الكتابة في زمن الثورة
-
يضم كتاب أحمد زغلول الشيطي «مائة خطوة من الثورة/ يوميات من ميدان التحرير» (دار الآداب)، شهادة كاتبٍ شارك في الثورة المصرية، وواكب تطوراتها المتلاحقة حتى لحظة سقوط النظام. إنها كتابة تحاول اللحاق بالحدث، ولا تجد فرصة كافية لترف التأمل والتنقيح. كتابة تعيد إلى أذهاننا السؤال الأبدي عن خطورة القضايا الكبرى والأحداث السريعة على الأدب، وإمكان ألا تكون النيات النبيلة والمتحمسة كافية لخلق نص أدبي يوازي الحدث في القيمة والنوعية...
لفت الشيطي انتباه القراء والنقاد بباكورته الروائية «ورود سامة لصقر» (1990)، وأعقبها بثلاث مجموعات قصصية كرّست اسمه بقوة داخل الحساسية الجديدة لجيل كامل من الكتاب المصريين الذين ظهرت أعمالهم في الفترة ذاتها.
لكنّه يدعونا هذه المرة إلى تذوق كتابة مختلفة ومتخففة من الشروط الصارمة للممارسة الأدبية.
منذ البداية، يشير الشيطي إلى صعوبة «التعامل مع مادة ملتهبة في طور التشكّل»، لكنّه يشير ـــ في الوقت نفسه ـــ إلى صعوبة تجنّب رغبته في «اقتناص لحظاتٍ تخصني، بعيني أنا، لا بعين كاميرا أو حتى برواية شهود عيان». بين هذين الحدين، تتحرك مادة الكتاب، لكننا ننتبه سريعاً إلى أن اليوميات تعيد علينا ما رأيناه على الشاشات، وقرأنا عنه على الشبكة العنكبوتية، وأنها تفتقر إلى زاوية النظر الخاصة التي حاول الكاتب اقتناصها. صحيح أن اليوميات تتطلب تراجعاً للكاتب المتطلب عادةً في نصه الخاص، وتحولّه إلى مؤرخ مفاجئ للثورة التي يشارك فيها ويراقب تطوراتها، لكنّ ذلك لا يعني أن تخسر اليوميات الاحتياطي الروائي والقصصي الذي أحببنا تجلياته في نتاج الكاتب نفسه.
هكذا، ينخفض سقف توقّعاتنا كلما تقدمنا في الكتاب، لكنّنا لا نعدم بعض التفاصيل التي توفّر لليوميات مستوىً مقبولاً، كذلك تنجح الكتابة أحياناً في إدخالنا إلى قلب الحشود التي اعتصمت في ميدان التحرير ومحيطه. هكذا، ينقسم المشهد العام إلى مشاهد عديدة. تتوالى تطورات المشهد بحسب المحطات الرئيسية للحدث. نعاين الغضب المتزايد للمتظاهرين مع مماطلة للرئيس في التنحي. نقرأ عن الاشتباكات مع البلطجية، وعن الإصرار على البقاء في الميدان الذي تحول إلى «أكبر سجل مدني في مصر.. شباب في العشرينيات... يرغبون في تحرير شهادة وفاة للسلطة الشائخة، وتحرير شهادة ميلاد للجميع».
المؤلف المقيم في القاهرة، يستعيد الخوف القديم من رجال الأمن بسبب قرب بيتهم من قسم الشرطة في دمياط، ويصعب عليه تصديق أن «تنهال الشتائم على السيد الرئيس والسيدة حرمه من دون أن تفيض أرواح من نطقوا بالشتائم». نقرأ الشعارات التي رفعت وقد اكتسبت صلابة إضافية بعد نجاح الثورة في تنحية الرئيس. نضحك مجدداً على النكات التي برع المصريون في تزويد ثورتهم بها. الثورة مروية من اختلاط المؤلف بالثائرين في الميدان، ومن مراقبته لهم من شرفة شقته القريبة. ينقل إلينا نقاشات سريعة مع زملائه الكتاب والمثقفين بشأن الحدث الكبير، مادحاً الروح الجديدة للشبان واختلافهم عن جيله وعن الأجيال السابقة.
بطريقة ما، يحار القارئ بين تعاطفه مع الثورة، وبين ذائقته المتطلبة التي لا يكترث بها الكاتب، ولا الحدث الكبير الذي يؤرّخ له في يومياته.
