"الزهايمر".. خرف يصيب المسنين
بقلم الدكتور جابي كيفوركيانمن المعروف أن عدد الذين يعانون من خرف الزهايمر على نطاق عالمي يبلغ نحو 35 مليون شخص. وهذا الرقم آخذ بالارتفاع بسرعة هائلة نتيجة زيادة أعمار المسنين، وارتفاع عددهم في العشرين سنة الأخيرة. ويتوقع أن يصل عدد المرضى على مستوى العالم عام 2030 نحو 65 مليون شخص و 115 مليون شخص عام 2050. وهذه الزيادة تعود الى ارتفاع مستوى الخدمات الصحية، عموماً، والاجتماعية للمسنين خصوصاً.
وأشارت الدراسات والأبحاث المختلفة الى أنه كل 71 ثانية يصاب شخص ما بمرض الزهايمر، وأن نحو 5 – 11 في المئة ممن هم فوق سن 65 عاماً يعانون من مرض الزهايمر، بينما تتراوح هذه النسبة نحو 51 في المئة عند مَن هم فوق سن 85 عاماً. وهذا المرض أكثر انتشاراً عند النساء منه عند الرجال (وذلك لكون النساء يعشن أطول عمراً من الرجال).
وأشارت هذه الدراسات أيضاً الى أن 71 في المئة من مرضى الخرف يعانون من مرض الزهايمر.
وينسب مرض الزهايمر الى الطبيب الألماني Alois Alzheimer، الذي يعتبر من أشهر اختصاصيي طب الأعصاب والمحاضرين فيه.
ولد البروفسور الزهايمر في العام 1864 وتوفي في العام 1915. وفي عام 1907 وصف لأول مرة هذا النوع من الخرف عند امرأة تبلغ من العمر 51 عاماً. وكون عمر هذه المرأة أقل من 65 عاماً، فقد وصف الزهايمر هذا المرض بأنه خرف من النوع "ما قبل الشيخوخة Presenil Dementia"، اعتقاداً منه بأنه يصيب غير المسنين فقط. غير أنه تبين لاحقاً بأنه يصيب، بنسبة أعلى، الأشخاص فوق سن 65 عاماً (خرف الشيخوخة Senile Dementia).
ويصيب مرض الزهايمر الخلايا العصبية (العصبونات Neurons) في الدماغ، ويؤثر سلباً في المريض من الناحية العقلية والنفسية والسلوكية والاجتماعية، ويعتبر من أكثر أنواع الخرف شيوعاً، يليه الخرف الوعائي (الأوعية الدموية) Vascular Dementia والخرف المصحوب بأجسام لوي Dementia with lewy bodies والخرف الجبهي – الصدغي Frontotemporal Dementia.
والخرف هو اضطراب دماغي يؤثر بشكل خطير في أداء المريض لحاجاته وأنشطته اليومية. ومن الناحية التشريحية يؤثر مرض الزهايمر سلباً في مناطق الدماغ المسؤولة عن تنظيم والتحكم بالذاكرة والتفكير واللغة.
وأسباب الخرف، عموماً، معروفة لدى العاملين في الحقل الطبي، غير أن أسباب مرض الزهايمر بالذات ما زالت مجهولة، بالرغم من وجود عدة نظريات لها. كذلك لا يوجد علاج شاف له، وعاقبته وخيمة.
وهنالك ثلاث حقائق عن مرض الزهايمر أود أن يعرفها أفراد مجتمعنا، وهي:
مرض الزهايمر ليس بالقدر المحتوم للشيخوخة: الخرف لا يصيب كل شخص، وهو مرض شديد وصعب، ويجب أن نحارب الوصمة التي تصاحبه.
ما زال العلماء غير متأكدين من سببه: وهذه الحقيقة تجعل الدعم المادي للأبحاث والدراسات في هذا المجال واجباً أساسياً وضرورة قصوى، تقع على عاتق جميع أفراد مجتمعاتنا.
