ذكرى مرور قرنين على الخريطة التي شكلت مدينة نيويورك
شبكة شوارع المدينة ألهمت الكثير من المخططين في أماكن أخرى بالعالم
|
نيويورك: سام روبرتس *
أدانها الأديب هنري جيمس قبل قرن من الآن بوصفها «لعنة طبوغرافية جوهرية»، ورد عليه ريم كولهاس، المهندس المعماري والمخطط الحضري بأنها صورة ثنائية الأبعاد خلقت حرية غير معهودة من الفوضى ثلاثية الأبعاد. ومؤخرا وصف مؤرخان خريطة مدينة نيويورك بأنها، بغض النظر عن الأخطاء التي شابتها، أهم وثيقة أحادية شاهدة على تطور نيويورك. تعود الخريطة إلى مائتي عام عندما أقر مفوضو شوارع المدينة مخطط الشوارع الذي كان أولى خطوات تحول نيويورك إلى مدينة الزوايا - الشبكة قائمة الزاوية الصلبة التي أسهمت في بعث تنمية غير مسبوقة وزحاما مروريا ولا مبالاة في اتباع قواعد المرور وجيلا جديدا من أصحاب الأعمال الذين أسهموا في رفع قيمة العقارات في مانهاتن.
ولا يزال النقاش محتدما حتى الوقت الراهن حول الشبكة، التي وضعت تخطيطا لأحد عشر حيا رئيسيا و155 تقاطعا في المدينة على أثرها نشأت مانهاتن الحديثة.
كانت شبكة الشوارع ميالة إلى المساواة إلى حد بعيد، فمن خلال تحويل الملايين من الياردات المكعبة من التراب والصخور خلقت مساحات من أماكن البناء المتواضعة متساوية في الوقت ذاته (غالبيتها ما بين 25 إلى 100 قدم مربع) متوافرة للشراء. وإن كانت قد عززت ما رآه دي توكويفل بأنها رتابة لا هوادة فيها، فإن إحداثياتها تمكن السائقين والمشاة من معرفة مكانهم على وجه الدقة سواء أكان جسديا أو مجازيا.
وقد كتب رونالد بارثيز، الفيلسوف الفرنسي الذي عاش في القرن العشرين «هذا هو الهدف من تخطيط مدينة نيويورك.. أن يستشعر سكانها بأنهم أصحاب عاصمة العالم».
شبكة الشوارع التي أقرها مفوضو شوارع المدينة في 22 مارس (آذار) 1811، دشنت حقبة التنمية عبر إنشاء سبعة أميال من مداخل الشوارع المتوقعة والمنتظمة، كما وضعت أيضا أسس العمل لما يقرب من ألفي فدان من الأراضي التي ستضاف إلى الجزيرة خلال القرنين القادمين. وخلص المفوضون إلى أن نيويورك ستتألف بصورة أساسية من سكان من الذكور، وأن المنازل ذات الجوانب المستقيمة والزاوية اليمينية هي الأرخص في البناء والأكثر ملاءمة للعيش فيها.
الشبكة، التي تضمنت بعض الطرق التي لا تزال قائمة، تثبت أيضا القدرة المثيرة للدهشة على التكيف. فقد استوعبت السيارات (بعد تشذيب الأرصفة والأروقة). وسمحت للمخططين بتأسيس حديقة سنترال بارك في القرن التاسع عشر، والبنايات البالغة الضخامة كتلك الكائنة في ستوفيسانت تاون ومركز لينكولن في القرن العشرين، وفي القرن الحادي والعشرين امتدت الشبكة غربا لتشمل بعض المباني السكنية على جادة ريفرسايد بوليفارد.
