المهدي في منبر أخبار اليوم : كل الارض العربية محتلة الا الارض المحتلة
تحدث الامام الصاد المهدي في منبر صحيفة (اخبار اليوم) محللاً للثورات العربية ومآلاتها المستقبلية ، فقال :
بسم الله الرحمن الرحيم، اخواني وابنائي : السلام عليكم ورحمة الله.. وانا اشكر الاستاذ احمد البلال الطيب على هذه العبارات الطيبة وانا دوما اقول عن مؤسسة (أخبار اليوم) بانها المؤسسة الاكثر مهنية في الصحافة السودانية وهو بنشاطه الفكري ونشاط هذه المؤسسة ايضا الاكثر اهتماما بقضايا الرأى العام السوداني بصورة فيها اكبر قدر ممكن من المشاركة واعتقد هذه هي اساليب العمل الاعلامي الحميدة التي نرجو لها التوفيق.
القضية التي سأتحدث لكم عنها سأضعها لكم عبر اطروحة، والباقي كله هو تفصيل لهذه الاطروحة، والاطروحة هذه بخلاصتها تفيد بان البلاد العربية غالبا محتلة احتلالا داخليا مع تغييب لارادة ومشاركة شعوبها وان الذي يحدث انما هو حركة استقلال ثاني بعد الاستقلال الاول من النفوذ الاجنبي، وان هذا الاستقلال الثاني سوف تظهر فيه معالم واضحة، منها تطلعات نحو حقوق المواطنة، لابد من مراجعة النظم بصورة تحقق المساواة في المواطنة ولابد من تناول قضية التأصيل بكل ابعاده، التأصيل الوطني والقومي والديني، ولابد ايضا ان تفضي الى علاقة جديدة بين المنطقة والخارج الدولي، ولابد ان تؤدي لمراجعة لقضية السلام ليقوم السلام على العدالة.
في رأيي هذه هي الملامح الاساسية للثورة التي نشهدها الآن وبلا استثناء.
والمقدمة لهذا الكلام تتناول وجود خمسة اصول لحقوق الانسان الكرامة، الحرية، العدالة، المساواة، السلام، وهي الاصول الخمسة التي تنطلق منها الآن المواثيق الدولية الموقع عليها بواسطة كل الدول بدون التزام باستحقاقاتها وهي نفسها موجود لها سند اخلاقي من تعاليم الاسلام، مبادئ واسس حقوق الانسان.
وما من شك ان العالم عموما في الغالب كان يحكم حكما استبداديا، الاستبداد التقليدي، الملوك القياصرة السلاطين وغيرهم.. هؤلاء كما ظلوا يزعمون بانهم يحكمون بموجب تفويض الهي، ونظم ديكتاتورية حديثة اتقنها جدا النظام الاستاليني والنظام الفاشيشتي، والعالم عموما قد اعتاد هذا النوع من الحكم المطلق، ولكن قامت ضد هذا الحكم المطلق موجات تطلع ديمقراطي، بدأت في الغرب وعمت امريكا واوربا الغربية غالبا قبل الحرب الاطلسية الثانية وهي موجة التحول الديمقراطي الاولى، اما موجة التحول الديمقراطي الثانية فقد اعقبت الحرب وعمت كثير من البلدان التي كانت تحكم امبراطوريا مثل اليابان التي كان فيها الامبراطور إلها، ثم النظم الفاشيستة في ايطاليا والمانيا، تحولت هذه في موجة ثانية تحولا ديمقراطيا اما الموجة الثالثة فقد اتت بعد ذلك وعمت اوربا الجنوبية مثل اسبانيا والبرتغال وبعض مناطق اسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية اما الموجة الرابعة فقد عمت شرق اوربا بعد سقوط حائط برلين.
قول وانطباع!!
كان هناك انطباعا يقول ان بقية العالم سوف لن يشهد ديمقراطية لوجود تركيبات ثقافية تحول دون ذلك، بل كانوا يقولون بان الاسلام هو السبب، ولكن تأكد بان غالبية الدول الاسلامية قد صارت ديمقراطية مثل تركيا واندونيسيا وماليزيا وغيرها.. وكانوا يقولون بان السبب هو التخلف.. واتضح كذلك بان كثير من الدول المتخلفة خاصة في افريقا والهند صارت ديمقراطية. وبذلك شاعت مقولة ان العروبة انما هي الصنو الحتمي للاستبداد.. وانا اود ان اتناول هذا القول.. وبالطبع انفي هذه التهمة.. ولكن اقول بانه قد وجدت اسباب جعلت العرب هكذا يخضعون للاستبداد.
