذ الخطوات مبكرا.
وتقول مع ان الرئيس اوباما عندما قال ان القذافي فقد شرعيته للحكم لكن قرار الامم المتحدة لم يشرع العملية لإزاحته عن السلطة ولكن لتقليل الاضرار على المدنيين من كتائبه.
وتظهر تصريحات المسؤولين الامريكيين، العسكريين والسياسيين، عدم وضوح في الهدف فرئيس الكونغرس دعا اوباما بصفته القائد الاعلى للقوات المسلحة الامريكية ان يوضح للكونغرس وللشعب الامريكي وللقوات المسلحة طبيعة المهمة في ليبيا. وترددت الاسئلة في كل اروقة صناعة القرار الامريكي حول العملية:حماية ام اطاحة؟.
وايا كانت النتائج فان الضرر على القذافي قد حدث مما يعجل بنهايته: لا دفاعات جوية، قوات برية دمرت وخطوط الاتصال والتزويد سيتم قطعها. ولكن المشكلة في البقاء في الحكم، فان هذا يعني فشلا في السياسة الخارجية الامريكية وفشلا للامم المتحدة. ومن هنا حذر ستيفن هادلي مستشار بوش للامن القومي ان الهدف المحدود للعملية مآله الفشل.
وقال مهندس حرب العراق انه لا يرى ما وراء استراتيجية اوباما. وقال ان قرار مجلس الامن لا يشرع عملية الاطاحة بنظام القذافي كما ان الادارة الامريكية تظل مترددة في الانخراط بشكل كامل في العملية العسكرية وقيادة الهجمات.
ومن هنا دعا بعض الصقور في الادارة من اجل ان تقود امريكا العملية كما بدا في تصريحات النائب الجمهوري ليندسي غراهام الذي عبر عن قلقه من جلوس امريكا في المقعد الخلفي، فيما انتقد عدد من النواب الديمقراطيين خطوة اوباما لاصدار امر عسكري دون الرجوع الى الكونعرس. وجاء هذا النقد من النواب الليبراليين في الحزب الديمقراطي الذين قالوا ان اوباما تجاوز صلاحياته.
وعلى الرغم من تردد الادارة الامريكية في دعم الثورات العربية والثوار الليبيين الا ان مستشار اوباما للامن القومي توماس دونيلون قال ان ليبيا تختلف عن البحرين والدول العربية الاخرى التي تشهد انتفاضات لان الجامعة العربية هي التي طلبت التدخل العسكري.
ونفس الامر يقال حول الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الذي اندفع للتدخل في ليبيا وجر معه عدداً من الدول الاوروبية مدفوعا بالفشل في دعم الثورتين التونسية والمصرية وتحت ضغط من اللوبيات والاصوات التي علت منها صوت 'المفكر' اليهودي برنار هنري ليفي.
وتقول 'نيويورك تايمز' ان ما ادى الى دعم ساركوزي في محاولته لتحشيد الدول الاوروبية هو التراجع السريع لقوات الثوار التي خسرت كل مواقعها في الغرب وتمترست في بنغازي.
وترى 'نيويورك تايمز' انه على الرغم من المقارنات التي عقدت في مجلس الامن ودعاة الضربة العسكرية بين كوسوفو والبوسنة الا ان الوضع مختلف في ليبيا. وقالت الصحيفة ان الموقف الفرنسي المتشدد اشتمل على محاضرات للاخرين القاها الان جوبيه على الاخرين والذي عاب على الديمقراطيات الغربية ضعفها لانها تسمح للديكتاتورية بالبقاء. وقالت ان عدداً من قادة الناتو عبروا عن حنقهم من الطريقة التي تصرف فيها ساركوزي حيث قام باستقبال القادة الاوروبيين وكأنه في حفل استقبال في وقت كانت قوات الثوار تتراجع.
واشارت واشنطن بوست الى ما اسمته غياب الاهداف وهو ما قاله هوارد ماكينون، رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الذي عبر عن قلقه من غياب الاهداف الواضحة للعملية.
واهتمت صحيفة 'لوس انجليس تايمز' بما اسمته المعايير المزدوجة في الرد العربي على ليبيا. وقالت ان هناك مخاوف من ان التدخل الغربي في ليبيا قد يؤدي الى اشعال المشاعر الاسلامية المتطرفة، خاصة انه سينظر الى الضربات على انها صورة من التدخل الامبريالي في دولة عربية.
وقالت ان القذافي على الرغم من عدم تعاطف الشارع العربي معه الا ان الحشد ضد العمليات الغربية قد تعطيه نوعا من الشرعية لنظام يحاول التخلص من معارضة ثارت ضده.
