أزهريون لـ «الشرق الأوسط»: الاعتداء على المسيحيين يتنافى مع تعاليم الإسلام.. والمسلمون مطالبون بحماية الكنائس
أيدوا فكرة «بيت العائلة» واعتبروا حادثة الإسكندرية موجهة للمسلمين
|
أدان علماء بالأزهر الشريف الاعتداء الوحشي على كنيسة القديسين بمدينة الإسكندرية مطلع العام الجديد، واعتبروا الحادثة موجهة إلى المسلمين قبل المسيحيين، للنيل من أمن واستقرار مصر، مطالبين المسلمين بحماية المسيحيين داخل الكنائس المصرية، والتحرك المدروس والسريع للتصدي لكل الأفكار المتطرفة والمتعصبة التي تهدف إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين في مصر والعالم العربي والإسلامي، وتؤدي إلى الفتن والاضطرابات. ورحبوا بفكرة عمل لجنة واحدة من الأزهر والكنيسة لحل أي خلافات تحدث بين المسلمين والمسيحيين، وهي التي عرضها الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، خلال لقائه مع البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، عقب حادث الإسكندرية.
ومن جانبه، أكد الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية، على أن «ما حدث أمام كنيسة القديسين في الإسكندرية عمل إرهابي جبان يخالف كل القيم الدينية والأخلاقية، ارتكبته فئة فاسدة الفكر، موتورة النفع، عديمة الأخلاق، وذلك باعتباره عملا موجها ضد كل المسلمين يستهدف النيل من أمن وسلامة مصر والعالم الإسلامي»، مشيرا إلى «ضرورة التصدي لكل أفكار التطرف والتعصب الداعية لبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، مسلمين ومسيحيين».
وطالب عثمان «بالتحرك المدروس والسريع للوقوف في وجه هذه الاغتيالات الخارجية التي تهدف لتشويه صورة الإسلام في الغرب وتؤدي إلى الفتن والاضطرابات». بينما أكد السفير محمد رفاعة الطهطاوي، المتحدث الرسمي للأزهر الشريف، على أن «الأزهر بجميع مؤسساته أدان الحادث»، موضحا أنه لا يمكن أن يصدر من مسلم يعرف الإسلام، لأن الإسلام من الناحية الشرعية يكلف المسلمين بالحفاظ على أمن وحرمة دور العبادة جميعا، سواء كانت إسلامية أو غير ذلك.
وأوضح الطهطاوي أن «الذي يرتكب مثل هذه الحوادث يضر بالمصلحة العليا للمسلمين، لأن ذلك من شأنه ضرب الوحدة الوطنية في مصر وخارجها»، مؤكدا على «أننا نتعرض في المنطقة العربية كلها لمخططات تهدف إلى تفكيك وحدتنا». وقال الطهطاوي: «جميع علماء الأزهر الشريف رحبوا بمشروع لجنة (بيت العائلة)، التي أعلن عن تكوينها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وتضم علماء مسلمين ومسيحيين، من أجل إزالة أي أسباب مفتعلة للاحتقان والتوتر بين الطرفين، وتصبح صوتا واحدا للأزهر والكنيسة».
وقال الدكتور سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف المصرية لشؤون الدعوة، إن «الاعتداء على الكنائس يعد اعتداء على المساجد، فكل مكان يذكر فيه اسم الله له حرمته وقدسيته»، مشيرا إلى أن أي اعتداء على المسيحيين هو اعتداء على كل المصريين وتهديد لوحدة الوطن وأمنه واستقراره، وأن «المسلمين مطالبون الآن بحماية المسيحيين في الكنائس، والوقوف صفا واحدا ضد أي عدوان يقع على أي مواطن مسيحي».
وأشار عبد الجليل إلى أن «الإسلام بريء من أي ممارسات إرهابية تقصد الأبرياء، ويحرص دائما على حرمة النفس الإنسانية والحفاظ على كرامتها».
ويرى الدكتور إبراهيم نجم، المستشار الإعلامي لمفتي مصر، أن «حادثة الإسكندرية لم تفرق بين المسلم والمسيحي»، بقوله: «الدم لا يفرق بين الديانات»، داعيا الجميع إلى الترابط والتكاتف وعدم الانسياق وراء الشائعات ومنح الفرص للآخرين لضرب الوحدة الوطنية.
وأضاف نجم أن «ما حدث عمل إجرامي استهدف مصر كلها، وأن مسؤولية حماية دور العبادة في مصر تقع على المصريين جميعا، مسلمين ومسحيين، لأن هؤلاء الأبرياء الذين راحوا ضحايا نتيجة هذا العمل الإجرامي لا ذنب لهم»، مطالبا الجميع «بالوقوف يدا واحدة لكي يردوا على الأعداء بهذا الاتحاد والقوة، وأن يحموا دور العبادة بأرواحهم وأجسادهم، سواء كانت مسيحية أو مسلمة».