وتقول أماندا بيردن، مديرة تخطيط المدينة «البناية التي يبلغ طولها 200 قدم قصيرة بما يكفي لتقديم تنوع مستمر للمشاة وتقليد تعزيز الشبكة بالبناء إلى حائط الشارع لجعل نيويورك أكثر متعة في السير ونابضة بالحياة». وقال سكوت سترينغر، رئيس حي مانهاتن «شبكة الطرق لا تقيدنا، بل تعطينا الأساس للتعديل، والسبيل للتجول في مانهاتن».
بيد أن هناك بعض التحفظات على المخطط، فيقول توني هيس، مؤلف كتاب «تجربة السفر»، إنه «على الرغم من الإسهامات المنهجية التي قام بها المخطط، فإنني ما زلت أعتقد أنه يبعدنا عن الأشياء الطبيعية المحيطة بنا وأعطتنا إحساسا زائفا إلى حد ما وهندسة عقلية متداعية، فنحن نفكر بصورة أكبر في إطار البنايات السكنية لا في إطار الأحياء».
ما شكل خطة الشبكة، التي وصفت رسميا بأنها خريطة ومسح لجزيرة مانهاتن، يتسمان ببعد النظر إلى حد كبير، هو أنه في عام 1811 كانت غالبية سكان نيويورك تعيش أسفل ما يعرف الآن بشارع هيوستن - الذي كان يسمى حينها بشارع نورث ستريت. وعندما اكتمل بناء مجلس المدينة في ذلك العام، كانت وجهته الخلفية مغطاة بحجارة بنية رخيصة (ربما كان جزءا من السبب في ذلك نتيجة للانطباع بأنه نظرا لكون غالبية سكان نيويورك يعيشون جنوب المبنى فسوف يرونه من الواجهة).
بيد أنه على الرغم من استثناء قرية غرينتش التي كانت قائمة بالفعل، فإن المفوضين فرضوا خطط بناء ألفي وحدة سكنية في الغابات والمزارع والمروج والمباني الحكومية والأراضي العامة التي تمتد شمالا لما يقرب من ثمانية أميال إلى ما يعرف الآن بشارع 155 ستريت وبسط مساحة المدينة إلى ما يقرب من خمسة أضعاف.
وكتب المفوضون جوفرنير موريس وسايمون دي ويت وجون رازرفورد «ربما يكون الأمر بالنسبة للبعض مثيرا للدهشة من أن كل الجزيرة لم تكن موضوعة ضمن إطار المدينة، وربما يكون الأمر للبعض الآخر مثار سعادة من أن المفوضين وفروا مساحة لأكبر عدد من السكان مما هو موجود في أي منطقة في الصين».
وأشاروا دون أي نوع من السخرية إلى أن «أي محاولة للوصول إلى ما هو أبعد من ذلك، ستعطي مادة خصبة لروح التخمين الخبيثة»، وخلصوا إلى أنه رغم ذلك فمن المتوقع أنه ربما يكون من المعقول الاعتقاد أنه في خلال نصف قرن ستسع مدينة عام 1811 التي تضم ما يقرب من 60 ألف نسمة ما يقرب من 400 ألف نسمة».
كان المفوضون دقيقين للغاية، لكن تخميناتهم كانت بسيطة للغاية كذلك، ففي عام 1860 أي قبل أربعة عقود من ضم الأحياء الأربعة الأخرى إلى المدينة، وبعد عقود من قيام آخر المفوضين جون راندل بمراقبة التقاطعات مع الآثار الرخامية والقضبان الحديدية، بدأ جيش من العمال في تسوية وتمهيد هذا المشهد المتماوج (مانهاتن وفق تعريف واحد، تعني جزيرة التلال) وكانت نيويورك حينها تضم 800 ألف نسمة.
وتقول هيلاري بالون، أستاذة الدراسات الحضرية في جامعة نيويورك وأمينة معرض المستقبل لمتحف مدينة نيويورك «ما وجدته كان متميزا إلى حد بعيد. كان مدى التزام المدينة بتنفيذ هذه الرؤية يتطلب تحولا بارزا إلى حد كبير في كيفية عمل المدينة، ودرجة أكبر من السلطة الحكومية والتغيرات في أنظمة الضرائب لتمويل إنشاء هذا الطريق والالتزام المتعدد الأجيال بتنفيذه».