وتساءل المهدي : هل توجد عروبة؟!
ويجيب : كل المحاولات للتعبير عما تسمى بالوحدة العربية قد فشلت ولكني اعتقد فبرغم كل ذلك اقول : نعم توجد عروبة ثقافة ووجدانا ولغة وجوارا، اذن ففي هذه المعالم يوجد مفهوم العروبة.
الحكام في هذه المنطقة ذات المعالم الخاصة اقاموا نظما استبدادية تقليدية وحديثة، ولا شك ابدا ان الحكام انفسهم صاروا هم ومصالحهم القطرية اكبر عقبة في اي تطور نحو الوحدة، والوحدة في الاصل تتم ضمن واحد من اسلوبين : اما الاسلوب الالماني، دولة تسيطر على الاخرين ثم توحدهم كما حدث بتوحيد ألمانيا.. او عن طريق اختياري، مثل ما حدث بظاهرة الاتحاد الاوربي وفي العالم العربي غير مسموح لدولة ومهما كانت بان تفرض وحدة، لظروف متعلقة باستراتيجية المنطقة من حيث البترول ووجود اسرائيل، غير مسموح لدولة ان تهيمن، واي دولة تمد رأسها يقطع، ولا يوجد سبيل لتحقيق وحدة اختيارية لان الطغاة لا يسمحون بتفويض الصلاحية حتى لوزارئهم ناهيك عن ان يفوضوها لدولة اخرى، وكما قال لينين فالسلطة عند الطغاة تصعد لأعلى مثل الماء الذي يهبط بفعل الجاذبية لادنى، ولذلك لا يسمحوا باي معنى للوحدة والوحدة محتاجة لتفويض، ولذلك ما لم توجد ديمقراطية لا يمكن ان يحدث اي تقدم ولهذا فان الجامعة العربية هي مجرد نادي للكلام والاماني ولا يحقق اكثر من ذلك، لانه ليس هناك مجال المساءلة، وذلك يعني انه ليست هناك مجال لتطوير.
النظم الديكتاتورية!!
وجميع هذه النظم الاستبدادية ومهما رفعت من شعار قومي او وطني او اسلامي، جميعا تدين بملة واحدة، معالمها حزب حاكم مسيطر، ايديولوجية مسيطرة، امن ن مطلق لحماية النظام، اعلام زائف، اقتصاد ليس خاصا ولا عاما بل (خصوصي) تقوم به جهات تعطي هذه المنافع نفيا للاخر واختراق له بكل الوسائل حتى يكون هذا الاخر مشلولا حركيا وفوق هذا كله توظيف العلاقة الدولية لخدمة امن النظام.
وما دامت هذه المعالم واضحة وفي رأيي شاملة في المنطقة كلها في الغالب، صار هناك حديث عن ان هؤلاء العرب يمثلون حالة استثنائية، العالم كله ذهب في اتجاه اخر ولكن ظل العالم العربي اسيرا لهذه الحالة الاستثنائية وفي العام 2002م اصدرت منظمة الامم المتحدة الانمائية (U.N.D.P) تقريرا اكدت فيه بان العالم العربي عموما فيه تطور اقتصادي وتعليمي ولكن فيه تخلف من حيث التنمية البشرية فهي تقوم على الحكم الراشد، وفي هذا الاتجاه نشأت حركات كثيرة جدا، اهمها حركة اقامت مؤتمرا في الاسكندرية عام 2004م وتحدثت عن التطلع للاستقلال الثاني، لانه صار مفهوما بان المنطقة العربية محتلة، والاحتلال هنا باستعمار داخلي، وقد صاغ ذلك باسلوب شعري الشاعر محمد دوريش، عندما تحدث عن وجود قانون وقانونية في اسرائيل مهما كانت الامور شائهة.. اما في بلداننا العربية كما قال فلا يوجد (قانون ولا قانونية والامور كلها خاضعة لارادات طاغية).
لذلك قال درويش :
(كل الارض العربية محتلة الا الارض المحتلة) في تمييز لهذه المفارقة.