السودان والسودان الجنوبي: حقبة جديدة وفرص جديدة
في يوم 9 يوليو (تموز)، وفي أعقاب عقود من الحرب الأهلية، أصبح السودان الجنوبي دولة مستقلة، بعد انفصاله رسميا عن السودان. غير أن هناك عدة مشكلات - أبرزها الحدود المحيطة وتقاسم العائدات النفطية والعملات - ما زالت بحاجة إلى حلول. إلا أن مشاركة رئيس السودان الشمالي، جنبا إلى جنب مع رئيس السودان الجنوبي في الاحتفال بميلاد الدولة الجديدة، دلالة مبشرة على توقعات إيجابية تتعلق بالتعاون المثمر بين البلدين، الأمر الذي من شأنه في النهاية أن يعزز السلام الدائم بينهما.
غير أن ثمة تحديات وفرصا جديدة بانتظار الدولتين.
السودان يدخل حقبة جديدة من التطور الاقتصادي. وفي الوقت الذي أدت فيه الزيادة الملحوظة في إنتاج النفط في الدولة على مدار العقد الماضي إلى رفع معدلات النمو ومستويات المعيشة وإدرار الدخل اللازم، فقد قللت من التأثيرات الإيجابية على القطاع غير النفطي في السودان، من خلال أسوأ التبعات الممثلة في معاناة عدد هائل من السودانيين من الفقر المدقع.
وفي الوقت الذي يتوقع فيه أن تشهد عائدات السودان من إنتاج النفط في الجنوب هبوطا حادا، بات من الأكثر أهمية الآن عن أي وقت مضى تحويل الاقتصاد من اقتصاد معتمد على النفط فقط إلى آخر أكثر تنوعا. فتطوير الزراعة والصناعات الخفيفة يحمل إمكانات نمو هائلة على المدى المتوسط والطويل. ومن خلال التركيز بشكل أكبر على الزراعة على وجه الخصوص، باتخاذ إجراءات تهدف إلى توسيع نطاق الفرص المتاحة للمزارعين المحليين وزيادة الإنتاجية الزراعية، مثل حوافز الائتمان وتحديث البنية التحتية الخاصة بالري، يمكن مساعدة الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة متوسط الدخل والارتقاء بالإمكانيات التجارية. ويعتبر تطوير قطاع الخدمات بمثابة سبيل واعد للتنوع. ويمكن أن تلعب الصناعات الاستخراجية خلاف استخراج النفط دورا أيضا، مثلما يتجلى في زيادة أنشطة استخراج الذهب شديدة الأهمية. وفي جميع الحالات، سيكون دور القطاع الخاص في إعادة تشكيل اقتصاد الدولة حاسما.
ومن شأن نظام اقتصاد كلي صحي، ممثل في معدل تضخم منخفض ووجود أسواق صرف أجنبية فعالة، أن يدعم الاستثمار المطلوب والنمو والحد من الفقر.
وسيكون من المهم بالمثل وضع استراتيجية للحد من الفقر من خلال عملية مشاركة كاملة تشمل المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني وشركاء التطوير.
ويعتبر الدين الخارجي للسودان، المقدر بنحو 40 مليار دولار، مرتفعا جدا، وكان لدى السودان متأخرات للكثير من الدائنين على مستوى العالم لعدة سنوات، الأمر الذي قوض إمكانية حصوله على تمويل من الخارج. وربما يمهد تطبيع السودان العلاقات المالية مع المؤسسات الرئيسية متعددة الأطراف والدول المانحة الطريق لكل من تدفق موارد مالية جديدة وتخفيف عبء الديون.
وسيسهم الحصول على التمويل الأساسي اللازم للتطوير في تحسين مستوى معيشة ملايين السودانيين، كما سيساعد في دعم القابلية للتطور على المستويين السياسي والاقتصادي لكل من السودان والسودان الجنوبي.
ولا يزال السودان الجنوبي يظهر إشارات لحرب أهلية طويلة الأمد، وعلى الرغم من الثروة النفطية لهذه الدولة، فإنها تندرج ضمن أقل الدول تطورا في العالم. ووفقا لمعظم مؤشرات الأهداف الإنمائية للألفية، يأتي جنوب السودان في مرتبة أدنى من السودان وفي مرتبة متوسطة بين دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى – في بعض الحالات بفارق كبير. ونحو نصف الأطفال في الدولة مسجلون في مدارس ابتدائية، ولكن نسبة 10 في المائة فقط هي التي تستكمل دراستها. وتعتبر البنية التحتية سيئة المستوى على نحو مخيف: فالطرق الممهدة تغطي نحو 100 كيلومتر فقط في دولة تقارب في مساحتها مساحة فرنسا، كما لا توجد مطارات تتوافق ومعايير الطيران المدني الدولية، فضلا عن أن روافد النهر ليست صالحة للملاحة بعد.
السودان الجنوبي في مرحلة مبكرة من التطور الاقتصادي، ولكن لديه إمكانات هائلة. فالدخل العائد من النفط يوفر فرصة للاستثمار في التطوير الاجتماعي وتطوير البنية التحتية، غير أنه يجب ادخار جزء من الدخل للمستقبل، نظرا لأن معدل إنتاج النفط بدأ يقل بالفعل. وتسهم الموارد الهائلة الممثلة في الماشية والثروة السمكية والغابية، بالإضافة إلى سقوط الأمطار وخصوبة الأرض في جعل الزراعة محركا محتملا للنمو غير المعتمد على النفط. ويتطلب الاستغلال الأمثل لهذه الموارد القيمة من أجل تحقيق نمو دائم وشامل إدارة الميزانية بشفافية وفاعلية ووضع إطار قانوني قوي، فضلا عن دعم القطاع المالي. ويمكن أن يساعد الخبراء الأجانب في هذا الشأن – أيضا لبناء قاعدة مهارات من أجل إنشاء مؤسسات حكومية أساسية فاعلة، ومن بينها مصرف مركزي لطرح عملة جديدة وإدارتها.
وبالنسبة لكل من السودان والسودان الجنوبي، سيعتمد الرخاء الاقتصادي المستقبلي، الذي من شأنه أن يسهم في تعزيز السلام بدرجة كبيرة على زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. ويتطلع صندوق النقد الدولي إلى التعاون مع البلدين في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية لتمكينهما من استغلال إمكاناتهما الاقتصادية في دعم النمو الشامل بما يعود بالنفع على أهل السودان والسودان الجنوبي على حد سواء.
* المدير الإقليمي لصندوق
النقد الدولي
في منطقة الشرق الأوسط
وآسيا الوسطى
0 التعليقات :
إرسال تعليق