وعلى النقيض من العاصمة الوطنية الكبيرة لبيير لانفانتي، تبنى مفوضو المدينة ما وصفه روبن سكاي روز – ريدوود، عالم الجغرافيا والخبير في الشبكات، بـ«التمثيل الطبيعي لنظام التنسيق الديكارتي».
يعود التخطيط الحضري إلى ما وراء هيبوداموس أوف ميليتوس، المخطط الحضري اليوناني، والذي نظر، كمفوضي الشوارع، إلى الشبكة كدليل على ترشيد الحياة المدنية. وقد ألهمت شبكة شوارع نيويورك الكثير من الأشخاص في أماكن أخرى في العالم. لكن أيا من الأماكن لم يخرج بنفس شكل نيويورك. ويقول المؤرخ الحضري، إدوارد سبان «إن ذلك كان انتصارا للشبكة كأمر حاسم كما هو الحال بالنسبة لأعظم مدينة أميركية».
ومع الاهتمام الكبير بمكافحة الحرائق والأمراض، رفض المفوضون الشوارع الضيقة والملتفة كتلك الموجودة في وسط المدينة، لكنهم رغم ذلك قدموا عددا قليلا نسبيا من المتنزهات، مؤكدين على أن مانهاتن يطوقها نهران منعشان. ولذا وضعوا تصورا لأرض مساحتها 240 فدانا للعروض العسكرية، وسوقا عامة متصلة بقناة لتوصيل المنتجات القادمة من إيست ريفر.
ومن دون تخيل للنقل الجماعي والسيارات والمستأجرين أو ناطحات السحب (المخطط الرأسي) رسموا شوارع متعامدة أكثر من الشوارع العريضة، لأنهم اعتقدوا أن الغالبية العظمى من حركة المرور ستجري بين النهرين، ثم أنشأ المسؤولون فيما بعد برودواي الذي كان ممرا لتجول الهنود وأضافوا شارعي ليكسنغتون وماديسون.
وشكلت شبكة الشوارع لوحة شطرنج عالية المخاطر (قيمة العقارات في مانهاتن ارتفعت إلى أكثر من الضعف في الفترة من 1842 إلى 1860). كما استفاد السياسيون الفاسدون من عقود الإنشاء المتضخمة.
وأجرى الدكتور روس ريدوود عملية حسابية تبين له فيها أنه في عام 1811 من بين 1865 مبنى شمال شارع هيوستن كان هناك 721 مبنى على شوارع الخريطة الجديدة لا بد من إزالتها أو نقلها. وعند تنفيذها تم تجاهل الطبوغرافيا الطبيعية (نقل بعض المنازل على التلال)، وأثار مرور الشوارع عبر الممتلكات الخاصة ثورة وغضبا كبيرين. وتم تعويض أصحاب المنازل، على الرغم من رفع التقييمات الضريبية على الممتلكات القريبة من الشارع الجديد. وقبل أن يحقق كليمنت كلارك مور ثروة من عقاره بتشيلسي والزعم بملكية «زيارة إلى نيكولاس»، وصف المفوضين بـ«الرجال الذين يمكنهم تدمير تلال روما السبعة».
لكن جويل تاور، العميد التنفيذي لكلية بارسونز للتصميم الجديدة، أشار إلى أن الخريطة تمثل فرصة، فقد تغير المناخ الآن وارتفع مستوى سطح البحر عملا على تطويع الطبوغرافيا للأجندة الحضرية.
وتساءل «كيف ستبدو المدينة خلال الـ200 عام القادمة؟ وربما ينبغي أن نبدأ في إعادة التفكير في كل الساحات الخلفية والأسطح كأسفنجه ومشهد منفذ. خلال مسار الـ200 عام سنبني بنيتنا التحتية قطعة قطعة وبناية بناية».
* خدمة «نيويورك تايمز»
أدانها الأديب هنري جيمس قبل قرن من الآن بوصفها «لعنة طبوغرافية جوهرية»، ورد عليه ريم كولهاس، المهندس المعماري والمخطط الحضري بأنها صورة ثنائية الأبعاد خلقت حرية غير معهودة من الفوضى ثلاثية الأبعاد. ومؤخرا وصف مؤرخان خريطة مدينة نيويورك بأنها، بغض النظر عن الأخطاء التي شابتها، أهم وثيقة أحادية شاهدة على تطور نيويورك. تعود الخريطة إلى مائتي عام عندما أقر مفوضو شوارع المدينة مخطط الشوارع الذي كان أولى خطوات تحول نيويورك إلى مدينة الزوايا - الشبكة قائمة الزاوية الصلبة التي أسهمت في بعث تنمية غير مسبوقة وزحاما مروريا ولا مبالاة في اتباع قواعد المرور وجيلا جديدا من أصحاب الأعمال الذين أسهموا في رفع قيمة العقارات في مانهاتن.
ولا يزال النقاش محتدما حتى الوقت الراهن حول الشبكة، التي وضعت تخطيطا لأحد عشر حيا رئيسيا و155 تقاطعا في المدينة على أثرها نشأت مانهاتن الحديثة.
كانت شبكة الشوارع ميالة إلى المساواة إلى حد بعيد، فمن خلال تحويل الملايين من الياردات المكعبة من التراب والصخور خلقت مساحات من أماكن البناء المتواضعة متساوية في الوقت ذاته (غالبيتها ما بين 25 إلى 100 قدم مربع) متوافرة للشراء. وإن كانت قد عززت ما رآه دي توكويفل بأنها رتابة لا هوادة فيها، فإن إحداثياتها تمكن السائقين والمشاة من معرفة مكانهم على وجه الدقة سواء أكان جسديا أو مجازيا.
وقد كتب رونالد بارثيز، الفيلسوف الفرنسي الذي عاش في القرن العشرين «هذا هو الهدف من تخطيط مدينة نيويورك.. أن يستشعر سكانها بأنهم أصحاب عاصمة العالم».
شبكة الشوارع التي أقرها مفوضو شوارع المدينة في 22 مارس (آذار) 1811، دشنت حقبة التنمية عبر إنشاء سبعة أميال من مداخل الشوارع المتوقعة والمنتظمة، كما وضعت أيضا أسس العمل لما يقرب من ألفي فدان من الأراضي التي ستضاف إلى الجزيرة خلال القرنين القادمين. وخلص المفوضون إلى أن نيويورك ستتألف بصورة أساسية من سكان من الذكور، وأن المنازل ذات الجوانب المستقيمة والزاوية اليمينية هي الأرخص في البناء والأكثر ملاءمة للعيش فيها.
الشبكة، التي تضمنت بعض الطرق التي لا تزال قائمة، تثبت أيضا القدرة المثيرة للدهشة على التكيف. فقد استوعبت السيارات (بعد تشذيب الأرصفة والأروقة). وسمحت للمخططين بتأسيس حديقة سنترال بارك في القرن التاسع عشر، والبنايات البالغة الضخامة كتلك الكائنة في ستوفيسانت تاون ومركز لينكولن في القرن العشرين، وفي القرن الحادي والعشرين امتدت الشبكة غربا لتشمل بعض المباني السكنية على جادة ريفرسايد بوليفارد.
وتقول أماندا بيردن، مديرة تخطيط المدينة «البناية التي يبلغ طولها 200 قدم قصيرة بما يكفي لتقديم تنوع مستمر للمشاة وتقليد تعزيز الشبكة بالبناء إلى حائط الشارع لجعل نيويورك أكثر متعة في السير ونابضة بالحياة». وقال سكوت سترينغر، رئيس حي مانهاتن «شبكة الطرق لا تقيدنا، بل تعطينا الأساس للتعديل، والسبيل للتجول في مانهاتن».
بيد أن هناك بعض التحفظات على المخطط، فيقول توني هيس، مؤلف كتاب «تجربة السفر»، إنه «على الرغم من الإسهامات المنهجية التي قام بها المخطط، فإنني ما زلت أعتقد أنه يبعدنا عن الأشياء الطبيعية المحيطة بنا وأعطتنا إحساسا زائفا إلى حد ما وهندسة عقلية متداعية، فنحن نفكر بصورة أكبر في إطار البنايات السكنية لا في إطار الأحياء».
ما شكل خطة الشبكة، التي وصفت رسميا بأنها خريطة ومسح لجزيرة مانهاتن، يتسمان ببعد النظر إلى حد كبير، هو أنه في عام 1811 كانت غالبية سكان نيويورك تعيش أسفل ما يعرف الآن بشارع هيوستن - الذي كان يسمى حينها بشارع نورث ستريت. وعندما اكتمل بناء مجلس المدينة في ذلك العام، كانت وجهته الخلفية مغطاة بحجارة بنية رخيصة (ربما كان جزءا من السبب في ذلك نتيجة للانطباع بأنه نظرا لكون غالبية سكان نيويورك يعيشون جنوب المبنى فسوف يرونه من الواجهة).
بيد أنه على الرغم من استثناء قرية غرينتش التي كانت قائمة بالفعل، فإن المفوضين فرضوا خطط بناء ألفي وحدة سكنية في الغابات والمزارع والمروج والمباني الحكومية والأراضي العامة التي تمتد شمالا لما يقرب من ثمانية أميال إلى ما يعرف الآن بشارع 155 ستريت وبسط مساحة المدينة إلى ما يقرب من خمسة أضعاف.
وكتب المفوضون جوفرنير موريس وسايمون دي ويت وجون رازرفورد «ربما يكون الأمر بالنسبة للبعض مثيرا للدهشة من أن كل الجزيرة لم تكن موضوعة ضمن إطار المدينة، وربما يكون الأمر للبعض الآخر مثار سعادة من أن المفوضين وفروا مساحة لأكبر عدد من السكان مما هو موجود في أي منطقة في الصين».
وأشاروا دون أي نوع من السخرية إلى أن «أي محاولة للوصول إلى ما هو أبعد من ذلك، ستعطي مادة خصبة لروح التخمين الخبيثة»، وخلصوا إلى أنه رغم ذلك فمن المتوقع أنه ربما يكون من المعقول الاعتقاد أنه في خلال نصف قرن ستسع مدينة عام 1811 التي تضم ما يقرب من 60 ألف نسمة ما يقرب من 400 ألف نسمة».
كان المفوضون دقيقين للغاية، لكن تخميناتهم كانت بسيطة للغاية كذلك، ففي عام 1860 أي قبل أربعة عقود من ضم الأحياء الأربعة الأخرى إلى المدينة، وبعد عقود من قيام آخر المفوضين جون راندل بمراقبة التقاطعات مع الآثار الرخامية والقضبان الحديدية، بدأ جيش من العمال في تسوية وتمهيد هذا المشهد المتماوج (مانهاتن وفق تعريف واحد، تعني جزيرة التلال) وكانت نيويورك حينها تضم 800 ألف نسمة.
وتقول هيلاري بالون، أستاذة الدراسات الحضرية في جامعة نيويورك وأمينة معرض المستقبل لمتحف مدينة نيويورك «ما وجدته كان متميزا إلى حد بعيد. كان مدى التزام المدينة بتنفيذ هذه الرؤية يتطلب تحولا بارزا إلى حد كبير في كيفية عمل المدينة، ودرجة أكبر من السلطة الحكومية والتغيرات في أنظمة الضرائب لتمويل إنشاء هذا الطريق والالتزام المتعدد الأجيال بتنفيذه».
وعلى النقيض من العاصمة الوطنية الكبيرة لبيير لانفانتي، تبنى مفوضو المدينة ما وصفه روبن سكاي روز – ريدوود، عالم الجغرافيا والخبير في الشبكات، بـ«التمثيل الطبيعي لنظام التنسيق الديكارتي».
يعود التخطيط الحضري إلى ما وراء هيبوداموس أوف ميليتوس، المخطط الحضري اليوناني، والذي نظر، كمفوضي الشوارع، إلى الشبكة كدليل على ترشيد الحياة المدنية. وقد ألهمت شبكة شوارع نيويورك الكثير من الأشخاص في أماكن أخرى في العالم. لكن أيا من الأماكن لم يخرج بنفس شكل نيويورك. ويقول المؤرخ الحضري، إدوارد سبان «إن ذلك كان انتصارا للشبكة كأمر حاسم كما هو الحال بالنسبة لأعظم مدينة أميركية».
ومع الاهتمام الكبير بمكافحة الحرائق والأمراض، رفض المفوضون الشوارع الضيقة والملتفة كتلك الموجودة في وسط المدينة، لكنهم رغم ذلك قدموا عددا قليلا نسبيا من المتنزهات، مؤكدين على أن مانهاتن يطوقها نهران منعشان. ولذا وضعوا تصورا لأرض مساحتها 240 فدانا للعروض العسكرية، وسوقا عامة متصلة بقناة لتوصيل المنتجات القادمة من إيست ريفر.
ومن دون تخيل للنقل الجماعي والسيارات والمستأجرين أو ناطحات السحب (المخطط الرأسي) رسموا شوارع متعامدة أكثر من الشوارع العريضة، لأنهم اعتقدوا أن الغالبية العظمى من حركة المرور ستجري بين النهرين، ثم أنشأ المسؤولون فيما بعد برودواي الذي كان ممرا لتجول الهنود وأضافوا شارعي ليكسنغتون وماديسون.
وشكلت شبكة الشوارع لوحة شطرنج عالية المخاطر (قيمة العقارات في مانهاتن ارتفعت إلى أكثر من الضعف في الفترة من 1842 إلى 1860). كما استفاد السياسيون الفاسدون من عقود الإنشاء المتضخمة.
وأجرى الدكتور روس ريدوود عملية حسابية تبين له فيها أنه في عام 1811 من بين 1865 مبنى شمال شارع هيوستن كان هناك 721 مبنى على شوارع الخريطة الجديدة لا بد من إزالتها أو نقلها. وعند تنفيذها تم تجاهل الطبوغرافيا الطبيعية (نقل بعض المنازل على التلال)، وأثار مرور الشوارع عبر الممتلكات الخاصة ثورة وغضبا كبيرين. وتم تعويض أصحاب المنازل، على الرغم من رفع التقييمات الضريبية على الممتلكات القريبة من الشارع الجديد. وقبل أن يحقق كليمنت كلارك مور ثروة من عقاره بتشيلسي والزعم بملكية «زيارة إلى نيكولاس»، وصف المفوضين بـ«الرجال الذين يمكنهم تدمير تلال روما السبعة».
لكن جويل تاور، العميد التنفيذي لكلية بارسونز للتصميم الجديدة، أشار إلى أن الخريطة تمثل فرصة، فقد تغير المناخ الآن وارتفع مستوى سطح البحر عملا على تطويع الطبوغرافيا للأجندة الحضرية.
وتساءل «كيف ستبدو المدينة خلال الـ200 عام القادمة؟ وربما ينبغي أن نبدأ في إعادة التفكير في كل الساحات الخلفية والأسطح كأسفنجه ومشهد منفذ. خلال مسار الـ200 عام سنبني بنيتنا التحتية قطعة قطعة وبناية بناية».
* خدمة «نيويورك تايمز»
0 التعليقات :
إرسال تعليق