ووصفت الصحيفة ان هذه صورة عن النفاق في السياسة العربية، ففي الوقت الذي كانت فيه القوات السعودية تتدخل في البحرين لقمع المتظاهرين قام مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية بشجب عمليات القذافي ضد الثوار واتهمته بقتل المدنيين. ونقلت الصحيفة عن محام بحريني قوله ان الموقف الخليجي يعبر عن معايير مزدوجة مشيرا الى ان الحكومات في المنطقة ديكتاتورية تريد حماية مصالحها. فيما اتهمت جماعات اسلامية الحكومات العربية بانها شجبت القذافي من اجل استرضاء الغرب.
صالح والسعودية
وقالت الصحيفة ان ليبيا اصبحت الجانب المظلم للربيع العربي، مشيرة الى ان العقيد القذافي كان هدفا سهلا لتحويله لرمز للشر، نظرا لتاريخه المتقلب، ومن هنا وجدت الانظمة العربية من خلال شيطنة القذافي غطاء من اجل دعمها للضربة العسكرية.
ويبرر محللون عرب ان التدخل العسكري ضد القذافي هو اهون الشرين لان البديل كان حربا اهلية في ليبيا. ومع الدعم العربي وخوف الانظمة الديكتاتورية خاصة السعودية من انتشار عدوى التغيير اليها الا ان هذه الانظمة التزمت بالصمت وهي ترى الطائرات الفرنسية والبريطانية والامريكية وهي تقصف طرابلس، ولم تعلن الا قطر عن مشاركة علنية في الجهود ضد ليبيا.
وقالت ان القذافي شجب في معظم العواصم العربية خاصة الرياض وابو ظبي لكن الدول الخليجية صمتت على معاملة علي عبدالله صالح - الرئيس اليمني للمتظاهرين ولا حتى البحرين، وترى الصحيفة ان اليمن والبحرين بلدان مهمان للاستراتيجية الامريكية اكثر من ليبيا على الرغم من النفط في هذا البلد.
وعلى الرغم من اللهجة الانتصارية والدعوات للتدخل بريا حيث فرق محللون في معسكر بين وضع جيوش على الارض لمساعدة الثوار وبين الاحتلال الا ان هناك مخاوف بدت في بعض التعليقات الصحافية مما اسمته التوتر بين المسؤولية الاخلاقية لحماية المدنيين ومساعدة الثوار للاطاحة بنظام القذافي.
وهي القضية التي برزت في افتتاحية 'الغارديان' التي اشارت الى التردد العربي الان بعد يومين من القصف وتصريحات امين عام الجامعة العربية، عمرو موسى، وقالت ان ما بدا وكأنه تردد عربي قد يعني تراجعاً في الدعم العربي للعمل العسكري، وقالت ان الدعم العربي ضروري، لانه هو الاساس الذي اقام عليها كل من ديفيد كاميرون- رئيس الحكومة البريطانية، وساركوزي واوباما مزاعمهم من ان العملية تحظى بدعم عربي واقليمي. وقالت ان تصريحات عمرو موسى ما هي الا اشارة لمحدودية القرار الذي صمم لحماية المدنيين.
وقالت ان التوتر بين مفهوم الحماية ودعم الثوار يتزايد يوما بعد يوم مشيرة الى ان الضربة الاولى للعملية جاءت بعد قيام طائرات ميراج فرنسية بقصف رتل تابع لقوات القذافي كان متجها الى بنغازي. وترى الصحيفة انه في ظل السيناريو الذي حددته الضربات ان القوة الان تحولت من القذافي الى صالح الثوار، مما يعني ان الثوار سيتجهون نحو طرابلس ويحاصرونها وقد يؤدي الحصار الى ثورة شعبية تنهي حكم القذافي وسيكون هذا جيدا لو حدث، لكن ماذا لو صمدت قوات القذافي وقاتلت ولم تثر طرابلس؟ هل يعني هذا ان تبقى القوات التابعة للثوار خارج المدينة فيما تقوم الطائرات البريطانية والفرنسية بتوفير الحماية لهم مما يعني ضرب المدنيين في طرابلس؟ في ظل هذا السيناريو سيبقى القذافي في السلطة، هذا في حالة وقف اطلاق النار.
وتحدثت عن معضلة الحملة على ليبيا، حيث قالت ان لا احد من الشركاء في العملية مستعد لقيادة الحملة، فالامريكيون يختفون وراء الاوروبيين والكل يعتمد على الجامعة العربية، وايا كان الحال فان كل دولة اشتركت في الحملة ستتحمل المسؤولية والتي قد لا تنتهي كما يرغب الجميع. حتى سوزان رايس التي كانت مستشارة لكلينتون اثناء مذبحة راوندا حيث قالت للراديو الوطني 'اختار ان اتحدث بصوت عال على ان اصمت' لكن ليبيا ليست رواندا.