يضم كتاب أحمد زغلول الشيطي «مائة خطوة من الثورة/ يوميات من ميدان التحرير» (دار الآداب)، شهادة كاتبٍ شارك في الثورة المصرية، وواكب تطوراتها المتلاحقة حتى لحظة سقوط النظام. إنها كتابة تحاول اللحاق بالحدث، ولا تجد فرصة كافية لترف التأمل والتنقيح. كتابة تعيد إلى أذهاننا السؤال الأبدي عن خطورة القضايا الكبرى والأحداث السريعة على الأدب، وإمكان ألا تكون النيات النبيلة والمتحمسة كافية لخلق نص أدبي يوازي الحدث في القيمة والنوعية...
لفت الشيطي انتباه القراء والنقاد بباكورته الروائية «ورود سامة لصقر» (1990)، وأعقبها بثلاث مجموعات قصصية كرّست اسمه بقوة داخل الحساسية الجديدة لجيل كامل من الكتاب المصريين الذين ظهرت أعمالهم في الفترة ذاتها.
لكنّه يدعونا هذه المرة إلى تذوق كتابة مختلفة ومتخففة من الشروط الصارمة للممارسة الأدبية.
منذ البداية، يشير الشيطي إلى صعوبة «التعامل مع مادة ملتهبة في طور التشكّل»، لكنّه يشير ـــ في الوقت نفسه ـــ إلى صعوبة تجنّب رغبته في «اقتناص لحظاتٍ تخصني، بعيني أنا، لا بعين كاميرا أو حتى برواية شهود عيان». بين هذين الحدين، تتحرك مادة الكتاب، لكننا ننتبه سريعاً إلى أن اليوميات تعيد علينا ما رأيناه على الشاشات، وقرأنا عنه على الشبكة العنكبوتية، وأنها تفتقر إلى زاوية النظر الخاصة التي حاول الكاتب اقتناصها. صحيح أن اليوميات تتطلب تراجعاً للكاتب المتطلب عادةً في نصه الخاص، وتحولّه إلى مؤرخ مفاجئ للثورة التي يشارك فيها ويراقب تطوراتها، لكنّ ذلك لا يعني أن تخسر اليوميات الاحتياطي الروائي والقصصي الذي أحببنا تجلياته في نتاج الكاتب نفسه.
هكذا، ينخفض سقف توقّعاتنا كلما تقدمنا في الكتاب، لكنّنا لا نعدم بعض التفاصيل التي توفّر لليوميات مستوىً مقبولاً، كذلك تنجح الكتابة أحياناً في إدخالنا إلى قلب الحشود التي اعتصمت في ميدان التحرير ومحيطه. هكذا، ينقسم المشهد العام إلى مشاهد عديدة. تتوالى تطورات المشهد بحسب المحطات الرئيسية للحدث. نعاين الغضب المتزايد للمتظاهرين مع مماطلة للرئيس في التنحي. نقرأ عن الاشتباكات مع البلطجية، وعن الإصرار على البقاء في الميدان الذي تحول إلى «أكبر سجل مدني في مصر.. شباب في العشرينيات... يرغبون في تحرير شهادة وفاة للسلطة الشائخة، وتحرير شهادة ميلاد للجميع».
المؤلف المقيم في القاهرة، يستعيد الخوف القديم من رجال الأمن بسبب قرب بيتهم من قسم الشرطة في دمياط، ويصعب عليه تصديق أن «تنهال الشتائم على السيد الرئيس والسيدة حرمه من دون أن تفيض أرواح من نطقوا بالشتائم». نقرأ الشعارات التي رفعت وقد اكتسبت صلابة إضافية بعد نجاح الثورة في تنحية الرئيس. نضحك مجدداً على النكات التي برع المصريون في تزويد ثورتهم بها. الثورة مروية من اختلاط المؤلف بالثائرين في الميدان، ومن مراقبته لهم من شرفة شقته القريبة. ينقل إلينا نقاشات سريعة مع زملائه الكتاب والمثقفين بشأن الحدث الكبير، مادحاً الروح الجديدة للشبان واختلافهم عن جيله وعن الأجيال السابقة.
بطريقة ما، يحار القارئ بين تعاطفه مع الثورة، وبين ذائقته المتطلبة التي لا يكترث بها الكاتب، ولا الحدث الكبير الذي يؤرّخ له في يومياته.
0 التعليقات :
إرسال تعليق