المريض المصاب بالزهايمر بحاجة للرعاية: المريض وذووه بحاجة للدعم المعنوي والحب والحنان. ومن الضروري بمكان أن نجد العلاج لهذا المرض، غير أنه من الأجدى أن نفعل ونقدم ما نستطيع تقديمه للمريض وأولياء أموره، الى حين التوصل لعلاج شاف إن شاء الله.
وفي بحث قمت به تبين لي أنه في عام 1994 بلغت نسبة المرضى المصابين بمرض الزهايمر في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين يعيشون في بيوتهم وليس في مؤسسات خاصة بالمسنين، نحو 98 في المئة. في حين كادت أن تصل هذه النسبة عام 2001 الى مئة في المئة.
وتأسيساً على ما سبق، أستطيع أن القول إنه يجب علينا دعم المؤسسات الخيرية والاجتماعية التي تعمل من أجل رفع مستوى الخدمات الصحية والاجتماعية للمسنين. فالقيام بزيارة بيت شخص مسن وتقديم وجبة طعام ساخن له، اضافة الى الدعم المعنوي والمادي، يعني الشيء الكثير له ولأهله.
وقبل الحديث عن مرض الزهايمر، وكي يكون من السهل على القارئ الكريم استيعابه وفهمه، أرى من المناسب أن أعطي فكرة عن "الذهان العضوي" Organic Psychoses المعروفة أيضاً باسم "متلازمات الدماغ العضوية" Organic Brain Syndromes.
يشير مصطلح متلازمات الدماغ العضوية الى مجموعة من الأمراض الذهانية الناتجة من تغيرات بيولوجية – عضوية في الدماغ، تنتج إما عن تغيرات في الدماغ نفسه (مثل الأورام، والصدمات والتغيرات التحليلية – الإنحطاطية..)، أو عن أمراض خارج الدماغ، ولكن تؤثر فيه بطريقة أو بأخرى (مثل الميكسيديما، والتهاب الرئة، وفشل كل من الكبد والقلب والكلى..).
واستناداً إلى مدى انتشار الإيذاء العضوي في الدماغ، فإن الحالات تقسم الى قسمين، هما:
عامة: وتشمل التغيرات المرضية كل قشرة الدماغ. ويكون ناتجاً من ارتفاع الضغط داخل الجمجمة.
موضعية: وتكون التغيرات فيها محصورة في منطقة معينة من الدماغ، ويؤثر الإيذاء العضوي في وظيفة معينة فقط. ويكون ناتجاً من ورم في منطقة معينة من الدماغ.
وبناء على مساق (مسلك) Course النوع العام، الذي يشمل كل قشرة الدماغ، فإننا نستطيع أن نصنف مساق الإيذاء الى قسمين رئيسيين، هما:
حاد: ويعرف أيضاً باسم "الهذيان" Delirium، أو حالة الارتباك الحاد وتشويش الوعي والإدراك. وهنا تبدأ أعراض المرض بشكل مفاجئ، وتنتهي خلال فترة زمنية ليست بالطويلة.
مزمن: ويعرف أيضاً باسم "الخرف" Dementia، وفيه تبدأ الأعراض بشكل تدريجي لتدوم طويلاً.
وبما أن مرض الزهايمر هو نوع من أنواع الخرف، فسنتكلم أولاً عن الخرف بشكل عام (دون التطرق للهذيان)، ومن ثم سنناقش مرض الزهايمر بشكل خاص في الحلقة القادمة ان شاء الله.
الخرف
بعكس الهذيان فإن وعي المريض هنا لا يشوش، غير أنه يفقد القدرة العقلية والفكرية والذكاء والمهارات الاجتماعية، وقد دلت الدراسات على أن نحو 10 في المئة من الناس فوق سن 65 يعانون من الخرف، في حين تبلغ هذه النسبة عند المسنين الذين يبلغون من العمر 75 عاماً وما فوق 20 في المئة.
وإذا كان المريض تحت سن 65 تدعى حالته "الخرف ما قبل الشيخوخة" Presenile Dementia، أما إذا كان المريض فوق سن 65 فتدعى حالته "خرف الشيخوخة" Senile Dementia.
وأشارت الدراسات أيضاً الى أن 71 في المئة من مرضى الخرف يعانون من مرض الزهايمر.
أسباب الخرف
تقسم الأسباب المؤدية للخرف الى قسمين رئيسيين يؤثران في الدماغ، هما:
أسباب داخل الجمجمة:
الصدمات: صدمات متكررة للرأس (الدماغ)، مثل الملاكمة وكرة القدم.
العدوى: الإيدز، السفلس، التهاب الدماغ والسركويدية.
أمراض الأوعية الدموية: التهاب الشرايين الدماغية، انسداد الشريان السباتي Carotid Artery، والخرف متعدد الاحتشاء Multi-infarct.
آفة تحتل حيزاً: ورم، نزيف تحت الأم الجافية Subdural.
إنحلال (انحطاط) Degeneration: خرف الشيخوخة، مرض الزهايمر، الشلل الرعاشي Parkinson والتصلب المتعدد Multiple Sclerosis.
الضمور الكحولي Alcoholic Atrophy.
أسباب خارج الجمجمة:
استقلابي Metabolic: فشل الكبد، التأثيرات السرطانية، وتبلون الدم Uremia (تجمع البول في الدم).
الغدد الصماء Endocrine: ميكسيديما، مرض أديسون، هبوط السكر في الدم، أمراض الغدد نظيرة الدرقية Parathyroid.
نقص الأكسجين Anoxia: فقر الدم الشديد Anemia، فشل القلب والجهاز التنفسي المزمن.
سموم: الكحول، البربيتورات Barbiturates، التسمم بالمعادن الثقيلة.
نقص الفيتامينات: النقص المزمن والملحوظ لفيتامينات B1 و B12 وحامض الفوليك.
الصورة السريرية للخرف
تعزى العلامات والأعراض السريرية للخرف الى التدهور العام في الوظيفة العقلية Intellect، وتبدأ تدريجياً بحيث تتمكن التغيرات العقلية المرضية من التقدم والتطور والرسوخ دون ملاحظتها مبكراً.
ويلاحظ أن بعض الحالات المرضية التي تسبب الخرف غير قابلة للإصلاح والتراجع، وبالتالي غير قابلة للعلاج والشفاء، وأكثر هذه الحالات شيوعاً لدى كبار السن والشيوخ هي: مرض الزهايمر والخرف متعدد الاحتشاء.
أما الحالات القابلة للتحسن والعلاج، فهي: الحمى، فقر الدم، الجفاف، نقص الفيتامينات، سوء التغذية، التأثيرات الجانبية لبعض الأدوية، فشل القلب والكبد، مرض أديسون، هبوط السكر في الدم، أمراض الغدة الدرقية ونظيراتها والصدمات الخفيفة على الرأس. لذلك فإن التدخل العلاجي السريع في مثل هذه الحالات قد يؤدي الى تلاشي وعدم رسوخ الخرف الناتج منها.
المظهر والسلوكيات: يكون المريض غير متعاون مع أفراد عائلته، ولا يستطيع التعامل مع المواقف والأوضاع الاجتماعية، وعادة ما يكون شارد الذهن، مشوشاً وغير هادئ. ومن المحتمل أن يلجأ إلى السرقة من الحوانيت (غير متعمد، أي دون إدراك ما يفعل)، كذلك من المحتمل أن يلجأ الى سلوك جنسي وغير أخلاقي، مستهجنة وغير لائقة اجتماعياً، مثل مداعبته لجهازه التناسلي أمام الآخرين، أو التبول في الشارع علناً، أي دون الانزواء في ركن أو زاوية من زوايا الشارع. ومع تقدم المرض تبدأ علامات إهمال الذات بالظهور، فنرى المريض لا يهتم بقواعد النظافة والسلامة العامة والذاتية، ثم يفقد السيطرة والتحكم بالبول والغائط.