بالنسبة لصحيفة 'التايمز' فالدول المتحالفة بدأت بداية جيدة ولا رجعة امامها حسب افتتاحية 'ديلي تلغراف'. وتعدد 'التايمز' عددا من الاوصاف البشعة ضد القذافي من المجنون الى الشرير وقاتل شعبه.
وتبرر الصحفية الضربة على قواته قرب بنغازي بانها رد فعل على خرق القذافي لوقف اطلاق النار. والاهم من ذلك في افتتاحية الصحيفة ان الواحد لا تنقصه الادلة كي يثبت ان القذافي فاقد شرعيته دوليا وامام شعبه وخرقه لاطلاق النار دليل على هذا.
ومن هنا فان الطريق نحو الاطاحة بات واضحا ومبررا. وترى مثل بقية الصحف ان الطريقة المثلى لتغيير النظام يجب ان تكون على يد الليبيين وبحراسة دولية لهم. ولكن معضلة المعارضة انها يجب ان تتعلم الانضباط والجرأة على تحدّي النظام في اشارة لتراجعها امام قواته قبل التدخل الدولي.
وحذرت 'ديلي تلغراف' من خطر التردد العربي الذي بدا في تصريحات عمرو موسى وامكانية تحول الدعم الى غضب عربي على التدخل الخارجي، داعية حلف الناتو للانتباه. وتخشى الصحيفة من وحدة التحالف الذي ضم العرب وترى ان نقطة ضعفه هي امريكا التي لم تظهر نواياها قائلة انه من الصعب قراءتها، كما انه لا يعرف حجم 'التضحيات التي التزم هو وكاميرون بتقديمها من اجل الاطاحة بالقذافي'، ومعها فكرة واضحة عن ليبيا فيما بعد القذافي ومن سيقود البلاد.
وترى انه يجب الان التفكير في الوجه القادم لما بعد المعركة وعدم التركيز كثيرا على العملية العسكرية التي تجري بنجاح ترى الصحيفة انه يجب الثناء فيها على كاميرون الذي بدا كزعيم دولة يستحق الاحترام.
من جهتها عبرت 'اندبندنت' التي تحدثت بصراحة عن دعمها للتدخل 'الليبرالي' عن قولها بان مزاعم النظام من وقوع قتلى بين المدنيين ( 48 قتلوا) و ( 150 جريحاً)، والارقام هذه التي قدمها لا يمكن التحقق من صحتها. وذكرت بان الوضع نفسه حصل عندما اتهمت قوات الناتو عام 1999 بقتل مدنيين عندما عاقبت نظام صربيا.
وقالت ان الاخيرة استخدمت الارقام من اجل حشد كل الصربيين ضد النظام، ولم تنفعه الارقام وسقط بشكل عملي. وترى ان وضعا كهذا يحدث في ليبيا لكنها حذرت من تأثير الحرب الدعائية للنظام على العالم العربي، خاصة في ضوء تصريحات عمرو موسى والانتقاد الروسي والصيني ودعوة الاتحاد الافريقي لحل افريقي للازمة.
ودعت الصحيفة الغرب الى تقرير مصير العملية ومتى تنتهي من خلف الاضواء خاصة ان العملية ومحدوديتها قد تؤدي لبقاء القذافي في الحكم او تقسيم البلاد. وبدون هذا التفكير فان الغرب سيجعل من الوضع في ليبيا اسوأ بدلا من حله.
ولهذا حذر تحليل في نفس الصحيفة من ان النزاع في ليبيا لديه قابلية لانتاج كارثة مثل العراق وافغانستان، خاصة ان الدول الغربية لن تجد شريكا حقيقيا للحكم. وقال ان القيادات المحلية التي تظهر في هذه الظروف هي تلك التي تتحدث اللغة الانكليزية بطلاقة وتجد راحة في التعامل مع امريكا، ومثل العراق فان العامل النفطي في ليبيا لديه احتمال انتاج اوتوقراطية فاسدة.
وقال التقرير ان الليبيين الطامحين للتقدم للقيادة خلال الفترة القادمة سيراكمون اموالا كثيرة. ومع ان التحليل يرى ان القذافي سيهزم سريعا الا ان من سيحلون محله لن تكون لهم سلطة بل الدول التي ساعدت في الاطاحة به، ولن يمضي الوقت قبل ان يكتشف العالم العربي كما اكتشف في الحالة العراقية وافغانستان نفاق القوى هذه وانها كانت مدفوعة بمصالحها الذاتية.
وهي نفس الدوافع التي تقف وراء حماس ساركوزي وكاميرون الذي يريد اثبات سلطته وسوزان رايس التي تريد التطهر من عقدة رواندا واوباما الطامح لولاية ثانية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق