تونس: المنجي السعيداني
فيما ينتظر التونسيون بين لحظة وأخرى إعلان الائتلاف الحكومي الثلاثي عن التشكيلة الحكومية الجديدة، تم أول من أمس تعليق نشاط لجنة التنظيم المؤقت للسلطات العمومية بسبب خلافات عميقة بين الأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف الحكومي داخل اللجان المكلفة بتحضير قانون النظام الداخلي للمجلس والقانون المنظم للسلطات العمومية. وتشمل المسائل الخلافية بين الأطراف الثلاثة على وجه الخصوص الفصل 11 من مشروع قانون تنظيم السلطات العمومية وخاصة ما تعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية.
وعلى ضوء الخلاف الحاد الحاصل بين الائتلاف الحكومي المؤلف من حركة النهضة وحزبي التكتل والمؤتمر، ينتظر رفع مشروع قانون تنظيم السلطات العمومية إلى رئاسة المجلس التأسيسي ممثلة في شخص مصطفى بن جعفر على أن تتم المصادقة عليه في جلسة عامة يعقدها المجلس لاحقا.
وكان مشروع القانون قد مكن مؤسسة الرئاسة من صلاحيات محدودة مقابل هيمنة تكاد تكون كلية لفائدة رئيس الحكومة رئيس السلطة التنفيذية، وتمسك حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بضرورة إسناد صلاحيات حقيقية لرئيس الدولة. وسارع حزب المؤتمر إلى نشر بيان عبر من خلاله عماد الدايم الناطق الرسمي باسم الحزب على أنه «لا مجال لقبول رئاسة صورية وإنما سيقبل المؤتمر برئاسة ذات صلاحيات حقيقية في إطار نظام مجلسي يعطي للرئاسات الثلاث دورها في تسيير المرحلة الصعبة».
ولم تنجح حركة النهضة في الوصول إلى المصادقة على فصلين أساسيين من مشروع القانون المنظم للسلطات العمومية ونعني بذلك الصلاحيات التشريعية لرئيس الحكومة حيث صوت 12 عضوا ضد المشروع ووافق 9 أعضاء على ما جاء به، أما بالنسبة للفصل الثاني فهو يهم عملية التصويت على الدستور داخل المجلس التأسيسي حيث اعترض 13 عضوا من اللجنة وسانده 9 أعضاء. وترغب حركة النهضة في الإسراع في المصادقة على الدستور إما بطريقة الأغلبية النسبية أو أغلبية الثلثين في حين تدعو أحزاب سياسية أخرى إلى اعتماد الأغلبية المطلقة أو الإجماع على الدستور الذي سينظم الحياة السياسية في تونس خلال العقود المقبلة.
ويرى محللون للمشهد السياسي التونسي بعد انتخابات المجلس التأسيسي أن حزبي التكتل والمؤتمر قد انضما إلى المعارضة وتركا حركة النهضة في مواجهة الساحة السياسية لوحدها. واعتبرت أطراف أخرى أن معطيات التحالف داخل المجلس التأسيسي قد تتغير خلال الفترة المقبلة وسط أنباء عن تراجع أحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي عن ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية ومنافسة المنصف المرزوقي وتقدم وحيد ذياب رئيس حزب قوى 14 جانفي 2011 بترشحه لهذا المنصب معللا ذلك بالتأخير المطول في تولي منصب الرئاسة وترسيخا لأسس الديمقراطية بحق في تونس ما بعد الثورة على حد ما جاء في البيان الذي أعلن عن محتواه يوم أمس.
وبشأن الخلافات السياسية الحالية، قال المولدي الرياحي عضو المكتب السياسي لحزب التكتل وعضو لجنة التنظيم المؤقت للسلطات العمومية، إن ائتلاف الأحزاب الثلاثة لتشكيل الحكومة القادمة لا يعني تحولها إلى رؤية سياسية واحدة بل إن كل حزب سياسي يحتفظ بهوامش كثيرة للتحرك السياسي ضد كل ما لا يتماشى مع توجهاته السياسية وبرامجه التي وعد بها الناخبين. وقال إن التكتل يعمل عل تقديم تصور جديد لصلاحيات رئيس الجمهورية بإمكانها أن تتجاوز الخلاف الموجود حاليا، وأضاف أن الحزب يعمل خلال هذه المرحلة على التصويت على مجمل القوانين المعروضة عليه من خلال ثلثي الأصوات إذا لم يتمكن من التوافق عليها مع شركائه السياسيين. وتوقع الرياحي من ناحية أخرى أن تتواصل أعمال اللجنة المكلفة بمشروع قانون تنظيم السلطات العمومية لمدة يوم أو يومين آخرين قبل رفع المشروع إلى رئاسة المجلس التأسيسي لتحديد موعد عرضه على الجلسة العامة للمصادقة.
وقالت سعاد عبد الرحيم عضو المجلس التأسيسي عن حركة النهضة إن ما لاح من خلافات بين الأطراف السياسية الثلاثة لا يمكن اعتباره خلافا جوهريا بين الائتلاف الحكومي بقدر ما هو اختلاف عادي يمكن تجاوزه بالحوار والتفاهم. واعتبرت في تصريحها لـ«الشرق الأوسط» أن المسائل التي يتم تناولها بالنقاش داخل تلك اللجان هامة وأساسية وهي التي ستحدد العلاقة بين السلطات العمومية (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وهي سلطات في علاقة تنافسية فيما بينها ولا بد من الحد من سلطات كل طرف بحثا عن التوازن الضروري فيما بينها. واعتبرت عبد الرحيم أن التوافق بين الائتلاف الحكومي الثلاثي يمكن أن يحصل في ظرف وجيز وهذا ممكن إذا ما تزحزح كل طرف ولو قليلا عن موقفه وراعى المصلحة العليا للبلاد على حد قولها.
------------------------
الشرق الأوسط