تدهور الذكاء والقدرات العقلية: يفقد المريض المقدرة على معرفة المكان والزمان والإنسان، وحتى الذات (تيهان أو توهان). ويضطرب عنده التركيز والانتباه، ويعاني من فقدان الذاكرة Amnesia (وهذه من أبرز أعراض الزهايمر) وبخاصة الذاكرة الحديثة والجديدة، مثل نسيانه لمكان ممتلكاته الخاصة والشخصية (أي أين وضع حقيبته أو نظاراته؟)، كذلك فإن المريض ينسى أين كان قبل فترة وجيزة؟ ومن المحتمل أن يتوه أو يفقد طريقه الى البيت، أو أماكن عادة ما تكون مألوفة لديه، ومن الصعب عليه تعلم أو اكتساب معلومات جديدة.
تشوش وسوء التفكير: يلاحظ لديه بطء الكلام والتفكير، ويعاني المريض من ضلالات (توهم) Delusions، وتعرف الضلالات بأنها معتقدات خاطئة، يتمسك بها المريض عن إيمان واقتناع راسخين، رغم كل الدلائل والبراهين المعارضة لها (أي لا يمكن إثباتها بالحجج والبراهين)، ولا يشاركه معتقداته الخاطئة هذه أشخاص آخرون من نفس الخلفية الثقافية والاجتماعية والذكاء. ومن أهم الضلالات التي يعاني منها المريض ضلالات الاضطهاد Persecutory، وهي معتقدات تتعلق بأشخاص أو منظمات، حيث يعتقد المريض خطأ بأن شخصاً أو جماعة من الناس تحاول إلحاق الأذى والضرر به، أو الإساءة له ولسمعته أو حتى قتله. فمثلاً، بسبب نسيانه لمكان وضع فيه ممتلكاته الخاصة وعدم تمكنه من العثور عليها، يعتقد خطأ أن أفراد عائلته أو المقربين اليه يسرقونه، كذلك يعاني من ضلالات زورانية Paranoid، وهي عبارة عن مجموعة من ضلالات الاضطهاد والعظمة والجنس والغيرة.
تشويش الإدراك الحسي: من المحتمل أن يعاني المريض من جميع أنواع الهلوسة Hallucinations وتعرف الهلوسة بأنها تسجيل المنبهات الخارجية دون وجودها الفعلي (بمعنى آخر هي إدراك حسي غير قائم على أساس أو تأثير منبهات خارجية = الحواس الخمسة)، فمثلاً رؤية المريض لحيوانات أو أشخاص غير موجودة، أو سماعه لصوت شخص يتكلم معه، بينما في الحقيقة لا يوجد أحد هناك يتكلم، وهكذا الأمر مع باقي الحواس.
وأكثر الهلوسات الخاصة بالذهان العضوي، هي الهلوسة البصرية Visual، غير أن المريض قد يعاني من باقي أنواع الهلوسة (السمعية والذوقية والشمية واللمسية).
تشويش المزاج: يلاحظ في مراحل المرض المبكرة هيجان أو قلق Anxiety أو اكتئاب. ومع تقدم المرض يبدأ المريض بالمعاناة من المزاج المتقلب وغير المستقر.
البصيرة الذاتية Insight: تكون البصيرة الذاتية عند المريض مشوشة. وتعرف البصيرة الذاتية بأنها إدراك المريض لطبيعة وأسباب حالته المرضية. غير أن المريض هنا لا يدرك ولا يتقبل حقيقة كونه مريضاً وبحاجة لعلاج.
علاج الخرف
من المهم جداً معرفة المرض الذي يقف وراء حدوث الخرف، ففي حالة كون السبب قابلاً للعلاج يجب علاجه في أسرع وقت ممكن. أما في حال كون السبب غير قابل للعلاج، فيجب تقديم الدعم المعنوي والإرشادي لعائلة المريض، وإرشادهم عن كيفية العناية به من ناحية الصحة العامة والنظافة والتغذية. فالدعم والإرشاد لأهل المريض يساعدان على التغلب على الإحباط والقلق والارتباك الذي يدخل عادة فيه الأهل. وبما أن نسبة كبيرة من المسنين، في المجتمعات العربية والمصابين بالخرف، يبقون في بيوتهم ولا يعيشون في المؤسسات الخاصة بالمسنين، فإنه تقع على عاتق المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية مسؤولية تقديم المساعدة البيتية لهم، مثل إرسال أفراد للمساهمة في التثقيف الصحي للأهل، وبخاصة من جهة العناية الصحية والنظافة وتوفير الغذاء والملابس المناسبة، إذا احتاج الأمر ذلك.
ويفضل عدم إعطاء الأدوية المضادة للذهان أو الاكتئاب إلا في حالات خاصة، لأنها قد تشكل خطراً على المريض وأهله، مثل الهيجان والضلالات والهلوسة، التي قد تؤدي بالمريض الى سلوكيات محرجة أو خطيرة.
عواقب الخرف
كما ذكرنا سابقاً، ففي حال كون السبب قابلاً للعلاج فقد تكون النتيجة جيدة، غير أنه في معظم الحالات يكون الخرف غير قابل للعلاج، وبالتالي تكون العواقب وخيمة. فمثلاً يؤدي مرض الزهايمر الى الموت بعد 5 – 15 سنة من تشخيص المرض.
من أهم خصائص مرض الزهايمر انه يسبب فقداناً تدريجياً للذاكرة (نسيان)، يتبعها خرف بطيء التطور. اما التغيرات التشريحية التي تصيب الدماغ، والمرئية بالعين المجردة، فتتمثل في تناقص حجم، او مقدار، التلافيف gyri المخية للفصين الجبهي Frontal والصدغي Temporal، مع الحفاظ النسبي على كل من القشرة المحركة والحسية. في حين تتمثل التغيرات المجهرية في الدماغ في زيادة ظهور تكوينتين شاذتين، هما:
لويحات نشوانية Amyloid Plaques: وهي عبارة عن كتل بروتينية (زلالية) تتجمع خارج الخلايا العصبية.
تشابكات ليفية عصبية Neurofibrillary Tangles: وهي عبارة عن كتل وتشابكات من الزلال المتغير داخل الخلايا العصبية.
وهذه اللويحات والتشابكات تؤدي الى موت الخلايا العصبية في الدماغ.
وأشارت الدراسات الى ان 4-7 في المئة ممن هم فوق سن 65 عاماً يعانون من مرض الزهايمر، بينما تتراوح هذه النسبة ما بين 35 و 50 في المئة لدى من هم فوق سن 85 عاماً.
وهذا المرض أكثر انتشاراًعند النساء منه عند الرجال، وذلك لكونهن يعشن اطول عمراً من الرجال. ونادراً ما يصيب هذا المرض افراداً تحت سن الاربعين عاماً. ويعتبر مرض الزهايمر من اكثر انواع الخرف انتشاراً عند الاشخاص فوق سن 65 عاماً. ودلت الدراسات ان 63-71 في المئة من مرضى الخرف يعانون من خرف الزهايمر.
أسباب الزهايمر
الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا المرض ما زالت غير معروفة، غير انه اضافة الى التغيرات التشريحية المذكورة سابقاً، هنالك عدة عوامل تساعد على تطور خرف الزهايمر، وهي:
1. السن: يتضاعف عدد الذين يعانون من هذا المرض كل خمس سنوات من العمر بعد سن 65 عاماً.
2. المورثات: دلت بعض الدراسات ان النوع المبكر من هذا المرض يعود الى أسباب وراثية (جينية).
ويعتبر مرضى متلازمة داون (المنغولية) Down Syndrome من اكثر الافراد المعرضين للاصابة بمرض الزهايمر المبكر.