وقال الدكتور عادل عبد الله، الداعية بوزارة الأوقاف خطيب مسجد عباد الرحمن بحي مدينة نصر شرق القاهرة: «الله يقول في كتابه الكريم: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص)، فالإسلام هو أعظم الشرائع التي نوهت وأكدت على حرمة وصيانة النفس، والمنصفون من أهل التاريخ أثبتوا أن المسلمين هم أرحم الفاتحين الذين دخلوا إلى أي بلد، ولعل السر في ذلك تمسكهم بمنهج الإسلام، ومن ثم فكل ما يؤدي إلى انتهاك حرمة النفس لا يمت بصلة إلى شريعة الإسلام، ويكفي أن الإسلام حرم الإشارة إلى الوجه ولو بقطعة حديد، على سبيل المزاح».
وأضاف عبد الله «القول إن مشكلة المسيحيين في مصر تكمن في توجهات حكومتها، هو منظور قاصر، لأن المسيحية لم تنعم ولم تهنأ إلا في أحضان الإسلام، بعد الثوابت التي أرساها عمرو بن العاص حين فتحها، ولكن مشكلة المسيحيين والمسلمين في مصر تحتاج إلى إرساء لقواعد القانون وتحقيق عدالة مطلقة يتساوى فيها الجميع دون تمييز أو تفرقة، وإعادة إحياء المنظومة الأخلاقية التي تحض على التسامح والحوار وقبول الآخر».
وتابع عبد الله: «لا بد للمسلم أن يعلم ويتعلم مواطنة المسيحي، وذلك اقتداء بما فعله الرسول في المدينة مع اليهود، وأن يعلم المسيحي أنه في بلد أغلب سكانه مسلمون، وألا نفرغ الدولة من مضمون وشرائع الإسلام السمحة، ولا نقصر في إعطاء المسيحيين حقوقهم وبناء روابط النسيج الوطني، لأنه هو السياج الحقيقي الذي يحمي تراب هذا الوطن، محذرا من أن تعالج الأمور بأي معايير ازدواجية».
من جانبه، أوضح الدكتور علي النجار، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، أن «الحادثة هزت مشاعر المصريين جميعا، وتتنافى مع كل التقاليد الإسلامية والمسيحية، ولا تهدف فقط لإحداث الفرقة بل أكبر من ذلك، وهو خيانة الوطن». مشيرا إلى أن «حادثة الإسكندرية لا يعرفها الإسلام والمسلمون، وذلك لأن القرآن الكريم والسنة النبوية أمرانا نحن المسلمين بأن نحافظ على كنائس المسيحيين وأديرتهم وسائر أنواع الديار التي يعبد فيها الله عز وجل، والدليل على ذلك أن من أسباب الجهاد المحافظة على الكنائس الصغيرة والكبيرة وأماكن عبادة اليهود لقول الله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا)، فمن أحدث فيها شيئا، ولو كان صغيرا، فعلى الحاكم أن يعاقبه بما يستحقه، لأنه افترى واحتقر وقتل الأبرياء، وللحاكم أن يعدمه ردعا له ولأمثاله».
وأضاف النجار أننا «نحن المسلمين نحترم مقدسات الآخر حتى في أثناء الحرب، فما بالنا بأيام السلم»، مشيرا إلى أن «عمر بن الخطاب دخل كنيسة القيامة وقدرها كدار وقدر من فيها كعباد لله الواحد القهار، ولما حانت الصلاة خرج عمر من الكنيسة، فقال له البطريرك صلي هنا يا أمير المؤمنين فرفض، قائلا إنني أخشى أن أصلي هنا فيجيء المسلمون من بعدي ويتخذونها مسجدا ويقولون هنا صلى عمر». وأكد الدكتور عباس شومان، رئيس قسم الدعوة والدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، على أن «الإسلام يأمر بالبر والقسط إلى المسيحيين والإحسان في معاملتهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، حضنا وحثنا على إكرامهم، وبين لنا حرمة دمائهم، وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة عن النبي، حيث قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدا بغير كنهه حرم الله عليه الجنة)، بالإضافة إلى قول الله تعالي: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)».
وأضاف شومان «الإسلام يحترم النفس البشرية ولا يجيز قتلها إلا بالحق، والإسلام حتى في الحرب له دستور أخلاقي، فلا يجيز في الحرب إلا قتل من يقاتل فقط، أي من يحمل السلاح، ولا يجيز قتل امرأة أو طفل أو شيخ كبير أو راهب في صومعته أو حارث في مزرعته أو تاجر في متجره، فكلهم محميون»، قائلا: «عن ابن عمر رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة يوم فتح مكة مقتولة فقال: ما كانت هذه تقاتل، ثم نهى عن قتل النساء والصبيان».
0 التعليقات :
إرسال تعليق