الصورة السريرية لألزهايمر
إضافة الى العلامات والأعراض التي ذكرت في الصورة السريرية للخرف سابقاً، هناك أعراض وعلامات مميزة لمرض الزهايمر، وعادة ما تكون بداية المرض تدريجية وغدارة، أي ينمو ويتطور على نحو تدريجي، الى حد يمكنه من الرسوخ والتمكن قبل أن يكتشف، فيصبح من الصعب علاجه. ومن المحتمل أن يلاحظ المرض بعد حوالي سنة أو أربع سنوات من بداية التغيرات التشريحية والوظيفية. وفي بعض الحالات قد تصل هذه المدة الى أطول من ذلك.
وهنالك نوعان من مرض الزهايمر، هما:
الزهايمر ما قبل الشيخوخة: ونسبة انتشاره أقل من النوع الذي سيلي شرحه، واحتمالية الوراثة فيه أقوى، وهو سريع التطور، وتلاحظ فيه علامات وأعراض ناتجة عن تلف الفص الصدغي والجداري Parietal من المخ. وتتمثل هذه الأعراض بما يلي: عسر التلفظ والكلام، عدم المقدرة على تنسيق وترتيب الكلمات والجمل بالطريقة الملائمة Dysphasia، كذلك يفقد المريض المقدرة على التعبير بالكلام والنطق والإيماء، وحتى الكتابة Aphasia. ويلاحظ أيضاً خلل التناسق، أي عدم المقدرة الجزئية على أداء الأفعال والحركات المتناسقة Dyspraxia، وفقدان القدرة على القيام بحركات هادفة Apraxia.
الزهايمر الشيخوخي: ونسبة انتشاره أعلى من النوع الأول، واحتمالية الوراثة أقل، وهو بطيء التطور، وتلاحظ فيه علامات وأعراض ناتجة عن تلف عام وشامل في المراكز والوظائف الأكثر تطوراً في قشرة المخ.
وأما العلامات والأعراض المشتركة في النوعين، فهي:
فقدان الذاكرة: من أكثر الأعراض الشائعة والمبكرة للمرض هي نسيان المعلومات والأحداث الحديثة أو الجديدة (يليها نسيان المعلومات القديمة). فمثلاً ينسى المريض بشكل متكرر أين وضع ممتلكاته الخاصة، أو أن ينسى تاريخ ميلاده أو اسم زوجته. ومن المهم هنا أن أشدد على أن المريض يفقد الذاكرة بشكل بطيء وتدريجي قد يستغرق عدة سنوات مع الحفاظ على وعيه. ولا يجوز تشخيص الزهايمر عند مريض يعاني من ضبابية الوعي والهذيان.
تيهان بالزمان والمكان: من الطبيعي أن ينسى الإنسان في أي يوم هو من الأسبوع، أو أي مكان كان يريد الذهاب إليه، غير أنه من غير الطبيعي أن يتوه ويضيع في المنطقة أو الشارع الذي يعيش فيه. إذ من المحتمل أن يخرج المريض من بيته ولا يعود إليه إلا بعد أيام، أو قد لا يعود مطلقاً، إذ يتوه في الشوارع أو المدن المجاورة لمكان سكناه. ويكمن الإحراج في حال توهان المريض ودخوله بيت الجيران، بدلاً من دخول بيته.
الأعراض الخاصة بالذهان: يعاني المريض من الهلوسة والضلالات.
تغير في السلوك والمزاج: إما أن يكون المريض هادئاً أو هائجاً، انعزالياً أو عدوانياً، وقد يخاف من صورته الشخصية في المرآة. وقد يكون مكتئباً، عديم الاهتمام بالنظافة العامة، لا مبال، ولا يتقيد بالعادات والتقاليد الاجتماعية السوية. ولا يتعرف على أفراد عائلته.
عدم المقدرة على القيام بالمهام المألوفة: لا تستطيع المريضة إعداد الطعام بالشكل السليم، وتفقد مقدرتها على القيام بالمهارات والواجبات البيتية الأخرى.
مشاكل لغوية: من الطبيعي أن لا يجد الإنسان أحياناً الكلمة المناسبة لشيء معين، غير أنه من غير الطبيعي أن ينسى اسم "فرشاة الأسنان"، وبدلاً من ذلك يستخدم عبارة "الشيء الذي أنظف به أسناني".
عدم المقدرة على التمييز: فمثلاً قيام المريض بارتداء ملابس ليست ملائمة للطقس، أو إعطا البائع نقوداً أكثر من المطلوب مقابل بضاعة معينة.
وضع الأشياء في المكان غير المناسب: من الطبيعي أن يضع الإنسان أحياناً أشياء في غير مكانها الطبيعي أو المعتاد، وفي حدود المعقول، غير أنه من غير الطبيعي أن يضع المكواة في الثلاجة، أو الحذاء الذي خلعه للتو على السرير.
عدم التحكم بالبول والغائط: في مراحل المرض المتقدمة يفقد المريض السيطرة على البول والبراز (الغائط).
فقدان الحواس الخمس Agnosia: يفقد المريض أحد الحواس الخمس أو عدداً منها، فنراه غير قادر على الرؤية أو السمع.. وهكذا.
ويتم تشخيص المرض بناء على السيرة والتاريخ المرضي، وبناء على نتائج الفحص للحالة العقلية، أما الفحوصات الشعاعية (من طبقية وغير طبقية) للدماغ فتستخدم فقط لتأكيد المرض وليس لنفيه.
علاج الزهايمر
لا يوجد علاج ولا شفاء لمرض الزهايمر. ويقتصر التدخل العلاجي على تحسين أو التخفيف من المشاكل والأعراض السلوكية والعصبية والاجتماعية. ومن هذا المنطلق فإن كل الأدوية وأشهرها Aricept (Donepezil)، لا يحدث إلا تحسناً ضئيلاً ولفترة قصيرة من الزمن، وبعدها يعود الحال الى ما كان عليه.
أما بالنسبة للأدوية المضادة للذهان والاكتئاب، فمن الممكن إعطاؤها للمريض فقط في الحالات التي قد تشكل خطراً على المريض وعلى الأشخاص من حوله. أو في حالة وجود تصرفات غير مقبولة اجتماعياً وأخلاقياً.
ويبقى التثقيف الصحي لأهل المريض وكيفية التعامل معه هما السبيل الوحيد للسيطرة على سلوكيات المريض المحرجة والخطرة عليه وعلى الناس من حوله. ويجب وضعه تحت المراقبة ليلاً ونهاراً، وإدخال تعديلات على تركيبة وترتيب البيت الذي يعيش فيه، بحيث يسهل عليه القيام بالنشاطات والواجبات اليومية، وهذا طبعاً في حال عدم إدخال المريض الى مؤسسات رعاية المسنين أو المصحات العقلية.
وأشارت دراسة قمت بها في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1994، الى أن 98 بالمئة من مرضى الزهايمر يعيشون في بيوتهم وليس في مؤسسات رعاية المسنين، في حين كادت هذه النسبة أن تصل الى 100 بالمئة عام 2001.
عواقب الزهايمر
وتتراوح مدة بقاء المريض على قيد الحياة، بعد بداية أعراض وعلامات المرض، ما بين 1 – 20 عاماً (المتوسط 8 سنوات). والأسباب الرئيسية للوفاة هي: سوء التغذية والعدوى بأحد الأمراض الجرثومية – المعدية، وخاصة التهاب الرئة (وقد يعود سبب التهاب الرئة لعدم مقدرة المريض على بلع الطعام، وبالتالي دخوله الى مجرى التنفس).
وأخيراً قد يقع المريض ويتلقى ضربة على رأسه نتيجة ذلك ما يؤدي الى وفاته.
0 التعليقات :
إرسال تعليق